خيانة أهوليبة:
لم تنتفع الأخت الصغرى "أورشليم" لا من سقطة صباها في مصر بالاشتراك مع أختها الكبرى (قبل الانقسام)، ولا من تجربة أختها الكبرى أهولة التي جرت وراء آشور وعبدت آلهتهم فسقطت في السبي، بل بالعكس في الفترة الأخيرة ملأت كأس شرها أكثر مما فعلته السامرة قبلها، إذ يقول الرب: "فلما رأت أختها أهوليبة ذلك أفسدت في عشقها أكثر، منها وفي زناها أكثر من زنا أختها" [11]. حقًا بعد الانقسام ظهر ملوك يهوذا أكثر قداسة من ملوك إسرائيل وحينما انحرفت حاول بعض المصلحين نزع الرجاسات، لكنها سرعان ما عادت مرة أخرى في أيام منسى إلى الفساد بطريقة بشعة أكثر مما كان لإسرائيل في أيام شره، ثم امتد هذا الفساد زمانًا. وقد أوضح هذا الأصحاح ملامح هذا الفساد:
أ. عشقت أورشليم بني آشور الولاة من أجل فخامة ملابسهم التي ترمز إلى فخامة أجسادهم وعظمة مظهرهم، مع قوتهم وشهواتهم كشبان، فانخدعت بهذه الأمور كأختها. لم تتعلم أورشليم من السامرة الدرس، بل صنعت ما هو أشر، إذ أرسل آحاز ملك أورشليم إلى فلاسر ملك آشور يقول له: "أنا عبدك وابنك اصعد وخلصني من يد ملك آرام ومن يد ملك إسرائيل القائمين عليَّ، فأخذ آحاز الفضة والذهب الموجودة في بيت الرب وفي خزائن بيت الملك وأرسلها إلى ملك آشور هدية" (2 مل 16: 7-8).
ب. لم تكن هناك فرصة لرجال آشور لإغراء أورشليم، إنما أرسلت أورشليم إليهم تطلبهم ليصنعوا الشر معها، قبل أن تراهم أو تلتقي معهم، إنها مجرد رأت صورهم على الحائط، فبُهرت بهم عند لمح البصر. كان الشر قد صار كامنًا في قلبها. تجري إليه وتسعى وراءه، لا الشر هو الذي يبحث عنها ويحاول إغراءها.
يسقط الشباب أحيانًا فيما يسمونه بالحب لأول نظرة أو من أول لقاء مع شخص من الجنس الآخر، ويرى علماء النفس في هذا الحب نوعًا من عدم النضوج، لأنه لا يقوم على دراسة فكرية مرتبطة بالجانب العاطفي... إنما هو قرار يأخذه غير المختبرين. أما يهوذا فلم يسقط في الشهوة عند أول نظرة، وإنما من خلال صورٍ على الحائط!! إنها لا تعرف النضوج!!
ج. لم يقف الأمر عند سقوطها مع آشور، لمجرد رؤية صور رجاله في لمح البصر، لكنها أيضًا عادت إلى فرعون مصر تطلب الشر كما فعلت قبلًا في صباها [19]. وكأنها إنسانة بشعة تطلب هذا وتجري وراء ذاك بتهور وبلا شبع. هنا أيضًا إشارة إلى الاتكال على فرعون مصر لينقذ أورشليم ضد آشور كما فعل صدقيا الملك.
الفتاة التي تعشق شابًا وتعلن له أنها قد كرست كل قلبها له وحده، ثم تعود لتمارس نفس الأمر مع آخر من وراء الأول تُحسب إنسانة "لعوب"، تخدع هذا وذاك... فماذا لو كانت تفعل هذا مع شاب ومع عدوه في نفس الوقت. هذا ما فعلته مملكة يهوذا، في علاقتها مع آشور وفرعون مصر!
كانت أهولة تمثل صورة رمزية للنفس التي جذبتها وخدعتها فكانت براقة وجميلة جذابة، لكنها قاتلة ومميتة، أما أهوليبة فتمثل النفس التي تجري وراء الخطيئة، تسعى إليها بلا تفكير، في تسرّع، وبلا شبع، تتخبط يمينًا ويسارًا.