رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
نجاح الأشرار أمام هذه المشكلة الخطيرة رأى المرتل أن العلاج هو عرضها على الله نفسه في الهيكل المقدس. هذا ما فعله حزقيا الصالح حينما أرسل إليه أشور يهدده، فقد بسط الرسائل كلها أمام الرب (2 مل 19: 14). هكذا يمكن للمؤمن إذ يعرض مشاكله بصراحة وإيمان أمام الرب في هيكله المقدس، يجيبه الرب ويقدم له الحلول. عندما تطلع المرتل إلى مستقبل الأشرار غيَّر فكره [ع١٧-١٩]، وخجل من نفسه [ع٢١-٢٢]. لقد اِكتشف أن الأشرار سرعان ما يختفون، ويسقطون في شباك خداعهم. لأَنَّهُ لَيْسَتْ فِي مَوْتِهِمْ شَدَائِدُ، وَجِسْمُهُمْ سَمِينٌ [ع4]. لَيْسُوا فِي تَعَبِ النَاسِ، وَمَعَ البَشَرِ لاَ يُصَابُونَ [ع5]. لا يقف الأمر عند تمتع الأشرار المتكبرون بالسلام الزمني، وإنما كثيرًا ما لا تصيبهم كوارث عند موتهم، ولا يصابون بالأمراض، وكأنهم نوع خاص من البشر، لا يشاركون بقية البشرية متاعبهم ومصائبهم. يرى القديس أغسطينوس أنه لا يجوز لنا أن نحسد الأشرار فإن إبليس نفسه لا تصيبه كوارث ومصائب، لكن جهنم محفوظة له. * أليس الشيطان نفسه لا يتعرض لكوارث مع البشر، ومع هذا فقد أعد له عقاب أبدي؟ القديس أغسطينوس * إنهم لا يحرثون ولا يزرعون ولا يحصدون ولا يتعبون بعمل الأيدي، كما أمر الله بالعمل الذي صار جلدًا وتأديبًا للبشر على معصية آدم، كقول الله: "بعرق جبينك تأكل خبزك". الأب أنثيموس الأورشليمي * يلزمنا أن نأخذ في اعتبارنا أن الذين يدنسون أنفسهم بكل صنوف الخطايا والشر ومع ذلك لا توجد علامات منظورة لملكية الشيطان عليهم (أي أن تُجرب أجسادهم)، ولا تحل بهم أية تجربة تتناسب مع أفعالهم، ولا يتحملون أي عقاب، هؤلاء بؤساء وأشقياء. لأنه لا يوهب لهم علاج خفيف وسريع في هذا العالم، بل بسبب غلاظة قلوبهم يستحقون عقابًا أشد في تلك الحياة، إذ يذخرون لأنفسهم "غضبًا في يوم الغضب، واستعلان دينونة الله العادلة" (رو 2: 5)، حيث "دودهم لا يموت، ونارهم لا تُطفأ" (إش 66: 24). كأن النبي قد تحيّر إذ رأى القديسين يخضعون لخسائر متنوعة وتجارب، بينما رأى الأشرار ليس فقط يعبرون حياتهم في هذا العالم بغير أي تأديب مملوء ذلًا، بل يتمتعون بغنى عظيم وتنعمٍ وفيرٍ في كل شيء. فاشتعل النبي بغيظٍ غير مضبوط وغيرة، معلنًا: "أما أنا فكادت تزلُّ قدماي. لولا قليل لزلقت خطواتي. لأني غرت من المتكبرين إذ رأيت سلامة الأشرار. لأنهُ ليست في موتهم شدائد وجسمهم سمين. ليسوا في تعب الناس ومع البشر لا يُصابون" (مز 73: 2-5). إذ يعاقبون فيما بعد مع الشياطين، لأنه لم يوهب لهم في هذه الحياة أن يؤدبوا مع بني البشر في عِداد الأبناء . الأنبا سيرينوس * رأينا أن الغني الذي كان يرتدي الأرجوان والبز والحرير (لو 16: 19-24) في عالمه قد اتكأ إلى مائدةٍ، وأقام وليمةً كبيرةً كل يوم. وحينما كان في عذاب الجحيم (الهاوية)، لم يستطع أن يستلقي ويستريح، لكن في صعوبةً بالغة رفع عينيه فقط إلى إبراهيم ، ولم يرفع جسده كله، وسأله أن يرسل لعازرَ ليغمس طرفَ إصبعه فقط في الماء ليبلل لسانه. لهذا "ليس في موتهِ راحة، ولا في ضيقته قوة" (مز 73: 4)، لأنه لا قيمةَ للضربات بعد الموت. لهذا وبينما كان داود في حياة الجسد، استعد للضرباتِ ليقبله الربُ كواحدٍ قد خضع للتأديب. فكروا مرةً أخرى، أرجوكم، في أيوب القديس الذي تغطَىَ جسدهُ كلهُ بالقروح، وعانت كلُ أطرفه من الضيقات، وامتلأ جسدهُ كلهُ ألمًا، حتى أذاب كتل أوراق الأرض بإفرازات جراحه الفاسدة، وإذ لم يقدر أن يستريح في هذا الجسد، وجد الموت راحة له! وإذ فكر في حاله قال: "الموت راحة للإنسان". لهذا لم يتوتر لآلامه وينزعج، ولا تقلقل في ترك حديثه. لأنه كما يشهد عنه الكتاب المقدس: "في كل هذا لم يخطئ أيوب بشفتيه" (أي 2: 10). بل بالحري وجد قوةً في معاناته وآلامه! بها تقوَّى في المسيح. لهذا فإن كلًا من أيوب وداود لأنهما ضُربا (تأدبًا) هنا، كانت لهما قوة في ضيقاتهما، لأن "الأبَ يؤدبُ الابنَ الذي يقبله" (أم 3: 12 LXX؛ عب 12: 6) . لكن الذين لا يُؤدَبون هنا، لا يُقبلون كبنين هناك! وهناك هم "ليسوا في تعبَ الناس، ومع البشر لا يصابون" (مز 73: 5)، لأنهم يُضَربون مع الشيطان إلى الأبد . القديس أمبروسيوس * يسأل إرميا: "لماذا تُنجح طريق الأشرار؟" (إر 12: 1) لأنه مكتوب: "لأن الرب مكافئ طويل الأناة" (راجع 2 تس 1: 5). غالبًا ما يضع زمانًا طويلًا للذين سيدينهم أبديًا. لكن أحيانًا يضرب الله سريعًا، ليسرع بمساندة الأبرياء الخائفين. هكذا أحيانًا يسمح الله القدير للشرير بزمنٍ طويلٍ حتى يتطهر بالأكثر طريق الأبرار. وأحيانًا يقتل الأشرار بخراب سريع، حتى بهلاكهم يُقوي قلوب الأبرار . البابا غريغوريوس (الكبير) لِذَلِكَ تَقَلَّدُوا الكِبْرِيَاءَ. لَبِسُوا كَثَوْبٍ ظُلْمَهُمْ [6]. إذ يتحدث المرتل عن مرارة نفسه من جهة الظالمين، غالبًا ما كان يتطلع إلى بعض العظماء وأصحاب المراكز العليا الذين يمارسون الظلم في عجرفة. وبروح الكبرياء يحسبون كأن ليس إله ليردعهم. إنه يتطلع إلى أطواق الذهب التي يقلدون بها رقابهم وثيابهم الثمينة، فيرى أن وراء هذه القلادات الذهبية توجد سلاسل تكبل نفوسهم، ووراء الثياب الزاهية الثمينة يوجد رداء الظلم تلتحف به أعماقهم. يزيِّنون أجسامهم بالذهب والثياب الفاخرة، لكن نفوسهم عارية بسبب الكبرياء والظلم. يرى القديس أغسطينوس في هؤلاء الأشرار الظالمين أنهم يزينون الخارج بالقلادات والثياب الفاخرة، فيحسبهم من يراهم أنهم في غاية السعادة. لكن هذا المظهر يخفي أعماقهم التي لا يراها الأشرار أنفسهم ولا الذين حولهم. من الخارج سعادة وقتية وصحة وغنى وسلطان، وفي الداخل قلق ومخاوف وضمير معذب ولا راحة! * "لذلك تقلدوا الكبرياء" [6]. لاحظوا هؤلاء الناس المتكبرين الذين بلا انضباط! لاحظوا الثور المُعد للذبح، فإنه يُسمح له أن يبقى في حرية، ويخِّرب ما يريد، وذلك حتى يحل يوم ذبحه... يشير الكتاب المقدس في موضع آخر أنهم كمن هم يُعدون للذبح، وتُركت لهم الحرية الشريرة (أم 7: 22)... إنهم يتغطون من كل الجوانب بشرورهم. يستحقون بحقٍ أن يكونوا بؤساء، إذ لا يرون ولا يُرون، لأنهم مرتدون ثيابًا، ولا يُنظر ما في داخلهم. لأنه من يستطيع أن يرى ما بداخل الأشرار، يدرك أنهم سعداء إلى حين، ويمكنه أن يرى ضمائرهم المعذبة، ونفوسهم مُغلفة بقلاقل مذهلة من جهة الشهوات والمخاوف، ويراهم بؤساء حتى وهم يُدعون أنهم سعداء . القديس أغسطينوس * سيَطر عليهم كبرياؤهم، وتغطوا بآثامهم وشرهم (مز 73: 6). فالإثم يوفر غطاءً رديًا. إن أراد أحدٍ أن يكسونا به يجب علينا أن نخلعه، وإلا يأتي معنا إلى القضاء (الدينونة). وإن حاول أحد أن يخلع رداءنا الروحي الذي تسلمناه لا نقبل ذلك. اخلعوا ثوبَ الإثمِ، والبسوا غطاء الإيمان والصبر الذي بهما غطى داود نفسه في الصوم، لئلا يفقد ثوب الفضيلة. الصوم نفسه غطاء، فحقًا ما لم يغطِ الصوم المقدس القديس يوسف لعّرتَه الزانية الشهوانية (قابل تك 29: 12). لو أن آدم اختار أن يغطي نفسه بذلك الصوم لما تعرَّى! لكن لأنه تذوق من شجرة الخير والشر، معاندًا المنعَ السماوي، ومتعديًا على الصوم (كاسرًا لقانونه)، الذي فُرض عليه بتناوله طعام "الانصياع للشهوة الحسية"، فقد عرَفَ أنه عريان (قابل تك 3: 6-11). لو صام لحفظ ثوب الإيمان، وما رأى نفسه عاريًا. فلننأى نحن عن تغطية ذواتنا بالإثم والشر، لئلا يُقال عن أحدنا "لبس اللعنة كثوبٍ" (مز 109: 18). فقد كسا آدمُ نفسه بكساءٍ ردي، وراح يتلمس أغطية من أوراق الشجر! لهذا نال حُكم اللعنة. (تك 4: 11) ولبس اليهود لعنةً؛ إذ كُتِب عنهم: "حفظ إثمهم كما الشحم (الدهن)، جاوزوا تصوراتِ قلوبهم" (مز 73: 7)، لأنه من "الدهن" تشتق كلمة "سمين" أي "غني" . القديس أمبروسيوس * عندما كان الإسرائيليون في محنة كانوا يزدادون بالأكثر في العدد، ولكن عندما تركهم لأنفسهم هلكوا جميعًا. ولماذا نتحدث عن أمثلة من القدماء؟ ففي وقتنا هذا، لننظر أليس الأمر هكذا، عندما يكون الغالبية في حال يُسرٍ، ينتفخون، ويعادون كل أحدٍ، وينفعلون بالغضب عندما تكون لهم سلطة... ولكن عندما تزول عنهم السلطة يصيرون لطفاء ومتواضعين، ويشعرون بحالهم الطبيعي. لهذا يقول الكتاب: "الكبرياء أمسك بهم إلى النهاية، انطلق الشر كما من السمنة" (راجع مز ٧٣: ٦ LXX) ]. القديس يوحنا الذهبي الفم جَحَظَتْ عُيُونُهُمْ مِنَ الشَحْمِ. جَاوَزُوا تَصَوُّرَاتِ القَلْبِ [7]. إذ ينال الأشرار فوق ما كانوا يتوقعون صاروا كمن هن في سمنةٍ أفسدت شكلهم، وأضرَّت عيونهم التي صارت كما لو كانت بارزة، وليس في وضعها الطبيعي. هذا ما يحدث أحيانًا بالنسبة لأجسامهم المنظورة، فكم بالأكثر بالنسبة لنفوسهم وأعماقهم التي تفقد جمالها وبصيرتها الداخلية. بالنسبة لتصورات القلب، فربما تشير إلى ما كانوا يتوقعون نواله، أو ما كانوا يخططون له، أو يهدفون إليه. يرى القديس أغسطينوس في مَثل لعازر والغني توضيحًا لذلك. فلعازر الفقير كانت الكلاب تلحس قروحه، وإذ مات جاءت ملائكة تحمل نفسه بكرامة عظيمة. أما الغني فكان يلبس الثياب الفاخرة ويعيش حياة رغيدة، وإذ مات دفن، وربما اهتم كثيرون بالمشاركة في جنازته. الأول ربما لم يجد من يدفن جثته، لكن الملائكة كرّمته! * يقول القديس أثناسيوس: "إن نعومة وخصب معيشتهم زاد وفاض مثل شحمٍ ثمين خارجًا، فمن ذلك تمكن الخبث في قلوبهم، واعتادوا عليه حتى صار لهم عادة وإدمانًا". الأب أنثيموس الأورشليمي يَسْتَهْزِئُونَ وَيَتَكَلَّمُونَ بِالشَرِّ ظُلْمًا. مِنَ العَلاَءِ يَتَكَلَّمُونَ [8]. حينما يسخر إنسان بآخر، غالبًا ما يلوم نفسه ولو خفية. أما الأشرار المتكبرون فيسخرون بإخوتهم في داخلهم، ولا يخجلون من التعبير عن سخريتهم بالحديث علانية وبروح متعالية. * يتكلم الناس بضغينة ولكن بخوف (داخلي)، أما هؤلاء فكيف؟ "بالشر من العلاء يتكلمون". ليس فقط يتكلمون بالشر، وإنما أيضًا علانية في مسمع الجميع، في تشامخٍ: "إنني سأفعل هذا"؛ أنا سأُعرفك ماذا أفعل بك!"، "ستعرف مع من أنت تتعامل"، "لن أتركك تعيش". يمكن أن تكون مثل هذه الأفكار فيك أيها المتكبر، لكن لا يليق أن تنطق بها . القديس أغسطينوس * أعني أن أفكارهم وكلامهم كان شرًا، حتى تجاسروا أن يتكلموا على الله العلي بالتجديف، وينسبوا إليه ظلمًا، بقولهم إن الله لا يبالي بما يفعله الناس من الشرور. الأب أنثيموس الأورشليمي جَعَلُوا أَفْوَاهَهُمْ فِي السَمَاءِ، وَأَلسِنَتُهُمْ تَتَمَشَّى فِي الأَرْضِ [9]. إن كان التائبون يقولون مع الابن الأصغر: "أخطأت يا أبتاه إلى السماء وقدامك"، فإن الأشرار المتكبرين ينطقون ضد السماء. يظنون أنهم كائنات فائقة يمكنهم أن يقاوموا السماء والسمائيين، ويسلكوا في الأرض كما بألسنتهم، ما يقولونه يُنفذ تحت كل الظروف، يأمرون فيُطاعون. * "جعلوا أفواههم ضد السماء وألسنتهم تعبر فوق الأرض"... · إنه لا يفكر في أنه يمكن أن يموت فجأة وهو يتكلم، إنما يهدد كمن يعيش على الدوام. فكره يعبر فوق الضعف الأرضي، ولا يعرف ماهية نوعية الإناء الذي يلتحف به. إنه لا يعرف ما هو مكتوب في موضع آخر عن مثل هؤلاء البشر: "تخرج روحهم فيعودون إلى ترابهم، في ذلك اليوم تهلك كافة أفكارهم" (مز 146: 4). أما هؤلاء الناس إذ لا يفكرون في يومهم الأخير، يتكلمون في كبرياء، ويجعلون أفواههم في السماء، متجاوزين الأرض. لو أن لصًا لا يفكر في يومه الأخير، أي يوم محاكمته الأخيرة عندما يُرسل إلى السجن، لا يوجد من يكون رهيبًا أكثر منه، وكان يليق به أن يهرب . القديس أغسطينوس * "جعلوا أفواههم في السماء وألسنتهم تتمشى في الأرض" (مز 73: 9). نحن نعرف معنى جعلوا أفواههم في السماء (أو حرفيًا جهة السماء)، من الابن الأصغر أحد الابنين الذي عاد إلى أبيه، قائلًا: "أخطأتُ يا أبتاه إلى السماء وقدامك" (لو 15: 18). لكن الذين يظنون أن الحرية في الخطية، قد أُعطِيتْ لهم بواسطةِ حتمية المولد بشكل ما، إنما يجعلون أفواههم ضد السماء، ومثل هؤلاء لا يستبقون سماءً ولا أرضًا، إذ يعتقدون أن حياةَ الإنسانِ محكومةٌ بمسارِ النجوم، حسب ظنهم، فلا يتركون شيئًا للتدبير الإلهي . القديس أمبروسيوس لِذَلِكَ يَرْجِعُ شَعْبُهُ إِلَى هُنَا، وَكَمِيَاهٍ مُرْوِيَةٍ يُمْتَصُّونَ مِنْهُمْ [10]. إذ يرجع شعب الله أو المؤمنون الحقيقيون إلى هذا التساؤل بخصوص نجاح الأشرار المتكبرين، يصيرون كمن يمسك بكأس مملوءة سمًا أو سكرًا، لا ليتذوقوه، بل يشربونه بالكامل. يدخلون في نوع من الارتباك، لا يعرفون كيف يفسرون ما يحدث مع الأشرار. لعله يقصد أنه إذ يسمح الله بتأديب شعبه بواسطة الأشرار، كما حدث عندما سمح بالسبي البابلي، فإنه إذ يرجع الشعب إلى الله يردهم إلى أرض الموعد، فيرتوون بخيرات الأرض. وَقَالُوا: كَيْفَ يَعْلَمُ اللهُ، وَهَلْ عِنْدَ العَلِيِّ مَعْرِفَة؟ [11]. هذه هي لغة الأشرار المتكبرين، فإن الحياة المترفة الرغيدة دون تقديس تقود إلى نوعٍ من الإلحاد العملي. في تشامخٍ يظنون أن الله في سماواته لا يبالي بالأرض، ولا ينشغل بمعرفة شئون البشر. * اُنظروا أي فكر يعبر بهم. اُنظروا الناس الظالمين هم سعداء، والله لا يبالي بالأمور البشرية. هل بالحقيقة يعرف ما نحن نفعله . القديس أغسطينوس * لهذا فإن الذين كانوا في الخطية قالوا: "كيف يعلم الله، وهل عند العلي معرفة؟" (مز 73: 11)، فهم يفترضون أن المعرفة ليست في الله! لأن الخطاة يمكثون حقًا في الرغد العالمي . القديس أمبروسيوس هُوَذَا هَؤُلاَءِ هُمُ الأَشْرَارُ، وَمُسْتَرِيحِينَ إِلَى الدَهْرِ، يُكْثِرُونَ ثَرْوَةً [12]. إذ ينشغل الأشرار بجمع المال ومحبته، يرون في الذهب أثمن من العدل. ولكي تستريح ضمائرهم يدَّعون أن الله لا يبالي بالبشرية، وليست لديه معرفة بأمورهم. * النفس الجسدانية التي تهتم بالأمور المنظورة الأرضية، تبيع عدلها (برّها)". أي نوع من العدالة يبقى من أجل اقتناء الذهب، إذ يبدو كأن الذهب أثمن من العدالة نفسها. أو كما لو أن إنسانًا ينكر ما أودعه آخر لديه، فإن الخسارة التي تلحق بمن ينكر الوديعة أعظم من تلك التي تلحق بمن فقد ما سلمه كوديعة، فإن الأخير يفقد ثوبًا (أودعه) والأول يفقد أمانته . القديس أغسطينوس حَقًّا قَدْ زَكَّيْتُ قَلْبِي بَاطِلًا، وَغَسَلْتُ بِالنَقَاوَةِ يَدَيَّ [13]. بعد أن عبَّر المرتل عن أنات قلبه حين كان يرى الأشرار المتكبرين في حالة رغدٍ وأصحاب سلطانٍ وبصحةٍ، وقد جعلوا أفواههم ضد السماء وسكانها، والأرض والساكنين فيها، لا يبرر المرتل نفسه. إن انشغاله بسلام الأشرار الباطل لا يفيده شيئًا. يرجع المرتل إلى الله ليعلن أنه وإن زكىّ قلبه ودوافعه الداخلية من جهة عبادة الله، وإن حاول أن يغسل يديه أو سلوكه بالنقاوة، فباطلًا يفعل بدون نعمة الله. لعله يقول: وإن حلت بي الضيقات والمتاعب لا أتذمر فإنني لست أبرر نفسي، إنما أنت هو برِّي ومخلصي ومجدي! لا أعود انشغل بما أحسبه ظلمًا، إنما لأركز كل بصيرتي وكل طاقاتي نحوك يا مبرر المؤمنين بك. لن أطلب مكافأة في هذا العالم! * يقول المرنمِّ نفسه: "حقًا قد زكيّتُ قلبي باطلًا، وغسلت يّديَّ وسط الأبرياء (الأنقياء)" (مز 73: 13). هذا يعني أن الخطاة ينعمون بكثرة الخيرات، يرون أن كل الأشياء تسير سيرًا حسنًا ونافعًا لهم، بينما أُسحق أنا وأنضغط تحت وطأة ضيقات عديدة. باطلًا إذن سلمتُ نفسي للنقاوة، وكرَّستُ نفسي لسيرة حياة معتدلة مستقيمة. حقًا يقول: "غسلتُ يَديَّ وسط الأنقياء"، لكي لا يبدو كمن يزعم النقاوة لنفسه، بل كواحدٍ يسعى سعيًا دؤوبًا نحوها . القديس أمبروسيوس * نحن نعلم أن القديسين يُصابون بأمراض ومآسٍ وعوزٍ، وربما يُجربون حتى يقولوا: "حقًا، قد زكيت قلبي باطلًا، وغسلت بالنقاوة يديَّ" (مز 73: 13)... إن ظننت أن عماك سببه الخطية، وأن المرض الذي غالبًا ما يستطيع الأطباء إبراءه هو شهادة على غضب الله، فإنك تحسب اسحق خاطئًا، لأنه صار غير مبصرٍ تمامًا، حتى خُدع عندما بارك إنسانًا لم تكن في نيته أن يباركه (تك 27). وستتهم يعقوب بالخطية، إذ صار بصره عاجزًا، حتى لم يستطع أن يرى أفرايم ومنسي (تك 48: 10)، مع أنه ببصيرته الداخلية وروح النبوة استطاع أن يرى مقدمًا الأحداث المقبلة، وإن المسيح يأتي من النسل الملوكي (تك 49: 10). هل من ملك أكثر قداسة من يوشيا؟ لقد ذُبح بسيف المصريين (2 مل 23: 29). هل يوجد قديسون أسمى من بطرس وبولس؟ مع هذا سُفك دمهما بسيف نيرون. لا نتكلم بعد عن بشرٍ، ألم يحتمل ابن الله عار الصليب؟ القديس جيروم وَكُنْتُ مُصَابًا اليَوْمَ كُلَّهُ، وَتَأَدَّبْتُ كُلَّ صَبَاحٍ [14]. يقول المرتل: ينجح الأشرار كما في كل أوجه الحياة، ويشعرون كأنهم في أمانٍ دائمٍ خالدٍ. أما أنا فأسعى من جانبي أن أتمم إرادتك، وأطيع وصيتك، وأتحاشى الخطية، وأطلب حبك، ومع هذا تلاحقني التأديبات مع كل صباح يومٍ جديد، وتحل بي الضيقات اليوم كله. يرى القديس أمبروسيوس أن المرتل مع كل صباحٍ جديدٍ حيث يشرق عليه شمس البرَّ فيمتلئ بنور الحق، يتأدب فلا ينشغل بما يدور حوله خاصة نجاح الأشرار الزمني، إنما تتهلل نفسه التي عبرّ بها الرب من ظلمة الليل إلى نور الصباح. * إنه يوجد عبور للنفس ذاتها في هذا الفكر، فإنه إذ تقذفها الزوابع تبلغ إلى الميناء... خلال الخطر يعبر (المرتل) إلى الصحة... التأديب هو تصحيح. من يؤدب يُصلح أمره. التصحيح بالنسبة للأشرار مؤجل، أما بالنسبة لي فغير مؤجل. الأول إصلاحه يأتي مؤخرًا وقد لا يأتي، أما إصلاحي فيتحقق في الصباح . القديس أغسطينوس * في نفس الوقت يشهد أن حديثًا كهذا لم يصدر عنه، دون ما عقاب. لأنه يقر أنه تأدَّب اليوم كله، لأنه قال إنه قد زكَّى قلبه للرب عبثًا (قابل مز 73: 14). لكن بعد أن تقوَّم تمامًا بتلك الضربات. لأنه يقول في التو: "مُتَّهميَّ في الصباح"، أي علانية وعلي الملأ. لأنه نور الحق سطع عليه وأمسك به، ولم يدعه يحتفظ بالأقوال التي رددها. لهذا انسكب نور الحق علي روحي، وأثبت بطلاني ودحضني، لأنني بالخطأ تكلمت. "زكيت قلبي باطلًا" لأنني تفوهت بتلك الأشياء، كأنني جالس في ظلمة، ووقعتُ فريسة الندم عند تذكرها. لكن من قلب نادم، سطع نور الحب، لكي يصير في قلبي نار متقدة" (قابل إر 20: 9). الذي جعل في قلبي بداية اليوم بمفهومٍ روحيٍ، ومن ثم حينما أشرق النهار، وبزغ فجره لي، ووجدت نفسي وكأنني وسط الصباح، وأدركت أنني كنت خارج ظلمة جيل أولاد الله. اعتقدت في بادئ الأمر، أن خالق العالم في عنايته بأجيال البشر، قد جبل كل الأشياء لصالحنا حتى بتلك الأمور المحزنة أو التي تعطينا قليلًا من المسرة. ومع ذلك، فقد ارتبكت فيما بعد، بتلك الآراء الجامدة، وفقدت الاعتقاد الذي كان صالحًا! القديس أمبروسيوس |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|