رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||
|
|||||||||
ولد الشهيد العظيم أبو فام الجندي في مدينة أوسيم ( تابعة لأيبارشية الجيزة ) من أبوين تقيين وأسم أبيه انسطاسيوس وأمه سوسنة .. وكان والده انسطاسيوس رجلاً تقياً محباً للفقراء والمساكين كما كانت أمه سوسنة امرأة متعبدة تسلك في وصايا الرب بلا لوم .. وكان ميلاد القديس أبو فام في أواخر النصف الثاني من القرن الثالث الميلادي ..وكان لميلاده فرحة عظيمة إذ صُنعت الولائم للفقراء والمساكين وشملت الفرحة كل من هم في حاجة . وكلمة أوسيم USEM تعني باليونانية ( صاحب الطلعة البهية ) ومنها جاءت كلمة سمة وبالتالي لو قلنا أبو فام الأوسيمي تعني ( أبو فام صاحب الطلعة البهية ، أبو فام صاحب البهاء الواضح) صبي عملاق في روحانيته تربى الشهيد أبو فام في مخافة الرب فكانت طفولته مقدسة في صلوات وأصوام مداوماً على الممارسات الروحية من التناول من الأسرار المقدسة.. وما أن اشتد عوده حتى أرسله والده الأرخن انسطاسيوس إلى كاهن قديس ليتتلمذ فام على يده وكان هذا الكاهن هو الأب ارسانيوس .. فلقنه الروحيات وعلمه ما يحويه الكتاب المقدس من جواهر سمائية.. فترعرع فام متوقد الذهن شديد الغيرة على كنيسته .. مداوماً على السهر الروحي في صلوات طويلة تتوجها دموع حارة.. إلا أن جهاده الروحي في المخدع كان عربوناً لجهاد روحي عظيم محفوف بالألم لأجل أكليل الشهادة. شهادة روحية من السماء في الوقت الذي كان فيه الصبي أبو فام عند الأب ارسانيوس يتلقى دروسه الروحية ظهر ملاك الرب للأب ارسانيوس معلناً له هذا الإعلان السمائي: ( السلام لك أيها الكاهن خادم ألله بالحقيقة هوذا الآن صلواتك وأتعابك وأصوامك صعدت أمام ألله لأجل القديس أبو فام الذي تحت سقف بيتك... وسوف يذكر أسمه كثيراً ويكون له آيات وعجائب لا تعد وينال أتعاباً كثيرة على اسم الرب يسوع المسيح وبعد ذلك ينال أكليل الشهادة. صبي مبارك لقد وهب ألله نعمة خاصة للقديس أبو فام في صنع الآيات والعجائب منذ طفولته.. فكانت الموهبة غزيرة .. والنعمة واضحة وفيرة.. ونأتي إليك .. ببعضها على سبيل المثال وليس على سبيل الحصر . أبو فام يشفي مريض الجزام أتى قوم إلى الصبي أبو فام الذي أشتهر بالمعجزات وهم يحملون إنسانا مريضا بالجزام.. وكان المريض يصرخ ويتوجع من شدة الألم.. فرفع أبو فام عينيه نحو السماء وصرخ متضرعاً .. " ترأف عليّ يا إلهي وأنظر إليّ أنا الضعيف وامنح عبدك نعمة الشفاء ..) وبكى القديس أبو فام طالباً مراحم الرب من أجل المريض .. ثم لمس الرجل المريض وفي الحال قام معافى بدون ألم أو وجع وكأنه لم يكن مصاباً بشيء.. ولما شاهد الناس هذه المعجزة قالوا إن هذا الفتى أبو فام إناء مختار لله وسوف يكون أسمه مشهوراً في كل مكان كما سيكون سبب بركة لكثيرين . الروح النجس يصرخ ويخرج كان القديس أبو فام وهو فتى يصلي ... وبينما هو قائم للصلاة أتوا إليه بصبي به روح نجس فعندما سمع اسم أبو فام صرخ قائلاً : الويل لي اليوم من الذي أتى بي إلى هنا لكي يخرجني من مسكني الذي أحببته وسكنت فيه لمدة تسع سنين... ولكن سوف أخرج منه لأن رئيس الملائكة ميخائيل المصاحب لك من قِبّل الله يأمرني بهذا.. ولما قال هذا الكلام أصبح الصبي معافاً سليماً ومجدوا الله لأجل هذا العمل المبارك . تقوى رغم الغنى وهكذا عاش القديس في صبوته عيشة القداسة رغم الغنى الذي كان يحيط به إذ كان أبوه غنياً جداً وكان يملك أراضي كثيرة وأموال وفيرة وكان يملك عددا كبيرا من العبيد بلغ خمسمائة عبدا مما جعل الناس يلقبونه " أبو خمسمائة " .. غير أن القديس أبو فام كانت عيشته نسكية.. زاهداً في متاع الدنيا ومباهجها وفوق كل هذا الزهد والتقشف في كل ما كان يحيط به إلا أن الرب أعطاه نعمة في أعين ناظريه حتى أن الملك اختاره لكي يكون أميرا لكن القديس أبو فام نظر إلى ملك أفضل.. وتطلع إلى مملكة لا تزول .. نظر إلى أورشليم السمائية وكيف يكون وارثاً وملكاً هناك مع الملك الحقيقي ربنا يسوع المسيح. بتولية أم زواج كان الأب ارسانيوس قد غرس في القديس أبو فام المفاهيم الحقيقية للأمور الروحية.. وعرفه أن الزواج مكرم عند كل أحد.. وإنه سر عظيم .. ولكن من تزوج يفعل حسن ومن لا يتزوج يفعل أحسن وأن غير المتزوج يهتم كيف يرضي الرب ومن هنا اشتاق فام أن يقدم نفسه عذراء عفيفة للمسيح وأن لا يختلط بالعالم ... وكان يعلم بالروح الجهاد الموضوع أمامه.. وأنه يجب عليه أن يسلك بالروح ولا يكمل شهوة الجسد .. فلما فاتحه والده في موضوع زواجه لم يعطي الأمر أي اهتمام.. وبمرور الوقت .. عرف والده أن ابنه القديس رغب حياة البتولية واختارها نصيباً .. وهكذا نجد أن القديس أبو فام وضع لنفسه خطا روحياً واضحاً تظهر فيه حياة البتولية والجهاد مع الصبر مع الكفاح حتى الدم من أجل شهادة الكلمة . الشيطان يحارب .. والقديس يجاهد أسد زائر هو الشيطان يلتمس من يبتلعه .. لما رأى تقوى القديس أبو فام أراد إبليس أن يهدم هذا الصرح العظيم والكيان النوراني والكوكب المضئ في سماء الأبرار الذي هو القديس أبو فام .. فحرك إبليس أتباعه .. فصدرت أوامر الشيطان في قلب مكسميانوس الملك الطاغية الجاحد إلى والي أنصنا ( اريانوس) قائلاً له: " اعلم أن الساعة التي تقف فيها على مكاتبتي أسرع عاجلاً وأذهب إلى مدينة أوسيم وأقبض على هذا الساحر المسيحي أبو فام ابن انسطاسيوس بن انطنيموس الأمير الذي بلغني سوء عشرته الرديئة أنه ساحر ماهر في صناعته . ولئيم في طباعه ويزدري بآلهتي ولم يوافق على عبادتي ولا يطيع أوامري . فأنت إن ظفرت به عذبه بكل أنواع العذاب لكي يقرب لآلهتي الصادقة ابلون وطرطاميس واذا سمع منك وقرب لآلهتي وسجد لمعبوداتي أعطه مواهب جزيلة كما يليق بشرف عائلته وبيته وإذا خالف وصاياك عذبه بأشد ألم العذاب .. وأخيراً ارسله إليّ لأفعل به حسب استحقاق جرمه كما أريد حتى يتحقق له ولكل واحد أنه ليس إله إلا ابولون وطرطاميس وبقية الآلهة . ولما وصلت هذه الرسالة الآثمة إلى اريانوس والي أنصنا فرح بها كمن وجد ضالته .. لأن اريانوس كان يتلذذ بعذاب المسيحيين وكأنه يقدم خدمة للإله ابولون وطرطاميس. وسرعان ما شد جواده وأخذ معه فرقة من الجنود واتجه إلى أوسيم.. المدينة العريقة التي تشرفت بنسب القديس أبو فام إليها فدعي ( أبو فام الأوسيمي) ، وكان اريانوس طوال الوقت تهفو نفسه إلى أن يفتك بأبو فام لكي يرضي بطش وغرور ووحشية مكسميانوس .. ولكن في الوقت الذي كان الجنود وقائدهم اريانوس يعدون أنفسهم لهدم القديس أبو فام الجندي كانت السماء تمنحه نعمة لتعده لمجد أسمى وأبقى. رئيس الجند ... وقائد الجند في الوقت الذي تحرك فيه اريانوس وجنوده من أنصنا من صعيد مصر ( قرية الشيخ عبادة مركز ملوي محافظة المنيا ) متجها إلى مدينة أوسيم .. وكأن اريانوس قائد جنود الإثم والمعصية يعاند نعمة السماء .. تحرك رئيس جند السماء .. إلى القديس أبو فام .. ليشدده ويعلن له مسرة الله من أجله وأنه سيكون مثل اللبان الذي يوضع على جمرة الحب الإلهي فتفوح منه رائحة ذكية لأجل بنيان الإيمان في قلوب الكثيرين وكان أبو فام قد سمع بقرب وصول اريانوس إلى أوسيم .. فدخل أبو فام مخدعه متهللاً متضرعاً مع مرنم اسرائيل الحلو قائلاً " في ضيقتي دعوت الرب " وأثناء الصلاة ظهر لأبو فام رئيس جند السماء ميخائيل قائلا: " السلام لأبو فام العبد المؤمن الصالح الرجل المحبوب . أنهض لاخاطبك يا حبيب سيدي يسوع المسيح . أنا مرسل لك من قدام كرسي الله العظيم لاعلمك ماذا يكون لك . لماذا أيها القديس أنت جالس والجهاد مبسوط أمامك ؟ هذا هو الزمان الذي تستشهد فيه على اسم السيد المسيح وتنال أكليل الحياة والآن اريانوس القائد واصل إلى هذه المدينة غدا واجناده وجمع كبيرا يطلبونك ، وأنت يا حبيب الله لا تخف ولا يضعف قلبك لأنه حاضر ليرجعك عن إيمانك الحي . هذا هو جهادك العظيم الموضوع لك وسيكون لك اسم شائع . وسوف تقبل عذابات والامات كثيرة على إسم السيد المسيح حتى تستشهد وتنال أكليل لا يفنى بنعمته في السموات وقد أعدت لك ثلاثة أكاليل الأول للشهادة والثاني أكليل البتولية والثالث أكليل الجهاد ، وسيدفن جسدك في أرض غريبة عن بلدك في إحدى قرى مدينة قاو وتدعى طما في الغرب ويحضر دمك إلى هذه المدينة ( ديوجانيس ) عبدك وتبنى لك بيعة عظيمة في مدينتك أوسيم وتظهر فيها عجائب وآيات عظيمة .. ثم أن البيعة التي تبنى في القرية التي تدعى طما يظهر فيها عجائب لا تحصى ولا تعد والشعوب التي تأتي إلى البيعة التي تبنى على إسمك لا يحصى لها عددا . ثم أن خادمك اديوجانيس يكون معك وأوصيته أن يلازمك ولا يفارقك في كل مكان يسوقونك إليه ليباشر ألآمك ليكتب شرح صبرك ثم يقبر جسدك الطاهر ويتناول دمك في منديل نقي ويحضره إلى مدينة أوسيم ليكون شفاء لجميع المرضى الذين عندهم إيمان ثابت إلى انقضاء الدهر . ثم أن امك العفيفة سوسنة ستأخذ أكليل الشهادة على اسم السيد المسيح وتنال أكليل الحياة في ملكوت السماوات عند سيدي يسوع المسيح وهذا يحدث عندما يمضوا بك إلى العذاب وتسمع امك وتذهب هي إلى القائد لتوبخه فيأمر بطرحها في النار ويتم شهادتها .. ثم أرسل لحبيبك تواضروس وعرفه بجميع ما في قلبك وأوصيه أن يبني لك بيعة عظيمة في هذه المدينة وبعد هذا كله يصير اسقفاً ويرعى قطيع المسيح .. والآن انهض بكل إهتمام وتشدد بسلاح الظفر فقد قرب منك طريق الجهاد .. ثق أنني سأصاحبك في جهادك حتى اقدمك للمسيح قربانا نقيا. السلام لك . أما القديس أبو فام لما سمع كلام رئيس الملائكة ميخائيل فرح قلبه وتهلل لسانه . وصلى شاكرا الرب على هذه الهبة الروحية في اختياره لطريق الآلام من أجل أسمه لأنه وهب له لا أن يؤمن فقط بل أن يتألم من أجل أسمه.. وأراد أن يشجع أمه ويعلن لها مساندة السماء للشهادة .. ليفرح قلبها بلقاء حمل الله .. العريس السماوي .. ويزف لها خبر استشهادها من أجل اسم الرب .. وعلى الفور ذهب القديس أبو فام إلى أمه البارة سوسنة وأخبرها بما قاله رئيس جند الرب فوجدها باشة متهللة تتقبل خبر استشهادها واستشهاد ابنها أبو فام بفرح قائلة: " صدقني يا إبني الحبيب إن الله كشف لي هذا السر في هذه الليلة فإني رأيت ملاكا من نور وقال لي لا تخافي يا من أحببت الله فإن ابنك سينال أكليل الشهادة ويرث ملكوت السماوات. واصغي الآن إلى كل ما يشير به إليك . وأنا يا إبني الحبيب لن افارقك في كل موضع انت تذهب إليه. وانصرف القديس أبو فام من أمامها إلى مخدعه وأخذ يصلي طوال الليل صلاة حارة مشاركاً معلمنا داود النبي في ابتهال المزمور الخامس والعشرين قائلا:" يا رب إليك رفعت نفسي.. يا إلهي عليك توكلت فلا تدعني اخزى لا تشمت بي أعدائي . سبلك علمني دربني في حقك وعلمني. " لقاء الأصدقاء كان للقديس أبو فام الجندي صديقا حبيبا وعزيزا روحياً أسمه تاوضروس وكانت حلاوة العشرة بينهما مبنية على أساس شركة الروح الوديع الهادي فكان هذا اللقاء الأخير بينهما لقاءا حارا إذ تكلم القديس أبو فام بما قاله له رئيس جند الرب فأجاب تاوضروس قائلا: " ألعل هذا الأمر محتوم من قبل الرب .. فلي شهوة مقدسة أن أموت معك " . أجاب القديس أبو فام قائلا لصديقه بأن رئيس الملائكة ميخائيل أخبرني بأنك ستصير أسقفا على هذه المدينة وستبني لي كنيسة فيها وإني أخبرك يا صديقي تاوضروس بما أخبرني به الرب .. وبكى القديس تاوضروس بكاءا حارا من أجل محبته الفائقة للقديس أبو فام وعند مطلع الفجر ودع صديقه ومضى .. ولكن على امل اللقاء في سماء المجد .. بعد كفاح وجهاد حتى الدم. اريانوس في أوسيم وصل اريانوس والي أنصنا المعروف ببطشه وجبروته وقسوة قلبه إلى مدينة أوسيم الهادئة ومعه جنوده العتاة يعلنون الفزع والرهبة والخوف في قلوب الناس فخاف اهل المدينة لأن اريانوس وجنوده لا يعرفون الرحمة .. لا يعرفون الله .. فخرجوا إليه قائلين: ماذا تريد من أهل المدينة ؟! . فقال لهم: أريد أن تحضروا لي العاصي أبو فام الساحر لأن أخباره وصلت إلى سيدي الامبراطور مكسميانوس. فلما سمع أهل المدينة هذه الأخبار ألم بهم حزن عظيم وأغتم أراخنة المدينة وعظمائها .. وفيما هم يفكرون ماذا يفعلون ويتشاورون في أمر أبو فام إذ بالطوباوي حبيب المسيح القديس أبو فام مقبل إليهم .. ويقف باسطا يديه رافعا عينيه نحو السماء مصليا قائلا: " يا ربي يسوع المسيح إبن الله الحي الأزلي الذي جاء إلى العالم وأتضع بإرادته لكي يخلصنا نحن البشر الخطاة ترأف وأنظر إلى عبدك الخاطئ وأرشدني في سبيل البر لأني رفضت كل شيء وسرت في طريقك بكل قلبي يا سيدي يسوع المسيح أرشدني إلى الطريق الصحيح وقويني حتى أعمل ما تريد.. وأفتح لي باب الملكوت واحسبني من جملة محبيك وقديسيك لك المجد مع أبيك الصالح والروح القدس إلى الأبد آمين .. ورشم ذاته بعلامة الصليب . ثم ودع بيته وغلمانه والخدم والأصدقاء.. ولبس حلة بهية وركب حصان أشقر وهو متهلل في سرور واضح وسلام ملحوظ وهو يردد عبارته التي أشتهر بها ( هذا يوم عرسي لأني سأرحل من رباطات هذا العالم ) . . وتعجب الناس وسادهم صمت رهيب من النعمة المتدفقة على قديسنا أبو فام .. ناظرين جلياً مقدار الفرح السمائي الذي ظهر عليه واضحاً ملموسا مدركين معنى قول السيد المسيح " افرحوا وتهللوا لأن أجركم عظيم في السموات " ( مت ٥ : ١١ ، ١٢ ) أمام اريانوس وبدأت مواجهة القديس أبو فام للوالي اريانوس عميل إبليس وحامل أوامر مكسميانوس الشرير . السلام لأبو فام .. كلمة بدأ بها اريانوس والي أنصنا حديثه مع القديس أبو فام .. عسى أن يجد ردوداً إيجابية ويستمع القديس أبو فام لاريانوس .. ولكن أجاب القديس أبو فام على اريانوس : أنت قلت لي السلام ! .. وانت أيها الشقي ليس لك فرح وسلام .. لأنه لا سلام قال إلهي للاشرار . فقال له اريانوس: كلمة واحدة خاطبتك بها تجاوبني بجواب شديد كهذا !؟ إنك لو علمت مقدار الهدايا العظيمة والعطايا الجزيلة التي أحملها لك من سيدي مكسميانوس لما جاوبتني بجفاء هكذا ، وما المقابل لا شئ سوى أن تقرب للآلهة وتبخر لابلون وطرطاميس آلهتنا ، أرأيت قلب عطوف مثل قلب سيدي الامبراطور مكسميانوس . أبو فام: لن أسجد لآلهتك لأنها صنعت بالأيادي. لن أترك إلهي رب السماء والأرض الذي أحبني يسوع المسيح الذي مات لأجلي وأقرب البخور لحجارة صماء.. وهداياك وعطاياك فلتذهب لغيري فأنا لا أريد شيء سوى أن أرضي ربي يسوع المسيح مخلصي . فلما سمع اريانوس هذا الكلام غضب جدا وحنق عليه وبدأ يمارس فنون القسوة التي أشتهر بها ويعذبه بأشد أنواع العذاب أرضاءاً لملكه وآلهته وإنتقاماً لها من تجديف أبو فام عليها . بداية العذابات أرسل اريانوس إلى الملك مكسميانوس رسالة يطمئنه فيها أنه تم القبض على أبو فام الذي لم يطع الأوامر بالخضوع والتبخير للآلهة . وأنه بدأ يعذبه ليكون عبرة لكل من يرفض التبخير . وأمر اريانوس جنوده بربط أبو فام بسلسلتين في مؤخرة حصان وأن يجروه ( يسحلوه) في شوارع مدينة أوسيم منادين أهل المدينة بأن هذا جزاء من لا يسجد للآلهة الملك مكسميانوس . ولما رأى بعض العبيد الذين كان يملكهم القديس أبو فام ما يحدث له من أوجاع ذهبوا وأخبروا أمه .. فلما سمعت تألمت ومزقت ثيابها ورفعت صوتها بالبكاء وخرجت ومعها العبيد الخمسمائة ..ولكن لما رآها ابنها القديس أبو فام طيب خاطرها بكلمات سلام ربنا يسوع المسيح وقال لها متأثراً :" لا تبكي عليّ يا أمي الحبيبة بل أبكي على الأسم الحلو اسم يسوع المسيح الذي يحاول الملوك الكفرة أن ينزعوه من على الأرض... هذه هي الساعة يا أمي التي فيها نعترف باسمه القدوس أمام أبيه الصالح وملائكته القديسين.. أنها الساعة التي فيها نضع يدنا على المحراث ولا نلتفت إلى خلف لكي تستقيم أرجلنا إلى داخل الملكوت " . فلما سمعت أمه هذه الكلمات امتلأت سلاماً بفعل الروح القدس ورفعت صوتها هي وعبيدها بفم واحد قائلين: " نحن مسيحيون وعبيد لربنا يسوع المسيح الإله الحقيقي ونريد أن نموت على اسم فادينا الحبيب " . وللوقت أمر اريانوس بحفر حفرة كبيرة ويوقدوا فيها نارا هائلة شديدة وقوية .. ففعلوا كما أمر حتى أن سعير النار كان عاليا جدا .. ثم أمر بأن يُقيد العبيد من أيديهم وارجلهم ويلقونهم في النار الواحد بعد الآخر.. فكان القديس أبو فام يشددهم ويثبتهم في الإيمان ويحثهم على نوال الأكاليل غير المضمحلة إلى أن استشهد كل العبيد عدا اديوجانيس .. وجاء دور أمه القديسة سوسنة التي التفتت إليه وقبلته بدموعها الحارة وطلبت إليه أن يصلي من أجلها لكي يعطيها الرب روح الشجاعة وعدم الخوف من سعير النار.. فصلى القديس أبو فام من أجلها وفي ختام صلاته وهو يرشم ذاته بعلامة الصليب إذ بأمه القديسة سوسنة قد تشجعت ولم تهاب لهيب النار وألقت بنفسها بحرية وإيمان زائدين فنالت أكليل الشهادة هي وعبيدها ال٤٩٩ وكان ذلك في اليوم الثامن والعشرين من شهر توت المبارك .. وكان اريانوس يتلذذ بهذه الرؤية طمعا في أن يثني القديس أبو فام عن عزمه ولما فشل أرسله إلى الملك مكسميانوس. في انطاكية بعد ما فعل اريانوس بالقديس أبو فام كل ما أراد ولم يستطع أن يثنيه عن إيمانه وبعدما رآى مقدار تمسكه بإيمانه ومدى تمسكه بحبه لفاديه .. وبعدما فشل أرسله مع الأمير والجنود إلى الملك مكسميانوس برسالة يقول فيها : إلى مولاي الملك مرسل لجلالتكم أبو فام النصراني الساحر مع الجنود . إنه لم يصغ لي ولا اطاع أمركم بالسجود للآلهة الكرام ابولون وطرطاميس ، بل أنه يسب من يسجد لهم .. فأخذ الجنود أبو فام إلى أنطاكية وهناك قدموه إلى مكسميانوس فلما رآه قال له : أنت أبو فام العاصي الساحر ؟ لماذا لم تخضع للملوك ولا تسجد للآلهة ؟ . أجاب القديس أبو فام في شجاعة قائلا : " ليس لي ملك في هذا العالم ولا إله في الأرض إلا سيدي يسوع المسيح له المجد هو الذي أعبده واسجد له فقط طوال حياتي وقد علمنا الكتاب المقدس أن أمثالك أعداء للمسيح بقوله أن أعدائي الذين لم يريدوا أن أملك عليهم قدموهم إليّ واذبحوهم قدامي ثم اربطوا أيديهم وارجلهم وأرموهم في الظلمة الخارجية هناك يكون البكاء وصرير الأسنان. إلى أين تهرب أيها الشقي المسكين عندما يقول لك الله ، اذهبوا عني يا ملاعين إلى النار الأبدية التي أعدت لإبليس وملائكته ، ابعدوا عني يا فاعلي الإثم لأني لا أعرفكم . ماذا يفيدك الشيطان الذي جعلته أب لك .. " فغضب الملك مكسميانوس غضباً شديداً وأمر جنوده أن يميتوه غرقاً .. وفي محفل مخيف يتقدمه مكسميانوس إلى البر .. أخذ الجند القديس أبو فام وربطوا في عنقه حجرا كبيراً وألقوه في البحر .. ومكسميانوس وحاشيته يشاهدون تنفيذ الحكم ليشبعوا ولعهم بالقضاء على أعداء آلهتهم الصماء البكماء.. ولما القي القديس أبو فام في البحر لم يجد أمامه إلا الإلتجاء للرب يسوع مثلما صرخ يونان في بطن الحوت ومثلما تضرع دانيال في جب الأسود.. وصلى القديس أبو فام إلى من تحبه نفسه الرب يسوع المسيح قائلا : " يا سيدي يسوع أنا رفضت ما طلبه الملك مني وحملت صليبي وتبعتك أسألك يا إلهي لا تتركني أموت غرقاً في مياه البحر لئلا يتجاسر هذا الكافر ويقول أين هو إلهه ؟! ألم يقدر إلهه أن يخلصه ؟! أسألك يا رب كما خلصت بطرس من وسط البحر ويونان من بطن الحوت اسمعني يا رب وخلصني وليتمجد إسمك.." فأستجاب الرب لصلاة القديس لأن الرب صادق وآمين في وعده وطلبة البار تقتدر كثيراً في فعلها ( يع ٥ : ١٦) فأنشق البحر أمام القديس أبو فام إلى نصفين وأرسل الرب درفيلا ( دولفين ) حمل القديس أبو فام إلى البر أمام حشد كبير.. وإذ بالناس بعدما نظروا عمل الله مع القديس أبو فام هتفوا بفرح شديد قائلين : ليس إله في السماء ولا على الأرض إلا الذي يعبده القديس أبو فام. حينما رأى مكسميانوس ثورة الجماهير بالاعتراف بإله القديس أبو فام خاف على أمن مملكته واستتباب حكمه خاصةٍ ان أنطاكية عاصمة امبراطوريته فقرر ان يتخلص من القديس أبو فام بإرساله إلى مدينة الاسكندرية .. وقسى قلبه وحاشيته ناسبين المعجزة لقوة السحر . في الاسكندرية أرسل الملك مكسميانوس رسالة إلى ارمانيوس والي الاسكندرية يأمره فيها بتعذيب القديس أبو فام بكل أنواع العذاب حتى يرجع ويبخر للأوثان وإذا رفض يرسله إلى اريانوس والي أنصنا في صعيد مصر وهناك يقتله اريانوس بضرب عنقه .. ولما وصلوا إلى الوالي ارمانيوس أخذ الوالي يلاطف القديس طمعاً في أن يبخر للأوثان ورأى أرمانيوس ابو فام ذو طلعة بهية عليه سمات الترف والتنعم كما يليق بسليل الملوك والأمراء وقد اضفت عليه النعمة هدوء وسلام يحبب فيه كل من يراه .. فحاول باللين أن يجتذبه لعبادة الأوثان.. ولما لم يوافقه على التبخير للأوثان غضب ارمانيوس ورفع يده اليمنى ولطم القديس على وجهه ، وللوقت توقف ساعده الأيمن وظل يصرخ متألما وهو يبكي بدموع قائلا :" أسألك يا سيدي أبو فام أعني في هذه الشدة العظيمة التي نالتني " ، وحينئذ ترأف القديس ابن يسوع المسيح الذي قال : " وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لاَ تُقَاوِمُوا الشَّرَّ، بَلْ مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا. أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ " ( مت ٥ : ٣٩ ، ٤٤ ) ورفع عينيه للسماء وطلب من الله قائلا : " يا سيدي يسوع المسيح ليتمجد إسمك القدوس أمام هذا الجمع كله من قِبّل عبدك وليعلم كل أحد أنه ليس إله في السماء ولا على الأرض سواك إلى الأبد آمين " .. ولما ختم هذه الصلاة أمسك ساعد أرمانيوس وحركه ولوقته عاد كما كان وكأنه لم يحدث شيء . ولكن الله كان يكتب قصة إيمان جديدة في قلب أحدهم.. فبجوار القديس أبو فام .. كان هناك رجل يدعى ديوناسيوس رأى تلك الأعجوبة فاعترف أمام الوالي بأنه وجنوده وأولاده يؤمنون بالسيد المسيح وكان عددهم مائة وتسعة ( ١٠٩) فأمر ارمانيوس بقطع رؤوسهم جميعا فنالوا أكاليل الشهادة.. أما أبو فام فأذاقه ارمانيوس الوان شتى من العذاب وكأنه أداة يحركها إبليس كيفما يشاء . من أجلك نمات كل النهار لما فشل ارمانيوس في اخضاع القديس أبو فام لإرادته الشريرة أمر بتعذيبه .. فأمر أن يوضع في الهمبازين .. وهو دولاب من الحديد به أسنان كالسيوف مثبتة على عكس عجلة الهمبازين فكلما دارت العجلة وموثق بها المعذب مزقت جسده أشلاء .. وكان قديسنا صابر شاكر الرب على كونه أستحق أن ينال العذاب على أسمه القدوس . كما أمر أن يُصب في فمه وحنجرته جيراً .. فتألم القديس أبو فام جداً.. وسال منه الدم على الأرض.. ولكن الله الذي يتضايق لضيقة محبيه أرسل رئيس الملائكة ميخائيل شفاه وعزاه بكلمات طيبة مملوءة من النعمة.. فلما رأى ارمانيوس عجزه أمام أبو فام أرسله مع بعض الجنود إلى اريانوس والي أنصنا القاسي ليميته وينتهي هذا الكابوس المسمى أبو فام. ما لا يطيقه بشر وصل القديس أبو فام إلى أنصنا مقيدا بسلاسل في يديه ورجليه .. وكان له اثنين وعشرين يوما لم يذق فيها شيئا من الطعام .. وحين قدموه ثانية إلى اريانوس حاول اريانوس ان يلاطفه لعله يدركه في جوعه وعطشه .. ويستغل ضعفه وحاجته للأكل مثل باقي البشر .. ولكنه وجد أمامه إنسان من نوع آخر .. فكره وقلبه وشهوته وروحه في الملكوت السماوي .. وفشلت كل محاولات اريانوس الوالي. فأمر أن يُصنع له حذاء من حديد ويلبسوه للقديس .. وأن يعلقوه على خشبة على مثال الصليب .. ورُفع القديس على الخشبة .. وأخذ اريانوس يعنفه ويلومه على عدم طاعته لأوامر الامبراطور مكسميانوس وعدم تقريبه الضحايا والبخور للآلهة.. وأن عنده هو الذي أدى به إلى سوء العاقبة هذا.. ولكن القديس أبو فام أجاب قائلا : " لا تظن أن إلهي يشبه أوثانك ابولون الحجر الجلمود.. إنني لو سألت إلهي وربي يسوع المسيح في انحلال الحديد والخشب فإنه يجيب تضرعاتي " وتضرع القديس أبو فام طالباً من الله أن يعينه على هذه الضيقة. الرب يسوع المسيح يظهر للقديس وفيما هو يتضرع رأى الرب يسوع المسيح على سحب الشاروبيم والساروفيم وجنود من الملائكة وصار فوق القديس وناداه: " يا أبو فام ، يا أبو فام أرفع نظرك يا حبيب ، فللوقت ينحل الحديد والخشب مثلما يذوب الشمع أمام النيران المتوهجة " . وتطلع القديس فرأى رب المجد يسوع المسيح يظهر له .. وللوقت انحل الحديد والخشب وسقط القديس على الأرض في خوف ورهبة.. من محضر رب المجد .. وسجد للأرض في رعدة وخشوع ورهبة.. فقال له الرب يسوع " لا تخف يا حبيبي فام " وأمر الملاك ميخائيل أن ينهضه وينزع منه الخوف والرعدة.. فقال له الرب ثانية " تقوى يا حبيبي فام وليتشدد قلبك فإني معك وستقبل اليسير من الألم في هذه المدينة ويريد القائد أن يخفي جسدك ولكن أنا معك وأقويك فلا تخشى شيئا.. كرسيك في السماء.. وسيشع ذكرك في الأرض ويزور كنيستك شعوبا كثيرة لا يحصى عددها .. والموضع الذي يوضع فيه جسدك تكون قوتي فيه فتقوى الآن حتى تفضح شر الملوك لأني معك.. " ونهض أبو فام قويا معافى كأنه لم يصب بأذى.. فثار اريانوس على ما رآه وغضب.. وكان لا يزال ينسب ما يحدث للسحر .. وقال للقديس أبو فام : اختر واحدة من إثنين إما أن تقرب للآلهة وتبخر لابلون في أخميم وإما الموت . فأجاب أبو فام وقال : حي هو سيدي وربي وإلهي يسوع المسيح إني لن أذهب معك إلى أخميم ( مركز في محافظة سوهاج) لأبخر للأوثان ولا تقول أني خائف منك ومن عذابك . فلما سمع اريانوس هذا الكلام جن جنونه.. وأمر الجنود أن يلقنوه درسا في العذاب .. وأمر جنوده أن يخزقوا عقبي القديس أبو فام ويجعلوا فيها عروتين ويربطوهما بسلسلتين من الحديد ويجروه على الأرض بهما حتى يصلوا إلى شاطئ النهر .. وأمر المنادي أن ينادي أمامه قائلا " هذا جزاء من لا يعبد آلهة الملك ولا يقرب البخور للأوثان " . وكان دم القديس يسيل على الأرض طوال الطريق .. ولكن نعمة الله كانت تعزيه بفيض من الحب الإلهي.. إذ جاء رجل كفيف البصر وأخذ من دم القديس ابو فام وقال : بسم إله أبو فام الذي له هذا الدم تنفتح عيناي . وإذ كان له إيمان بمجرد ما وضع الدم على عينيه أبصر في الحال .. وصار الرجل يصيح ويهتف . . ليس إله إلا يسوع المسيح إله أبو فام الأوسيمي.. وصار ضجيج بسبب هذه المعجزة العجيبة وصار حديث أهل المدينة عما يجري من بركات ومعجزات بشفاعة القديس أبو فام. استشهاد امرأة اسمها هلفيانة كانت هناك امرأة في المدينة لا تخرج من بيتها اسمها هلفيانة زوجة لرجل جندي أسمه اوسانيوس وكانت امرأة محتشمة وكان قد مضى على زواجها ثلاث شهور فقط .. فلما تطلعت من طاقة بيتها ورأت القديس أبو فام صاحت بصوت عالي :" مبارك أنت من الله أيها القوي الشجاع أبو فام . الرب قد اشتم طيب عرقك وعطر قربانك ، اصبر قليلا يا سيدي مار فام لتنال الأكليل غير الفاسد في ملكوت السماوات ، وكل هذه الالآمات التي قبلتها في العالم فهي لا شيء لأجل الخيرات الموضوعة في السموات . مبارك أنت من قِبّل الآب والابن والروح القدس اطلب من الرب لكي يحسبني من جملة المختارين " . فلما سمع القائد هذا الصياح أمر بإحضارها .. وسألها عن اسمها وسنها ؟ .. فأجابت :" اسمي بالجسد هلفيانة وإن لي في هذا العالم الشرير حتى الآن ثمانية عشرة سنة إلا شهر واحد ." فقال لها القائد أمضي بسلام .. أجابت :" ما معنى قولك امضي بسلام ؟ .. إنني لست أقرب لأوثانك النجسة منذ هذه اللحظة . بل إنني اتمنى من كل قلبي أن اذوق ولو قليل من العذابات على اسم السيد المسيح لكي يكون لي الشرف الجزيل في أن أموت على هذا الاسم الطاهر العظيم كما سيحدث لأبو فام " . فاغتاظ القائد من كلام هلفيانة وكان راكباً على جواده .. وأمر أن تربط هلفيانة من رجلها في العجلة الأولى ورجلها الثانية تربط في حصان .. ففعلوا هكذا وساقوها فانفصلت من وسطها إلى شطرين واسلمت الروح ونالت أكليل الشهادة.. محبة في الملك المسيح .. وكانوا قد وصلوا إلى النهر .. ونزل القائد وجنوده وخلفهم القديس أبو فام إلى السفينة التي ستقلهم إلى اخميم.. وسارت السفينة إلى مدينة قاو قبالة قرية تدعى طما ( الآن مركز طما محافظة سوهاج ) . في طما وهناك قبالة مدينة طما توقف سير السفينة.. وكأن القديس أبو فام يريد أن يقول لهم هنا سأكون وأموت وأدفن .. سعيدة هي ومحظوظة مدينة طما بهذا الشرف الجزيل أن يكون فيها الاسفهسلار .. الأمير .. العظيم أبو فام الجندي الأوسيمي .. وحين توقف سير السفينة ثار القائد ثورة عارمة وأقسم بحياة أوثانه ابولون وطرطاميس أن يحضر ساحرا ماهرا ليطلق السفينة .. وأمر باحضار أمهر السحرة في تلك الضاحية فأحضروا له رجلاً ساحراً اسمه الكسندروس .. ولما حضر الكسندروس الساحر وعرف بالأمر طمأن القائد بأن اطلاق السفينة أمر ميسور جدا .. ثم قام الكسندروس الساحر وطاف هنا وهناك وهو يردد تعاويذه الشيطانية ثم أمر الملاحون أن يطوفوا حول السفينة في البحر .. فطافوا فوجدوها أنها قد صارت مثل الحجر الصم .. الجلمود .. الثابت الذي لا يتحرك .. فثار القائد وقال له : إنني متعجب منك ، قبل حضورك كانت السفينة تتحرك من مقدمها إلى مؤخرها ولكن لما حضرت أنت ورددت سحرك وقفت السفينة عن الحركة نهائيا .. هل أنهزمت امام أبو فام النصراني .. هل الذي معه أقوى من الذي معك ؟! . كانت كلماته هذه كأنها لطمة قوية أخرجت الساحر الكسندروس من غفلة إتباع الشيطان إلى رؤية مدى قوة يد الرب يسوع المسيح .. وفي الحال صرخ الساحر الكسندروس بأعلى صوته قائلا : " أنا أؤمن بدين أبو فام .. فهو أقوى الآلهة .. أموت على اسم يسوع المسيح إله أبو فام " .. ثم أحضر كتب السحر واحرقها أمام القائد وجنوده فأمر القائد بقطع رأس الكسندروس أمام الجميع.. فقطعت رأسه ونال أكليل الشهادة على اسم السيد المسيح إلهنا وسط هتاف الملائكة . وأمر القائد بإخراج أبو فام من السفينة وإعداد تنور ( إناء نحاس كبير ) وأن يوقد تحته ناراً شديدة ويضعوا فيه القديس .. فوضعوا القديس أبو فام .. فصرخ القديس أبو فام وهو في التنور وقال : " يا سيدي يسوع المسيح قد انشق البحر بأمرك وقد اخمدت قوة النار عندما القوا الثلاث فتية في أتون النار كأمر نبوخذ نصر الملك وأرسلت ملاكك وخلصتهم وأعلنت اسمك لأصفيائك.. والآن يا ربي يسوع المسيح قويني وارسل رئيس جند السماء ميخائيل لينقذني من هذه النار المتقدة.. " ولما أتم القديس صلاته نزل رئيس الملائكة ميخائيل إلى التنور واصعد القديس أبو فام ولم تمسه رائحة النار ولم يصبه أذى.. ولما رأى اريانوس القائد والوالي أن النار لم تؤثر فيه بشيء اعترف بخزيه وعجزه أمام القديس أبو فام فقال للقديس : أطلق سفينتي لامضي إلى ما أشاء .. مريدا الهرب من مواجهة القديس بالعذاب واعترافا منه بأن العذاب وقف عاجزا أمام محبة القديس للرب يسوع المسيح.. المحبة التي كالصخرة الصلبة التي تكسرت عليها كل محاولات اريانوس .. الصخرة التي قال عنها الرب على هذه الصخرة ابني بيعتي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها .. فقال له القديس أبو فام : " لا يمكن هذا بل اطلقني لأمضي لسيدي يسوع المسيح لأنه لي اشتهاء أن انطلق واكون مع المسيح ذاك أفضل جداً " . استشهاده ثم أمر القائد أن يأخذوا أبو فام إلى فوق الجزيرة وكتب قرار قضيته هكذا :" أنا اريانوس القائد قد أمرت أن تقطع رأس أبو فام الذي من أهل أوسيم بالسيف . " لكن القديس أبو فام استمهل السيافين لكي يصلي ورفع صوته إلى من أحبه ومات من أجله .. أما الجنود فخلعوا عنه القيود التي كانوا يكبلونه بها .. ولما أكمل القديس صلاته ختمها بالصلاة الربانية ( أبانا الذي في السموات .. ) ونظر وإذ برئيس الملائكة ميخائيل قد حضر إليه وقال له : " السلام لك يا أبو فام تقوى وتشدد وأنا أحفظ جسدك إلى اليوم الذي يعلنه الرب ، وكل الالآم التي قبلتها تكون لك للمجد ، والبيعة التي ستبنى على اسمك ويدفن فيها جسدك يظهر فيها عجائب وآيات وتأتي إليها جموع كثيرة لأنك احتملت كثيراً من أجل اسم يسوع المسيح إلهنا " . فقال القديس أبو فام للملاك ميخائيل : " أسألك الشفاعة في كل من يأتون إلى بيعتي ويبتهلون في طلب أي شيء من أمورهم أن تسمع لهم . المرضى أشفيهم والمسافرين ردهم سالمين ، وإن تعسرت امرأة عند ولادتها افرج عنها لتلد بسهولة .. وكل من يسألونك نسلاً أو أي شيء يرضي إلهي اعطهم الصغير والكبير واصنع لهم بتمهل وطول أناة لأجل اسم الله القدوس .. " ظهور الرب يسوع المسيح للقديس أبو فام " للمرة الثانية " وبينما كان القديس أبو فام فرح متهلل مقبل على أكليل الشهادة وقد أتت الساعة التي تنطلق فيها روحه الطاهرة إلى أفراح الفردوس وتتطلع إلى الملكوت الذي لا يزول إذ بالسيد المسيح يظهر له متجلياً على مركبة من الشاروبيم ويقول له : " تقوى يا حبيبي فام . أيها الشجاع .. سلامي معك وقد صارت لك أمامي دالة . وإن كل من يزور كنيستك أباركه وكل من يدعوني باسمك أنجيه من كل شدة وإذا كانوا مسافرين في البحار أو الأنهار اردهم سالمين والمرضى والسقماء اشفيهم والمسجونين والمكروبين أفرج عنهم والذين ينذرون نذوراً لبيعتك المقدسة والذين يتصدقون صدقة يوم تذكارك المقدس أباركهم ، وميخائيل رئيس الملائكة رسمته لخدمتك وخدمة بيعتك التي تدفن فيها ويكون فيها جسدك الطاهر . سلامي يكون معك .. " تعزى القديس أبو فام من كلمات الرب له .. امتلئ بالسلام والفرح الذي لا ينطق به ومجيد .. وقال للسيافين تعالوا الآن اكملوا ما امركم به القائد اريانوس. اديوجانيس الأمين والمؤرخ ويقول اديوجانيس الذي رافق القديس أبو فام حتى النهاية والذي أخبرنا وكتب لنا كل ما حدث كشاهد عيان وشهادته حق منذ بداية الطريق حتى لحظة الشهادة.. " أما أنا اديوجانيس غلام سيدي ومولاي القديس أبو فام .. جلست أبكي عليه بحسرة ومرارة وكآبة فالتفت إليّ ورآني أبكي فقال لي لا تبكي يا اديوجانيس اقترب إليّ لأقبلك فدنوت منه وأمسك بيدي وأخذني بعيدا عن الجنود وقال لي : " أيها الاخ الحبيب استودعك الله فلست أعود أنظرك مرة أخرى بالجسد وهذا هو الوقت الذي فيه أعلن طاعة العبودية المحمود عاقبتها. يا أخي اديوجانيس في هذه الساعة يقطعون رأسي فلا تخف ولا تخشى أنت من شيء والآن شدد قلبك وقف معي وأبسط المنديل عند قطع رأسي وتناول فيه دمي الذي سيهرق مني واحتفظ به جيدا ويكون في صحبتك عند ذهابك إلى مدينة أوسيم وتسلمه لاصحابي ليحتفظوا به إلى اليوم الذي يريده الرب وتبنى لي بيعة في أوسيم ويوضع فيها دمي . وبعد قطع رأسي الله يقضي ويرحل القائد إلى اخميم.. وإذا حملت جسدي فأقبره حيث يقضي الله لك ، وترجع إلى مدينتك ووطنك أوسيم جازاك الله بكل خير أيها الحبيب الكريم لأنك لم توجع قلبي من صغر سني إلى هذه الساعة بل أكملت خدمتك بالطهارة والأمانة.." هذا ما قاله لي سيدي أبو فام وقبلني وقال لي استودعك الله ثم ختم جبينه وسائر جسده بعلامة الصليب قائلا باسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد له المجد دائما وإلى الأبد آمين.. وبعد ذلك أتى جنود اريانوس بسيوفهم وألجموا القديس أبو فام بلجام من حديد وجذبوه إلى الأرض بغير رحمة.. وأخذ اديوجانيس المنديل الأبيض النقي الذي أعطاه له القديس أبو فام وبسطه على الأرض أسفل رأس القديس وللوقت ضربه أحد السيافين ضربة غادرة فصلت رأس القديس الطاهرة عن جسده . اكسيوس اكسيوس اكسيوس أبو فام الشهيد البطل دفن جسد القديس يقول اديوجانيس.. وقد كان الشهيد أبو فام مشدود الوجه بعصابة ونزل منه دم غزير عندما قطعت رأسه.. أما أنا اديوجانيس فقد بكيت عليه بمرارة ووجع قلب لأجل سيدي ومولاي القديس أبو فام الذي قطعت رأسه في أرض غريبة.. وفاح من جسده عطرا ملأ أرجاء المكان حتى أن القائد تعجب من الرائحة العظيمة.. وانصرف القائد ومعه جنوده.. أما أنا فصرت في حيرة قائلا من الذي يساعدني حتى استر جسد سيدي أبو فام .. ولما انصرف الجنود اجتمع إليّ جمع كبير وقالوا لي لا تخف فإن الرب يهتم بك .. انتظر حتى ينصرف القائد وجنوده من هنا ونحن نقف معك ونساعدك في دفن جسد سيدك بكرامة تليق به .. فشكرتهم على محبتهم ورافقوني بعد أن هبت ريح عظيمة ( ريح الشمال ) وأمر القائد اريانوس بإقلاع السفينة إلى اخميم فرحل هو وجنوده.. وحضر إليّ جمع من الشرفاء والعظماء عند عبر البحر وكنت أبكي واحرس جسد سيدي أبو فام لئلا يحمله أناس غرباء ، واحضروا معهم ثيابا حسنة وعطرا ثمينا زكيا واجتمع المؤمنون وكفنوا جسد سيدي وحبيبي أبو فام الأوسيمي بكرامة بالغة وهم يرددون الألحان ثم حملوه على أعناقهم وأنا اديوجانيس اتابعهم ببكاء شديد وبحرارة بالغة حتى بلغوا إلى تل من رمل عال . غربي القرية التي تدعى طما بقليل وحفروا ثلاثة اذرع ونصف واحضروا صندوقا من الأبانوس ووضعوا فيه جسد سيدي أبو فام ثم قبروه وبنوا عليه ناووس حسن مقدار أربعة اذرع . وأنا احضرت بلاطة من الحجر ونقشت عليها هكذا " هذا ناووس الشهيد العظيم القديس المغبوط أبو فام الذي من أهل مدينة أوسيم . وأكمل جهاده الحسن في اليوم السابع والعشرين من شهر طوبة " . ثم ختمت الحجر ووضعته على فم الناووس وأغلقت بابه وردمته ثم بنينا على الناووس قبرا عظيما مقبى ( عليه قبة ) وكان جمع كثير من المؤمنين يأتون ويصلون كل يوم ومعهم مرضى يشفون بشفاعة القديس أبو فام الشهيد الطاهر الأوسيمي.. بل وكان الذين بهم أرواح شريرة يصرخون عند اقترابهم من المكان المدفون به جسد الشهيد أبو فام قائلين:" نحن نخرج منهم يا أبو فام الذي من أهل أوسيم لأنك أتيت إلى مدينتنا لتعذبنا " وكثيرون من العمي ابصروا النور وبرصا طهروا.. وأمراض أخرى عاد أصحابها إلى منازلهم معافين.. بركة أمنا العذراء مريم والشهيد المختار القديس أبو فام الأوسيمي الذي أكمل جهاده الحسن أمام ربنا يسوع المسيح وحمل الصليب بصبر وشكر تكون معنا له المجد والكرامة والتسبيح إلى الأبد آمين " انتهى حديث اديوجانيس الأمين والخادم المؤرخ . بناء كنيسة على اسم أبو فام بطما كان يسكن في ضاحية طما سيدة شابة اسمها طابيثا وكانت أرملة وفقدت هذه السيدة الأرملة أبنها الوحيد البالغ من العمر عشر سنوات.. دفن ابنها الصبي بجوار جسد الشهيد العظيم أبو فام وكانت تذهب تلك السيدة كل يوم إلى المقبرة المدفون فيها ابنها وتبكي بكاءا شديدا جداً.. وذات يوم وهي تبكي بحرقة ومرارة ظهر لها القديس أبو فام الجندي الأوسيمي في منظر مملوء من البهاء والنورانية والمجد العظيم وقال لها : " إلى متى تأتين كل يوم إلى هذا المكان ؟! ولماذا هذا البكاء والحزن الشديد ؟! " فقالت المرأة للقديس :" يا سيدي أنت ترى وجع قلبي وحزني على وحيدي " ولم تكن المرأة تعلم أنه القديس أبو فام الأوسيمي.. فقال لها القديس :" أنا هو أبو فام الذي من أهل مدينة أوسيم وسفك دمي الاشرار هنا في طما وجسدي موضوع في هذا الموضع وقبر ابنك إلى جوار قبري ومن الآن أعلني هذا الكلام الذي كلمتك به لكل الناس واخبريهم بجميع أقوالي التي سمعتيها مني وأنا اشفع لك وأصلي إلى الله أن يزيل عنك حزن قلبك على وحيدك فلا تحزني ولا تبكي وامضي اولا إلى القس فيلبس وأخيه الشماس بطرس جيرانك وعرفيهم الكلام الذي أعلنته لك . ثم أمضي للأسقف الأنبا اسطفان أسقف مدينة قاو لكي يأتي إلى هنا ويخرج جسدي ويكفنه ويبني لي بيعة ويجعل جسدي فيها.. فلما سمعت الأرملة كلام القديس أبو فام تبدد حزنها وتهلل قلبها وفرحت فرحا عظيما ومجدت اسم الله.. وذهبت السيدة طابيثا إلى الأب القس فيلبس وأخيه الشماس بطرس وعرفتهما بكل ما قاله القديس أبو فام ففرح قلبيهما وذهب الجميع إلى الأب الأسقف الأنبا اسطفان واخبروه بما حدث.. ولكن في الليلة الثانية ترآى القديس أبو فام الجندي الأوسيمي للأب الأسقف الأنبا اسطفان بمنظر بهي وقال له أيها الأب الأسقف الأنبا اسطفان لا تتوان بل قم مسرعا وامضي مع القس فيلبس وأخيه الشماس بطرس وصدق كل ما يقولاه لك .. أنا أبو فام الذي من مدينة أوسيم وقد ظهرت للأرملة طابيثا وعرفتها هذا الكلام.. وقد وعدني الرب يسوع المسيح بأن يكون جسدي ظاهرا لكل الناس ويكن فيه شفاء وآيات وعجائب ويتمجد اسم السيد المسيح دائما إلى الأبد.. قم .. وأسرع واظهر جسدي من الموضع الذي تريك إياه الأرملة وهو مدفون بجانب ولدها " وقام الأب الأسقف الأنبا اسطفان واصطحب معه الأب القس فيلبس وأخيه الشماس بطرس وبعض الكهنة والأرملة طابيثا ومضوا إلى أن وصلوا طما.. وهناك ارشدتهم طابيثا عن مكان القديس أبو فام الأوسيمي.. فحفروا مقدار أربعة أذرع وبعدها وجدوا التابوت ومدروج فيه جسد القديس بأكفان نقية طاهرة وعلى الفور انحنى الأسقف الأنبا اسطفان وقبّل وكذلك جميع الكهنة والحاضرين وهم يصيحون بأصوات التسبيح والتمجيد واظهر الرب في اليوم آيات وعجائب كثيرة منها من كان أعمى أبصر والأصم سمع والكسيح المقعد شفي وتقاطرت شعوبا مجاورة كثيرة لنوال بركات القديس العظيم الشهيد أبو فام الأوسيمي.. وبعد عدة أيام قام الأسقف مع الكهنة بإدراج جسد القديس في اكفان غالية تناسب مقداره ووضعوه في التابوت. . وكان اليوم الذي أظهر فيه الرب جسد القديس أبو فام الأوسيمي هو اليوم السابع والعشرين من شهر أبيب . وفي مدة ستة شهور بنيت الكنيسة وكرسها الأنبا اسطفان أسقف مدينة قاو في اليوم السابع والعشرين من شهر طوبة وهو اليوم الذي استشهد فيه القديس أبو فام الجندي الأوسيمي. بركته المقدسة تكون مع جميعنا ولإلهنا المجد دائما وإلى الأبد آمين. |
28 - 03 - 2024, 12:50 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: سيرة القديس العظيم الشهيد أبو فام (بيفامون) الجندي الأوسيمي
شفاعته تكون معنا ربنا يبارك حياتك |
||||
28 - 03 - 2024, 01:14 PM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
..::| الإدارة العامة |::..
|
رد: سيرة القديس العظيم الشهيد أبو فام (بيفامون) الجندي الأوسيمي
ميرسي على السيرة العطرة ربنا يفرح قلبك |
||||
10 - 04 - 2024, 03:17 PM | رقم المشاركة : ( 4 ) | |||
سوبر ستار | الفرح المسيحى
|
رد: سيرة القديس العظيم الشهيد أبو فام (بيفامون) الجندي الأوسيمي
شكرا لمروركن العطر ربنا يبارككن
|
|||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|