الهروب من الشر
لاَ أَضَعُ قُدَّامَ عَيْنَيَّ أَمْرًا رَدِيئًا.
عَمَلَ الزَّيَغَانِ أَبْغَضْتُ.
لاَ يَلْصَقُ بِي [3].
كيف يقول المرتل إنه لم يصنع قدام عينيه أمرًا رديًا، بينما يردد في موضع آخر: "من يتبرر أمامك؟" وأيضًا: الجميع زاغوا وفسدوا وأعوزهم مجد الله.
الله وحده البار بلا خطية، أما الإنسان فخاطئ. لكن شتان بين من يتلذذ بالخطية ويبحث عنها، ويذهب بنفسه إليها، فيستعبد نفسه لها، وبين من يقاومها ويحاول الهروب منها، وإن سقط فيها يسرع بطلب نعمة الله لكي ترفعه، وتحرره من التلذذ بها.
تكشف هذهالعبارة والعبارة السابقة عن موقف داود النبي وهو في قصر شاول الملك، كما عن موقف المؤمن الحقيقي في وسط جيلٍ شرير مظلمٍ وملتوٍ.
لقد نال النبي في صباه خبرة مُرّة في قصر شاول الملك، إذ كان يحاول كثير من المنحرفين والفاسدين أن يتملقوا الملك ويلتصقوا به. أما داود فعانى من هذا الجو الشرير، ولم يضع قدام عينيه أمرًا رديئًا، حتى وإن كان هذا هو طريق الوصول إلى قلب الملك والصداقة معه.
لقد أحب البرّ وأبغض كل انحرافٍ، مفضلًا الالتصاق بالله القدوس، مهما كلفه من ثمنٍ عوض الالتصاق بشاول الملك من خلال الخداع.
* "صانعي المعصية أبغضت" [3 LXX]. سواء كان أبي أو أمي أو أخي أو أختي أو صديقي، فإن من ينسحب عن مخافة الرب، فإنني أبغضه، ولا ألتصق به (في شره). لا أضع القرابة أو الصداقة فوق محبتي لله وإخلاصي له.
القديس جيروم
* ليس معنى قول النبي إنه لم يسقط في أمرٍ يخالف الناموس، بل معناه أنه لم يرد ذلك، ولا سعى لفعل شيءٍ يخالف الناموس. كأنه يقول: إني لم أتعمد بإرادتي أن أسعى على مخالفة الشريعة، بل وأبغضت صانعي المعاصي. لكن إن سقط في أمرٍ غير لائقٍ، إنما يحدث هذا عن هبوب عاصفٍ شديدِ.
أما قوله: "لا أضع قدام عيني"، فمعناه إني لم أفكر ولا تفرست فيما يخالف الشريعة.
الأب أنسيمُس الأورشليمي