رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الله القائد القدير عِنْدَ خُرُوجِ إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ، وَبَيْتِ يَعْقُوبَ مِنْ شَعْبٍ أَعْجَمَ [1]. دُعي المصريون "شعب أعجم"، لأن اليهود وهم في مصر لم يستخدموا لغة المصريين، فحسبوهم شعب أعجم. يرى البعض أنه يقصد بالكلمة العبرية المترجمة "أعجم" شعب فظ وعنيف. غالبًا ما تشير مصر في الكتاب المقدس، خاصة العهد القديم، إلى عدو الخير في عنفه، وذلك لأن فرعون استعبد شعب الله القديم، وقام الرب بتحريرهم، كرمزٍ لتحريرنا من عبودية إبليس. * حيث يُقال "مصر" فهي تعني حزنًا، أو من يسبب حزنًا، أو من يضغط. غالبًا ما تُستخدَم كرمزٍ لهذا العالم، والتي يلزمنا أن نخرج منها روحيًا، فلا نحمل النير مع غير المؤمنين (2 كو 6: 14). كل شخصٍ يصير أهلًا للمواطنة الخاصة بأورشليم السماوية، حينما يجحد أولًا هذا العالم. وذلك مثل ذلك الشعب الذي ما كان يمكنه أن يُقاد إلى أرض الموعد ما لم يرحل من مصر أولًا. وكما أن هؤلاء لم يرحلوا من هناك حتى يتحرروا بواسطة العون الإلهي، هكذا لا يترك أحد هذا العالم بقلبه ما لم تسنده عطية الرحمة الإلهية. ما حدث مرة خلال الرمز يتحقق هو نفسه في كل مؤمنٍ في الكنيسة، في نهاية العالم، هذه التي كتب عنها الطوباوي يوحنا أنها الزمن الأخير (1 يو 2: 18). القديس أغسطينوس * ما كانوا ينجحون في التحرر من هؤلاء المصريين القساة، والمملوءين عنفًا وتوحشًا، لو لم يتمتعوا بمعونة ذاك الذراع القوي واليمين التي لا تُقهَر. هؤلاء في الحقيقة كانوا أكثر عنفًا من الوحوش المفترسة، وأقسى من الصخر، ضُربوا بضربات لا تُعد، ولم يستسلموا. لهذا بعدما أشار إلى الشعب العنيف أظهر سلطان الله غير العادي في إقناع هذا الشعب الفظ هكذا والقاسي في الالتزام كرهًا بغير إرادتهم أن يطلقوا عبيدهم، مُسَلِّمًا إياهم مؤخرًا للبحر في وضع مضاد، وبهذا حرر شعبه. القديس يوحنا الذهبي الفم كَانَ يَهُوذَا مَقْدِسَهُ، وَإِسْرَائِيلُ مَحَلَّ سُلْطَانِهِ [2]. جاء عن الترجمة السبعينية والقبطية: "صارت له اليهودية مقدسًا". ما يعنيه بيهوذا هنا هو عينه ما يعنيه بإسرائيل، بكون يهوذا هو السبط الملوكي الحاكم، وإسرائيل هو أب كل الأسباط (يعقوب). يستبعد بعض الدارسين أن يقصد بيهوذا هنا مملكة يهوذا التي كانت تضم يهوذا مع بنيامين، وإسرائيل يقصد بها المملكة الشمالية التي كانت تضم عشرة أسباط، لأن هذا المزمور كُتب قبل انقسام المملكة في أيام رحبعام. يرى القديس أغسطينوس أن "يهوذا" معناها "اعتراف"، فبالاعتراف يغتسل المؤمن ويتطهر، فيصير يهوذا مقدسه الطاهر. أما أن إسرائيل محل سلطانه، فمعناه أن المؤمن يصير إسرائيل صاحب السلطان، إذ يصير ابنًا لله. يرى القديس يوحنا الذهبي الفم أن العالم كله تحت سيطرة الله، لكن شتان ما بين سلطانه على العالم وسلطانه على شعبه. فإنه يقود شعبه الخاص به، ويُحَرِّك كل شيء لصالحهم. إنه ملكهم المهتم بهم، يقودهم ويرعاهم ويدافع عنهم. * بدأ أولًا بيهوذا كمقدسٍ لله، حيث صارت أورشليم مدينة الله، وأقيم الهيكل فيها. وجاءت إسرائيل بعد يهوذا بكونها محل سلطانه، إذ تسلمت الشريعة الإلهية وتعاليم الأنبياء. لعله أراد أن يعطي للعبادة الأولوية حتى لا تتحول الوصية والتعاليم إلى مفاهيم عقلية جافة دون شركة مع الله خلال العبادة له. الأب أنسيمُس الأورشليمي * ما معنى "صارت له اليهودية مقدسه؟ أي صار شعبًا خادمًا له، مكرسًا له، ومنتسبًا له. تُستخدَم كلمة "مقدس" عن الهيكل، في الجزء الأعمق، قدس الأقداس... "صارت اليهودية مقدسه". قبل هذا كانت موضعًا دنسًا وبغيضًا، ولكن عندما رجع الشعب، صارت المدينة مقدسًا، خلال التدقيق والذبائح والعبادة والطقوس الأخرى. القديس يوحنا الذهبي الفم * ما يقصده هو هذا: "بالتأكيد لست أنا بلا نفع لكم. أما أقدم لكم شهادة عن تقديم خيرات لا حصر لها؟ ألم أُغيِّر الطبيعة نفسها (لأجلكم)؟ ألم أُدَبِّر كل العناصر لخدمتكم؟ ألم أُبهجكم بأسلوب حياة بدون مصاعب...؟ ألم أجلب لكم منافع لا حصر لها: تحرُّرًا من مصر، هروبًا من المتوحشين، إبراز عجائب، اهتمامًا بكم في فترة البرية، ميراث فلسطين، سلطانًا على الأمم، نصرات بلا نهاية، غلبة وراء غلبة، آيات رائعة، معجزات بلا نهاية، فصولًا صالحة على الأرض، نموًا في العدد، مجدًا في كل موضعًا في العالم، وفوائد أخرى بلا حصر؟ أترون منافع الله؟ القديس يوحنا الذهبي الفم الْبَحْرُ رَآهُ فَهَرَبَ. الأُرْدُنُّ رَجَعَ إِلَى خَلْفٍ [3]. يقف الإنسان في دهشة لهذا التصوير الذي يُقَدِّمه المرتل عن بحر سوف ونهر الأردن والجبال والآكام وتحرُّك كل الطبيعة في رعدةٍ أمام عمل الله مع إسرائيل، حين تمتع بخلاصه من عبودية فرعون، منطلقًا إلى أرض الموعد. لكن هذه جميعها تحمل معانيَ رمزية تحققتْ ولا تزال تتحقق عندما يقبل الإنسان الإيمان بالسيد المسيح مخلص العالم. إنه يصير عضوًا في إسرائيل الجديد، التي يرى البعض أن كلمة "إسرائيل" تعني "رؤية الله". ما هو البحر الهارب من وجه المؤمن إلا خلع الإنسان القديم، وهروب السيرة الخبيثة التي كانت تستعبده؟ تهرب إذ ترى السيد المسيح رأس الكنيسة قائدًا للمؤمن، يهبه رؤية للأسرار الإلهية ومعرفة للحياة السماوية. وما هو نهر الأردن الراجع إلى خلف إلا نعمة المعمودية التي تستقبل المؤمن التائب؟ فيحل الروح القدس، وتتهلل القوات السماوية، حيث ترى من كان عبدًا أسيرًا للشيطان، يتمتع بالبنوة لله، لهذا يقف نهر الأردن كما في رهبةٍ أمام هذا العمل الإلهي الفائق. إذ قاد الخالق شعبه لتحريره من عبودية فرعون، تحركت الطبيعة لتفتح الطريق أمامه لخدمة شعبه: البحر والنهر والجبال والتلال، بل والأرض تزلزلت لتعلن شوقها للخدمة! حقًا حينما نترك عجلة قيادة حياتنا في يديه، يعمل القدير فينا، ولا يوجد عائق عن تحقيق رسالتنا، بل تقف حتى الطبيعة الجامدة لتعلن شوقها للعمل لحسابنا. العائق الوحيد الذي يحطم حياتنا وطاقاتنا هو التمرد على الله، وعصيان وصيته، وعدم الاتكال عليه. بالحق إننا هيكله المقدس، ليدخل ويعلن ملكوته فينا! يصوِّر المرتل عمل الله مع شعبه عند عبور البحر الأحمر (خر 14: 21-2)، ونهر الأردن (يش 3: 14-17). أراد المرتل أن يضع الإنسان غير المتكل على الله في عارٍ وخزي، فإن الطبيعة الجامدة غير العاقلة تحركت لتعلن الحضرة الإلهية الفائقة. هرب البحر ليفسح الطريق لشعب الله بالعبور، ورجع النهر إلى خلف ليرحب بقيادة الله لشعبه وهو عابر إلى أرض الموعد، ورقصت الجبال والتلال ووثبت متهللة بالحضرة الإلهية، بينما يقف الإنسان العاقل في شكٍ وعدم إيمان بعمل الله ورعايته وحمايته له! يقول المرتل: "أبصرتك المياه يا الله، أبصرتك المياه، ففزعت. ارتعدت أيضًا اللجج" (مز 77: 16). يرى القديس أغسطينوس في تفسيره هذا المزمور أنه يخصنا نحن، لأننا نحن أولاد كنيسة الله، وشعبه، إسرائيل الجديد. كما يرى أن الإنسان الذي يضع محبة العالم قدامه متى تراءى أمام الله يرجع إلى الوراء، فينسى محبة العالم، ويمتد إلى ما هو قدام (في 3: 13). * لنضع في اعتبارنا ما نتعلمه هنا، حيث كانت كل هذه الأعمال نموذجًا لنا، وهذه الكلمات تحثنا على تعرفنا على أنفسنا. فإن كنا نتمسك بنعمة الله بقلبٍ ثابتٍ، تلك التي ُأعطيتْ لنا، فإننا نحن إسرائيل، نسل إبراهيم. يقول لنا الرسول: "أنتم نسل إبراهيم" (غل 3: 29؛ رو 4: 10 الخ)... ليت كل مسيحي لا يحسب نفسه غريبًا عن اسم إسرائيل. لأننا نرتبط بحجر الزاوية مع اليهود الذين آمنوا، والذين من بينهم نجد الرسل على رأسهم. لهذا يقول ربنا في موضع آخر: "ولي خراف أُخر ليست من هذه الحظيرة، ينبغي أن آتي بتلك أيضًا، فتسمع صوتي، وتكون رعية واحدة وراعٍ واحد" (يو 10: 16). فالشعب المسيحي هو بالحري إسرائيل، وبنفس الطريقة يُفضِّل دعوته بيت يعقوب؛ لأن إسرائيل ويعقوب هما واحد. القديس أغسطينوس * "البحر رآه فهرب". لقد أراد بهروبه أن يؤكد سرعة خضوعه، ويُعبِّر عن درجة دهشته، ليسهل عمل الله الرحيم... كان فيض المياه غير طبيعي؛ إنه مثل شخص حي وعاقل، بناء على أمر الله أنقذ أناسًا، وأهلك آخرين بنفس الوسيلة، مؤكدًا أنه مقبرة للبعض، ومركبة للآخرين (خر 14). إنكم ترون هذا قد حدث أيضًا في حالة أتون بابل. فثارت النار ليس باطلًا ولا مصادفة، بل قامت بعملٍ له مغزى بناء على أمر الله لها. إنها حفظت البعض الذين فيها، بينما أمسكتْ بآخرين جالسين خارجها وأهلكتهم (دا 3). "الأردن رجع إلى خلف". ألا ترون العجائب التي حدثت في لحظات مختلفة وفي أماكن مختلفة؟ أقصد أنه لأجلنا كي نتعلم عن سلطان الله أنه يبلغ كل موضع، ولا يوجد مكان ما لا يبلغه. إنه يسبب أعمالًا عجيبة تتحقق في البرية وفي البلاد التي للناس العنفاء وفي كل موضع. مرة في البحر، وأخرى في الأنهار. الأولى في حالة موسى، والثانية في حالة يشوع. صاحبتهم آيات في كل مكان حتى يلين الذهن الذي له اتجاه العجز، وعدم الخضوع، فيخضع في مرونة وحساسية مُرَحِّبًا بمعرفة الله. القديس يوحنا الذهبي الفم * لنتعلم أيضًا علة أخرى. جاء المسيح ليعتمد ويقدس العماد. جاء لكي يصنع عجائب، ويسير على مياه البحر. فإن كان قبل ظهوره في الجسد "البحر رآه فهرب... الأردن رجع إلى الخلف" (مز 114: 3)، أخذ المخلص جسدًا لكي يستطيع البحر رؤيته، ويستقبله الأردن بلا خوفٍ. هذا سبب لمجيئه، هناك سبب آخر: وهو أنه خلال حواء العذراء سار الموت، وخلال العذراء تصير الحياة. وكما أغوت الحيّة القديمة العذراء الأولى، جُعل جبرائيل البشارة الطيبة للثانية . القديس كيرلس الأورشليمي الْجِبَالُ قَفَزَتْ مِثْلَ الْكِبَاشِ، وَالآكَامُ مِثْلَ حُمْلاَنِ الْغَنَمِ [4]. ما هي الجبال التي تقفز كالكباش، والآكام مثل حملان الغنم، سوى أنبياء العهد القديم ورسل العهد الجديد. يركض الكل معًا في بهجةٍ وسرورٍ من أجل ما يتمتع به المؤمن من بركات الخلاص الذي يُقَدِّمه السيد المسيح. عند ملاقاة موسى وقف الشعب في أسفل الجبل. "وكان جبل سيناء كله يدخن من أجل أن الرب نزل عليه بالنار، وصعد دخان الأتون، وارتجف كل الجبل جدًا" (خر 19: 18). كما قيل: "جلاله غطى السماوات، والأرض امتلأت من تسبيحه... شققت الأرض أنهارًا. أبصرتك ففزعت الجبال. سيل المياه طما. أعطيت اللجة صوتها. رفعت يديها إلى العلاء" (حب 3: 3، 9-10). تشهد معاملات الله مع شعبه قديمًا وحديثًا أن الطبيعة الجامدة تتحرك بصورة أو بأخرى في طاعة للأوامر الإلهية، وفي دهشة لرعاية الله وحبه للبشرية. * اليوم تتهلّل الملائكة والسماوات والكواكب مع الشمس والقمر، والأرض وكل ما تحتويه، والجبال والتلال تطفر فرحًا. لأنه إذا كان عند خروج بني إسرائيل من مصر ابتهجت معهم الخلائق كلها: ظلّت السماء ترعاهم بسحابةٍ مضيئةٍ في النهار، وعمودٍ من النار بالليل، وقفزت الجبال أمامهم مثل الكباش، والتلال كحملان الغنم (مز 114: 4). فماذا يا تُرَى يكون هذا اليوم الذي وُلِد فيه المسيح؟ لأنه منذ عهدٍ قريب كانت الخليقة كلها تئنّ من انحرافها نحو الفساد بسقطة آدم ملكها، ولكنّ جاء الرب ليُجدِّد هذه التي لها صورة الله الأصلية، ويُعيد خلقتها إلى ما ينبغي أن تكون عليه . القديس مقاريوس الكبير * "الجبال قفزت مثل الكباش، والآكام مثل حملان الغنم"... أراد واضع المزمور الموحى إليه بتقديمه هذه الصورة المبالَغ فيها أن يُظهر دهشتها ورضاها وعظمة العجائب، التي جعلت الأشياء كما لو كانت ترقص وتثب، الأمر الذي يحدث مع الناس حينما يُبتلَعون من الفرح الزائد... وذلك كما يقول كاتب آخر إنه في وقت الكارثة تكون الكرمة والعنب في حزنٍ (إش 24: 7)... هذه أيضًا عادتنا عندما يحدث شيء في هذه الحياة باهر، فعندما نرى أحدًا مُهمًا قد وصل نقول: "امتلأ البيت فرحًا"، فلا نقصد الحوائط، بل نشير إلى الفرح الصالح بدرجة عظيمة فائقة. القديس يوحنا الذهبي الفم |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|