رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
"أبارك الرب في كل وقت، وفي كل حين تسبحته في فمي" [1]. تعتبر الآيات [1-3] تعليقًا رائعًا على النصيحة المقدمة لنا في العهد الجديد: "افرحوا في الرب كل حين، وأقول أيضًا افرحوا" (في 4: 4). فالروحانية الحقة تستعلن خلال الفرح الداخلي الدائم والذي يُعبر عنه بالتسبيح الدائم حتى في أحلك لحظات الظلمة. يليق بنا أن نشكر الله ونسبحه في كل وقت، وفي جميع أحوالنا، في أيام الفرج كما في أيام الضيق، في الصحة والمرض، في الألم والفقر والاضطهاد، حتى في وسط آلام الموت، ففي كل وقت يُظهر الله نعمته في حياة المؤمن. في كل يوم يتلمس الإنسان التقي معالم مراحم الله وبصماتها فيسبح الله تسبيحًا جديدًا. يتمجد الله في حياة المؤمن، ويعتز المؤمن بعمل الله الدائم في حياته، قائلًا مع المرتل: "بالرب تمتدح نفسي" [2]. فإننا إن كنا نرغب في الفرح بالرب ليكن هو فرحنا ومجدنا، الأمر الذي يهب قلوبنا المتألمة سلامًا حقيقيًا. في غربته، ووسط الحرمان الخارجي، والضغوط الشديدة، يقول داود النبي: "أبارك الرب في كل وقت، وفي كل حين تسبحته في فمي" [1]. فقد عرف المرتل أنه ليس من عمل على الأرض ولا في السماء أشرف ولا أعظم من التسبيح؛ إنه عمل ملائكي! حينما نسقط في ضيق يلزمنا أن نتذكر معاملات الله معنا في الماضي، ومراحمه غير المنقطعة، فتتحول قلوبنا إلى الفرح والتسبيح، إذ تترجى بثقة ويقين مراحم الله الجديدة. في ضعفنا البشري يصعب أحيانًا أن نسبح الله وسط آلامنا ونباركه، لكن مسيحنا الذي نزل لأجل الألم قدم تسابيح حمد لأبيه حتى عند شربه الكأس في البستان، وقيل عنه إنه من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الآلام مستهينًا بالخزي (عب 12: 2). وهو وحده قادر بالحق أن يحقق كلمات المرتل هذه. أما نحن فلا نستطيع ما لم نتحد به، فيهبنا شركة حياته المتهللة، لنصير به أشبه بملائكة، نهتف بسان الشكر: "أبارك الرب في كل وقت..." * يقول المسيح هذا، ليت المسيحي أيضًا يردد ذلك، فأن المسيحي متحد بالمسيح. لقد صار المسيح إنسانًا لهذه الغاية: أن يصير المسيحي ملاكًا، يصرخ: "أبارك الرب..." يلزمكم أن تباركوه حين يمنحكم عطايا، وتباركوه حين يأخذها منكم، فإن هو الذي يعطي وهو الذي يأخذ، لكنه لن يأخذ "ذاته" ممن يباركونه. لا يبارك الرب كل حين إلا الودعاء [2]؛ هذه الوداعة التي علمنا إياها ربنا في جسده ودمه، فإنه حينما بذل جسده ودمه لأجلنا وضع أمامنا وداعته مثالًا. القديس أغسطينوس * كما سبَّح داود الوديع في زمن الضيق: قائلًا: "أبارك الرب في كل وقت" [1]، لم يكف الطوباوي بولس عن شكر الله في كل رسائله. ففي وقت الفرج لم يتوقف عن التسبيح، وفي وقت الشدة كان يمجد الله، عالمًا أن الضيق ينشئ صبرًا، وفي الصبر تزكية، وفي التزكية رجاء، والرجاء لا يُخزي (رو 5: 3). ليتنا نحن أيضًا تابعي هؤلاء القديسين لا نكف عن الشكر في كل وقت. البابا أثناسيوس الرسولي * ليتكلم ذاك الذي يسكن في قلوبنا على شفاهنا أيضًا. لتخدم ألسنتنا ذاك الذي تخدمه نفوسنا، فنتأهل للقول مع النبي: "أبارك الرب في كل وقت، وفي كل حين تسبحته في فمي"[655]. * من هو ذاك الذي يبارك الرب في كل وقت؟ الإنسان الذي لا تفسده ثروته الطائلة، ولا ترهبه الشدائد. هذا هو السلام الأول والحقيقي أن نكون في سلام مع الله، عندئذ يتحقق أيضًا السلام في داخلنا. الأب قيصريوس أسقف آرل * شكرنا لله أهم من تنفسنا... لكل شيء وقت كما يُعلّم سليمان، وكما أعتقد أنا أيضًا... (أما الشكر ففي كل وقت). القديس غريغوريوس النزينزي إن كنا قد تمتعنا بالإنسان الجديد على صورة خالقنا فامتلأت قلوبنا تسبيحًا، لزم أن نُعبِّر عما في القلب بالفم واللسان. نشكره بالقلب والفكر واللسان والعمل، فنختبر عذوبة الحياة الجديدة تحت كل الظروف، إذ لا نعرف للتسبيح وقتًا خاصًا، بل هو نبضات قلب الإنسان الداخلي، إن توقفت نفقد شركتنا مع الله حياتنا. يرى العلامة أوريجانوس أن من يشكر الله أو يسبحه وقت الفرج يكون كمن يرد له دينًا عليه، أما من يمارسه وقت الضيق فيكون كمن صار دائنًا له. يتحقق التسبيح لله وتمجيده خلال الاتضاع، فبشعورنا بضعفنا الذاتي نتلمس عظمة عمله في حياتنا. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|