البابا شنودة الثالث
الأفكار ليست عواقر إنما تلد أفكارا أخرى
وقد يتعمق الفكر في عقلنا الباطن، ويلد أحلاما وظنونا.
وقد نقف ونصلي، فتطيش عقولنا في أفكار كثيرة، ذلك لأننا أعطينا تلك الأفكار عمقا فينا، فأخذت سلطانا علينا.. فاحذر، لا تُعطِ أمور العالم عمقا في فكرك ومشاعرك ووقتك. وإن سرقك الاعتياد القديم، استيقظ بسرعة، وقل للرب مع المرتل: "أردد عينيّ لئلا تُعاينا الأباطيل" (مز 118 ه).
يقظة العقل والجهاد مع الأفكار، يسبقان نقاوة العقل والقلب.
القديس الأنبا أور كان يقول لتلميذه: "أنظر يا ابني، لا تُدخِل هذه القلاية كلمة غريبة" يقصد أية كلمة غريبة عن الله وملكوته. والقديس الأنبا يوحنا القصير كان ينفض أذنيه قبل الدخول إلى قلايته، حتى لا تدخلها مناقشات سمعها من آخرين..
هذا جهاد سلبي.. أما من الناحية الإيجابية فإنه: تعوزنا الغربة عن العالم، مع هذيذ الفكر بالإلهيات.
شعور الإنسان بغربته عن العالم، يجعله لا يُقحِم ذاته في أمور العالم وحوادثه وأخباره وأحاديثه وارتباكاته. وإن وصل إليه شيء منها، لا يتفاعل معه ولا يتجاوب، قائلا لنفسه: "غريب أنا. ما شأني بهذا الأمر".
كذلك انشغال الفكر بالإلهيات، يجعله غير مُتفرغ لأمور العالم بل نافرا منها، لأنها تُعطله عن هذيذه الإلهي الذي يقول فيه: "محبوب هو اسمك يا رب، فهو طول النهار تلاوتي" (مز 118 م).
متى يصل القلب والفكر إذن إلى النقاوة؟
عندما يتخلص الإنسان من الخطية، وعندما يتنقى من الأحلام والأفكار والظنون، وعندما يتنقى من الأباطيل..