يرى القديس إغريغوريوس أسقف نيصص
أن بلعام كان ساحرًا يحمل قوة شيطانيّة، وقد دعاه الملك ليلعن الشعب، فأراد الله أن يوضح عجز الشيطان عن إصابة أولاد الله بضرر، فإنه حتى إن أراد أن يلعن يلتزم أن يبارك، وإن أراد أن يسب فلا يجد فيهم مجالًا لسبهم. كما التزمت الشياطين أن تشهد للسيد المسيح أنه قدوس الله وكانت تنطق بالحق مع أن طبيعتها مملوءة كذبًا، ولم يرد الرب شهادتها له، لكنه سمح بذلك لإعلان غلبة الحياة المقدسة حتى على افتراءات الشياطين.
يقول القدِّيس: [لقد دعي الساحر كرفيق له ضد من يهاجمهم. يقول التاريخ أن هذا الساحر كان عرافًا ومتكهنًا، يستمد قوته المؤذية بالحدس من أعمال الشياطين لمحاربة الأعداء، وقد طلب منه الحاكم أن يلعن الذين يعيشون مع الله، لكن ما حدث أن اللعنة تحولت إلى بركة. إننا ندرك خلال الأحداث الماضية التي تأملناها (سحرة مصر أثناء الضربات العشر) أنه ليس للسحر فاعليّة ضد الذين يعيشون في الفضيلة، بل بالعكس الذين يتحصنون بالعون الإلهي يغلبون كل هجوم...
في تاريخ الإنجيل كانت جماعة الشياطين "لجيئون" مستعدة لمقاومة سلطان الرب. لكنه إذ اقترب إليهم ذاك الذي له سلطان على كل شيء حيًا لجيئون سلطانه الفائق ولم يُخفِ الحقيقة أنه بلاهوته سيعاقب المخطئين في الوقت المناسب. خرجت أصوات الشياطين هكذا: "نحن نعرفك، من أنت، أنت قدوس الله". "أتيت قبل الوقت لتعذبنا". لقد حدث ذلك قبلًا عندما رافقت القوة الشيطانيّة بلعام العرَّاف وأعلمته أن شعب الله لا يُغلب...
حقًا إن الذي يرغب أن يلعن السالكين في الفضيلة لا ينطق ضدهم شيئًا ولا يلعن، بل تتحول اللعنة إلى بركة. ما نقصده أن الانتهار المملوء خزيًا لن يقترب من الذين يعيشون في الفضيلة. فإنه كيف يمكن أن يُسب بالطمع من كان لا يملك شيئًا؟ أو كيف يُتَّهم أحد بالإسراف وهو يعيش في حياة العزلة والبعد عن الآخرين؟ أو يُتَّهم بالترف من كان في عاداته معتدلًا؟ أو يُتَّهم بأمور أخرى ملومة متى كان الإنسان يمارس ما هو ضدها؟ فإن هؤلاء (السالكين في الفضيلة) يقدموا حياتهم بلا لوم حتى كما يقول الرسول: [يُخْزَى الْمُضَادُّ، إِذْ لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ رَدِيءٌ ضدهم] (تي 2: 8). عندئذٍ يقول من دُعي لكي يلعنه: كيف ألعن من لم يلعنه الله؟ بمعنى كيف أسب من لم يترك مجالًا قط لسبه؟ فإن حياته لا ينفذ إليها شر لأنه يتطلع نحو الله].