منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 01 - 03 - 2023, 05:07 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,711

اتهام أيوب بالرياء


اتهام أيوب بالرياء

اِسْأَلِ الْقُرُونَ الأُولَى،
وَتَأَكَّدْ مَبَاحِثَ آبَائِهِمْ [8].
لم يجسر بلدد أن يعلن لأيوب أن ما حلٌ به -حسب خبرته الشخصية- ليس إلا تأكيد بأنه شرير، وإنما وضع أساس حكمه هذا على خبرة الأجيال القديمة. فإن كان أليفاز قد اعتمد على خبرته الشخصية، فإن بلدد يكمل ذلك بالرجوع إلى خبرة القدامى.
في تعليق الأب هيسيخيوس الأورشليمي على هذه العبارات (8-10) يرى أن ما حدث مع أيوب يشبه ما حدث مع هابيل. تطلع قايين إلى جثمان أخيه هابيل ملقيًا عن الأرض قتيلًا (تك 4)، فظن أن هذا ثمرة عمله، وأن قايين بار وقد استقرت الأرض واستراحت لتكون بين يديه وهو في طمأنينة، ولم يكتشف الحقيقة أن صوت دماء أخيه تصرخ، وقد بلغت إلى السماء.
كما تطلع قايين إلى هابيل حاسبًا ما حدث له هو بسبب شره، هكذا تطلع بلدد وزملاؤه إلى أيوب وهو في المزبلة، فحسبوه شريرًا. وكما شهد الله لبرّ القتيل معلنًا أن أبواب السماء مفتوحة لتستقبل صوته، هكذا يشهد الله لأيوب ويستمع إلى صرخات قلبه. لقد أراد أن يطأ أخاه تحت قدميه، وأراد الأصدقاء أن يسحقوا نفس أيوب تحت أقدامهم.
كان يليق بأصدقاء أيوب أنفسهم أن يسألوا القرون الأولى فيروا أن ما حل بهابيل من ظلمٍ، ليس عن شر فيه، بل سبب برِّه، ولم تنته حياته ببركات أرضية وخيرات زمنية، وإنما بانفتاح أبواب السماء لتتقبل صرخات دمه المسفوك على الأرض.
قال أليفاز إن الله لا يسمح لأحد المستقيمين أن يُباد هكذا (أيوب 4: 7)، أما بلدد فيقول هنا أن الله يدفع بالأشرار المرائين إلى الخزي والعار والدمار في هذا العالم. فإن كان أليفاز أراد تأكيد أن أيوب ليس مستقيمًا وإلا ما كان قد حلّ به هذا كله، إذا ببلدد يوجه له اتهامًا صريحًا أنه شرير مرائي.
يطلب من أيوب أن يلجأ إلى القرون الأولى ليتأكد بنفسه أن ما يقوله حق، وذلك خلال الخبرة العملية الطويلة عن أحكام الله من جهة الأشرار منذ القرون الأولى حتى عصرهم.


لأَنَّنَا نَحْنُ مِنْ أَمْسٍ،
وَلاَ نَعْلَمُ لأَنَّ أَيَّامَنَا عَلَى الأَرْضِ ظِلٌّ [9].
يطالبه ألا يعتمد على خبرته حتى وإن كان شيخًا لأن العمر كله أشبه بيومٍ، كأنه بالأمس قد مضى، ومعرفته محدودة، وخبرته تكاد تكون عابرة مثل حياته. هذا ما يدفعنا للتطلع إلى خبرة الأجيال القديمة.
جاءت كلماته متقاربة مع ما تغنى به الملك داود في صلاته الوداعية، قائلًا: "لأننا نحن غرباء أمامك ونزلاء مثل كل آبائنا. أيامنا كالظل على الأرض، وليس رجاء" (1 أي 29:15)، لكن قلبه وفكره لم يكونا كقلب داود وفكره. فالكلمات التي نطق بها بلدد نافعة، وكان يُمكن أن تكون مقدسة لو أن قلبه كان طاهرًا نقيًا ومحبًا ومقدسًا.


فَهَلاَّ يُعْلِمُونَكَ،
يَقُولُونَ لَكَ،
وَمِنْ قُلُوبِهِمْ يُخْرِجُونَ أَقْوَالًا قَائِلِينَ [10].
يحمل الآباء الأولون حبًا نحو أولادهم وأحفادهم، فيقدمون مع خبرتهم قلوبهم المتسعة لنا، لذا فإن كلماتهم لها وزنها.
* وضع بلدد كلمات الحق العجيب ضد المرائين، لكنه بحديثه هذا كان يشير إلى نفسه. لأنه لو لم يكن متظاهرًا بالبرّ بصورة هزيلة ما كان قد تجاسر ليعلم إنسانًا صالحًا بطيشٍ عظيم كهذا... كلماته بالحق تحمل قوة رائعة، لكن كان يليق توجيهها للأغبياء وليس لرجلٍ حكيمٍ؛ للأشرار وليس لإنسان صالح، فإن من يسكب ماء في النهر بينما حدائقه جافة وظمأى يكشف أنه ليس بأقل من مجنون.
البابا غريغوريوس (الكبير)

سبق لي الحديث عن أهمية تراث الآباء في كتاب "بدء الأدب المسيحي الآبائي"، جاء فيه:
[ما هو مدى التزامنا بما ورد في تراث الآباء؟
يمثّل الآباء القدّيسون فكر الكنيسة الجامعة الذي تسلّمته من الرسل بفعل الروح القدس الذي يعمل بلا انقطاع في حياة الكنيسة. يتحدّث عنهم القديس أغسطينوس، قائلًا: "تمسّكوا بما وجدوه في الكنيسة، عملوا بما تعلّموه، وما تسلّموه من الآباء أو دعوه في أيدي الأبناء"، "من يحتقر الآباء القدّيسين إنّما يعرف أنّه يحتقر الكنيسة كلّها".
يقوم هذا السلطان على عاملين: عامل طبيعي إذ اتّسم الآباء بالحياة القدسيّة والأمانة في استلام وديعة الإيمان الحيّ من أيدي الرسل لذلك هم أقدر على الشهادة للحياة الكنسيّة من كل جوانبها، خاصة وأنهم يحملون الفكر الواحد، بالرغم من اختلاف الثقافات والمواهب والظروف، مع بُعد المسافات بين الكراسي الرسوليّة وصعوبة الاتصالات في ذلك الحين. والعامل الثاني إلهي حيث عاش الآباء منحصرين بالروح القدس قائد الكنيسة ومرشدها إلى كل الحق، يحفظها داخل دائرة صليب المسيح.
هذا لا يعني عصمة الآباء كأفراد، وإنّما تعيش الكنيسة الجامعة ككل محفوظة بروح الرب...
احتل تراث الآباء مركزا مرموقًا في حياة الكنيسة وإيمانها، اعتمد عليه القدّيس أثناسيوس في دفاعه، كما اعتمد القدّيس باسيليوس على كثير من التقاليد الكنسيّة خلال أقوال الآباء السابقين له.
تزايد هذا الاتجاه، إي الالتجاء إلى أقوال الآباء السابقين، في القرن الرابع، ونما جدًا في القرن الخامس . فالقديس كيرلس الإسكندري كمثال، في كتاباته إلى الرهبان المصريّيندفاعًا عن لقب القدّيسة مريم ثيؤتوكوس qeotokoc -لتأكيد أن المولود هو كلمة الله المتأنّس دون انفصال اللاهوت عن الناسوت- أشار إليهم أن يقتفوا آثار القدّيسين. إذ حفظوا الإيمان المُسَلَّم إليهم من الرسل، وعلّموا المسيحيّين باستقامة. مرّة أخرى يؤكّد أن التعليم الصحيح الخاص بالثالوث القدّوس قد وضح "بحكمة الآباء القدّيسين". وفي حديثه ضدّ نسطورالتجأ إلى تعليم الكنيسة المقدّسة الممتدّة في كل العالم وإلى الآباء المكرّمين أنفسهم، معلنًا أن الروح القدس تحدّث فيه. ولتدعيم حديثه عن السيّد المسيح استند إلى بعض متقتطفات آبائيّة في كتاباتهم الجدليّة، قدّمها إلى مجمع أفسس.]


هَلْ يَنْمُو الْبَرْدِيُّ فِي غَيْرِ الْمُسْتَنْقَعِ،
أَوْ تَنْبُتُ الْحَلْفَاءُ بِلاَ مَاءٍ؟ [11]
إذ يتهم بلدد أيوب بالرياء يقدم صورًا مؤلمة عن المرائي بوجه عام، غير أنه يعني أيوب بوجه خاص:
أولًا: بالبردي الذي لا ينمو إلا في مياه مملوءة وحلًا، والحلفاء الجاف الذي بلا ماء [11].
ثانيًا: بالعنكبوت الذي يتكل على بيته، فيظن أنه في آمان، مع أن بيته لن يثبت [14-15].
ثالثًا: بالعشب الذي تحرقه الشمس فتجففه، مع أنها سٌر حياة ونمو النباتات [16].
رابعًا: بمن يتعثر بالحجارة في الطريق، فيسقط ويهلك.
خامسًا: بالشجرة المورقة الجميلة التي يضرب الفأس بجذورها فتُقلع وتموت.
ما هي خبرة الآباء الأولين في هذا الأمر؟ يجيب الآباء بأن آمال المرائين وأفراحهم كالبردي والحلفاء. كلاهما ينميان في المستنقع وسط الطين أو الوحل أو الحمأة، وبالماء. هكذا المرائي لا يحقق رجاء. بدون أرض متعطنة أو جو غير الوحل. يتكل على مظاهر خارجية للتدين والتقوى والنجاح، مظاهره مخادعة، على الغرور بنفسه كلمات المديح الموجهة إليه، هذه كلها ليست إلا وحلًا، وآمالهم ليست إلا بردي وحلفاء.
إن كان البردي يشير إلى الإنسان المرائي الذي يحتاج إلى مياه الروح القدس المقدسة. في وسط المياه يوُلد المؤمن ابنًا لله بالروح القدس، وبمياه الروح يرتوي ويتجدد، حتى يحمل أيقونة السيد المسيح، فيتأهل لنوال شركة المجد الأبدي.
* يشير بالبردي والحلفاء إلى حياة المرائي، إذ له مظهر الخضرة، لكن بلا ثمر نافع لخدمة الإنسان فمع كونه أخضر، له مجرد لون القداسة، يكون دائم الجفاف عديم الثمر عمليًا...
المراءون منفصلون عن واهب البركات الكثيرة بسبب نزعات فكر قلوبهم فمع نوالهم عطاياه يطلبون مديحهم لا مجد العاطي. وبينما يمجدون أنفسهم بمديح ذواتهم عن بركات موهوبة لهم، يقاومون صانع الخيرات بذات العطايا.
المرائي ينتقد بشدة حياة من يوبخه. إذ يتوق أن يثبت أنه مخطئ فوق كل حدود، حتى يبرر نفسه، لا بما يمارسه من أفعال بل بإبراز أخطاء الآخرين... حسنا قيل بسليمان: "لا توبخ مستهزئا لئلا يبغضك" (أم 9: 8)...
هنا نحتاج أن نعرف أن سمو الصالحين يبدأ بالقلب وينمو إلى نهاية الحياة الحاضرة. أما ممارسات المرائين، فإذ ليس لهم جذور فإنهم غالبًا ما يبلغوا إلى لا شيء قبل نهاية الحياة الحاضرة. غالبًا ما يكرسون حياتهم للدراسات المقدسة، وإذ هم يفعلون هذا لا لإقامة مخازن للفضائل بل لنوال مديح وإطراء، فعندما يبلغون عبارة تهبهم مديحًا بشريًا يسرون بالنجاح الزمني. لهذا فهم فارغون تمامًا من الثقافة المقدسة، ويظهرون بسلوكهم بعد ذلك كيف يحبون الزمنيات، أما عن الأبديات فلا تتعدي الحديث عنها بشفاههم... إنهم شهود على أنفسهم أن صلاحهم ليس نابعًا عن القلب.
البابا غريغوريوس (الكبير)
* لهذه الغاية اعتمد المخلّص هذا الذي لا حاجة به إلى العماد، حتى يقدِّس الماء لأجل الذين سيولدون من جديد.
القدّيسإكليمنضس السكندري
* يُسمى العماد "غسل التجديد"، إذ يصحبه تجديد الروح الذي يرف على المياه.
* يخلق الروح القدس لنفسه شعبًا جديدًا، ويجدد وجه الأرض، عندما يخلع الناس عنهم، من خلاله، "إنسانهم العتيق مع أعماله" (كو 9:3)، "ويسلكون في جِدَّة الحياة" (رو4:6).
* كل من حُسِب مستحقا لشركة الروح القدس، بمعرفة أسراره غير المنطوق بها، سيحصل، وبكل تأكيد، على راحة وابتهاج القلب. فحيث قد توصل ، بإرشاد الروح إلى معرفة لكل ما يحدث من أمور - وكيف ولماذا تحدث - فلا يمكن لنفسه أن تضطرب أو تشعر بأسف.
* الطبيعة الإنسانية ضعيفة. وحتى تصير قوية، فهي تحتاج إلى مساعدة من يقويها. مساعدة من؟ مساعدة الروح.
بمعنى أن الذي ينشد القوة الحقيقية، لا بُد أن يصير قويا بالروح.
الأغلبية تصير قوية بالجسد، وحسب الجسد. أما جنود الله (2 تيموثاوس 3:2) فيصيرون أقوياء بالروح، وبالتالي شجعانا في مواجهة "الفكر الجسدي الذي يهتم بما للجسد (رومية 7:8). فالروح في مصارعة مع الجسد، أما روح الإنسان التي يقويها ذلك الروح فستحرز النصر.
العلامة أوريجينوس
* اعتمد الرب لا ليتطهّر بل ليطهّر المياه، حتى إذا اغتسلت المياه بجسده الذي لم يعرف الخطيّة، جاز لها أن تُستخدم في العماد .
القديس أمبروسيوس
* اعتمد المسيح، أعني طهَّر الماء بعماده.
العلامة ترتليان


وَهُوَ بَعْدُ فِي نَضَارَتِهِ لَمْ يُقْطَعْ
يَيْبَسُ قَبْلَ كُلِّ الْعُشْبِ [12].
سرعان ما يظهر البردي بأوراقه الجميلة الخضراء، لكنه ييبس ويتلاشى في وقت وجيز، وقبل أن يُقلع (مز 129: 6).


هَكَذَا سُبُلُ كُلِّ النَّاسِينَ اللهَ،
وَرَجَاءُ الْفَاجِرِ يَخِيبُ [13].
سرّ الرياء هو نسيان الإنسان لله فاحص القلوب والعارف بالأسرار الخفية في الفكر.
* "هكذا سبل كل الناسين الله، ورجاء المرائي يخيب"... رجاء المرائي لا يمكن أن يثبت، فإنه إذ لا يجعل الأبدية غايته يفقد كل ما يمسك به في يده. ميل فكره غير مثبت على المجد الذي لا ينتهي، وإنما إن هو يشهق طالبًا المديح الزائل يفقد ما قد تعب في نواله، يشهد "الحق" بذلك، قائلًا: "الحق أقول لكم إنهم قد استوفوا أجرهم" (مت 6: 2).
لا يستطيع أحد أن يربط نفسه بالزائل ويبقى هو نفسه غير زائل. فإن من يحتضن الأمور الزائلة بالطبع ينحدر إلى الزوال. ليقل: "ورجاء المرائي يخيب".
البابا غريغوريوس (الكبير)
* أيوب الذي خضع مرة أخرى للتجربة سبح الله وباركه، بالحق لم ينسَ الله. لهذا فإن نهاية الأبرار لا تُقارن بالعشب الذي يذبل بالحرارة [12]. إنه إذ يشبه شجرة مغروسة على مجاري المياه، تعطي ثمرها في حينه (مز 1: 3)، فإنه إذ يحتفظ بثمر الفضائل يسبب لغروس كثيرة في العالم أن تزهر.
الأب هيسيخيوس الأورشليمي
* إنه مصدر فرح ومجد للبشر أن يكون لهم أبناء يتشبهون بهم... كم بالأكثر تكون مسرة الله عندما يؤكد إنسان روحي في أعماله وتسابيحه ويعلن السمو الإلهي في حياته .
القديس كيريانوس
*يا أيتها النفس، ذاك الذي خلقكِ يمكنه أن يشبعكِ. فإن طلبت ِأمرًا آخر فلبليتكِ.
القديس أغسطينوس


فَيَنْقَطِعُ اعْتِمَادُهُ،
وَمُتَّكَلُهُ بَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ! [14]
إذ لا يعتمد المرائي على الله، فإن كل ما يرجوه بل حتى ما يناله يصير كبيت العنكبوت الذي ينسج مسراته وتعزيته بنسيج واهٍ.
ورد هذا النص في كتابات البابا غريغوريوس (الكبير)"غباوته لا تشبعه..."
* إنها غباوة لامتناهية أن يعمل الإنسان بمشقة ويركض لاهثًا وراء لحظة مديح، فيمارس الشخص الوصايا السماوية بجهدٍ جهيدٍ ويبتغي أجرة أرضية...
"ومتكله بيت العنكبوت"... قد يحدث أن كلمات المرائين تدوم حتى نهاية الحياة الحاضرة ذاتها، ولكن إذ لا يطلبون مديح خالقهم، لا تحسب أعمالهم صالحة في عيني الله.
البابا غريغوريوس (الكبير)
*"لأن رجاء الفاجر يخيب، بيته يكون بلا ساكن، وخيمته تبرهن أنها نسيج عنكبوت" (LXX). لماذا تقول هذا لأيوب؟ هل لأنك بالفعل تعرف نهاية المصارع، ولك وجهة نظرك من جهة ساكن بيته وخيمته كنسيج عنكبوت؟
لكن أنت تظن بأن بيته مصنوع من خشب وحجارة، مبني لأجله بالفضائل (مت 7: 24). إنك تتخيل خيمته مصنوعة من هذه الأرض، ولهذا السبب تظن أنها ستهلك كنسيج عنكبوت، مع أن مسكنه فعلًا في السماوات، ككلمات بولس: "لأننا نعلم أنه إن نقض بيت خيمتنا الأرضي فلنا في السماوات بناء من الله، بيت غير مصنوع بيدٍ، أبديٌ؛ فإننا في هذه أيضًا نئن مشتاقين إلى أن نلبس فوقها مسكنًا الذي من السماء" (2 كو 5: 1-2).
لهذا السبب أيوب أيضًا يئن، لكنك تنظر (يا بلدد) إلى هذه المراثي بكونها جبنًا وتجديفًا. إنه "يدعم بيته"، لا بأمورٍ منظورة، بل بما هو غير منظور.
لهذا ينطق الكتاب المقدس بعبارات الحكمة: "الحكمة بنت بيتها لنفسها، شيدت أعمدتها السبعة" (أم 9: 1)...
أخذ أيوب هذا بصبر، ولم يجحد ثقته في علاقته بالله، بل على العكس احتمل العدو بشجاعة، وصد هجماته الباطلة، حتى يستطيع أن يكون له وجه باسل ضد كل النزاعات في الهجمات الجديدة.
الأب هيسيخيوس الأورشليمي
* الرياء يكرهه الله، ويمقته الإنسان. لا يجلب مكافأة، وبلا منفعة تمامًا في خلاص النفس، بل بالحري يكون علَّة هلاكها.
إن كان الرياء لا ينفضح أحيانًا، لكن إلى حين، إذ لا يدوم كثيرًا، بل ينكشف كل شيء، فيجلب على صاحبه وبالًا، وهكذا يكون أشبه بامرأة قبيحة المنظر تُنزَع عنها زينتها الخارجيَّة التي وُضعت لها بطرق صناعيَّة.
* الرياء غريب عن سمات القدِّيسين، إذ يستحيل أن يفلت شيء مما نفعله أو نقوله من عيني اللاهوت، إذ "ليس مكتوم لن يُستعلن، ولا خفي لن يُعرف". كل كلماتنا وأعمالنا ستُعلن في يوم الدين. لذلك فالرياء مُتعب وبلا منفعة. يليق بنا أن نتزكَّى كعباد حقيقيِّين نخدم الله بملامح صريحة وواضحة.
القديس كيرلس الكبير
* الكل يرى اللص "الرياء" يحمل كل شيء أمام عينيّه ويبتهج بذلك! يا لها من لصوصيّة جديدة من نوعها، تجتذب الناس وتبهجهم بينما هم يُسلبون!
القديس يوحنا الذهبي الفم


يَسْتَنِدُ إِلَى بَيْتِهِ فَلاَ يَثْبُتُ.
يَتَمَسَّكُ بِهِ فَلاَ يَقُومُ [15].
يفتخر المرائي بأعماله ويتكل عليها، كما يمسك العنكبوت ببيته الواهي.
كما يظن العنكبوت أنه متحصن بنسيجه الذي به يصطاد فريسته وهو لا يدرك أن نسيجه يُمكن أن يُكتسح بسهولة هكذا الإنسان المرائي يتحصن في شكلياته ومظاهر تقواه وإمكانياته، وإذا به يفقد كل شيء.
* "يستند إلى بيته فلا يثبت، يدعمه (بدعامة) فلا يقوم" [15]. كما أن بيت حياتنا الخارجية هو المبنى الذي يعيش فيه الجسم، هكذا بيت فكرنا هو أي شيء يركز الذهن عليه... لأن كل شيء نحبه يكون بالنسبة لنا كما لو كان مسكنًا يعطيه راحة. لذلك إذ ركز بولس قلبه على العلويات، فإنه وإن كان لا يزال على الأرض فهو غريب عليها. "محادثتنا في السماء" (في 3: 20). أما ذهن المرائي فإنه في كل ما يفعله لا يفكر في شيء إلا في سمعته وشهرته...
النفس الخاوية إذ تجد نفسها لا تحتفظ بشيء في داخلها بالرغم من كل أتعابها، تطلب شهادة من الخارج...
يتكئ المرائي على هذا البيت من الإطراء باطلًا، لأنه في يوم الدينونة لن تثبت شهادة بشرية. فإن المديح الذي ناله شهادة له تقبله كأجرة له.
البابا غريغوريوس (الكبير)
المسيحي وهو يسلك على الأرض بروح المسئولية والالتزام في كل ما يؤتمن عليه، يحمل لمسة سماوية في أفكاره كما في أحاسيسه ومشاعره، تترجم في كلماته وسلوكه الظاهر. حياتنا هي مدرسة إلهية خلالها نتعلم ونتدرب على الحياة السماوية، في كل اتجاهات حياتنا.
* أريدكم أن تحفظوا أذهانكم في هذه الأمور على الدوام (كو 1:3). فإن اهتمامنا بها يحررنا من الأرض وينقلنا إلى السماء.
القديس يوحنا الذهبي الفم
* يحق لنا أن نكون هناك في حضرة الله في السماوات، نحن الذين حفظنا الدرس بينما كنا على الأرض، وذهبنا هناك إلى السماء كي نكون في محبة الله الآب، ذاك الذي عرفناه ونحن على الأرض، ولأن الله الكلمة القدوس صنع كل شيء وعلمنا ويعلمنا كل شيء، وهو يدربنا في كل الأمور الصالحة.
القديس إكليمنضس الإسكندري
* عندما تتحقق إرادة الله بواسطتنا نحن الذين على الأرض كما تتحقق في الذين هم في السماء نتشبه بالسمائيين إذ نحمل مثلهم صورة السماوي (1 كو 49:15) ونرث ملكوت السماوات (مت 34:25). ويأتي الذين بعدنا وهم على الأرض يصلون لكي يتشبهوا بنا إذ نكون نحن في السماء (الفردوس).
العلامة أوريجينوس


هُوَ رَطْبٌ تُجَاهَ الشَّمْسِ،
وَعَلَى جَنَّتِهِ تَنْبُتُ أَغْصَانُهُ [16].
جاء كلمة الله المتجسد "شمس البرّ" الذي يشرق على الجالسين في الظلمة ليتمتعوا بنور البرّ، فيصيروا أبناء النور، وأبناء النهار. الشمس التي تنقلنا من ظلمة القبر إلى نور السماء، تجفف العشب. هذا هو عمل السيد المسيح الذي أقام البشرية من موت الخطية ودخل بها إلى أحضان الآب، أما الجاحدون الذين يصرون على عدم الإيمان به، فيجفون ويتأهلون للنار الأبدية.
* "يرى رطبا قبل مجيء الشمس". كثيرًا ما يُمثل الرب في الكتاب المقدس بلقب "الشمس"، كما قيل بالنبي: "ولكم أيها المتقون اسمي تشرق شمس البرّ" (مل 4: 2). الأشرار الذين يطردون في الدينونة يُوصفون في سفر الحكمة: "لقد ضللنا عن طريق الحق، ونور البرّ لم يشرق علينا، والشمس لم تشرق علينا" (حك 5: 6). لهذا فانه قبل الشمس يُرى البردي رطبًا.
البابا غريغوريوس (الكبير)


وَأُصُولُهُ مُشْتَبِكَةٌ فِي الرُّجْمَةِ،
فَتَرَى مَحَلَّ الْحِجَارَةِ [17].
يقيم منا حجر الزاوية حجارة حية مبنيين في بيت الرب، في الهيكل السماوي. أما الأشرار فيتعثرون في حجر الزاوية، فيسقطون ويهلكون.
يستخدم الأب هيسيخيوس الأورشليميالترجمة السبعينية (LXX)، بينما يرجع البابا غريغوريوس (الكبير) للفولجاتا.
* "يسقط على كومة من الحجارة، ويحيا وسط صوان"... يُشار إلى الناس في الكتاب المقدس بالحجارة، كما قيل للكنيسة المقدسة بإشعياء: "وأجعل شرفك ياقوتًا، وأبوابك حجارة منحوتة (بهرمانية)" (إش 54: 12)...
عبر بطرس عن ذلك بتقديمه النصيحة: "كونوا أنتم أيضًا مبنيين كحجارة حية، بيتًا روحيًا" (1 بط 2: 5). هنا إذ يدعوهم حجارة لم يدعهم بأي حال "حجارة حية"، إنما باللقب المجرد للحجارة، إنه يقيم المفقودين والمختارين ممتزجين معًا.
البابا غريغوريوس (الكبير)
* "ينام على كومة من الحجارة، ويعيش بين الحصى" هذه تخص أولئك الذين تكلم عنهم إشعياء: "هيئوا طريق الشعب... نقوه من الحجارة" (إش 62: 10). وأيضا: هيئوا الطريق، ارفعوا المعثرة من طريق شعبي" (إش 57: 14؛ 1 مكابيين 5: 4؛ مز 140: 6). يستنزف (العدو) ويجرح نفسه بموتٍ عضالٍ، عندما ننقي طرقنا من الشباك والحجارة المعثرة.
الأب هيسيخيوس الأورشليمي


إِنِ اقْتَلَعَهُ مِنْ مَكَانِهِ يَجْحَدُهُ قَائِلًا:
مَا رَأَيْتُكَ [18].
يقدم تشبيهًا آخر للمرائي وهو الشجرة الجميلة المزدهرة، التي تحتفظ بخضرتها بالرغم من أشعة الشمس، وجذورها ثابتة في التربة الصخرية، لا تزعزها الرياح. هذه الشجرة متى ضربها الفأس تُستأصل تمامًا ولا يبقى لها علامة في المكان الذي زُرعت فيه.
المرائي كالشجرة التي يشتهي الكل أن يتمتع بمنظرها، لكن إذ ضرب الرياء كالفأس بجذورها، تفقد حيويتها وثمارها وجمالها. تصير كالعذارى الجاهلات اللواتي لهن كل مظهر العذارى الحكيمات، لكن ليس لديهن زيتًا، فلا يحملن نورًا يخرج من مصابيحهن. يبقين في الظلمة، عاجزات عن الدخول في حجال العريس السماوي، حيث لا يمكن للظلمة أن يكون لها موضع فيه.
* "إن كان الله يلزم أن يهلكه، فإن مكانه يجحده". يهلك المرائي من مكانه، عندما يُنزع من مديح الحياة الحاضرة بتدخل الموت. لكن الشاهد الداخلي يجحده، وهكذا يهلكه، وتثبت أن الله لا يعرفه، إذ بعدل يدين حياة المتظاهر. الحق لا يعرفه، ولا يتعرف على الأعمال الصالحة التي مارسها. فإنه لم يمارسها بهدفٍ سليمٍ في الفكر. لهذا عندما يأتي الله إلى الدينونة سيقول للعذارى الجاهلات: "الحق أقول لكن إني لا أعرفكن" (مت 25: 12). فإنه إذ يرى فساد الفكر يدين حتى عدم الفساد الذي في الجسد.
البابا غريغوريوس (الكبير)
* "إن كان أحد يُبتلع، فالموضع يجحده". يقصد بالابتلاع في الكتاب المقدس ما قاله النبي إشعياء: "يُبتلع الموت إلى الأبد، ويمسح السيد الرب كل دمعة عن كل وجه" (إش 25: 8). لهذا السبب فإن "موضعه سيجحده"، لأن الابتلاع الذي به ابتلع الموت آدم (راجع رو 5: 17) حثه على عصيان أوامر الله (تك 2: 17)، يبتلع الموت نفسه لدماره.
لكن "موضعه يجحده". أي موضع؟ ربما هذا يخص الموت، لأن موضع الخائن هو الموت.
أيضا يمكن القول: "يمسح كل دمعة عن كل وجه" (أش 25: 8). جعل (السيد المسيح) آدم مجيدًا بصلبه وموته وقيامته، ويحول للعدو مكر الواشي. لقد خلص آدم، واُغتصبت اللعنة بواسطة ذاك الذي تنتمي إليه كل الموجودات.
الأب هيسيخيوس الأورشليمي


هَذَا هُوَ فَرَحُ طَرِيقِهِ،
وَمِنَ التُّرَابِ يَنْبُتُ آخَرُ [19].
هذا هو مصير الشرير الرائي، فإنه كان يظن أن رجاءه يتحول إلى فرحِ. فانه يُقتلع كالشجرة ويحل محله آخر، في ذات الموضع.
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
أيوب | فزعه من اتهامه بالرياء
أيوب | اتهام أيوب بأنه شرير خطير
أيوب | اتهام أيوب بالغطرسة
أيوب | اتهام أيوب بالبرّ الذاتي
تشكيل لجنة لفحص اتهام مبارك وشفيق ووالى بالاستيلاء على 119 فدانًا هام


الساعة الآن 09:47 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024