قال الكتاب عن المسيح «انسكبت النعمة على شفتيك» (مز45: 2). وعندما نطق بأولى كلماته المدوَّنة بإنجيل النعمة «روح الرب عليَّ لأنه مسحني لأبشِّر المساكين، أرسلني لأشفي المنكسري القلوب، لأنادي للمأسورين بالإطلاق وللعمي بالبصر، وأرسل المنسحقين في الحرية، وأكرز بسنة الرب المقبولة» كان الحاضرون يتعجبون من كلمات النعمة الخارجة من فمه (لو4: 17-23). لقد لمس الجميع هذه النعمة من أول كلمات نطق بها، بل نقول لقد رأوا النعمة متجسدة أمامهم.
ينطبق عليه القول «كلمات فم الحكيم نعمة» (جا10: 12). والآن لنقف أمام كلمة واحدة من كلماته الأخيرة، والتي قيلت في أقسى مشاهد حياته له المجد: مشهد آلام الصليب. لقد سمّر الأثمة يديه اللتين أظهرتا أعمال نعمته، وسمّروا رجليه اللتين حملتاه لتوصيل رسالة النعمة؛ فماذا قال العظيم؟ لم يفرط بشقتيه، ولا سبّ يومه، ولم يطلب من الله أن يأخذ نفسه، ولم يطلب الانتقام من أعدائه؛ لكنه – له المجد – أعلن أسمى وأحلى وأعظم إعلانات النعمة، عندما طلب المغفرة لصالبيه وقاتليه.