كان صاحب الفكرة في بناء هيكل للرب هو داود النبي (2 صم، 1 مل 5) وقد أعد الأموال والمعدات، ولكن الذي بناه هو سليمان ابنه، وقد بناه فوق جبل موريا بأورشليم (2 صم 24) وكان هيكلا عظيما وفخما وكان ذلك قبل المسيح بحوالي ألف سنة. وظل الهيكل محتفظا بعظمته ما يقرب من أربعة قرون (968 ق.م- 587 ق.م) حتى هدمه البابليون بعد أن هاجموا أورشليم وسبوا أهلها ونهبوا كنوز الهيكل (2 مل 25، 2 أخ 36).
أما الهيكل الثاني فكان هيكل زربابل الذي بناه في موقع الأول بعد أن سمح كورش الفارسي لليهود أن يذهبوا إلى أورشليم ويبنون هيكلهم، فكانوا يرممون القديم ويبنون فوق ما تهدم، واستمر بناؤه بين (537 ق.م- 515 ق.م) وكان البناء أضخم من الأول ولكنه أقل فخامة (أسفار عزرا و نحميا و زكريا) وظل هذا الهيكل قائما حوالي خمسة قرون.
أما الهيكل الثالث وهو الذي كان أيام السيد المسيح وفي هذا الهيكل دخل فيه مرارا وعلم، وفي هذا اليوم دخله في موكبه الظافر. وكان الهيكل بالنسبة لليهود هو مركز عقيدتهم وبالنسبة لرؤسائهم هو حصنهم المنيع.
وهذا الهيكل بناه هيرودس وبدأ في البناء في السنة الثامنة لحكمه حيث استأذن رعاياه في إعادة بناء هيكل زربابل بعد أن تداعى البناء وقام بذلك ألفا كاهنا على مدى ثمانية عشر شهرا واستغرق بناؤه ستة وأربعين سنة (يو 2: 20) وتم البناء في عهد اغريباس الثاني عام 64م (أع 25: 13)، أما اللمسات الأخيرة فقد امتدت إلى ما قبل حلول الكارثة الأخيرة عام 70 م بستة شهور حين دمر جنود تيطس الروماني البناء كله، لتتم نبوة السيد المسيح عنه: " لا يترك حجر على حجر إلا وينقض " (مت 24: 22).
وكان الهيكل أهم مباني المدينة المقدسة وكان حسب وصف يوسيفوس المؤرخ اليهودي أولها الرواق الخارجي وكان ضعفه مساحة أروقة هيكل زربابل، وبنى جدرانه هيرودس، وكانت المساحة كما رسمها تشمل الرواق الخارجي وهو ما يسمى بدار الأمم ويحيط به صفوف من الأعمدة الضخمة وكانت المداخل الرئيسية للرواق تظهر في الغرب والجنوب، والوصول إلى الرواق من المدخل الرئيسي في الغرب عن طريق بوابة (كوبنيوس)، وتوجد في الجنوب بوابتا (هولدا).
أما الأروقة الداخلية فكان الرواق الكبير منها مفتوحا لليهود والأمم على السواء، فصار مركزا للحياة الصاخبة والأعمال التجارية وكانت الدار الخارجية تزدحم بتجار الماشية والأغنام وباعة الحمام، وجلس الصيارفة فيها يستبدلون العملات الأممية بشاقل الهيكل لأنه كان لا يجوز تقدمتها في خزانة الهيكل، واستغل الصدوقيون وهم المشرفون على الهيكل هذا الموقف ففرضوا ضرائب على التجار وشاركوهم في الأرباح وقد أثروا من ذلك إثراء فاحشا، وتحول المكان إلى سوق صاخب مما أهدر قدسية الهيكل، وهذا ما جعل السيد المسيح ينتهرهم ويوبخهم بقوله لهم: " بيتي بيت الصلاة يدعى وأنتم جعلتموه مغارة للصوص " (مر 11: 17).
أما الهيكل بمعناه الحرفي فكان يبدأ عندما يصل الشخص إلى سلسلة من الجدران والأبنية والأروقة التي تقوم على شرفات متتابعة في النصف الشمالي للمبنى والجدار العظيم الذي جعل المبنى أشبه بحصن تخترقه تسع بوابات بنيت فوقها بيوت ضخمة من طابقين تشبه الأبراج، وكانت البوابات أربعا في الجدار الشمالي وأربعا في الجنوب، وواحدة في الجدار الشرقي، وكانت الأخيرة أفخمها جميعا، وكانت هذه البوابة الشرقية هي المدخل الرئيسي للهيكل وبنيت من نحاس أصفر كورنث وسميت البوابة الكورنثية، وغشيت البوابات بالذهب والفضة، وتدلت فوقها زخارف ضخمة من الذهب في شكل عنقود العنب. وقد تطهرت السيدة العذراء عند أحد هذه البوابات (لو 2: 27)، وكانت البوابة الكورنثية تؤدي إلى (دار النساء) وهو مكان ذو أعمدة و سمي كذلك لأنه كان مفتوحا للنساء كما للرجال، وكان هو مكان التجمع للعبادة الجماهيرية (لو 1: 10 )، وكان يخصص للسيدات رواق يدور حول الدار، وكانت المزامير ترنم في (دار إسرائيل)، وعند درجاتها أخذ السيد المسيح يسأل المعلمين (مت 21: 23 ).
أما مكان القدس فكان دخوله وقفا على الكهنة دون غيرهم، وكان السنهدريم يجتمع في مكان يسمى البلاط وهو غرفة متصلة بالمذبح.
وكان الهيكل في شكله العام كتلة متلألئة من الرخام الأبيض وواجهته مغطاة بالذهب وعلى بعد ياردات من المذبح الكبير، ويؤدي سلم من اثنتي عشر درجة إلى المدخل المغطي الذي يحيط بالمبنى الرئيسي للمعبد، وكان الهيكل عامة تحفة في فن هندسته وارتفاعه الشاهق والصلابة التي كانت تميز بها جدرانه الخارجية، والثروة الفنية والزخرفة التي تحلت بها المباني والسقوف التي فوق الأعمدة وقد أضفى جمال شرفاته وأروقته على الهيكل روعة وبهاء.
- السيد في هيكله
عندما دخل المسيح أورشليم توجه توا إلى الهيكل، بيت أبيه، كما قالت النبوة " يأتي السيد بغتة إلى هيكله، السيد الذي تطلبونه وملاك العهد الذي تسرون به" (ملا 3: 1).
وفي هذا اليوم لم يفعل المسيح شيئا أكثر من مشاهدة الهيكل وإلقاء نظرة عليه ولما نظر حوله إلى كل شيء إذ كان الوقت قد أمسى خرج إلى بيت عنيا مع الاثنى عشر ليصرف فيها هذه الليلة (مت 21: 17، ملا 11: 11).
وحينما عاد في الغد إلى الهيكل قام وطهَّر الهيكل بسلطان عظيم كما فعل في بدء خدمته (يو 2: 13-17) فقد كان الهيكل في هذه الأيام السابقة لعيد الفصح يزدحم بالناس ودخل المسيح من الباب وكانت الساحة الخارجية في هذه الأسابيع سوقا لتجارة الحيوانات والطيور التي كانت تشترى لتقديمها كذبائح، ومكان لصرف العملة الأجنبية التي جلبها معهم الحجاج من خارج الإقليم واستبدالها بشاقل الهيكل (خر 30: 13).
فقد كانت الشريعة تحرم التداول بأي عملة سوى الشاقل في دفع الرسوم الدينية و التقدمات. وقد شجع الكهنة وأعوانهم هذه السوق وقد غضوا نظرهم عن هذه التعديات وكانوا يثرون من ذلك ثراءا فاحشا، وحين دخل السيد إلى هيكله قلب موائد الصيارفة وساق الحيوانات إلى الخارج ومنع المارة من استخدام ساحات الهيكل كطريق عبور كما هو مكتوب " غيرة بيتك أكلتني " (مز 69: 19) وكما يقول إشعياء النبي " لا يكون بعد بائع في بيت رب الجنود " (إش 56: 67) وكان يعلم بسلطان موبخا إياهم وقائلا: " بيتي بيت الصلاة يدعى لجميع الأم وأنتم جعلتموه مغارة لصوص " (مر 11: 17).
يارب يا من دخلت هيكلك في هذا اليوم وطهرته بغيرة محبتك وجلست تعلم فيه، ليتك تدخل في داخلي وتطهر القلب بسلطانك تقلب فيه طمع المال والعالم وتخرج الشهوات الحيوانية إلى الخارج وتمنع أن تمر فيه أي أفكار لا ترض صلاحك، أنت وحدك الذي له السلطان.
فأرجوك أن تدخل هيكل قلبي في هذا اليوم فأفرح بهذا العيد حينما تملك فيه وتضئ بتعاليمك المحيية جوانبه المظلمة فيصير هذا اليوم لي عيدا مقدسا.