رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
ترك أيوب بلدد ولم يقاطعه، وإذ تحدث في شيء من التأكيد عن الخراب الزمني والهلاك الأبدي الذي يستحقه أيوب الشرير، رد عليه أيوب في هذا الأصحاح بكل قوة. يعتبر هذا الأصحاح نقطة تحول مهمة في نظر أيوب البار إلى ما هو فيه من متاعب وتجارب، خاصة مقاومة أصدقائه له: أولًا: كإنسانٍ مهما بلغ برَّه كانت نظرته قاصرة، يعاني من الضعف بسبب شدة التجربة. كان ككثيرين في وسط بوتقة التجارب في صراعٍ يتساءل: هل تحول الله إلى عدوٍ حتى سمح للشيطان أن يجربه بما يبدو أنه فوق الطاقة. وإن كان كذلك، فكيف فقد أصدقاؤه إنسانيتهم، وتجاهلوا معاملاته معهم، ونسبوا إليه ما لم يروه فيه. هذه مشاعر بشرية عاشها البار أيوب، كما يعيشها القديسون في وسط آلامهم، ولو إلى حين. حقًا، لقد أحاطت به الضيقات من كل جانبٍ، وتحولت التعزية إلى تعذيب (1-7). يعبر أيوب في هذا الأصحاح عن عدم صبره على كلام بلدد، وأن الذين جاءوا ليعزوه أضافوا تعبًا على تعبه بسبب انتقاداتهم الشديدة له وقسوتهم عليه، فقد عذبوا نفسه، وسحقوه بالكلام، وأخزوه، وأطلقوا عليه صفات شريرة، ووجهوا إليه اتهامات لا يعرف عنها شيئا. تظاهروا كأنهم لا يعرفوه من قبل؛ لم يعاملوه بالدالة التي كانوا يعاملونه بها لما كان في رخائه. تساءل أيوب إن كان الله اختاره لكي يظهره كخاطئ في أعين العالم. فقد سمح له إلهه بالنكبات (8-12).ليس فقط أصحابه، وإنما حتى زوجته وأقرباؤه يتعاملون معه كطريد جرده الله من مجده، وعامله كعدوٍ، بل وأبعد عنه أصدقاءه، وجعل أقرباءه وإماءه يحتقرونه، بل والصبيان رذلوه. لم يجد من يعطف عليه في نكبته [13-19]. جسمه فني، لقد تدمر عمليًا [20]. ثانيًا: في ضعفه البشري أيضًا شعر بالحاجة إلى حنوٍ ممن هم حوله وسط التجربة، فظن أنه كان يمكن لأصدقائه أن يقدموا له الحنو الذي حرمه الله منه [21-22]. ثالثًا: امتاز أيوب البار أنه مع معاناته من ضعفه البشري إلا أنه بالإيمان الحي ارتفع إلى واقعٍ حقيقيٍ آخر، وهو أن حب الله له فائق، وعنايته به عجيبة. لهذا يتساءل: هل بالحق الله هو عدوِّي؟ فإنه هو رجائي الوحيد! [23-27]. يعود يسمو إلى علو الإيمان، فيقول في ثقة الإيمان الكاملة: "أما أنا فقد علمت إن وليي حي، وعلى الأرض يقوم". فهو يعزي نفسه بالإيمان والرجاء في سعادة العالم الآخر. ونحن نعتقد أن أيوب كان تحت تأثير الروح القدس الذي رفعه فوق نفسه، وأنار بصيرته، ووضع في فمه كلامًا بطريقةٍ مذهلةٍ. ونلاحظ أننا لا نجد في أحاديث أيوب بعد هذا أي تذمر أو شكوى من الله، كما فعل قبل ذلك، لأن ذلك الرجاء هدأ روحه. رابعًا: إذ ارتفع أيوب البار بقلبه وفكره إلى إدراك محبة الله، وامتلأ قلبه بالرجاء. كما نطق بعبارات خاصة بأحواله، تحمل نبوات رائعة عن السيد المسيح الذي احتل مركز الإنسان المتألم، والذي تعثر فيه إشعياء في البداية حيث قال: "لا صورة له ولا جمال فننظر إليه، ولا منظر فنشتهيه. مُحتقر ومخذول من الناس، رجل أوجاع ومختبر الحزن، وكمُستر عنه وجوهنا، مُحتقر فلم نعتد به" (إش 53: 2-3). لكن عاد إشعياء فتمتع بسرّ صليبه، وسَّجل لنا "تسابيح العبد المتألم، أغنية كل نفسٍ تتلاقى مع سرّ الصليب، وتتعرف على مخلصها غافر خطايانا، وواهبها البرّ الحقيقي وشركة الأمجاد الأبدية. جاءت أغلب عبارات أيوب في هذا الأصحاح نبوات تحققت في شخص السيد المسيح المتألم كرأس الكنيسة، وأيضًا في الكنيسة كجسد المسيح المُتألم: أ. تعذيبه بكلمات أصدقائه [1-4]؛ هكذا لم يتوقف قادة اليهود عن أن يتقدموا ليجربوا السيد المسيح، ويستخدموا الكلمات اللاذعة والاتهامات الباطلة، عوض الكرازة به كأصدقاءٍ له، يعرفونه خلال الرموز والنبوات التي بين أيديهم. ب. استكبار اليهود على المسيا المخلص، مع عدم قدرتهم على إثبات اتهاماتهم عليه [5]. ج. ما حل به من آلام، كمن سقط في شبكة الله، إنما تحقيقًا لإرادة الآب، وقد وضع هو نفسه بإرادته [6]. د. صار طريقه كما لو كان ظلامًا، لذلك حلت الظلمة على العالم وقت الصلب. ه. زال تاج أيوب [9]، وأخفى السيد المسيح مجده ليحمل تاج العار، أو إكليل الشوك عنا. و. انهدم أيوب تمامًا [10]، وأسلم السيد المسيح روحه على الصليب, ز. حُسب أيوب في أعين أصدقائه عدوًا لله [11]، وحمل مسيحنا خطايا العالم على كتفيه لكي يرفع الغضب الإلهي والعداوة عنا. ح. تحول أقرباء أيوب إلى غرباء عنه [13]، وجاء السيد المسيح إلى خاصته، وخاصته لم تقبله. ط. لم تحتمل زوجة أيوب رائحته [17]، وصار السيد المسيح رائحة موت لموت للأمة اليهودية التي جحدته (2 كو 2: 16). ي. يطلب أيوب من أصدقائه أن يتراءفوا عليه [21]، ويصرخ السيد المسيح على الصليب: "أنا عطشان" (يو 19: 28)، مشتاقًا أن يشرب من مياه الحب للراجعين عن شرورهم وجحدهم. إنه يريد أن الجميع يخلصون، وإلى معرفة الحق يقبلون (1 تي 2: 4). يطلب أيوب أن يفهم أصدقاؤه سرّ آلامه، وأن تُسجل قصته، وتُنحت على صخر لتتعلم منها الأجيال [23-24]. ويرسل السيد المسيح روحه القدوس الذي ينقش سرّ حبه العملي على القلوب الحجرية، فتحمل صخرة الإيمان، وتتحول إلى ملكوت إلهي سماوي مفرح. ك. يوجه أيوب أنظار أصدقائه إلى القيامة التي يهبه الله الحي إياها [25]، ويوجه السيد المسيح البشرية المحبوبة إليه جدًا إلى قيامته ليتمتعوا بقوتها، ويقوموا به من الموت إلى الحياة الأبدية. ل. يختم حديثه هنا بتحذير أصدقائه لئلا يرفضوا الحق، ويتمسكوا بالكلام الباطل [28]، حتى لا يقتلهم السيف [29]. ويحذر السيد المسيح غير المؤمنين لئلا يُحرموا من الأبدية المفرحة ويُلقوا مع إبليس في جهنم! يختم أيوب كلامه بتهديد أصحابه بأن ظهور الله الذي ينتظره برجاء سيسبب خوفًا لهم إذا استمروا يصرون على أن خطيته هي سبب آلامه. يريد أيوب أن تُنقش كلماته وتُسجل، فحتمًا سيأتي اليوم الذي يقف فيه الله شاهدًا له لصالحه. لكن هل كان يتوقع تحقيق هذا قبل موته أم بعده؟ |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
أيوب |خروج بلدد عن الموضوع |
أيوب | امتدح بلدد قدرة الله |
أيوب | جاء دور بلدد للمرة الثانية |
يوبخ بلدد أيوب بسبب ما سبق أن قاله |
من أصدقاء أيوب ”بلدد الشوحي“ |