رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الظلم الذي يمارسونه [6-8]: "هكذا قال الرب: من أجل ذنوب إسرائيل الثلاثة والأربعة، لا أرجع عنه، لأنهم باعوا البار بالفضَّة والبائس لأجل نعليْن" [6]. لعلَّ هذا هو أول اتهام كتابي يوجِّهه نبي من "الأنبياء الكتَّاب" ضد إسرائيل باسم الرب نفسه: "إنهم باعوا البار بالفضَّة". من هو هذا البار الذي بيع بالفضَّة إلاَّ السيِّد المسيح الذي وحده بار بلا خطيَّة باعه يهوذا الخائن بثلاثين من الفضَّة بثمن عبد (مت 27: 5؛ لو 22: 5)، هذا الذي اشترانا لا بذهب أو فضَّة، وإنما بدمه الثمين. السيِّد قدَّم حياته فدية عن العبد، والعبد باع سيِّده بالفضَّة خائنًا له. في مرارة يقول زكريَّا النبي: "فوزنوا أجرتي ثلاثين من الفضَّة. فقال ليّ الرب: ألقها إلى الفخَّاري الثمن الكريم الذي ثمَّنوني به" (زك 11: 12-13). هذا هو الثمن الكريم الذي ثُمّن به الرب! إنها خطيَّة الأجيال كلها، تُبيع إسرائيل الرب بثلاثين من الفضَّة، إذ تعلو في عينيها فضَّة العالم عن الحياة مع الرب، وتقيّم الزمنيَّات أفضل من الإلهيَّات! ماذا يعني أيضًا بيع البائس لأجل النعلين [6]؟ من هو هذا البائس الذي يُباع من أجل نعلين، إلاَّ السيِّد المسيح الذي يُقدِّم لنا ذاته خلال المتألِّمين والبائسين والمحتاجين؟! لقد طلب الله من نبيِّه موسى أن يخلع نعليه لكي يقدر أن يدخل المقدَّسات الإلهيَّة، ويُعاين أسرار الله، ويدخل معه في حديث وِدِّي، ويتسلَّم العمل الرعوي (خر 3)، ولنفس السبب طلب الرب من تلاميذه ألاَّ تكون لهم أحذية (مت 10: 10) حتى لا يسلكوا كأرضيِّين يسيرون بالأحذية على الأرض، وإنما يرتفعون بقلوبهم إلى السماء فيسحبون معهم كل قلب بالروح القدس إلى حيث المسيح جالس. لكن الإنسان في غباوته عِوض أن يخلع النعلين ليحيا في السموات ويرتفع إلى الإلهيَّات، يبيع المسكين "المسيح نفسه" بنعلين، مفضلًا بِالْحَرِيِّ أن يرتبط بالأرضيَّات ويسلك في الزمنيَّات عِوض أن يتحرَّر من النعال ويحيا في السمويًّات. يرى العلامة أوريجينوس في النعلين إشارة إلى الحياة الميِّتة الزمنيَّة وإلى حب الظهور. فالنعال تُصنع من جلد الحيوان الميِّتة، والتي تُستخدم في الطبول التي تعطي أصواتًا بلا عمل. هكذا يُباع السيِّد المسيح بمجده الأبدي من أجل الحياة الميِّتة الزمنيَّة، أو لأجل اقتناء كرامة زمنيَّة باطلة لها المظهر البرَّاق دون العمل الجاد الداخلي! عاد الرب ليكشف عن أمثلة غريبة من الرجاسات التي كان الإسرائيليُّون يرتكبونها فيها امتزجت النجاسة في أبشع صورها مع الظلم، ألاّ وهي: أ. "الذين يتَّهممون تراب الأرض على رؤوس المساكين" [7]، وفي بعض الترجمات "يطأون رأس المسكين حتى تراب الأرض! ليس فقط لا يترفَّقون بأخوتهم المساكين، لكن في غلاظة قلبهم يظلمونهم، ساحبين رؤوسهم حتى التراب ليدوسوا عليها بأقدامهم. من هو هذا رأس المساكين الذي يطأون عليه بأقدامهم إلاَّ السيِّد المسيح نفسه، رأس الكنيسة كلها، فيحتقرونه ويستخفُّون بخلاصه الثمين، وكما يقول الرسول بولس: "فكم عقابًا أشر تظنون أنه يُحسب مستحقًا من داس ابن الله وحسب دم العهد الذي قُدِّس به دنسًا، وازدرى بروح النعمة؟!" (عب 10: 29). إذ نحتقر المسكين ونستهين به، إنما نحتقر رأسه المسيح يسوع نفسه، لهذا يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [يا لعظم مرتبة الفقراء لكونهم نظير خدر الإله والبارّ يختفي فيه. فالفقير يمد يده متسوّلًا، لكن الإله هو الذي يقبل صدقتك]، كما يقول على لسان السيِّد: [لقد بلغك عنّي أني متسربل النور كالرداء، لكنك متى كسوت عريانًا أشعر أنا بدفء وأنني تستَّرْت!]. ب. "ويصدّون سبيل البائسين" [7]، أو يُغلقون الطريق أمام المتألِّمين... لا يقفون عند السلبيَّة، أي تجاهل الإنسان البائس والحزين، وإنما إن وجدوا قدَّامه طريقًا مفتوحًا لخلاصه يغلقونه. إنهم متطوِّعون للعمل لحساب مملكة الظلم. ج. "ويذهب رجل وأبوه إلى صبيَّة واحدة حتى يدنّسوا اسم قدسي" [7]. إنها صورة بشعة للرجاسات أن يشترك الإنسان وأبوه في خطيَّة الزنا مع صبيَّة صغيرة واحدة! وكما يقول القديس باسيليوس الكبير في رسالته إلى ديؤدور Diodorius: [إن الشريعة لم يسبق وذكرت شيئًا عن ارتكاب الإنسان وأبيه الزنا مع صبيَّة لأنه أمر بشع لا يحتاج إلى التحذير منه، وذلك كما قال الرسول بولس: "وأما الزنا وكل نجاسة أو طمع فلا يُسَمَّ بينكم كما يليق بقدِّيسين" (أف 5: 3)]. د. "ويتمدّدون على ثياب مرهونة بجانب كل مذبح، ويشربون خمر المغرّمين في بيت آلهتهم" [8]. لا يقف الأمر عند إقامتهم لدى المذابح الوثنيَّة والاشتراك في ولائم بيت الآلهة الغريبة، إنما امتزج هذا العمل الرجس بالقسوة، ففيما يتظاهرون بالورع حيث يتمدَّدون بجانب كل مذبح، إذا بهم يتمدَّدون على ثياب المساكين الذين ارتهنوها لديهم، ولم يقدروا سداد المبلغ واستلام الثياب، ويشربون خمر الذين عليهم غرامات ماليَّة، وغير قادرين على سداد ما عليهم!! أنهم يتعبدون مستخدمين ثياب وخمر المساكين العاجزين عن اقتناء ضروريّات الحياة الأساسيَّة.! |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|