قراءة في كتاب:ثمار القيامة لنيافة الأنبا موسي-الأسقف العام
عرض:د.مكاري أرمانيوس
كلنا نؤمن أن حياتنا مستمدة من الله,سواء حياة الجسد(لأننا به نحيا ونتحرك ونوجد)أع17:28أو حياة الروح(استيقظ أيها النائم وقم من الأموات فيضئ لك المسيح)أف5:14أو حياة الأبدية(هذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته)يو17:3.
لقد زلزلت قيامة المسيح أعتاب الجحيم وسبت المسبيين فيه,وأطلقتهم إلي الفردوس,فانتهي الموت إلي الأبد وانفتح باب الأبدية علي مصراعيه,لذا فإن ثمار القيامة تتركز في الآتي:
*القيامة سحقت الشيطان:
حين صعد السيد المسيح علي خشبة الصليب ونزف دمه الطاهر من جراء الجلدات والمسامير وإكليل الشوك,انفصلت نفسه الإنسانية عن جسده الإنساني,غير أن لاهوته المالئ كل مكان,ظل متحدا بهما,أي بالنفس الناسوتية والجسد الإنساني المسجي في القبر...ولما انطلقت نفسه إلي الجحيم,حيث كان الفردوس مغلقا منذ السقطة الأولي لآدم,ويحرسه كاروبيم يحمل سيفا ذا لهيب متقلب,نزلت نفسه إلي الجحيم حيث كانت تنزل كل الأنفس البارة لتختلط مع الأنفس الأثيمة,فهذه تنتظر يوم الهلاك الأبدي وتلك تنتظر يوم المسيح المخلص,ولما وصلت نفس المسيح الطاهرة إلي الجحيم,تهلل الشيطان إذ كان يقبض علي تلك النفوس مهما كان برها,تهلل متصورا أنه تخلص من المسيح الرب وها نفسه آتية تحت قبضته..ولم يدرك الشيطان أن هذه النفس الإنسانية تختلف جوهريا عن مثيلاتها,لا لأنها بارة فقط ولكن لأنها متحدة باللاهوت...ولما حاول الشيطان أن يمسها ويعتقلها,صعقه تيار اللاهوت المتحد بها,فارتمي ساقطا عند قدمي الرب,الذي سبق وأنبأ بذلكرأيت الشيطان ساقطا مثل البرق من السماء)لو10:18وقال أيضارئيس هذا العالم آت وليس له في شئ)يو14:30وأيضا(الآن يطرح رئيس هذا العالم خارجا) يو12:31.
ارتمي الشيطان كأسد جريح وسقط ذليلا تحت قدمي المسيح المنتصر,الذي أشار بيده إلي المسبيين ليخرجوا من الجحيم وينطلقوا إلي الفردوس,وكان من بينهم اللص ديماس,الذي سمع وعد الرب الصادق والأمين وهو معلق علي عود الصليباليوم تكون معي في الفردوس)لو23:42بعد أن جاهر ذلك اللص بتوبته وإيمانه بألوهية المصلوب بجوارة وثقته في حنانه وغفرانه,إذ صرخ قائلااذكرني يا رب متي جئت في ملكوتك)لو23:42
*القيامة سحقت الموت:
أبطل الرب الموت وأنار الحياة والخلود,واستطاع وهو بعد علي الصليب أن يقيمأجساد الكثير من القديسين الراقدين(مت27:52)الذين لم يجروا أن يظهروا للناس قبل أن تعلن قيامة بكرهم المسيح,وهكذا صارت قيامة المسيح قيامة للبشرية كلها من موت الخطيئة ومن موت الجسد ومن الانفصال الروحي عن الله ومن الهوان والمذلة للشيطان,كما وعد الربأنا حي فأنتم ستحيون)يو14:19.
*القيامة سحقت الخطيئة:
هكذا تجسد الخالق,الذي بلاهوته كان غير محدود وبلا خطيئة,وبناسوته كان إنسان قابلا للموت,ومات فعلا ومتنا معه,مات لنحيا نحن,مات وقام ولما قام لم يمت ثانية ولن يموت,مات ليحيا في داخلنا وليطهرنا من أدناس الخطيئة وتعيد خلقتنا بالمعمودية,وهكذا صاح الرسولأين شوكتك يا موت)...لأن شوكة الموت هي(الخطيئة)وقوة الخطيئة هي الناموس(1كو15:56)أي أن القيامة أثبتت بر المسيح الذاتي واللانهائي(متبررين مجانا بنعمته وبالفداء الذي بيسوع المسيح)رو3:24)وهكذا سقط حكم الخطيئة وسلطانها بالقيامة.
*القيامة أثبتت ألوهية المسيح:
تحير الشيطان كما تحير البشر في شخص السيد المسيح الذي قال عن نفسهليس أحد صعد إلي السماء إلا الذي نزل من السماء,ابن الإنسان الذي هو في السماء)يو13:13كما قال لليهودقبل أن يكون إبراهيم أنا كائن)يو8:58,أما الحيرة فقد ازدادت كلما أظهر المسيح سلطانه المطلق علي كل شئ...ومع كل ذلك رأي الشيطان يسوع في مواقف ظهر فيها نوع من الضعف,أي أن الله دبر هذا الضعف ليتحير الشيطان ويستمر في خطته لصلب المسيح,ظنا منه أن هذا يخلصه من المسيح,ولكن الرب كان يهدف إلي الصلب كموضوع سرور من أجل خلاص البشرية لأنه(لو عرفوا لما صلبوا رب المجد)1كو2:8.من هنا ظهرت صفات الناسوت في الجوع والعطش والنوم والتعب بتدبير إلهي,مؤكدة حقيقة الجسد الذي لبسه المسيح ومحيرة لعدو الخير...وبقيامة المسيح بالجسد النوراني وبقدرته الذاتية والأبدية أثبت ألوهيته.
*القيامة فتحت لنا الفردوس وأعطتنا الجسد الروحاني:
القيامة فتحت لنا أبواب الفردوس,لهذا اشتهي الآباء والشهداء يوم الرحيل,لأنه يوم الانطلاق إلي المجد,وإلي شركة الله والملائكة والقديسين,حيث يستحيل فيه السقوط ولا يستطيع أن يتسلل إليه الشيطان..أيضا فالقيامة ستعطينا جسدا روحانيا مماثلا لجسد المسيح بعد قيامته,الذي كان يدخل إلي التلاميذ(والأبواب مغلقة)يو20:19,وأيضا سيغير جسد تواضعنا لنكون علي صورته ومثاله.