مريم العذراء في العهد القديم
كما سبق وقلنا فإن النصوص الكتابية والإنجيلية التي يرد فيها الكلام على مريم العذراء قليلة،
لأنّ الإنجيل المقدّس هو “إنجيل يسوع المسيح ابن الله”، كما ورد في مستهلّ الإنجيل بحسب مرقس (مر 1: 1)،
لذلك وجب ان ننوه إلى أن كلّ حديث عن مريم العذراء يجب أن يندرج في إطار هذه البشارة
ويرتبط بشخص يسوع المسيح، فمريم حسب ما سبق واتفقنا في التأملات الأولى هي “أمّ يسوع” (يوحنا 2: 1).
هذا هو لقبها الأساسي وكل الصفات التي تضاف إلى اسم يسوع تضاف بالفعل عينه إلى اسم العذراء.
فإذا آمنّا بأنّ يسوع هو ابن الله والمخلّص والمسيح والربّ، يمكننا القول إنّ مريم العذراء
هي أمّ ابن الله وأمّ المخلّص وأمّ المسيح وأمّ الربّ.
وهكذا تتّخذ مريم العذراء أمّ يسوع من شخص ابنها كلّ ألقابها وأمجادها وأسباب تكريمنا لها.
لذلك، في بحثنا عن مكانة مريم العذراء في الكتاب المقدّس وفي العقيدة المسيحية وفي الطقوس،
لا يجب ألاّ يغيب عن بالنا هذا الارتباط بين بمريم العذراء وابنها.
وإذا تطلعنا إلى جميع النصوص الإنجيليّة التي يرد فيها ذكر مريم العذراء،
فسنتبيّن أنّ ذكرها يرتبط دومًا بذكر ابنها يسوع المسيح ابن الله ربّنا ومخلّصنا.
وبما أنّ مجيء السيّد المسيح قد حقّق نبوءات العهد القديم،
سنحاول استجلاء العلاقة بين العهدين وإظهار كيفية تحقيق نبوءات العهد القديم
ووعوده ورموزه في شخص يسوع المسيح بواسطة أمّه الفائقة القداسة.
أشار الكتاب المقدس في عهده القديم إلى مريم العذراء بعدة نبوءات وإشارات ولم يذكرها بالاسم إطلاقا،
وكما ذكرنا أنه كان فترة ترّقب فهناك عدد من الآيات التي تشير إليها
إلى جانب النبوءات التي اعتمدت عليها الكنيسة في صياغة العقائد المريمية:
– اول سابق اعلان عنها تمثل في الوعد الالهي بالفادي المعطى في الفردوس حال سقوط آدم
اذ قال الله للحية “اجعل عداوة بنيك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها فهو يسحق رأسك وانت ترصدين عقبه”
ف “نسل المرأة” ” المسيح يسوع الذي حبل به فيها من الروح القدس وليس من زرع رجل
وهي حواء الجديدة كما ان ابنها المسيح هو آدم الجديد (تكوين 3: 15)
– ثاني إشارة كانت ولما كان امر ولادة العذراء عجيبا وخارق الطبيعة،
اعطاه الله آية لآحاز ملك يهوذا بواسطة نبيه اشعيا قائلاً:
“ويعطيكم السيد نفسه آية ها أن العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعو اسمه عمانوئيل”( إشعياء 7:14).
لقد بشر اشعيا النبي بولادة السيد المسيح قبل 700 سنة .
حقا انه سر عجيب يعلنه النبي مبشرا بتجسد الله من العذراء ها إن العذراء تحبل وتلد ابنًا
وتعتبر آية إشعياء أشهر نبؤة تشير إلى مريم العذراء
وتصفها وتجسد شخصيتها وطريقة حملها بالابن الكلمة
وتقرأ في جميع الكنائس على اختلافها ضمن احتفالات عيد الميلاد
– كما تأتي نبوءة حزقيال عن الباب الذي دخل فيه الرب وخرج وبقي مختوما
من الآيات الهامة التي تنبئ بميلاد يسوع وببقاء مريم عذراء وبتولا:
“فقال لي الرب هذا الباب يكون مغلقا لا يفتح ولا يدخل منه إنسان
لأن الرب إله إسرائيل دخل منه فيكون مغلقا” (حزقيال 44: 2)
– ابنة صهيون المذكورة في سفر زكريا النبي هي مريم التي حملت في أحشائها الكلمة افلهية
ترنمي وافرحي يا ابنة صهيون، لأني ها آنذا آتي وأسكن في وسطك يقول رب الجنود(زكريا 2: 10 )
– كذلك يعتقد الكثيرون من آباء الكنيسة ان سفري الأمثال ونشيد الأناشيد
قد أشارا إلى العذراء بطرق عديدة: من هذه الطالعة من القفر، المستندة على حبيبه( نشيد الأناشيد 8:5)
حسب المعتقدات المسيحية فإن القفر يشير إلى الأرض والحبيب هو يسوع
وبالتالي تشير الآية السابقة إلى انتقال العذراء إلى السماء؛
– هناك العديد من الآيات الأخرى التي اعتمد عليها في وجوب إكرام مريم في العقيدة:
“رأتها البنات فطوبنها، الملكات والسراري فمدحنها”( نشيد الأناشيد 9:6)
– وفضل مريم إنجابهاالرب يسوع المسيح كما يرى آباء الكنيسة
وفي سفر الأمثال: بنات كثيرات عملنّ فضلاً أما أنت ففقت عليهنّ جميعًا (الأمثال 31: 29)
– ومن سفر المزامير هناك آيات كثيرة تشير إلى العذراء منها : كل مجد ابنة الملك في خدرها( مزمور 45: 13)
– وفي سفر الملوك الأول: “ووضع كرسيًا لأم الملك فجلست عن يمينه” ( 1 ملوك 2: 19)
وقد استخدمت الآيتان السابقتان للإشارة إلى عقيدة مريم سلطانة السماء والأرض من ناحية،
وإلى الإشارة أيضًا إلى الدور الفريد لها في المسيحية فهي أم الملك أي الابن
وهي ابنة الملك أي أنها ابنةالآب
وهكذا نرى في الكتاب نبوءات وآيات وإن كانت قليلة ونادرة
إلا انها عميقة الدلالة ومعبرة عن المكانة التي سوف تحتلها في تاريخ الخلاص أمنا مريم.
كما يسود الاعتقاد أيضًا أن هناك عدد كبير من الرموز
والأمور الحسية في العهد القديم كانت رمزًا لمريم
وهذا سيكون موضوع تأملنا في الغد بإذن الله