"اجتمعوا عليّ جميعًا،
تآمروا في أخذ نفسي" [13].
إنه من المحزن حقًا أن يجتمع الشر معًا بروح الوحدة لاتفاقهم على أمر واحد، هو مقاومة أولاد الله، كما سبق فاجتمعت القيادات اليهودية الدينية مع قوى الدولة لصلب رب المجد يسوع. يقفون صفًا واحدًا ليعملوا معًا، بجدية وحكمة بشرية، بينما كثيرًا ما يدبُّ الشقاق بين المؤمنين ويسلكون بروح التراخي والتهاون. وكما سبق فقال السيد المسيح إن أبناء هذا الدهر أحكم من أبناء النور في جيلهم.
في كل هذه المتاعب تعلّم المرتل الاستمرار في صراعه في الصلاة دون ملل، متمسكًا بثقته في إمكانية خالقه وحبه له. لقد سلبه الأعداء سمعته الطيبة، وحرموه الشعور بأمان الجماعة، لكنهم لم يقدروا أن ينزعوا عنه تعزيته ولا أن يحرموه التصاقه بالله. لهذا إذ يقول: "وأنا يا رب عليك توكلت" [14]، يكمل: "قلت أنك أنت هو إلهي وفي يديك حظي". أنت إلهي الشخصي الذي يعرف أسرار حُبي الداخلي، والذي في يديه كل حياتي وعمري!
مرة أخرى لا يقف المرتل عند طلب الخلاص من الأعداء المطاردين إياه [15]، وإنما يقول: "لينر وجهك على عبدك، وخلصني برحمتك يا رب" [16].
أنا عبدك ولستُ عبدًا للناس، لا أطلب مديحهم ولا رفقتهم ولا مكافأتهم، إنما أطلب وجهك ينير في قلبي فأستنير.
ويرى القديس أمبروسيوسأن هذا "العبد" هو كلمة الله الذي تجسد وصار لأجلنا عبدًا، فقد حمل آلامنا دون أن ينفصل عن أبيه، بكونه كلمته.
* كلمة "عبد" تعني الإنسان الذي تقدس فيه، الإنسان الذي مُسح فيه. أنها تعني ذاك الذي صار تحت الناموس، ووُلد من العذراء... يقول: "طُرحت وانحنيت إلى الانقضاء" (مز 38). من هو هذا الذي انسحق (انحنى) إلى الانقضاء سوى المسيح، الذي جاء لكي يُحرر الجميع بطاعته؟!
القديس أمبروسيوس
بالآلام نختبر الاتضاع والصلاة الدائمة، وهما طريقا التمتع بإشراقات وجه الله علينا.
* كن مرذولًا في عيني نفسك، فترى مجد الله في داخلك، فإنه حيث يوجد الاتضاع، هناك يسكن الله.
إن كان لك اتضاع في قلبك، يُظهر الله مجده فيه.
مار إسحق السرياني
* الصلاة تجعل الراهب مساويًا للملائكة، إذ تكون رغبته هي أن يرى وجه الآب الذي في السموات .
الأب أوغريس
يرى بعض اليهود أن صرخة المرتل هنا: "لينر وجهك" هي صرخة طلب مجيء المسيا الذي يُخلص الإنسان من الشر.
بينما يدخل المرتل خلال الآلام إلى الاستنارة بمجد الله بروح الاتضاع والصلاة، إذا بالأشرار ينحدرون إلى أعماق الجحيم بالنفاق والخداع والكذب. يتكلم قلب التقي المتألم فيرتفع إلى مجد السماويات بينما يتكلم لسان الشرير الغاش فينحدر بالكبرياء إلى الهلاك.
"يخزى المنافقون ويساقون إلى الجحيم
ولتصر خرساء الشفاه الغاشة المتكلمة على الصديق بالإثم والكبرياء والمحتقرة" [17-18].
يصمت الأشرار في رعب وخوف حين تتبدد كل مؤامراتهم؛ فيرتفع الأتقياء المتألمون، بينما ينحدروا هم في الجحيم... اللسان الكاذب يعجز عن أن يتكلم!
* إن صنت لسانك يا أخي يهبك ندامة في القلب، فترى نفسك، وهكذا تدخل إلى الفرح الروحي. أما إذا غلبك لسانك - فصدقني فيما أقوله لك - فإنك لن تقدر أن تهرب من الظلمة.
مار إسحق السرياني