|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
تخرج يوسف في مدرسة المحبة الصادقة، فقد أتسع قلبه بالحب لإخوته المبغضين له، ونجح في بيت فوطيفار كعبد يخدم في محبة طاهرة، وأخيرًا كسجين وسط المذنبين، وفي الوقت المناسب رفعه الله إلى القصر وكأنه بالسيد المسيح الذي نزل من أجلنا إلى سجن الجحيم لكي يرفعنا معه إلى قصره السماوي واهبًا إيانا خبزًا سماويًا.
١. حلما فرعون ١-٨ ٢. إحضار يوسف ٩-١٦ ٣. الحلمان وتفسيرهما ١٧-٣٢ ٤. مشورة يوسف ٣٣-٣٦ ٥. يوسف وختم فرعون ٣٧-٤٦ ٦. يوسف وتخزين القمح ٤٧-٤٩ ٧. أبنا يوسف ٥٠-٥٢ ٨. يوسف يشبع مصر ٥٣-٧٥ طلب يوسف من رئيس السقاة أن يذكره أمام فرعون دون أن يمس سمعة امرأة فوطيفار في شئ، لكن إذ اتكل يوسف على هذا الذراع البشري تركه بعد ذلك سنتين في السجن، حتى متى جاء الوقت المحدد من قبل الله تكلم الله نفسه في قلب فرعون خلال حلمين أزعجاه. رأى فرعون نفسه واقفًا عند نهر النيل، وإذا بسبع بقرات حسنة المنظر وسمينة خرجت من النهر لترتع من مرج أخضر وخصيب، ثم خرجت سبع بقرات أخرى قبيحة المنظر ورقيقة اللحم أكلت البقرات الأولى وقد بقيت كما هي في قبح منظرها [٢١]. وإذ استيقظ فرعون ونام رأى سبع سنابل في ساق واحدة سمينه وحسنة، ابتلعتها سبع سنابل رقيقة ملفوحة بالريح الشرقية نابتة وراءها... لقد فسر يوسف الحلمين بكونهما يشيران إلى أمر واحد أراد الله تأكيده، هو حدوث رخاء عظيم لمدة سبع سنوات يفسده جوع شديد وقحط ليس له مثيل لمدة سبع سنوات تالية. تكرر الأمر بالنسبة لسنابل الحنطة، فإن كانت الكنيسة تمثل سنابل القمح المتحدة في ساق ملفوحة بالريح الشرقية، التي يقول عنها القديس هيبوليتس الروماني[428]: [أنها المسيح الدجال، يهب من الشرق كريح ساخنة تحرق الزرع المقدس. هكذا يهاجم المسيح الكذاب بأتباعه الكنيسة المسيح ليفسدها في أواخر الدهور]. يبدو أنها ستكون أيام مريرة عند ظهور ضد المسيح، الذي قال عنه الرسول بولس: "يستعلن إنسان الخطية ابن الهلاك المقاوم والمرتفع على كل ما يدعى إلهًا أو معبودًا حتى أنه يجلس في هيكل الله (كإله) مظهرًا نفسه أنه إله" (٢ تس ٢: ٤). وإذ يتعرض العلامة أوريجانوس لضد المسيح في عظاته على سفر أرميا يشكر الله أنه لا يعاصر هذه الأيام القادمة إذ يتساءل: "هل يا ترى سيوجد مؤمن واحد في كل كنيسة؟! بهذا يعكس العلامة أوريجانوس فكر الكنيسة في القرن الثاني عن المسيح الدجال. إذ أنزعج فرعون أحضر جميع سحرة مصر وحكمائها وقص عليهم حلمه فعجزوا عن تقديم تفسير للحلم. هنا تذكر رئيس السقاة ما حدث له ولرئيس الخبازين في السجن وكيف فسر لهما الغلام العبراني يوسف الحلمين. أخبر رئيس السقاة فرعون، فاستدعى يوسف الذي حلق وأبدل ثيابه ودخل على فرعون... وإذ أخبره فرعون بالأمر، أجاب: "ليس لي، الله يجيب بسلامة فرعون" [١٦]. إن كان إطلاق الشعر وارتداء ملابس السجن يشيران إلى التجسد الإلهي، حيث حمل السيد المسيح طبيعتنا لكن بغير فساد وارتدى جسدنا، فما فعله يوسف إذ حلق شعره وأبدل ثيابه ليدخل على فرعون يشير إلى السيد المسيح الذي يرتفع بنا إلى مجده، إلى حضن أبيه بعد أن ينزع عنا عارنا ويبدل طبيعتنا الأولى إلى طبيعة تليق بتمتعنا بحياته. في المسيح يسوع نخلع إنساننا القديم لنلبس الإنسان الجديد الذي على صورة خالقه. قص فرعون ليوسف الحلمين وأخبره أن السحرة لم يستطيعوا أن يخبروه بتفسيرهما. هنا فرعون يمثل العالم الذي كان الله يتحدث معه خلال الأحلام والرموز خاصة في العصر الموسوي... حتى يأتي السيد المسيح نفسه – يوسف – الذي يكشف لنا الرموز، ويحدثنا فمًا لفم، ويهبنا المشورة الصالحة باستلامه قيادة حياتنا، وإقامة مخازن قمح روحي في أعماقنا. ما أحوجنا أن ننطلق من الحكماء والسحرة إلى يوسف الحقيقي، فلا نعود نتكل على فهمنا البشري بل بالإيمان نلتقي بربنا يسوع، يكشف لنا الأسرار الإلهية ويقود حياتنا في أيام الشبع كما في أيام الجوع، ويتسلم تدبيرنا الروحي حتى يخرج بنا من ضيق هذا العالم إلى كمال مجده الأبدي! لم يقف عمل يوسف عند تفسير الحلمين بل قدم لفرعون مشورة صالحة بحسب الحكمة الإلهية: "فالآن لينظر فرعون رجلًا بصيرًا وحكيمًا يجعله على أرض مصر. يفعل فرعون فيوكل نظارًا على الأرض، ويأخذ خُمس غلة مصر في سبع سني الشبع، فيجمعون جميع طعام هذه السنين الجيدة القادمة ويخزنون قمحًا تحت يد فرعون طعامًا في المدن ويحفظونه، فيكون الطعام ذخيرة لسبع سني الجوع التي تكون في أرض مصر، فلا تنقرض الأرض بالجوع" [ ٣٤–٣٦]. لقد تركزت مشورة يوسف في النقاط التالية: أولًا: الحاجة إلى رجل بصير وحكيم يقيمه فرعون على أرض مصر... وكانت إجابة فرعون على هذا المطلب: "هل نجد مثل هذا رجلًا فيه روح الله؟! ثم قال فرعون ليوسف: بعدما أعلمك الله كل هذا ليس بصير وحكيم مثلك. أنت تكون على بيتي، وعلى فمك يقبل جميع شعبي" [ ٣٨–٤٠]. إذ يفتح الرب بصيرتنا فلا نعيش بعد تحت ظلال الناموس، بك يتكشف الحلمان فنفهم الحق عوض الظل، والمرموز إليه عوض الرموز نكتشف هذه الحقيقة أننا محتاجون إلى من يتسلم أرضنا ويتدبر حياتنا الداخلية بحكمة سماوية، فنقول ليوسفنا: إن كنت قد أدخلتنا إلى الحق، وفتحت بصائرنا على السموات من هو بصير وحكيم مثلك؟! من يكون على بيتي الداخلي ويشبع أفواه حواسي وعواطفي وكل طاقاتي غيرك؟! بمعنى آخر كلما دخل بنا ربنا يسوع المسيح إلى أسراره السماوية ازداد إحساسنا بالحاجة إليه والتهبت أعماقنا شوقًا نحوه، فنقول مع العروس: "وجدت من تحبه نفسي فأمسكته ولم أرخه حتى أدخلته بيت أمي وحجرة من حبلت بي" (نش ٣: ٤). إن كان فرعون قد تعلق قلبه بيوسف قائلًا: "هل نجد مثل هذا الرجلًا فيه روح الله؟!"، فكم بالحري يليق بنا أن نتعلق بذاك الذي روح الله هو روحه؟! الواحد مع الروح القدس في اللاهوت؟! يقول الرسول بولس: "لأن غاية الناموس هي المسيح" (رو ١٠: ٤)... فإذ يكشف لنا السيد المسيح عن أسرار الناموس وأعماقه نكتشف غايته أن يدفعنا نحو المسيح كمخلص وعريس للنفس البشرية. ولعله لهذا السبب كان المرتل يصرخ: "بنورك يا رب نعاين النور"، وكأنه يقول بمسيحك الذي هو نورك نكتشف أسرار ناموسك فيدخل بنا إلى المسيح نفسه بكونه "النور الإلهي". المسيح هو الطريق وهو الغاية! ثانيًا: يوسف يسأل فرعون أن يقيم نظارًا على الأرض تحت قيادة ذاك الحكيم الذي يدبر أرض مصر. ماذا يعني بهؤلاء النظار إلاَّ تقديس الحواس، فتكون جميع حواسنا مضبوطة في الرب ومقدسة، تعمل لا حسب أهواء الجسد بل حسب مشورة السيد المسيح مدبر حياتنا كلها. والعجيب أن السيد المسيح لم يأتمن نظارًا على حواسنا غير روحه القدوس الذي وحده يقدر أن يقدس ويشكل حواسنا حسب إرادته الإلهية. يقول القديس الأنبا أنطونيوس: [الروح القدس يعلم الإنسان أن يحفظ الجسد كله – من الرأس إلى القدمين – في تناسق. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و التفاسير الأخرى). فيحفظ العينين لتنظرا بنقاوة. ويحفظ الأذنين لتصغيا في سلام دون أن تتلذذ بالأحاديث عن الآخرين والافتراءات وذم الغير. ويحفظ اللسان لينطق بالصلاة وحده، معطيًا وزنًا لكل كلمة، فلا يسمح لشيء دنس أو شهواني أن يختلط بحديثه. ويحفظ اليدين لتتحركا طبيعيًا فترتفعان للصلاة لصنع الرحمة والكرم. ويحفظ المعدة ليكون لها حدود مناسبة للأكل والشرب، وذلك حسب القدر الكافي لقوت الجسد، فلا يترك الشهوة والنهم ينحرفان به فتتعدى حدودها. ويحفظ القدمين ليسلكا حسب إرادة الله بهدف القيام بالأعمال الصالحة. بهذا يكون الجسد كله قد اعتاد كل عمل صالح، وصار خاضعًا لسلطان الروح القدس، فيتغير شيئًا فشيئًا حتى يشارك – إلى حد ما – في النهاية صفات الجسد الروحي الذي يناله في القيامة العادلة[429]]. ثالثًا: طالب يوسف فرعون بالجمع في أيام الشبع، وتخزين خُمس المحصول السنوي لمدة سبع سنوات حتى يستخدم هذا الفائض في أيام الجوع. هذه مشورة حكيمة يليق بكل مؤمن أن يلتزم بها روحيًا، ففي فترات تعزيته الروحية والتهاب قلبه بمحبة الله يكون حريصًا أن يغتنم كل فرصة ليجمع لحساب ملكوت الله في مخازن قلبه الداخلية، حتى متى كان أمينًا وغير مستهتر في تلك الآونة يسنده الرب نفسه في أوقات الجفاف وفي فترات التجارب. بقد أمانتنا في فترات الالتهاب الروحي وحرصنا على كل فرصة للنمو والبنيان المستمر، نجد عون الله المجاني يفيض في فترات الفتور... فهو أمين و"ليس بظالم حتى ينسى عملكم وتعب المحبة" (عب ٦: ١٠). إن كنا تحت الناموس نلتزم بتقديم العشور، ففي عهد النعمة يليق بنا أن نقدم بفيض، فالخُمس هنا لا يعني كمًا معينًا إنما تقديم حواسنا له بكونها خمس حواس! رابعًا: إذ نقيم في الأرض مخازن "لا تنقرض الأرض بالجوع" [٣٦]... بمعنى أنه إن صار جسدنًا يحمل فيه مخازن الحنطة الروحية، فإن الخطية لا تستطيع أن تفسده بجوعها، بل يجتاز فترات الضيق دون أن يهلك! تلمس فرعون في يوسف أنه رجل فيه روح الله [٣٨]، إنسان بصير وحكيم ليس مثله في الحكمة، لذا قال له: "أنظر قد جعلتك على كل أرض مصر، وخلع فرعون خاتمه من يده وجعله في يد يوسف، وألبسه ثياب بوص (من الكتان الأبيض) ووضع طوق ذهب في عنقه، وأركبه في مركبته الثانية، ونادوا أمامه أركعوا" [٤١–٤٣]. من هو يوسف هذا إلاَّ السيد المسيح الذي رفضته أمته وقبله الأمم كملك يسيطر على قلوبهم ويدبر حياتهم ويتجلى في أعماقهم؟! من هو يوسف هذا إلاَّ كل مؤمن حق يثبت في السيد المسيح ليصير مرفوضًا من أخوته، مشهودًا لبره من الذين في الخارج؟! أما فرعون فإن كان يمثل الشعوب الوثنية التي قبلت السيد المسيح، العبد المرفوض من إخوته، ليملك عليها روحيًا ويتسلم قيادة حياتها، يمكننا القول أنه يمثل الآب أيضًا. فكما خرج يوسف من السجن ليلتقي بفرعون ويتسلم الخاتم من يده والثوب الكتاني الأبيض وطوق الذهب في عنقه والمركبة. إنه السيد المسيح الذي صار لأجلنا كعبد، ودخل إلى الجحيم كما في السجن، ولحسابنا أنطلق فنال باسمنا من الآب خاتم البنوة، فصرنا فيه أبناء الله، وتمتعنا ببره كثوب كتاني أبيض بلا عيب ولا دنس، وصار لنا شركة أمجاده معلنة في الطوق الذهبي، وتمتعنا بالمركبة السماوية المنطلقة بنا نحو السماء كما من مجد إلى مجد ومن قوة إلى قوة، وصرنا فيه ملوكًا مكرمين. لقد دعى فرعون يوسف "صفنات فعنيح" التي تعني بالمصرية "طعام الحياة"... اللقب الذي يليق بحق بالسيد المسيح إذ لم يبن مخازن أرضية ليجمع حنطة في أيام الرخاء بل قدم نفسه خبزًا سماويًا، من يأكله لا يجوع إلى الأبد. يرى البعض أن هذا اللقب يعني بالعبرية "مخلص العالم" أو "معلن الأسرار". أزوجه فرعون اسنات ابنة فوطي فارع كاهن أون، وكان في ذلك يرمز لاتحاد السيد المسيح بعروسه القادمة من الأمم حيث كان والدها يتعبد ويكهن للأصنام. هذا وأسنات أسم آلهة الحكمة، واسم أبيها فوطي فارع يعني المنتسب لرع إله الشمس، أما أون فهي هليوبوليس مدينة الشمس...ويقول إن أسنات كانت فتاة جميلة ومهذبة أحبت يوسف بسبب ما اتسم به من سمات فتركت عبادة الأوثان والتصقت بعبادة الله الحيّ. على أي الأحوال ليتنا نحسب كأسنات فنكون "حكماء" نترك عبادة شمس هذا العالم لنلتصق بشمس البر عريسًا أبديًا. أقام يوسف مخازن في كل مدينة وإذ بدأ الموظفون يقيدون كميات الطعام الواردة في كل مدينة حدث فيض حتى لم يستطع أحد أن يحصي الكميات الواردة، "وخزن يوسف قمحًا كرمل البحر كثيرًا جدًا حتى ترك العدد إذ لم يكن له عدد" [٤٩]. حينما نسلم حياتنا في يد ربنا يسوع يفيض في كل مخازن حياتنا، ويهبنا شبعًا بلا كيل، فوق كل الحسابات البشرية، فيعيش الإنسان متهللًا، لا يستطيع الفراغ أن يتسلل إلى فكره أو قلبه أو أحاسيسه! إذ يبسط الرب يديه يعطي بسخاء ولا يعير، مفجرًا في داخلنا ينابيع حية تفيض بلا توقف. في سنوات الشبع أنجبت أسنات ليوسف ابنين هما منسي، إذ قال يوسف: "الله أنساني كل تعبي وكل بيت أبي" [٥١]، أفرايم، قائلًا: "الله جعلني مثمرًا في أرض مذلتي" [٥٢]. النفس التي تلتصق بالسيد المسيح تنجب كأسنات ابنين هما منسي وأفرايم، الأول يمثل الجانب السلبي حيث ينسى الإنسان هموم الحياة ومتاعبها وينسى بيت أبيه القديم، أما الثاني فيمثل الجانب الإيجابي إذ أفرايم يعني "الثمر المتكاثر" فلا يكفي أن ننسى الماضي وإنما يليق بنا أن نثمر في الرب. إن كانت أسنات تمثل الحياة الفاضلة، إذ هي اتحاد مع يوسف الحقيقي، فإن هذه الحياة الفاضلة كما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم[430]: [لا تقف عند ترك الشر أو نسيانه إنما يلزم معه صنع الخير. فالفضيلة في المسيح يسوع لها شقان متكاملان: نسيان الشر وممارسة للخير، أي انغلاق عن الخطية مع انفتاح على البر الحقيقي]. كملت سبع سني الشبع لتأتي السبع سني الجوع... وإذ كان يوسف مدبرًا للأمر يقول الكتاب: "فكان جوع في جميع البلدان وأما أرض مصر فكان فيها خبز" [٥٤]. إن سلمنا حياتنا في يديّ إلهنا وقت الشبع فإن لن يتركنا جائعين وقت الجوع! نختم حديثنا هنا بالتأمل في تدبير الله العجيب، فقد سمح ليوسف أن يُلقى في السجن حتى ينقذ المصريين من المجاعة ويهب لعائلته الحياة... وكأنه بالسيد المسيح الذي صار عبدًا، ودخل تحت حكم الصليب لكي يقدم ذاته خبزًا سماويًا يشبع الأمم الغريبة الجنس، وفي آخر الأزمنة ترجع إليه خاصته التي جحدته لتقبل الإيمان به بعد سني الجحود الطويلة. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|