رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الخلافة الرسولية: إنّ السيد المسيح الذى وضع أساس الكنيسة وعُنى بتدبير نظامها بالإجمال ترك لرسلهِ وخلفائهم أن يتمّموا هذا النظام ويزيدوهُ وثاقة ومتانةً بإنشاء مناصب أخرى ورُتب جديدة يرونها مناسبةً لامتداد الكنيسة ونجاحها ولحسن رعاية أولادها حسب الازمنة والامكنة شأن الممالك الكبرى التي يوفّر سلطانها مراتبها وادارات أمورها على قدر اتساعها وعلى حسب مقتضى أحوالها التي تتقلب فيها على كرور الدهور. والكنيسة ما كادت تخرج من العليّة الصهيونيّة حيث أضرم الروح القدس بناره الإلهية قلوب ذويها ونفخ فيهم روحًا جديدة حتى اندفعت كالسيل الجارف إلى كل أنحاء العالم الروماني بل تجاوزت بعد قليل تخوم سيطرة القياصرة فبلغت أقاصي الدنيا. لكنَّ السل الذين عهد الرب إليهم شئون كنيستهِ ما عتَّموا أن فهموا أن انتشار ملكوت الله يستدعى انشاء وسائط جديدة لجمع شمل الكنائس وارتباط بعضها ببعض ليسهل ارتباطها مع رئيسها الأعلى الذى جعله المسيح نائبًا له على الأرض. ومن ثم رأى الحواريون أنه لابدَّ أن يُجعل بين الأساقفة اختلاف ما ليس في الدرجة التي هي واحدة ولكن في الرتبة والسلطة بحيث يكون بعضهم خاضعين للبعض فيصير للأساقفة رؤساء يتوَّسطون بينهم وبين حبر الأحبار وإليهم يرجع الأساقفة في أمورهم العادية دون أن يضطروا في كل آن وحال أن يراجعوا المركز الأول. والحق يُقال أننا إذا تصفَّحنا أخبار البيعة منذ نشأتها رأينا أن الرسل لم يكتفوا بأن يسقَقِوا على كل مدينة أسقفًا يقوم بأعبائها بل اختاروا نخبةً من تلامذتهم جعلوهم في حواضر المدن وامَّهات البلاد وفوَّضوا إليهم بأن ينشئوا في نواحي تلك البلاد كنائس أخرى يقيمون لها رعاةً يهمون بصوالحها الروحية ويرعون المؤمنين تحت حكمهم ونظارتهم, وتلك هي رتبة كبار الأساقفة التي يشير إليها الكتاب الكريم في أسفار العهد الجديد. فإن الرسول يوحنَّا الحبيب مثلاً يذكر في سفر الرؤيا (1: 11) أساقفة سبع عواصم كبرى كان جعلها كمراكز لمدن أخرى أصغر منها يدّبر كل منهم أساقفتها. وكذلك بولس رسول الأمم يعهد إلى تلميذه تيطس (رسالة تيطس 1: 5) أن يرعى جزيرة كريت ويرتب الناقص ويقيم لها رعاةً في كل مدينة. وكذا قُل عن بقيَّة الرسل الذين جعلوا على أساقفة كل قطر رؤساء تكون بين أيديهم أزمَّة الأمور لنظام ذلك القطر وسياسة مؤمنيهِ ورعاتهم معًا. فصارت بذلك كل كنيسة مركزَّية مع الكنائس المنشاة بجوارها كالولاية المدنيَّة لها رئيس أكبر بمثابة واليها ولها احكامها الخاصة وتصرفاتها لتدبيرها في شئونها الروحية. وقد توفَّرت هذه الولايات مع نمو المؤمنين وهى كلها مع كونها مستقلة بالنسبة إلى بعضها مرتبطة بالمركز الأعلى حيث رأس الكنيسة الأول وإمام أحبارها الأعظم. أما السبب الذى حدا بالرسل ان يجعلوا قضبات المدن كمراكز دينية فهو جلىُّ واضح وهو رغبتهم الملتهبة في أن ينشروا على جناح السرعة وبطريق سهلة الإيمان بالمسيح. فإنهم وجدوا هذه الحواضر كمنائر تسطع منها أشعة النصرانية فيراها الجميع ويقبلون إليها ليستضيئوا بأنوارها اللامعة ومنها تجرى جداول الخلاص إلى ضواحيها الواقعة تحت حكمها على أنَّ بين الحواضر الكبرى التي شاع صيتها إبَّان ظهور الدين المسيحي قد امتازت ثلاث مدن أجمع الكلُّ على سيادتهنَّ ورفعة شأنهنَّ إلا وهنَّ رومة العظمى قاعدة المملكة الرومانية. ثم الإسكندرية سوق العالم المتمدن ومخزن تجارته. ثم أنطاكية عاصمة الشرق. فكان الشرك ضرب اطنابهُ في هذه المدن الثلاث وأقام لآلهة الوثنية هياكل وأصنامًا ظنَّ الناس أن سيبقى ملكها مخلَّدًا. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|