رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
ضيقة دانيال وخلاصه: "حينئذٍ أمر الملك، فأحضروا دانيال، وطرحوه في جُب الأسود. أجاب الملك وقال لدانيال: إن إلهك الذي تعبده دائمًا هو يُنجيك" [16]. أدرك الملك أن إله دانيال هو إله المستحيلات، حيث تعجز كل الأذرع البشرية عن العمل تظهر قوة الله. * ترك الملك (إلقاء دانيال) للجماهير، ولم يجسر أن يوقف خطة الأعداء الخاصة بموت صديقه، تاركًا لقوة الله أن تتمم ما عجز هو عن تنفيذه. لم يستخدم لغة الشك كأنه يقول: "إن كان قادرًا أن يُنجيك"، بل بالأحرى تحدث في جرأةٍ ويقين: "إن إلهك الذي تعبُده هو يُنجيك". حتمًا سمع عن الثلاثة الفتية الذين كانوا أقل مرتبة من دانيال نفسه إنهم غلبوا لهيب بابل. وسمع عن الأسرار التي أُعلنت لدانيال، فتطلع إليه بنظرة سامية، وحسبه في كرامة عظيمة، بالرغم من كونه مسبيًّا. القديس جيروم "وأُتي بحجرٍ وُوضع على فم الجُب، وختمه الملك بخاتمه وخاتم عُظمائه، * ختم الصخرة بخاتمه حتى لا يفتح أحد الجب، فلا يحاول أعداء دانيال الإيقاع به. فقد ائتمنه في يد الله، ومع كونه لم يضطرب من جهة الأسود، لكنه خشي عليه من الناس. كما ختمه أيضًا بأختام العظماء كي يتجنب بكل وسيلة دخول الشك إليهم. القديس جيروم "حينئذٍ مضى الملك إلى قصره، وبات صائمًا، ولم يُوتَى قدامه بسراريه، وطار عنه نومه" [18]. * يا لإخلاص نيّة الملك الصالحة، إذ لم يرد أن يمس طعامًا بالليل كما بالنهار ولم يُعطِ لأجفانه نُعاسًا. وإنما إذ كان النبي في خطر بقي هو متعاطفًا معه في قلقٍ. إن كان الملك الذي لا يعرف الله صنع هكذا من أجل إنسانٍ آخر يشتاق أن يُخلصه، كم بالأكثر يليق بنا أن نفعل نحن لنسترضي مراحم الله بالأصوام والأسهار بسبب خطايانا؟!. القديس جيروم "ثم قام الملك باكرًا عند الفجر، وذهب مُسرعًا إلى جُب الأسود" [19]. أسرع الملك إلى الجب في ثقة بالله إله دانيال أنه يُخلَّصه. "فلما اقترب إلى الجُب نادى دانيال بصوتٍ أسيفٍ: أجاب الملك وقال لدانيال: يا دانيال عبد الله الحيّ، هل إلهك الذي تعبده دائمًا قدر على أن يُنجيك من الأسود؟" [20]. * أظهر الملك بدموعه عاطفته الداخلية، فقد نسي كرامته الملوكية، ونصرته على المسبيّين، وسيادته على خادمه (دانيال)... لقد دعى الله الإله الحيّ ليُميِّزه عن آلهة الأمم الذين هم كتماثيل للأموات... لم تكن (كلمته هذه) تحمل شكًا في قوة الله الذي وثق فيها... إنما نطق بهذا، ليس في شك، ولكي يظهر دانيال ولم تصبه أذيَّة، فيجد الملك ما يبرره بالأكثر في غضبه على العظماء. القديس جيروم "فتكلم دانيال مع الملك: يا أيُّها الملك عش إلى الأبد" [21]. * يُكرِّم دانيال ذاك الذي كرّمه، وطلب له أن يحيا أبديًا . القديس جيروم "إلهي أرسل ملاكه وسد أفواه الأسود، فلم تضرُّني لأنيِّ وُجدتُ بريئًا قُدامهُ، وقُدامك أيضًا أيُّها الملك لم أفعل ذنبًا" [22]. * ذاك الذي يُصلي ويقول: "لا تسلم للوحوش النفس التي تعترف لك" (راجع مز 74: 19)، يُسمع له، ولا يعاني من الأفعى والحيات، لأنه يستطيع بالمسيح أن يطأ الأسد والتنِّين (مز 91: 13)، وينال القوة المجيدة التي يهبها يسوع لنطأ الحيات والعقارب وكل قوة العدو (لو 10: 19)، فلا يؤذيه شيء من قِبَلْ هذه الأشياء. مثل هذا يلزمه أن يشكر الله أكثر من دانيال، لأنه يخلص من وحوش أكثر رعبًا وأذية . * لقد كُممت أفواه أسود غير منظورة بالنسبة لدانيال النبي لكي بالأكثر لا تُضر نفسه من الأسود المنظورة . العلامة أوريجينوس * يمكن أن تصير حتى هذه الوحوش غير مؤذية، إلاَّ إذا كانت عقوبة تقع على خاطئ أو اختبارًا وتزكية لكمال فضائل المؤمن . القديس أغسطينوس * لينطق كل قديس بهذه الكلمات، فإنه يُنتزع من أفواه الأسود غير المنظورين، ومن الحفرة، لأنه يثق في إلهه. القديس جيروم "حينئذٍ فرح الملك به، وأمر بأن يُصعد دانيال من الجُب. فأُصعِدَ دانيال من الجُب، ولم يُوجد فيه ضرر لأنه آمن بإلهه. فأمر الملك فأحضروا أولئك الرجال الذين اشتكوا على دانيال وطرحوهُم في جُب الأسود هم وأولادهم ونساءهم. ولم يصلوا إلى أسفل الجُب حتى بطشت بهم الأسود وسُحقت كل عظامهم" [23-24]. تُقدم لنا قصة دانيال النبي هنا صورة حيّة عن دور الإنسان في حياة الجماعة. فدانيال بحياته المقدسة نجح، كما أعان زملاءه الشبان الثلاثة، وخدم أيضًا شعبه في السبيّ، وخدم الملوك وسندهم، وخدم الأمم، إذ قدم لهم نبوات صريحة عن السيِّد المسيح. هكذا بالتصاقه بالرب لم تكن لخدمته وهو في السبيّ حدودًا. ومن الجانب الآخر الفساد الذي حلّ بأعدائه الحاسدين أفقدهم سلامهم، وحوّل طاقتهم للهدم عِوض البنيان، وحطم سلام الملك إلى حين كما دفع بهم وبنسائهم وأولادهم إلى الجب ليصيروا فريسة للأسود الجائعة. هكذا يليق بنا ألا نستخف بحياتنا، في كل بنيان داخلي نسند الكثيرين وتفرح السماء بنا، ومع كل انحراف نهدم معنا كثيرين وبسببنا يصير نوء عظيم، كما حدث بسبب يونان الهارب من وجه الرب. كانت عادة سقوط العائلة بأكملها تحت العقوبة معروفة في المجتمعات القديمة، وهي تتعارض مع ما ورد في (تث 24: 16، إر 31: 29 الخ؛ حز 18). فشل الملك في إنقاذ دانيال لأن القرار قد سبق فوقَّعه ولا رجعة فيه، لكن الله نفسه خلصه. كان الملك في قصره حزينًا للغاية، طار النوم من عينيه، وكان الأشرار واضعوا الخطة في فرح شديد. ربما اجتمعوا يُهنئون أنفسهم على نجاح خطتهم، وخلاصهم من دانيال. ربما كانوا يُخططون في هذه الليلة لترشيح إنسانٍ يحل محل دانيال. أما دانيال فعاد إلى الحياة الفردوسية الأولى حيث الصداقة القوية بين الحيوانات حتى المفترسة والإنسان. كان يُداعب هذه الحيوانات ويلاطفها لأول مرة في حياته، كما اختبر عربون السماء، إذ نزل ملاك يسد أفواه الأسود. قضى دانيال أسعد وأعجب ليلة في حياته كلها. لو لم يُلقِ الملك بالأشرار في الجب كان يمكن القول بأن الأسود لم تكن جائعة، لذلك لم يُصَب دانيال بضرر. لكنه وقد بقي معهم ليلة كاملة في سلام وأمان بينما أُصيبت الأسود بحالة شبه جنون حين أُلقي كثيرون في الجب حتى لم تنتظر بلوغهم إلى القاعة وسحقت كل عظامهم أثناء إلقائهم... هذا كشف عن يد الله التي خلصت دانيال النبي بقوة، ونزعت أدنى شك ممكن أن يُساور إنسان ما. استراح دانيال، لا لأنه خلُص من موت جسدي، ولكن لأنه تمتع برؤية جديدة وإدراك أعمق لحب الله ورعايته له. أما الملك فلم يسترح لأنه شعر بفقدانه أعز إنسان أمين له، وأدرك أنه مارَسَ الظلم ضد من أخلص إليه. لكنه ترجى في الله - إله دانيال - أن يُخلص ذلك الأمين. يمكننا القول بأن دانيال النبي سبَّح الله في وسط جب الأسود قائلًا: مع المرتل: "على الأسد والصِلَّ تطَأْ. الشِبل والثعبان تدوس. لأنه تعلق بيّ أُنجيه. أرفعه لأنه عرف اسمي. يدعوني فأستجيب له. معه أنا في الضيق أنقذه. من طول الأيام أُشبعه وأُريه خلاصي" (مز 91: 13-16). أما عن أعداء دانيال فينطبق قول عاموس النبي: "كما إذا هرب إنسان من أمام الأسد وصادفه الدب، أو دخل البيت ووضع يده على الحائط فلدغته الحيّة؛ أليس يوم الرب ظلامًا لا نورًا، وقِتامًا لا نور له؟!" (عا 5: 19-20). إذ خلَّص الله دانيال قرر الملك معاقبة الأشرار وعائلاتهم الذين خططوا ضد دانيال النبي البار. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|