اصطادوا الآخرين:
25 «آثَامُكُمْ عَكَسَتْ هذِهِ، وَخَطَايَاكُمْ مَنَعَتِ الْخَيْرَ عَنْكُمْ. 26 لأَنَّهُ وُجِدَ فِي شَعْبِي أَشْرَارٌ يَرْصُدُونَ كَمُنْحَنٍ مِنَ الْقَانِصِينَ، يَنْصِبُونَ أَشْرَاكًا يُمْسِكُونَ النَّاسَ. 27 مِثْلَ قَفَصٍ مَلآنٍ طُيُورًا هكَذَا بُيُوتُهُمْ مَلآنَةٌ مَكْرًا. مِنْ أَجْلِ ذلِكَ عَظُمُوا وَاسْتَغْنَوْا. 28 سَمِنُوا. لَمَعُوا. أَيْضًا تَجَاوَزُوا فِي أُمُورِ الشَّرِّ. لَمْ يَقْضُوا فِي الدَّعْوَى، دَعْوَى الْيَتِيمِ. وَقَدْ نَجَحُوا. وَبِحَقِّ الْمَسَاكِينِ لَمْ يَقْضُوا. 29 أَفَلأَجْلِ هذِهِ لاَ أُعَاقِبُ، يَقُولُ الرَّبُّ؟ أَوَلاَ تَنْتَقِمُ نَفْسِي مِنْ أُمَّةٍ كَهذِهِ؟
أحد أسباب التأديب أنهم نصبوا الشباك والفخاخ للآخرين لاصطيادهم حتى يغتنوا ويصيروا سمناء، لكن شرهم لم يجلب عليهم إلا الغضب الإلهي والخسارة. ويلاحظ في شرهم هذا الآتي:
أ. شرهم ليس ثمرة ضعف بشري، أو تحقق بطريقة لا إرادية، إنما جاء نتيجة خطة منظمة وإصرار مُسبق، إذ يقول: "لأنه وُجد في شعبي أشرار، يرصدون كمنحنِ من القانصين، ينصبون أشراكًا يمسكون الناس" [26].
ب. خططوا لاستعبادهم وتحطيم حرية الناس: "مثل قفص ملآن طيورًا هكذا بيوتهم ملآنة مكرًا" [27]. لقد خُلقت الطيور لتطير في السماء، لا لتُحبس في قفص، هكذا أرادوا استعباد الناس الذين خلقهم الله أحرارًا.
إن كانوا قد نصبوا الشباك واصطادوا أناسًا وأغلقوا عليهم في عبودية كالطيور في قفصٍ، فليس غريبًا أن يشربوا من ذات الكأس، حيث تنصب الأمم التي حولهم لهم الشباك، ويقودوهم في عبودية إلى السبي، فيصيرون كطيور حُرمت من الحرية.
حقًا كم تكون نفس المسبي مُرّة حينما يرى في أرض السبي الطيور تغرد وهي هائمة في الجو تتنقل حيثما تريد، بينما يعيش هو في مذلة مسلوب الحرية، لا يقدر أن يرجع إلى بلده!
ج. لا يقفوا عند ارتكاب الشر وإنما يوجهون كل طاقاتهم لاصطياد الناس بمكركي يسقطوهم في الخطية.
د. يرى البعض أن كلمة "بيوتهم" هنا تشير إلى أنهم وضعوا خطة محكمة ومنظمة وهم في بيوتهم. بدت هذه الخطة ناجحة إذ امتلأ القفص طيورًا، ولم يدروا أنهم إنما ملأوها مكرًا وخداعًا يحطم حياتهم وسلامهم وحريتهم. بمعنى آخر بالمكر والخداع ظنوا أنهم غلبوا واغتنوا ولم يدركوا أنهم إنما اقتنوا في داخلهم خطية المكر التيهي "حرمان" و"بطلان".
"من أجل ذلك عظموا واستغنوا،
سمنوا، لمعوا (أملس الشعر)،
أيضًا تجاوزوا في أمور الشر" [27-28].
ظنوا أنهم صاروا عظماء أصحاب سلطان، أغنياء لا يعوزهم شيء، سمناء مملئون صحة، لامعين أو ملسوا الشعرأي مملئون جمالًا، ولم يدركوا أنهم في واقع الأمر جمعوا لأنفسهم شرًا عظيمًا. هذا هو ما اقتنوه، لأن الأمور السابقة تتغير وتنتهي ويبقى القلب فاسدًا بالشر.
ه. فقدوا كل رحمة وامتلاؤا ظلمًا وقساوة قلب.
"لم يقضوا في الدعوى، دعوى اليتيم.
وقد نجحوا.
وبحق المساكين لم يقضوا" [28].