من بين الأسباب التي جعلت من أتباع المسيح غير مرتبطين معا كالجسد الواحد، مثلما كان المسيحيون الأوائل «قَلبًا واحدًا ورُوحًا واحِدَةً» في يوم الخمسين، أي عيد العنصرة (يوم حلول الروح القدس عليهم)، هو أن المسيحيين أرادوا إدخال العديد من العناصر الغريبة. فأراد أعضاء الكنائس تغيير العالم كله وجعله يهتدي إلى الإيمان قبلما أن يتغيروا هم أنفسهم بالكامل ويهتدوا إليه. فمن البديهي أنه يستحيل على الناس تجميع مئات الألوف غيرهم إلى حياة مسيحية مشتركة قبل أن يكون الأعضاء أنفسهم مستعدين لهذا. ويصح هذا الأمر بصفة خاصة إذا أَدخَلتَ إلى الجماعة المسيحية أشخاصا ماديين، وحسودين، و غير متحررين من عبودية الخطيئة، ولا يرغبون في إكمال الطريق. فسوف يكون من الأفضل لو أنهم بقوا خارجا منشغلين في هموم وقلق الدنيا. فهم لا يصلحون أن يكونوا شركاء المعركة.
فيجب أن يكون هناك تحرر قلبي أولا، تحرر من كل ما يعبث ويتسلى به العالم ومن كل ما يغرينا وما يجذبنا إليه. فسوف نتمكن عندئذ من طرح كل المخاوف والهموم عنا. فكم ستتمكن الناس من العمل والعطاء ساعة تحررها من كل الهموم وساعة انتهاء قلقها على خبزها اليومي! فالمسألة لا تتطلب الكثير من الصعوبات، فحين يقدم الناس التزاماتهم بعضهم ببعض، سيقولون آنذاك: «عندما أقع في ضيق، فالآخرون موجودون للمساعدة». لكن لو قلتُ: «سأدخر ما يكفي لنفسي حتى لا يكون عليّ الاعتماد على الآخرين أبدا»، أو، لو أصررتُ على أن أصبح غنيا وغيري فقير، لجلب هذا وقتذاك الخراب لأي مجتمع مسيحي كان. بل إنه استهزاء وسخرية بجسد المسيح (أي كنيسة المسيح المقدسة). لهذا السبب لا أفكر كثيرا في المجتمعات المسيحية «الروحية». فهي لا تدوم. فيتصادق الناس لفترة معينة، لكن تنتهي علاقتهم في النهاية. ولو أردنا لأي شيء أن يدوم لوجب أن يكون له أساس أعمق من مجرد تجربة روحية معينة. فما لم يكن لدينا مجتمع جسماني منظور، ومشاركة في الأمور المادية، فلن يكون لنا مجتمع ووحدة في الأمور الروحية. وها هي الكنيسة الرسولية تشهد لنا بذلك في الإنجيل:
وكانوا يُداوِمونَ على الاستِماعِ إلى تَعليمِ الرُّسُلِ وعلى الحياةِ المُشتَركَةِ وكَسْرِ الخُبزِ والصَّلاةِ. وتَمَّت عجائِبُ وآياتٌ كثيرةٌ على أيدي الرُّسُلِ، فاَستَولى الخَوفُ على جميعِ النُّفوسِ. وكانَ المُؤمِنون كُلُّهُم مُتَّحِدينَ، يَجعَلونَ كُلَّ ما عِندَهُم مُشتَركًا بَينَهُم، يَبيعونَ أملاكَهُم وخَيراتِهِم ويَتقاسَمونَ ثَمَنها على قَدرِ حاجَةِ كُلِّ واحدٍ مِنهُم. وكانوا يَلتَقونَ كُلَّ يومٍ في الهَيكَلِ بِقَلبٍ واحدٍ، ويكسِرونَ الخُبزَ في البُيوتِ، ويَتَناولونَ الطَّعامَ بِفرَحِ وبَساطةِ قَلبٍ، ويُسبِّحونَ اللهِ، وينالونَ رِضى النّاسِ كُلِّهِم. وكانَ الرَّبُّ كُلَ يومِ يَزيدُ عَددَ الّذينَ أنعمَ علَيهِم بالخلاصِ. (أعمال 2: 42 - 47)