رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
لا نحكم حسب الظاهر هِيَ وَاحِدَةٌ. لِذَلِكَ قُلْتُ إِنَّ الْكَامِلَ وَالشِّرِّيرَ هُوَ يُفْنِيهِمَا [22]. يصر أصدقاء أيوب على أن الأبرار ينجحون في هذا العالم ومصونون من التجارب، وإن لحقتهم سرعان ما تُرفع عنهم. أما الأشرار ففاشلون تحوط بهم التجارب في هذا العالم وتسحقهم، وليس من منقذ. أما أيوب فيؤكد عكس ذلك فقد ينجح بعض الأشرار في هذا العالم ويزدهرون، بينما يتعرض الأبرار للتجارب المتلاحقة. هذه هي نقطة الخلاف الرئيسية في كل المناقشات بين أيوب وأصدقائه، هدفها أن يؤكد الأصدقاء بأن أيوب شرير مرائي، يحمل صورة التقوى ويخفى شرورًا تغضب الله. يؤكد أيوب هنا أن الأحداث الزمنية ليست هي المقياس للتعرف على حقيقة الإنسان إن كان بارًا أو شريرًا. "هي واحدة"، قد تحل النكبات على الأشرار كما على الأبرار، والموت يحل بهؤلاء وأولئك. "السيف يأكل هذا وذاك" (2 صم 11: 25). يأكل يوشيا الملك الصالح كما يأكل آخاب الملك الشرير. هكذا نرى أن "الكامل والشرير هو يفنيهما". لقد أُرسل الصالحون والأشرار معًا إلى سبي بابل (إر 24: 5، 9). * "هي واحدة، أنا قلت الكامل والشرير هو يفنيهما" [22]. يمكن توضيح ذلك بالكلمات التالية: إني قلت هذه الكلمات عن نفسي، حتى وإن كنت كاملًا لا أظهر كاملًا لو فُحصت بدقة، ولا إن كنت شريرًا أظهر هكذا إن بقيت مخفيًا، أنسحب من الامتحان الدقيق الثاقب. أما الديان الحازم فهو يدرك كل الأمور، ويخترق حيل الأشرار بطريقة عجيبة. من أجل البلوغ إلى الأفضل يدين كل حسب ميله. البابا غريغوريوس (الكبير) "صارت دموعي لي طعامًا نهارًا وليلًا" (مز 3: 42). "أعوم كل ليلة سريري بدموعي، بدموعي أبلل فراشي" (مز 6: 6). "تنهدي ليس بمستور عنك" (مز 9: 38). "حزني قد تجدد" (مز 2: 39)؟ أليس أولاد الله الذين يئنون مثقلين لا يريدون أن يتعروا، بل يلبسوا فوقها حتى يُبتلع المائت من الحياة؟ أليس حتى الذين لهم ثمار الروح يئنون داخلهم مترقبين التبني، خلاص أجسادهم؟ (رو 23:8). ألم يكن للرسول بولس نفسه مواطن أورشليم السماوية هذا كله عندما كان مثقلًا وفي حزن قلب مستمر من أجل إخوته الإسرائيليين؟ لكن سوف لا يكون موت في المدينة إلا عندما يُقال: "أين نضالك يا موت؟ أين شوكتك يا موت، فإن شوكة الموت هو الخطية" . القديس أغسطينوس إِذَا قَتَلَ السَّوْطُ بَغْتَةً يَسْتَهْزِئُ بِتَجْرِبَةِ الأَبْرِيَاءِ [23]. إذ امتد السيف بغتة يقتل هذا وذاك؛ الشرير لهلاكه، والبار لتزكية إيمانه. "لكي تكون تزكية الإيمان مع أنه يُمتحن بالنار توجد للمدح والكرامة والمجد" (1 بط 1: 7). إذ يستخف الأبرياء بالموت لأنه عبور إلى المجد! يعلق البابا غريغوريوس (الكبير) على عبارة: "يضحك بتجربة الأبرار" قائلًا: [إن كان يستخدم تعبير "ضحك" الله ليعني به فرحه، فإنه يقال أنه يضحك بتجربة الأبرار، إذ يطلبوه بغيرةٍ (في وقت التجربة) وفي حنو يفرح بنا، فإن ألمنا يسبب له نوعًا من الفرح حينما تصير لنا رغبات مقدسة أن نؤدب أنفسنا من أجل حبنا له.] * يقول بولس (2 كو 4: 17) أن أحزاننا الحاضرة خفيفة إذ تحدث في حدود زمنٍ ما ومكانٍ معين. مقابل هذا التعب الهيّن نقتني المجد بدرجةٍ تفوق كل قياسٍ . أمبروسياستر القديس أغسطينوس الأَرْضُ مُسَلَّمَةٌ لِيَدِ الشِّرِّيرِ. يُغَشِّي وُجُوهَ قُضَاتِهَا. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُو،َ فَإِذًا مَنْ؟ [24] كثيرًا ما يسمح الله للأشرار أن ينجوا بل ويتسلطوا على الأرض، فمن جانب لا يشتكي العدو بأن الأبرار يعبدون الرب ويتقونه لنوال بركات زمنية ونجاح أرضي، ومن جانب آخر فإن الله يترك الشرير في حريته لعله يتوب عن فعله إن تلامس مع محبة الله، أو يمتلئ كأس شره إن أصر على تمرده وعناده. إن كان العدو الشرير يُدعى "إله هذا الدهر"، فلا نعجب إن تسَّلم الأشرار الأرض، وظنوا أنهم ناجحون وملوك. تُسلم الأرض ليد الأشرار، ويتمتع الأبرار بالسماء، لأن السماوي ساكن فيهم. "يغشى وجوه قضاة الأرض" بينما يتعرض الأبرار للظلم على الأرض ويلبس الأشرار قناعات، فيظهرون كقضاة للأرض، كمن يحكمون بالعدل، وإن لم يكن الأمر كهذا. مع تقديم هذه الحقيقة، لكن يرى الكثيرون أن أسلوب أيوب يحمل نوعًا من التذمر، كيف يترك الرب الأشرار ينجحون ويسيطرون على الأرض، ويظهرون كقضاة يحكمون على الأبرياء. مع تقديم مبدأ هام بحكمة كان يمكن لكلمات أيوب أن تعزيه داخليًا، فلا يبالي باتهامات أصدقائه. لكن يبدو أن التذمر الداخلي - كضعف بشري - أثار فيه مشاعر مرة. فقد رأى أيام رخائه قد عبرت سريعًا، هربت منه، ولم يبقَ لها أثر، فصار كمن لم يذق الخير قط. يرى القديس أغسطينوس أن الأرض هنا تشير إلى الجسد ، فقد يسمح الله بتسليم الجسد للتأديب بيد الشرير، أو للفحص والتزكية، أما نفس البار فلن يقدر العدو أن يقترب إليها. ماذا يعني القول: "الأرض مسلمة ليد الشرير" (24:9) سوى أنه إذ خُلق الجسد من التراب، فقد يسمح الله بتسليم أجسادنا الترابية للأشرار ، لكن لا سلطان لهم عليها سوى ما فيها من تراب، أما إذ تحمل الطبيعة الجديدة التي على صورة خالقها وتلبس صورة آدم الثاني الذي من السماء، فلا سلطان لأحدٍ منهم عليها. يرى القديس أغسطينوس أن الكلمة الإلهي نفسه وقد تجسد، أخذ هذا الجسد الترابي وسمح بتسليمه للأشرار للمحاكمة وقتله، لكي لا نخشى الأشرار، بل نشارك مسيحنا آلامه وموته لنختبر قيامته وأمجادها. * غالبًا ما يُسلم البار في يدي الشرير، لا ليُكرم الأخير، وإنما لكي يُختبر الأول، وبالرغم من أن الشرير يأتي إلى موت مهيب كما هو مكتوب (أي 23:9)، إلا أنه في الوقت الحاضر يكون الصديق موضع سخرية، بينما صلاح الله والمخازن العظيمة المخزونة لكل منها مخفية. القديس غريغوريوس النزينزي *"الشرير يراقب الصديق محاولًا أن يميته، الرب لا يتركه في يده" (مز 32:37-33). فلماذا إذن ترك الشهداء في أيدي الأشرار؟ لماذا فعلوا بهم ما أرادوا (مت 12:17)؟ ذبحوا البعض بالسيف، وصلبوا البعض، وألقوا البعض للوحوش، وحرقوا البعض بالنار، وقادوا البعض في سلاسل، وأهلكوهم بخططٍ مدمرةٍ. بالتأكيد "لم يترك الرب قديسيه" إنه لا يتركهم في أيديهم. أخيرًا لماذا ترك ابنه الوحيد في أيدي الأشرار...؟ اسمع ما يقوله سفر آخر متنبأ عن آلام ربنا المقبلة في أيدي الأشرار: "أُعطيت الأرض في أيدي الأشرار" (أي 24:9)... إنه يتحدث عن تسليم الجسد في أيدي المضطهدين. لكن الله لم يترك "صفية" (مز 10:16) هناك، فمن خلال الجسد الذي أُسر، قاد النفس غير المنهزمة . * "هلموا نقتله، فيكون لنا الميراث" (مر 7:12). يا لكم من أغبياء! كيف يكون لكم الميراث؟ هل لأنكم قتلتموه؟ نعم، لقد قتلتموه، لكن لا يكون لكم الميراث... عندما افتخرتم أنكم قتلتموه إنما نام، إذ قال في مزمور آخر: "أنا اضطجعت ونمت". لقد ارتجوا وأرادوا قتلي، وأنا نمت، لو لم أرد ذلك لما نمت. أنا نمت، لأن "لي سلطان أن أضع (حياتي)، ولي سلطان أن آخذها أيضًا" (يو 18:10). "أنا اضطجعت ونمت ثم استيقظت" (مز 5:3). لتثوروا أيها اليهود، لتُعطَ الأرض في أيدي الأشرار، أي ليُترك الجسد في أيدي المضطهدين، ليعلقوه على خشبة، ويثبتوه بالمسامير، ويطعنوه بالحربة. ألم يضف ذاك الذي ينام أنه يقوم أيضًا..؟ متى خُلقت حواء؟ عندما نام آدم! متى خرجت أسرار الكنيسة من جنب المسيح؟ عندما نام على الصليب. * ليثر المضطهدون! لتُسلم الأرض في يد الشرير (أي 10: 17)! ليسمر الجسد على الخشبة بالمسامير، ويُطعن بحربة. فإن ذاك الذي يضطجع وينام يقول "أنا أقوم ثانية". القديس أغسطينوس |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|