رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
أَبُو الْيَتَامَى وَقَاضِي الأَرَامِلِ، اللهُ فِي مَسْكَنِ قُدْسِهِ [5]. يُدعَى الله أب الأيتام وقاضي الأرامل، لأنه مهما بلغ اهتمام البشرية بهم، تعجز عن أن تُشبِع احتياجاتهم وتحميهم من الضيقات والمتاعب. الله وحده قادر أن يحقق هذه الأمور، مباشرة أو خلال البشرية أو الطبيعة. إن كان المؤمن يهتف بصيحات النصرة ضد قوات الظلمة، فإنه يتهلل بالساكن فيه، بكونه أب اليتامى وقاضي الأرامل. فقد عانى الإنسان من حالة يُتم، إذ عزل نفسه عن أبيه السماوي، وصار يتيمًا تبناه إبليس ابنًا له، وصار في حالة ترمل حيث فقد اتحاده مع السماوي، كما تفقد العروس عريسها. حلوله في وسطنا ينزع عنا حالة اليُتم والترمل، لننعم بروح التبني لله، والاتحاد مع العريس السماوي. في اختصار صار المؤمن هيكلًا مقدسًا، أي مسكنًا لله، ابنًا له، وعروس سماوية. * يرتجف أعداؤه، أي غير المؤمنين به من حضور ربنا، وأيضًا ترتجف الشياطين إذ قالت: "ما لنا ولك يا يسوع ابن الله، أتيت لتعذبنا قبل الزمان". بقوله: "أب اليتامى وقاضي الأرامل" يخبر بزيادة عناية الله، كما يجب الاعتناء بالأكثر باليتامى والأرامل. الأب أنثيموس الأورشليمي * إذ سبق النبي فقال "يقوم الله"، ثم قال "مهدوا الطريق للراكب على المغارب"، فلئلا يظن السامعون أن في الله انتقالًا مكانًا اتبع قوله: "الله في موضع قدسه" هذا يتفق مع ما قاله ربنا له المجد في بشارة يوحنا الإنجيلي: "ليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان الذي هو في السماء" (يو 3: 13). يعني بهذا الكلام أن الله لا يحصره مكان، ولا ينتقل إلى مكانٍ، لكنه لم يزل مستقرًا في قدسه، ولو أنه نزل إلى الأرض بالجسد إلا أنه لم ينفصل عن الآب والروح القدس... أيضًا يُقال إن السماء موضع قدسه، كما جاء في نبوة ميخا النبي: "هوذا الرب يخرج من مكانه وينزل ويمشي على شوامخ الأرض، فتذوب الجبال تحته، وتنشق الوديان كالشمع قدام النار" (مي 1: 3-4). وأيضًا مكان قدسه أورشليم لوجود الهيكل قديمًا لشريعته العتيقة. وأخيرًا حلول ربنا بالجسد وآلامه وسائر أعمال تدبيره للخلاص. وأيضًا مكان قدسه هو الجسد الحي الناطق الذي اتخذه من البتول واتحد مع اللاهوت وجعله هيكلًا للاهوته. أيضًا كنيسة المسيحيين هي مكان الله لوجوده فيها بجسده ونعمته وقدرته، كما وعد: "سأسكن فيهم وأتردد فيما بينهم". وكل من المؤمنين إذا طهر ذاته من الأدناس العقلية يكون مسكنًا لله. يقول القديس أثناسيوس: إن قول النبي "الله في موضع قدسه" معناه أنه وإن نزل إلى الأرض متجسدًا وانحدر إلى أعماق الجحيم ليخلِّص المعتقلين، لكنه عاد صاعدًا إلى السماء، وهو المكان الذي يُعرف أنه فيه من كافة الأمم، إذ الناس جميعهم عند تضرعهم يرفعون أياديهم إلى السماء. الأب أنثيموس الأورشليمي * قيل إنه كشف عن لمحة من لاهوته. لقد أعلن لهم أنه هو الله الذي يسكن في وسطهم. القديس يوحنا الذهبي الفم * الآن فإنني أقدم هذه (الرسالة) لتكون الشهادة الأولى والعظمى عن عناية الله بك،ِ حتى لا يبتلعك الحزن، ولا تهدمك أفكارك الطبيعية، عندما تعمل هذه المضايقات فجأة على غمك. فإنكِ لستِ محتاجة إلى يدٍ بشريةٍ، بل يد القدير التي لا حد لفهمها. وإلى الحكمة التي اكتشفت "أبو الرأفة وإله كل تعزية" (2 كو 3:1)، فقد قيل: "هو افترس فيشفينا" (هو 2:6)، " سيضربنا ويعصب جراحاتنا ويشفينا". لقد كنتِ تتمتعين بالكرامة بوجود زوجكِ الطوباوي معك، كما كنت موضع عنايته وغيرته. حقًا لقد تمتعتِ بما كنتِ تتوقعينه من زوج. أما الآن وقد أخذ الله زوجكِ لنفسه، فإنه يحتل مكانه بالنسبة لك. هذا لا أقوله من عندي، بل يقول النبي الطوباوي: "يعضد اليتيم والأرملة" (مز 9:146). وفي موضع آخر يقول: "أبو اليتامى وقاضي الأرامل" (مز 5:68). وهكذا نجد الله يهتم بهذه الفئة من البشرية بغيرة كما عبَّر عن ذلك بعبارات كثيرة. القديس يوحنا الذهبي الفم * يمكنني أن أُذكِّركم بأمور كثيرة الآن بطرق مُغايرة، لكن على أي الأحوال أُقدِّم لكم شهادة أخرى حتى تتأكدوا أن الله يُدعى "أبًا للبشر" في معنى غير مناسب (أي ليس بالطبيعة). هكذا خوطب الله في إشعياء: "فإنك أنت أبونا، وإن لم يعرفنا إبراهيم" و"سارة لم تتمخض بنا" (إش 63: 6). وإن كان المرتل يقول "ليضطربوا من هيئته، أب لليتامى (للذين بلا أب) قاضي الأرامل" (مز 68: 5 LXX)، أليس من الواضح للجميع أنه يدعو الله أبًا للذين فقدوا آباءهم متأخرًا، ليس لأنه ولدَهم، بل من أجل اهتمامه بهم وحمايته لهم؟! ولكن بينما نحن ندعو الله أبًا للبشر في معنى غير مناسب، فهو أب المسيح وحده بالطبيعة لا بالتبني. فبالنسبة للبشر هو أب في زمان، أما بالنسبة للمسيح أب قبل كل زمان، إذ يقول: "والآن مجدني أنت أيها الآب عند ذاتك، بالمجد الذي كان لي عندك قبل كوْن العالم" (يو 17: 5). القديس كيرلس الأورشليمي * إنكم تهاجمون حتى اليتيم، أي تهاجمونني أنا، حيث قد حُرمت من كل عونٍ بشري. ولما كان الله هو أب الأيتام (مز 68: 5)، فإنكم تجعلونه يغضب عندما تقاومونني. تريدون أن تطأوا صديقكم تحت الأقدام وذلك بكلماتكم. تطأون عليه بأكثر عنف مما لو كان ذلك تحت أقدامكم، وتستخفون بشرائع الصداقة. لكن الله يصنع هذه الأخطاء في الحسبان، هذا الذي ليس فقط يأمرنا بحب قريبنا كأنفسنا، بل يريدنا أن ندعوه "الحب". هيسيخيوس الأورشليمي يدعو نفسه أبًا لليتامى وقاضيًا للأرامل، حينما نقبل بإرادتنا التيتم بموت أبينا القديم إبليس (يو 8: 44) وأعماله الشريرة، ونتحد مع مسيحنا المقاوم له نقبل الله الآب أبًا لنا، يعتني بنا، ويدخل بنا إلى سماواته كبيت أبينا، وتصير لنا دالة للدخول حتى إلى عرش الله بكونه عرش أبينا. وحينما نرفض الاتحاد بإبليس تصير نفوسنا مترملة بالنسبة له، فتتهيأ لعريسها السماوي الذي يضمنا إلى حجاله، ونصير موضع اهتمام ورضا الآب بكونه "قاضيًا للأرامل". * يلد الشيطان الإنسان الذي يخضع له كمولود سوء، ويكون أباه، ويصير بمنزلة زوج لنفسه. لكنه إذا تاب ذلك الإنسان عن السوء، يصير يتيمًا وأرملًا، ويكون الله أباه وزوجًا لنفسه. الأب أنثيموس الأورشليمي * إذا أردتم زيارة أحد، فالأفضل أن تعطوا الكرامة للأيتام والأرامل والمعوزين أكثر من الأغنياء ذوي الشهرة والصيت. فقد قال الله نفسه إنه "أبو اليتامى وقاضي الأرامل: [6]، وأيضًا "اقضوا لليتيم، حاموا عن الأرملة، وهلم نتحاجج يقول الرب" (إش 1: 17، 18). * الأرملة الحقيقية هي التي تصبح عروسًا للمسيح في ترملها . القديس يوحنا الذهبي الفم ربما يتساءل البعض: ما هو الارتباط بين دعوة الله أب اليتامى وقاضي الأرامل، وبين الإعلان عنه أنه يسكن في موضعه المقدس؟ * مِنْ هؤلاء اليتامى والأرامل، أي الأشخاص المحرومون من شركائهم في رجاء هذا العالم، يبني الله نفسه هيكلًا، إذ يكمل (المرتل) قوله: "الله في مسكن قدسه" (مز 68: 5). القديس أغسطينوس |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|