رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
“فَإِنِّي أَحْسِبُ أَنَّ آلاَمَ الزَّمَانِ الْحَاضِرِ لاَ تُقَاسُ بِالْمَجْدِ الْعَتِيدِ أَنْ يُسْتَعْلَنَ فِينَا.“(رو8: 18) +++ تفسير القديس يوحنا ذهبي الفم ” فإنى أحسب أن آلام الزمان الحاضر لا تقاس بالمجد العتيد أن يستعلن فينا” (رو18:8). لأنه إن كان في الكلام السابق، يطلب من الإنسان الروحي أن يصحح السلوك، من خلال الكلام الذي قاله: إنه من الواجب على الإنسان الروحي أن لا يعيش حسب شهوات الجسد، لكي ينتصر على الشهوة، وعلى الغضب، وعلى محبة المال، وعلى الغرور، وعلى الحسد، فقد ذكره هنا بالعطية الكاملة، سواء التي أعطيت أو التي سوف تعطي، وبعدما أنهضه ورفعه عاليا بالرجاء، وضعه بالقرب من المسيح، وبرهن له على أنه وريث مع الابن الوحيد الجنس، وبجرأة فائقة يقوده إلى المعارك والانتصار على الشهوات التي هي في داخلنا. وهذه تختلف عن المعاناة التي نجوزها بسبب التجارب مثل: الجوع، والسلب، والسجن، والقيود، والنهب. فهذه الأمور تحتاج إلى نفس قوية وشجاعة. لاحظ كيف أنه في نفس الوقت يضبط ويسمو بفكر أولئك الذين يجاهدون، لأنه عندما يظهر عظمة المكافآت، مقارنة بالمتاعب، حينئذ يحث بالأكثر، ولا يترك مجالاً للتباهي. فالمكافآت العظيمة تجعلهم ينتصرون. وي موضع آخر يقول: “لأن خفة ضيقتنا الوقتية تنشئ لنا أكثر فأكثر ثقل مجد أبديا. ويصف هنا الضيقة أنها خفيفة، لأن كلمته كانت موجهة بالأكثر إلى مصارعين حُكماء، وهكذا يجعل الضيقة خفيفة بالمكافآت التي ستُعطى في الدهر الآتي، قائلاً: “فإنى أحسب أن آلام الزمان الحاضر ” ولم يقل، بالمقارنة براحة الدهر الآتي، ولكن قال ما هو أكبر بكثير ” لا تقاس بالمجد العتيد أن يستعلن فينا “. لأنه حيث توجد راحة، لا يوجد على كل حال مجد، لكن حيث يوجد مجد، يوجد في كل الأحوال راحة. ثم بعد ذلك لأنه تحدث عن المجد العتيد، يبرهن كيف أن هذا المجد، يوجد من الآن. لأنه لم يقل، مقارنة بما سوف يتحقق، ولكن “لا تقاس بالمجد العتيد أن يستعلن”، فهو موجود الآن، لكنه مستتر، الأمر الذي قاله في موضع آخر بأكثر وضوح أن: ” .. حياتكم مستترة مع المسيح في الله “٢٩٥. إذا ليكن لك ثقة من جهة هذا المجد العتيد، لأنه منذ الآن هذا المجد ينتظرك كمكافأة لأتعابك، لكن لو أن هذا المجد الذي سوف تناله في الدهر الآتي يسبقه ضيق في الحاضر، فليتك تفرح لأجل هذا الأمر، من حيث إن ذلك يعتبر مجداً عظيما ولا يوصف، ويفوق الحالة الحاضرة، وهو محفوظ لنا في السموات. ومن المؤكد أنه لم يشر إلى عبارة ” آلام الزمان الحاضر” مصادفة، بل لكي يظهر كيف أن المجد العتيد هو أسمى من المجد الحاضر، لا من حيث النوعية فقط، ولكن من حيث المقدار أيضا. لأن هذه الآلام أيا كانت ترتبط بالحياة الحاضرة، بينما خيرات الدهر الآتي تمتد إلى الدهور الأبدية. هذه الخيرات، لم يستطع أن يتحدث عنها بشكل منفصل، ولا أن يعرض لها بالكلام، بل وصفها بتلك العبارة التي من الواضح أنها محببة لنا بشكل خاص، فقد دعاها بالمجد، لأن المجد يعد قمة وقاعدة هذه الخيرات. لكنه قد ارتفع بالمستمع بشكل مختلف وتحدث عن الخليقة بشكل عظيم، بهدف أن يوضح، أمرين: من خلال الأمور التي سيطرحها، وهي إحتقار الأمور الحاضرة، واشتهاء أمور الدهر الآتي. وهناك أمر ثالث، أو من الأفضل أن نعتبره الأول، إنه يظهر كيف أن الجنس البشري محبوب جدا لدى الله، ويظهر أيضا مقدار الكرامة التي يقود الطبيعة الإنسانية إليها. لكن بالإضافة إلى كل هذا، فكل تعاليم الفلاسفة التي صاغوها عن هذا العالم، قد أسقطها مثل العنكبوت وألعاب الأطفال الهشة، بواسطة هذا التعليم المحدد. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|