|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
قيامة المسيح كما رواها يوحنا الإنجيلي البشير
قيامة المسيح كما رواها يوحنا الإنجيلي البشير (يوحنا 20: 1-10) النص الإنجيلي (يوحنا 20: 1-10) 1 وفي يَومِ الأَحَد جاءَت مَريمُ المِجدَلِيَّة إِلى القَبْرِ عِندَ الفَجْر، والظَّلامُ لم يَزَلْ مُخَيِّماً، فرأَتِ الحَجَرَ قد أُزيلَ عنِ القَبْر. 2 فأَسرَعَت وجاءَت إِلى سِمْعانَ بُطرُس والتِّلميذِ الآخَرِ الَّذي أَحَبَّهُ يسوع، وقالَت لَهما: ((أَخَذوا الرَّبَّ مِنَ القَبْرِ، ولا نَعلَمُ أَينَ وَضَعوه)). 3 فخرَجَ بُطرُسُ والتَّلميذُ الآخَرُ وذَهَبا إِلى القَبْرِ 4 يُسرِعانِ السَّيْرَ مَعاً. ولكِنَّ التَّلميذَ الآخَرَ سَبَقَ بُطرُس، فوَصَلَ قَبلَه إِلى القبْرِ 5 وانحَنى فأَبصَرَ اللَّفائِفَ مَمْدودة، ولكنَّه لَم يَدخُلْ. 6 ثُمَّ وَصَلَ سِمْعانُ بُطرُس وكانَ يَتبَعُه، فدَخَلَ القَبْرَ فأَبصَرَ اللَّفائِفَ مَمْدودة، 7 والمِنديلَ الَّذي كانَ حَولَ رَأسِهِ غَيرَ مَمْدودٍ معَ اللَّفائِف، بل على شكْلِ طَوْقٍ خِلافاً لَها، وكان كُلُّ ذلك في مَكانِه. 8 حينَئذٍ دخَلَ أيضاً التِّلميذُ الآخَرُ وقَد وَصَلَ قَبلَه إِلى القَبْر، فَرأَى وآمَنَ. 9 ذلك بِأَنَّهُما لم يكونا قد فهِما ما وَرَدَ في الكِتاب مِن أَنَّه يَجِبُ أَن يَقومَ مِن بَينِ الأَموات. 10 ثُمَّ رَجَعَ التِّلميذانِ إِلى بَيتِهِما. مقدَّمة يُسلِّط إنجيل الفصح الضوء على قيامة يسوع مِن بَينِ الأَموات (يوحنا 20: 1-10). ولا تزال حتّى اليوم ضجّة كبيرة قائمة حول قيامة يسوع المسيح التي تُمثل محور الخلاص الذي غيّر مجرى تاريخ البشرية وشكّل العمود الفقري للحياة المسيحيّة. فبعد أن عاد المسيح إلى الحياة ثانية بصفته البكر بين الأموات (قولس 1: 18)، سيقوم كل إنسان. فالقيامة مركز الإيمان والرجاء، وهي كمال عمل الفداء (رومة 4: 25) وعربون قيامة المؤمنين، بل هي الحدث الأكبر والأهم في قلب تاريخ الكنيسة والعالم المسيحي المؤمن، لأنها جواب على حضارة الموت التي بناها الإنسان المعاصر، فهي حضارة الحياة التي بناها المسيح في قلب كنيسته وأوصانا أن نعلنها إلى العالم أجمع. ومن هنا تكمن أهمية البحث في وقائع النص الإنجيلي وتطبيقاته. أولا: وقائع النص الإنجيلي (يوحنا 20: 1-10) 1 وفي يَومِ الأَحَد جاءَت مَريمُ المِجدَلِيَّة إلى القَبْرِ عِندَ الفَجْر، والظَّلامُ لم يَزَلْ مُخَيِّماً، فرأَتِ الحَجَرَ قد أُزيلَ عنِ القَبْر" تشير عبارة "يوم الأَحَد" في الأصل اليوناني Τῇ δὲ μιᾷ τῶν σαββάτων أي أول الأسبوع وهو يوم الأَحَد ويُسمَّى اليوم الثامن بعد نهاية الأسبوع السابق. وهو يوم الأَحَد الذي يبدأ به يوحنا البشير بشرى قيامة الرب يسوع في اليوم الأول من الأسبوع. لقد أخلى الزمن اليهودي المكان للزمن المسيحي الذي يعيش فيه يوحنا الإنجيلي. منذ ذلك الوقت اتخذ المسيحيون يوم الأَحَد يوم راحة تذكارًا لقيامة السيد المسيح بدل يوم السبت، وسُمِّى "يوم الرب" (رؤيا 1: 10). ويُطلق عليه في اللغة اللاتينية Dies Domini، وفي هذا اليوم تلتقي جماعة المؤمنين كلها بالرب القائم مِن بَينِ الأَموات الذي يدعوهم إلى الاحتفال بالإفخارستيا. فجسد المسيح في سر الإفخارستيا هو جسده الذي اجتاز الموت وقام مِن بَينِ الأَموات. ومن هذا المنطلق، بدأ زمن جديد لعالمٍ جديدٍ هو الزمن المسيحي؛ أمَّا" مَريمُ المِجدَلِيَّة" في الأصل اليوناني Μαγδαληνὴ هي مؤنث لكلمة مجدلة حيث أنَّ مِجدَليَّة تعني "مريم التي من مجدلة". وكلمة"مجدل" باللغة العبرية מַּגְדָּלִ تعني "برج". وبالفعل كان في المنطقة برج، ربما كان برجًا للحراسة ومنه اشتق اسم البلد مجدلة. والمجدل قرية تقع على الشاطئ الغربي من بحيرة طبرية. ويذكر التلمود أنه كانت توجد مدينة باسم مجدلة تبعد حوالي 20 دقيقة سيرًا على الأقدام من طبرية. وطرد يسوع من مريم المِجدَلِيَّة سبعة شياطين (مرقس 16: 9) فقامت وتبعت يسوع وساهمت في سد احتياجاته واحتياجات جماعته الرسل (لوقا 8: 2-3)، وثبّتت إلى النهاية فكانت معه وقت الصلب (يوحنا 19: 25) والدفن (مرقس 15: 47)، وكانت من جملة النساء اللواتي أتيْن إلى القبر ليحنِّطنَّه (مرقس 16:1). فقد شرَّفها يسوع بأول ظهور له بعد قيامته، كما كلَّفها بأول رسالة تبشير "اذَهبي إلى إِخوَتي، فقولي لَهم إِنِّي صاعِدٌ إلى أَبي وأَبيكُم، وإِلهي وإِلهِكُم" (يوحنا 20: 17). ويشير إليها لوقا الإنجيلي بأنها تلك الخاطئة التي مسحت قدمي يسوع عند سمعان (لوقا 8: 2). وقد اكتفى الإنجيلي يوحنا بذكر مريم المِجدَلِيَّة ولم يُشر إلى النسوة اللواتي ذهبْن معها، إذ وقفت بجوار السيد المسيح حتى موته على الصليب، وجاءت إلى القبر دون أية اعتبارات لما تواجهه من مصاعب، فحُبًّها للسيد المسيح نزع عنها كل خوفٍ من الموت أو من القبر. الأمر الذي جعلها تتمتع بأول أخبار القيامة المُفرحة المجيدة: القبر الفارغ! أمَّا عبارة "الظَّلامُ لم يَزَلْ مُخَيِّماً" فتشير إلى الظلام الذي يكتنف الأرض منذ أن مات يسوع ورقدت "الحياة "نفسها في القبر طوال السبت. تشير عبارة " عِندَ الفَجْر" إلى الحب مريم المِجدَلِيَّة للقاء مع القائم مِن بَينِ الأَموات في أول فرصة ممكنة، باكرًا دون أي تراخٍ أو تأجيل. أمَّا عبارة "الفَجْر والظَّلامُ" فتشير إلى مقابلة بين الظلمة والنور "النُّورُ يَشرِقُ في الظُّلُمات" (يوحنا 1: 5)، وفجر القيامة يطلع ليُبدِّد ظلمة القبر. فالنور والظلمة واليوم الأول في فجر القيامة والبستان في جنة عدن جميعها تُلمح إلى قصة الخلق في سفر التكوين، فالقيامة هي بمثابة خلقٌ جديدٌ؛ أمَّا عبارة "الحَجَرَ قد أُزيلَ عنِ القَبْر" فتشير إلى الحجر الذي أُزيل عن القبر كما ذكرت الأناجيل الأربعة (متى 28: 1، مرقس 16: 1، لوقا 24: 1) وذلك حتى يتمكن الآخرون من الدخول إليه ويتأكدوا أنَّ يسوع قد قام، لأنَّه كان بإمكانه الخروج من القبر دون الحاجة إلى تحريك الحجر. وقبر المسيح كان منحوتا في الصخر، وكان حجر مستدير يسدُّ بابه (متى 27: 60) وداخل القبر وُجدت مصطبة توضع عليها الجُثَّة (مرقس 16: 6)، وكان القبر خارج باب اورشليم (عبرانيين 13: 12) في بستان (يوحنا 19: 41). ويدلّ القبر الفارغ أنَّ عمل الله في يسوع لم ينتهِ في الموت. موت السيد المسيح بالجسد ودفنه في قبرٍ نزع عنَّا الخوف من الموت والقبر عندما سيحلُّ بنا الموت قريبًا ونُوضع في قبر. لذا يليق بنا أن نُردِّد مع أيوب البار: "قُلتُ لِلفَسادَ (القبر): أَنتَ أَبي وللدِّيدانِ: أَنتِ أُمِّي وأُخْتي" (أيوب 17: 14). 2 فأَسرَعَت وجاءَت إلى سِمْعانَ بُطرُس والتِّلميذِ الآخَرِ الَّذي أَحَبَّهُ يسوع، وقالَت لَهما: أَخَذوا الرَّبَّ مِنَ القَبْرِ، ولا نَعلَمُ أَينَ وَضَعوه" تشير عبارة "أَسرَعَت" إلى معرفتها بسرعة ماذا حدث للجسد. هذا هو معنى ركْضها وكلماتها. وأمَّا عبارة "جاءَت إلى سِمْعانَ بُطرُس والتِّلميذِ الآخَرِ " فتشير إلى مريم المِجدَلِيَّة التي تبحث عن جسد المسيح فأصبحت بذلك رسولة لرسله؛ أمَّا عبارة "سِمْعانَ بُطرُس" فتشير إلى بطرس الذي ظلَّ له مركز الصَّدارة وشأن كبير في التقليد المسيحي القديم، رغم نكرانه ليسوع (1 قورنتس 15: 5)؛ أمَّا عبارة "التِّلميذِ الآخَرِ الَّذي أَحَبَّهُ يسوع" فتشير إلى صفتين معا "الآخر" و"الحبيب". هناك من يقول إنه يوحنا، صاحب الإنجيل الرابع (يوحنا 13: 22). لكن الإنجيلي البشير لا يفصح عن اسمه ليجعل كل واحد منا مستعداً مثل ذاك التلميذ الذي يَحب يسوع ويحبّه يسوع (يوحنا 19: 26-27). وعِلة ذهاب مريم المِجدَلِيَّة إلى سمعان ويوحنا دون غيرهما من الرسل، لانهما أكثر الرسل غَيْرة وإيمانا ومحبة واهتماما بأمر يسوع. ولعلَّ السبب أيضا كون أم يسوع في بيت يوحنا. أمّا عبارة " أَخَذوا الرَّبَّ مِنَ القَبْرِ " فتشير إلى أناس مجهولين سرقوا الجثمان من القبر، لان مريم المِجدَلِيَّة لم ترى عِلة للإزالة الحجر عن القبر سوى اخذ الجسد وإخفائه. أمَّا عبارة "نعلم" فتشير إلى صيغة الجمع (نحن). فمريم تمثّل النسوة، كما جاء في رواية الأناجيل متى ومرقس ولوقا، وتمثل أيضا الكنيسة التي تبحث عن ربّها. وقد تدل أيضا أن مريم المِجدَلِيَّة لم تأتِ وحدها بل أتت أيضا مَريَمُ أُمُّ يَعقوبَ الصَّغيرِ ويوسى، وسالومَة (مرقس 15: 40). أمَّا عبارة " الرَّبَّ" في الأصل اليوناني κύριος (معناه السيد) فتشير إلى الاحترام، أمَّا عبارة "أين وضعوه" فتشير إلى تفسير مريم المِجدَلِيَّة للقبر الفارغ أنَّ أناس مجهولين سرقوا الجثمان كما كان متداولا في بعض الأوساط الفلسطينية، لأنها لم تكن تؤمن بعد بالقيامة. 2 "فأَسرَعَت وجاءَت إلى سِمْعانَ بُطرُس والتِّلميذِ الآخَرِ الَّذي أَحَبَّهُ يسوع، وقالَت لَهما: أَخَذوا الرَّبَّ مِنَ القَبْرِ، ولا نَعلَمُ أَينَ وَضَعوه": تشير عبارة "سِمْعانَ بُطرُس" إلى بطرس الذي ظلَّ له مركز الصَّدارة وشأن كبير في التقليد المسيحي القديم، رغم نكرانه ليسوع (1 قورنتس 15: 5)؛ أما عبارة "التِّلميذِ الآخَرِ الَّذي أَحَبَّهُ يسوع" فتشير الصفتين "الآخر والحبيب" إلى يوحنا الحبيب (يوحنا 13: 12)، وهو صاحب الإنجيل الرابع. والإنجيل لا يفصح عن ذكر اسمه ليجعل كل واحد مستعداً لان يكون ذاك التلميذ الذي يحبُّ يسوع ويُحِبّه يسوع (يوحنا 19: 26-27). أمَّا عبارة "نَعلَمُ" فتشير إلى صيغة الجمع، فإمّا مريم تُمثل النساء، كما تمثل الكنيسة التي تبحث عن ربّها، وإمَّا تشير إلى فريق النساء كما ورد في أناجيل متى ومرقس ولوقا. أمَّا عبارة "أَينَ وَضَعوه" فتشير إلى مريم المِجدَلِيَّة التي كانت تعتقد أن الجثمان سُرق كما كان متداولا في بعض الأوساط الفلسطينية، لأنها لم تكن تؤمن بعد بالقيامة. 3 فخرَجَ بُطرُسُ والتَّلميذُ الآخَرُ وذَهَبا إلى القَبْرِ. تشير عبارة "خرَجَ بُطرُسُ والتَّلميذُ الآخَرُ" إلى علاقة الصداقة الروحية الجادة، التي تحمل روح العمل الجماعي دون إعاقة الواحد للآخر. وكما يقول الحكيم: " اثنان خَيرٌ مِن واحِد لأَنَّ لَهما خَيرَ جَزاءً عن تَعَبِهما" (جامعة 4: 9). وتوحي أفعال الرسولين بطرس ويوحنا "خرجا، ذهبا، أسرعا، ووصلا" إلى الذكريات التاريخية لشهود عيان. 4 يُسرِعانِ السَّيْرَ مَعاً. ولكِنَّ التَّلميذَ الآخَرَ سَبَقَ بُطرُس، فوَصَلَ قَبلَه إلى القبْرِ تشير عبارة "يُسرِعانِ السَّيْرَ مَعاً" إلى عمل بطرس ويوحنا المُشترك والسريع لاكتشاف حقيقة الأمر. أمَّا عبارة" التَّلميذَ الآخَرَ سَبَقَ بُطرُس" فتشير إلى كل منهما يسرع قدر طاقته، كما تشير إلى سرعة إيمان يوحنا التي تجعله يرى ويؤمن قبل بطرس. 5 وانحَنى فأَبصَرَ اللَّفائِفَ مَمْدودة، ولكنَّه لَم يَدخُلْ" تشير عبارة "وانحَنى" إلى قصر الباب في مدخل الغرفة الخارجية للقبر، لأنه كذا جرت العادة في صنع أبواب القبر لتسهيل سَدِّها بالحجر. وفي هذه الغرفة الخارجية كانت النسوة تجتمع للتحنيط والبُكاء؛ أمَّا عبارة "فأَبصَرَ" في الأصل اليوناني βλέπει تشير إلى نظرة عابرة؛ أمَّا عبارة "اللَّفائِفَ" في الأصل اليونانية ὀθόνια فتشير إلى قطعة كتان ثمينة تصلح لدفن الأموات. وهو الكفن الذي اشتراه يوسف الرامي، فلَفّ به جسد المسيح المائت، بعد إنزاله عن الصليب. وكان يوسف من أعيان المجلس اليهوديّ (السنهدريم)، وقد آمَن بيسوع. وفي سنة 2009 وجد باحثون من جامعة القدس العبرية قطعة من الكفن من الحقبة الرومانية التي عاش فيها المسيح، وقال الدكتور شمعون غيبسون مدير بعثة الحفريات إن "بقايا الرجل الذي تمَّ لفَّه بالكفن المكتشف تمّ تكفين جسده ورأسه بطرق تتفق مع شعائر الدفن التي كانت مُتَّبعة في الدفن في تلك الحقبة أيام السيد المسيح. أمّا كفن تورينو فهو بمثابة قطعة كتانية يقال بأنها كانت الكساء الذي كُفِّن به السيد المسيح أثناء دفنه. وقد تمَّ الاحتفاظ بهذه القطعة منذ عام 1578 في مدينة تورينو الإيطالية، ومقاسات القطعة 4.42 م × 1.13 م. وتُظهر القطعة، من الأمام والخلف، ما يُشبه وجه رجل نحيف، غائر العينين، مع علامات لندبات ولطخات دم. قام خبراء إيطاليون من جامعة البوليتكنيك في تورينو سنة 2014 فوجدوا أن كفن تورينو يعود بالفعل إلى يسوع المسيح، إذ يحمل آثار الصلب وملامح دم المسيح، وعدم وجود أيّ أثر لاهتراء الجسد الذي لُفَّ بهذا الكفن. وهذا يعني أنّ الجسد خرج من الكفن في وقتٍ مُبكّر، ولم يترك مجالاً كي تبدأ عمليّة انحلال الأعضاء، كما يحصل، عادةً، لغيره من أجساد الموتى، بعد مرور وقتٍ معيَّن على الوفاة، علمًا أن الكنيسة الكاثوليكية لم تعلن موقفها رسمَيا أن جسد المسيح قد دفن بهذا الكفن، مفضلة التركيز على المعاني التي يستلهمها أولئك الذين يطلعون عليه. وتعود ملكيّة الكفن إلى كرسيّ روما الرسوليّ، منذ العام 1983، عملاً بوصيّة أومبرتو الثاني، ملك إيطاليا، الذي تنازَل لهذا الكرسيّ عن حقّ عائلته في ملكيّة الكفن. أمَّا عبارة "مَمْدودة " فتشير إلى الجسد ليس في القبر، وأنها أيضا علامة عدم سرقة الجسد، لأنه لا ينزع أحد الأكفان من كان في نيَّته سرقة الجسد أو نقله؛ ويُعلق القديس أمونيوس الإسكندري " لو أن الأعداء سرقوا الجسد، فمن أجل المكسب المادي ما كانوا قد تركوا الأكفان. لو أن التلاميذ فعلوا هذا لما سمحوا بتعرية الجسد وأهانته". أمَّا عبارة "لم يدخل بل انتظر بطرس" فتشير إلى انتظار يوحنا لبطرس للدخول قبْله، وذلك دلالة على خوفه أو كرامة واحترام منزلة بطرس في الكنيسة الأولى. إذ أعطى يوحنا حق الأولوية إلى بطرس الذي أوكله إليه يسوع برئاسة الكنيسة "وأَنا أَقولُ لكَ: أَنتَ صَخرٌ وعلى الصَّخرِ هذا سَأَبني كَنيسَتي، (متى 16: 18). فسمعان بطرس ظلَّ في مركز الصدارة رغم نكرانه للمعلم الإلهي يسوع المسيح. فنحن لا نختار أدوارنا في الكنيسة، بل نستلمها من لدنه تعالى. 6 ثُمَّ وَصَلَ سِمْعانُ بُطرُس وكانَ يَتبَعُه، فدَخَلَ القَبْرَ فأَبصَرَ اللَّفائِفَ مَمْدودة تشير كلمة "اللفائف" إلى الأكفان؛ وكانت الأكفان التي لفّ بها جسد يسوع ملفوفة ومرتّبة في موضع من القبر. ومن هنا جاءت معجزة الكفن المقدس – وهو كفن اشتراه يوسف الرامي وكفن به السيد المسيح. وعند القيامة ظلت الأكفان بالقبر فاحتفظ بها التلاميذ، ثم حمل تداوس الرسول الكفن إلى ابيجار الخامس حاكم اوديسا في أوكرانيا. وفي عام 544 اكتشف الكفن في أوديسا، وانتقل الكفن عبر القرون من أوديسا إلى القسطنطينية سنة 944. واخذ الصليبيون الكفن من القسطنطينية سنة 1204 وعُرض سنة 1357 في فرنسا وأخيراً استقر بتورينو في إيطاليا حتى أيامنا الحاضرة. والكفن مصنوع من قطعة واحدة؛ أمَّا عبارة "فأَبصَرَ" في الأصل اليونانية θεωρεῖ فتشير إلى نظرة تفحص في كل التفاصيل بدقة عن قرب. بطرس نظر ودقَّق ولاحظ منديل الرأس الذي لم يراه يوحنا. وهذه النظرة الفاحصة أثبتت أن الجسد قام ولم يُسرق، لأن اللفائف والمنديل كانا في مكانهما؛ أمَّا عبارة "اللَّفائِفَ مَمْدودة" فتشير إلى الشخص الميت الذي خرج من اللفائف الممدودة في مكانها، وهي علامة القيامة، فإنه لا ينزع أحد اللفائف أو الأكفان من كان في نيته سرقة الجسد أو نقله. لأن السارق لن ينشغل بترتيب اللفائف، والذي ينقل الجسد لا يعرّيه. 7 والمِنديلَ الَّذي كانَ حَولَ رَأسِهِ غَيرَ مَمْدودٍ معَ اللَّفائِف، بل على شكْلِ طَوْقٍ خِلافاً لَها، وكان كُلُّ ذلك في مَكانِه تشير عبارة "المِنديلَ" إلى قطعة صغيرة الحجم من القماش الخفيف، وكانت تُوضع على رأس الميت بحيث يُلَف وجهه بالمنديل، كما حدث مع لعازر بعد دفنه "فخرَجَ المَيتُ مَشدودَ اليَدَينِ والرِّجلَينِ بالعَصائِب، مَلفوفَ الوَجهِ في مِنْديل" (يوحنا 11: 44)، أمَّا عبارة " المنديل على شكْلِ طَوْقٍ في مَكانِه " فتشير إلى عادة يهودية. فكان الرجل اليهودي حينما يقوم عن المائدة أثناء الأكل يترك المنديل (الفوطة) التي يستخدمها في مسح يديه ملفوفة مرتبة، وذلك في حالة عودته لاستكمال طعامه وإلاَّ يتركها بلا ترتيب. ويكون المعنى أن المسيح قد قام ولا يَعدْ يموت ليُكفّن مرة ثانية لكنه يُعلن أنه سيعود ثانية في مجيئه الثاني. أمَّا عبارة "كان كُلُّ ذلك في مَكانِه" إلى الشخص الذي خلع ملابسه ومضى، ولا تشير إلى سرقة الجثمان. بالطبع ما كانت هذه الأكفان والمنديل مرتَّبة لو أن القبر قد نُهب أو سرق؛ فلو كان البعض سرقوا الجسد فهل يربكون أنفسهم بنزع المنديل ويضعونه ملفوفًا في موضع آخر؟ ويُعلق القديس يوحنا الذهبي الفم "لماذا توضع الأكفان الكتانية منفصلة والمنديل وحدها ملفوفة؟ لكي تتعلموا أن التصرف لم يحدث في تسرع أو بطريقة صاخبة، هكذا عندما تسمعون أن المنديل في موضع وحده لا تسلكون كالقائلين بأنه سُرق". كل تفاصيل اللفائف والمنديل تدل على حقيقة موت يسوع ودفنه في القبر وغيابه منه إشارة إلى قيامته. 8 حينَئذٍ دخَلَ أيضاً التِّلميذُ الآخَرُ وقَد وَصَلَ قَبلَه إلى القَبْر، فَرأَى وآمَنَ تشير عبارة "حينَئذٍ دخَلَ أيضاً التِّلميذُ الآخَر" إلى اقتداء يوحنا ببطرس الذي دخل القبر أولا. أما عبارة "رأَى" في الأصل اليوناني εἶδεν فتشير إلى نظرة تصديق أن يسوع حي وانه هو المسيح ابن الله. وزال بما رآه كل الشكوك التي اعترته مما شاهده من القبض على المسيح وصلبه ودفنه. أن التلميذ يوحنا الحبيب رأى القبر فارغا واللفائف ممدودة ومرتَّبة، وهي علامات أن الجسد لم يُسرق ولم ينقل من موضع إلى آخر، وحملته هذه العلامات على الاعتراف في الإيمان بقيامة يسوع بعكس مريم المِجدَلِيَّة التي اعتقدت أنَّ الجثمان سُرق. أمَّا عبارة "وآمَنَ" إلى يوحنا الذي كان أول من آمن بقيامة المسيح. 9 ذلك بِأَنَّهُما لم يكونا قد فهِما ما وَرَدَ في الكِتاب مِن أَنَّه يَجِبُ أَن يَقومَ مِن بَينِ الأَموات تشير عبارة "لم يكونا قد فهِما ما وَرَدَ في الكِتاب" إلى اللوم الموجَّه للتلميذين، بطرس ويوحنا، لانهما لم يكونا قد فهما بعد الآية التي "كُتِبَ أَنَّ المَسيحَ يَتأَلَّمُ ويقومُ مِن بَينِ الأَموات في اليَومِ الثَّالِث" (لوقا 24: 46)، ولم يُدركا ما تنبأ عنه صاحب المزامير "لأَنَّكَ لن تَترُكَ في مَثْوى الأَمْواتِ نَفْسي ولَن تَدَعَ صَفِيَّكَ يَرى الهوة" (مزمور 16: 10)، ولم يفهما ما قاله السيد المسيح عن تحقيق آية يونان بقيامته " كما بَقِيَ يُونانُ في بَطنِ الحُوتِ ثَلاثةَ أَيَّامٍ وثلاثَ لَيال، فكذلكَ يَبقى ابنُ الإِنسانِ في جَوفِ الأَرضِ ثَلاثةَ أَيَّامٍ وثلاثَ لَيال" (متى 12: 40). منع جهل تلك النبوءات بطرس ويوحنا من فهم كلام المسيح يوم أنبأهما انه يقوم في اليوم الثالث. لم يفهم بطرس ويوحنا حقيقة القيامة إلا بعد أن رأيا القبر فارغا وتذكرا أقوال يسوع والأسفار المقدسة أنَّه سيموت ثم يقوم أيضا مِن بَينِ الأَموات. أمَّا عبارة "الكِتاب" فتشير إلى أسفار الكتب المقدسة التي ساعدت التلميذين بطرس ويوحنا على تحديد قيامة يسوع وتفسيرها كما صرّح بولس الرسول إلى أهل قورنتس "أَنَّه قُبِرَ وقامَ في اليَومِ الثَّالِثِ كما وَرَدَ في الكُتُب"(1 قورنتس 15: 4). أمَّا عبارة " يَجِبُ أَن يَقومَ مِن بَينِ الأَموات" فتشير إلى القيامة التي هي مشيئة الله التي تتكلم عنها الكتب المقدسة، وهي مَحطَّة رئيسية في خطة الله لخلاصنا وتبريرنا، فتحقيقها كان أمرًا ضروريًا، علاوة على ذلك، لم يكن مُمكنًا للسيد المسيح أن يقول لمرتا أخت لعازر "أَنا القِيامةُ والحَياة " (يوحنا 11: 25) لو بقي حبيس الموت وسجين القبر ولم يقم! فيسوع القائم مِن بَينِ الأَموات هو مُحور الكتاب المقدس، ولا يُفهم بعد اليوم إلاّ بنوره وحضوره. إنّ إيماننا هو التصديق الطوعي لكلّ الحقيقة الّتي يكشفها الربّ لنا عن طريق كلمته. 10 ثُمَّ رَجَعَ التِّلميذانِ إلى بَيتِهِما: تشير عبارة "رَجَعَ التِّلميذانِ إلى بَيتِهِما" إلى عودة كل من بطرس ويوحنا إلى الموضع الذي كان التلاميذ يجتمعون فيه، خاصة بعد الصلب، وليس إلى منازلهما، لأنه لم يكن لهما منزل في أورشليم. عادا إلى إخوتهما ينتظرا ما سيعلنه اللَّه. ويُعلق القديس يوحنا الذهبي الفم "أنهما ذهبا أولًا في دهشة، كل إلى بيته، حيث بدأت القيامة تتجلى أمامهما، ثم عادا فاجتمعا ببقية التلاميذ حسب أمر السيد". ثانياً: تطبيقات النص الإنجيلي يهدف يوحنا البشير في كتابة فصل عشرين من إنجيله إلى حمل قُرَّائه على الإيمان بقيامة المسيح، حتى وإن كانوا بين أولئك الذين لم يروا. وذلك بوصف مجموعة من العلامات وهي القبر الفارغ (يوحنا 20: 1-10)، والظهور لمريم المِجدَلِيَّة (20:11-18) والظهور للتلاميذ (20: 19-23) والظهور لتوما الرسول (يوحنا 20: 24-31). ومن هذا المنطلق، يمكن أن نستنتج من وقائع نص إنجيل يوحنا (20: 1-9) أنَّه يتمحور حول معاني القيامة وحول القيامة كحدث تاريخي وإيماني. 1) معاني القيامة وأبعادها للقيامة معاني كثيرة: هي تكملة وختام عمل الفداء وتمجيد يسوع وتحقيق النبوات والوعود ومركز كرازة الجماعة المسيحية الأولى وموضوع إيماننا المسيحي الأساسي: قيامة يسوع تكملة عمل الفداء بدأ يسوع عمل الفداء بالتجسد والآلام والصلب والموت وأكمله بالقيامة. أنقذنا الربّ يسوع من الخطايا، وبقيامته أعاد كلّ ما فقدناه من خلال الخطيئة، وفتح لنا أبواب الحياة الأبديّة كما جاء في تعليم بولس الرسول "أُسلِمَ إلى المَوتِ مِن أَجْلِ زَلاَّتِنا وأُقيمَ مِن أَجْلِ بِرِّنا" (رومة 4، 25). فإن كان قد ذُبح لأجلنا، فقيامته تؤكد قبول هذه الذبيحة. وإن كان قد صُلب من أجل ديون ذنوبنا، فقيامته تعلن وفاء الدين. ويُعلّق القديس ميليتيون أسقف سردينيا" اتخذَ الربُّ، معَ كونِه إلهًا، طبيعةَ الإنسان، وتألَّمَ عمَّن كانَ يتأَلَّمُ. وقُيِّدَ بدلَ مَن كانَ مُقيَّدًا، وحُكِمَ عليه بدلَ مَن كانَ مُجْرِمًا، ودُفِنَ بدلَ مَن كانَ مدفونًا، وقامَ مِن بَينِ الأَموات؛ ولذلك فان قيامة يسوع مِن بَينِ الأَموات هي تمجيد للابن من قبل الآب" (أعمال الرسل 2: 22-24). أصبح للألم والصليب على ضوء القيامة مفهومًا جديداً في فكرنا وشعورنا، لأنه صار لنا فكر المسيح (1قورنتس 2: 16) وأصبح الألم حسب اقتناعنا هو الطريق إلي المجد، كما حدث للمسيح في صلبه كما أعلن بولس الرسول "إِذا شارَكْناه في آلامِه، نُشارِكُه في مَجْدِه أَيضًا" (رومة 8: 17). لذلك يقول بول ريكور: "لم يأتِ المسيح لكي يلغي الألم إنما أتى ليملأه بحضوره". وهكذا نحمل الألم ونحن نقول " مَحْزونينَ ونَحنُ دائِمًا فَرِحون" (2 قورنتس 6: 10). وبالقيامة أصبح الصليب إكليلاً ومجدًا، وليس ألمًا كما صرَّح بولس الرسول" إِنِّي راضٍ بِحالاتِ الضُّعفِ والإِهاناتِ والشَّدائِدِ والاِضطِهاداتِ والمَضايِقِ في سَبيلِ المسيح" (2 قورنتس 12: 10). واصبح المسيح بقيامته رباً ومسيحاً كما اعلن ذلك بطرس الرسول في عظته الأولى " َلْيَعْلَمْ يَقينًا بَيتُ إِسرائيلَ أَجمَع أَنَّ يَسوعَ هذا الَّذي صَلَبتُموه أَنتُم قد جَعَلَه اللهُ رَبًّا ومَسيحًا" (أعمال الرسل 2: 36) وسيداً ومخلصاً كما صرَّح بطرس الرسول في مجلس اليهود "هو الَّذي رَفعَه اللهُ بِيَمينِه وجَعَلَه سَيِّدًا ومُخَلِّصًا لِيَهَبَ لإِسْرائيلَ التَّوبَةَ وغُفرانَ الخَطايا" (أعمال الرسل 5: 31)، وديَّانًا للأحياء والأموات كما اعلن بطرس الرسول في عظته في بيت قرنيليوس " وقَد أَوصانا أَن نُبَشِّرَ الشَّعْب ونَشهَدَ أَنَّه هو الَّذي أَقامَه اللهُ دَيَّانًا لِلأَحياءِ والأَموات" (أعمال الرسل 10: 42)، وواهباً الروح القدس الذي وعد به (يوحنا 20: 22). انه آدم الجديد الذي وضع الله تحت قدميه كل شيء كما جاء في تعليم بولس الرسول " كما يَموتُ جَميعُ النَّاسِ في آدم فكذلك سَيُحيَونَ جَميعًا في المسيح" (1 قورنتس 15: 22)، إنه راس للزاوية كما وصفه القديس بطرس "هذا هو الحَجَرُ الَّذي رَذَلتُموه أَنتُمُ البَنَّائين فصارَ رَأسَ الزَّاوِيَة (أعمال الرسل 4: 11). انه المسيح المُمجَّد مفتاح لكل أسفار الكتاب المقدس كما وصف لوقا البشير لقاء يسوع القائم مع تلميذي عماوس "فبَدأَ مِن مُوسى وجَميعِ الأَنبِياء يُفَسِّرُ لَهما جميعِ الكُتُبِ ما يَختَصُّ بِه. (لوقا 24: 27). قيامة يسوع طريق للمجد دخل يسوع إلى المجد من خلال قيامته. فعندما كان يسوع على الأرض لم يظهر مجده إلاّ من خلال بعض العلامات "جاءَ إلى بَيتِه. فما قَبِلَه أَهْلُ بَيتِه" (يوحنا 1: 11)، وفي لحظات قصيرة كلحظة التجلي "مضى يسوعُ بِبُطرُسَ ويعقوبَ ويوحَنَّا فانفَرَدَ بِهِم وَحدَهم على جَبَلٍ عالٍ، وتَجَلَّى بِمَرأَى منهم" (مرقس 9: 2). بعد القيامة دخل يسوع عالمًا جديداً تنبأ عنه أشعيا (65: 17) وأصبح " رَبَّ المَجْد"(1 قورنتس 2: 8). إنّ جسده الآن مُمجّداً، خالداً وغير قابل للفساد. يُشارك جسد المسيح الربّ في المجد الّذي كان لديه من البداية، عندما كان حاضراً مع الآب قبل الخلق. وبهذه القيامة، أثبت المسيح الربّ مجد ألوهيّته. لم يُقيمه أيّ أحد بل إنّه قام بقوّته الذاتيّة. قال الربّ يسوع: " أَبذِلُ نَفْسي لأَنالَها ثانِيَةً ما مِن أَحَدٍ يَنتزِعُها مِنَّي بل إنّني أَبذِلُها بِرِضايَ. فَلي أَن أَبذِلَها ولي أَن أَنالَها ثانِيَةً" (يوحنّا 10، 18-19). قيامة يسوع تحقيق للنبوءات حقّقت قيامة يسوع ما قد تنبا يسوع نفسه لتلاميذه "إنَّ ابنَ الإِنسانِ يَجِبُ علَيه أَن يُعانيَ آلاماً شديدة، وأَن يرْذُلَه الشُّيوخُ وعُظماءُ الكَهَنَةِ والكَتَبَة، وأَن يُقتَل، وأَن يقومَ بَعدَ ثَلاثةِ أَيَّام"(مرقس 8: 31). فقيامة يسوع حَقَّقت نبوءة علامة يونان النبي " فكما بَقِيَ يُونانُ في بَطنِ الحُوتِ ثَلاثةَ أَيَّامٍ وثلاثَ لَيال، فكذلكَ يَبقى ابنُ الإِنسانِ في جَوفِ الأَرضِ ثَلاثةَ أَيَّامٍ وثلاثَ لَيال" (متى 12: 40). وقيامة يسوع هي أيضاً علامة الهيكل كما أشار يسوع إلى ذلك بقوله "اُنقُضوا هذا الهَيكَل أُقِمْهُ في ثَلاثَةِ أَيَّام" (يوحنا 2: 19-21). قيامة يسوع تحقيق الوعود حققت القيامة وعد رفعِ يسوع ممجَّدا إلى يمين الله "فداودُ لم يَصعَدْ إلى السَّموات، وهُو نَفْسُه مع ذلك يَقول: قالَ الرَّبُّ لِرَبيِّ: اِجلِسْ عن يَميني" (أعمال الرسل 2: 34) كما حققت القيامة تمجيد عبد الرب "لِيَجرِيَ الشِّفاءُ والآياتُ والأَعاجيبُ بِاسمِ عَبدِكَ القُدُّوسِ يَسوع" (أعمال الرسل 4:30) كما حققت القيامة أيضا الوعد بجلوس يسوع عن يمين الله "ها إِنِّي أَرى السَّمواتِ مُتَفَتِّحَة، وابنَ الإِنسانِ قائِمًا عن يَمين الله" (أعمال الرسل 7: 56). ولما تحققت أمام الرسل وعود المسيح لهم بأنه سيقوم وسَيَرونه، وثقوا أيضاً بتحقيق كل الوعود الأخرى التي قال لهم عنها مثل " في بَيتِ أَبي مَنازِلُ كثيرة ولَو لم تَكُنْ، أَتُراني قُلتُ لَكم إِنِّي ذاهِبٌ لأُعِدَّ لَكُم مُقاماً؟ وإِذا ذَهَبتُ وأَعددتُ لَكُم مُقاماً أَرجعُ فآخُذُكم إِلَيَّ لِتَكونوا أَنتُم أَيضاً حَيثُ أَنا أَكون" (يوحنا 14: 2-3). وثقوا أيضًا بوعده عن إرسال الروح القدس إليهم (يوحنا 16: 7)، وأنهم سينالون قوة متي يحل الروح القدس عليهم (أعمال 1: 8). وثقوا بوعده بالبقاء معهم " هاءنذا معَكم طَوالَ الأَيَّامِ إلى نِهايةِ العالَم " (متى 28: 20). وكل هذه الوعود منحتهم قوة وإيماناً وفرحًا. قيامة يسوع مركز الكرازة الرسولية تقوم كرازة الرسل على صلب يسوع وموته وقيامته، وبه يُقدَّم الله للناس الخلاص كما صرَّح بطرس الرسول "قَتَلتُم سيِّدَ الحَياة، فأَقامَه اللهُ مِن بَينِ الأَموات، ونَحنُ شُهودٌ على ذلك" (أعمال الرسل 3: 14-15). ويؤكِّد لنا بولس الرسول أيضا إيمان الجماعة الأولى بالقيامة، حيث يقول "سَلَّمتُ إِلَيكم قبلَ كُلِّ شيَءٍ ما تَسَلَّمتُه أَنا أَيضًا، وهو أَنَّ المسيحَ ماتَ مِن أَجْلِ خَطايانا كما وَرَدَ في الكُتُب، وأَنَّه قُبِرَ وقامَ في اليَومِ الثَّالِثِ كما وَرَدَ في الكُتُب" (1 قورنتس 15: 3-4). "وإِن كانَ المسيحُ لم يَقُمْ، فتَبشيرُنا باطِلٌ وإِيمانُكُم أَيضًا باطِل" (1 قورنتس 14:15). وان رؤساء اليهود لم يكذبوا حقيقة القيامة بل اكتفوا بالبحت عن تفسير آخر له وذلك برشوة رجال الحرس بقولهم لهم " قولوا إِنَّ تَلاميذَه جاؤوا لَيلاً فسَرقوه ونَحنُ نائمون" (متى 28: 13). ويمكننا أن نلقّب سفر الأعمال ببشارة القيامة. لذلك للقيامة الأهمّية الأولى في الجماعة المسيحية الأولى، إذ بدون قيامة الربّ لما قامت الكنيسة المسيحيّة على الإطلاق. وكانت قيامته نقطة تحول في تاريخ حياة الكنيسة، وفي تاريخ المسيحية. القيامة هي إيمان الكنيسة اكتشفت الكنيسة في اختبار الفصح إيمانها بالقيامة حيث أنَّ القيامة هي سر تعيشه الكنيسة كل يوم: فالكنيسة تصرّح أنَّ القائم من الموت يحيا معها، وأنَّها تكتشف وجوده في الحياة اليومية وفي المشاركة الأخوية والمراسيم الدينية والصلوات. "قيامة المسيح هي الحياة للميت، والصفح عن المذنبين والمجد للقديسين" فلننشد مع الكنيسة "المسيح قام مِن بَينِ الأَموات ووطِئ الموت بالموت. ووهب الحياة للّذين في القبور"؛ وكذا أضحى الموت بقيامة يسوع نهاية مطاف وعبوراً إلى حياة أخرى. فلا مجد دون ألم، ولا حياة دون موت. إن الحياة تمرُّ حتماً بالموت، والمجد بالآلام، والخلاص بالصليب. اهتم َّيسوع نفسه باختياره الموت مثل حبّة الحنطة ليكشف هذه الحقيقة: فيقول:" الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكم: إنَّ حَبَّةَ الحِنطَةِ الَّتي تَقَعُ في الأَرض إِن لَم تَمُتْ تَبقَ وَحدَها. وإذا ماتَت، أَخرَجَت ثَمَراً كثيراً" (يوحنا 12: 24). فلا نموّ من دون تحوّل، ولا تحوّل من دون موت. 2) قيامة المسيح حدث تاريخي قيامة المسيح هي حدث تاريخي. لم يشرح لنا أحد من الإنجيليِّين كيف قام المسيح، ولكن كشفوا لنا أبرز علامات قيامته كحدث تاريخي، وهو القبر الفارغ. لماذا كان فارغاً؟ هناك احتمالان: إمَّا أنَّ هناك تفسيرات مزعومة، وإمَّا أنَّ المسيح قام حقا. وبقدر ما أكد التلاميذ والرسل قيامته قاومها غير المؤمنين ومن أهم التفسيرات المزعومة للقبر الفارغ فهي: التفسير الأول: كان يسوع مُغمى عليه، ثم استردَّ وَعْيه. ولكن إنجيل يوحنا يردُّ على هذه التفسير بقوله "لم يكسر الجنود الرومان ساقي يسوع، لأنه كان قد مات فعلا" أَمَّا يسوع فلَمَّا وَصَل الجنود إِليه ورأَوهُ قد مات، لَم يَكسِروا ساقَيْه، لكِنَّ واحِداً مِنَ الجُنودِ طَعَنه بِحَربَةٍ في جَنبِه، فخرَجَ لِوَقتِه دَمٌ وماء" (يوحنا 19: 32-34). التفسير الثاني: أخطأت النسوة وذهبن إلى قبر آخر؛ يجيب متى الإنجيلي على هذا التفسير بقوله إنَّ مريم المِجدَلِيَّة ومريم أم يوسي رأتا يسوع وهو يدفن في القبر كما جاء في الإنجيل “أَخذَ يوسُفُ الجُثْمانَ ولَفَّه في كَتَّانٍ خالِص، ووضَعَه في قَبرٍ لَه جديد كانَ قد حفَرَه في الصَّخْر، ثُمَّ دَحَرجَ حَجَراً كبيراً على بابِ القبرِ وانصَرَف. وكانت هُناكَ مَريمُ المِجدَلِيَّة ومَريمُ الأُخرى جالِسَتَينِ تُجاهَ القَبر" (متى 27: 59-61)، ويؤكد إنجيل يوحنا أنَّ بطرس ويوحنا ذهبا إلى نفس القبر "فخرَجَ بُطرُسُ والتَّلميذُ الآخَرُ وذَهَبا إلى القَبْرِ" (يوحنا 20: 3). التفسير الثالث: سرق لصوص مجهولون جسد يسوع؛ يجيب متى الإنجيلي على هذا التفسير بان القبر كان مختوما وعليه حراسة من حرس الهيكل كما جاء في الإنجيل "ذهبَ عُظماءُ الكَهَنَةِ والفِرِّيسيُّونَ معاً إلى بيلاطُس فقالَ لَهم: "عِندَكُم حَرَس، فاذهبوا واحفَظوه كما تَرَون" فَذَهبوا وحَفِظوا القَبر، فخَتموا الحَجَرَ وأَقاموا علَيه حَرَسا" (متى 27: 65: -66). التفسير الرابع: سرق التلاميذ جسد يسوع؛ نجد في أعمال الرسل أنَّ الجماعة المسيحية الأولى كانوا على استعداد للموت لأجل إيمانهم في المسيح القائم، إذ "قَبَضَ المَلِكُ هيرودُسُ على بَعضِ أَهلِ الكَنيسة لِيُوقِعَ بهِمِ الشَّرَّ، فقَتَلَ بِحَدِّ السَّيفِ يَعقوبَ أَخا يوحَنَّا. فلَمَّا رأَى أَنَّ ذَلك يُرْضي اليَهود، قَبَضَ أَيضًا على بُطرُس" (أعمال الرسل 12: 2 -3). لذلك فإن سرقوا جسد يسوع لكان إيمانهم بيسوع باطلا واستشهادهم لأجله لا معنى له. أبصر بطرس ويوحنا واقعيا الأكفان والمنديل فتأكدا أنَّ القبر فارغ. وتحقَّق أنَّ الكفن كان ملفوفاً ومُرتَّباً في موضع من القبر، وكذلك المنديل الذي كان على راسه وُجد ملفوفا وحده في مكان آخر منفصل عن الكفن (يوحنا 20: 6-7)، وما كانت الأكفان مرتَّبة لو أنَّ القبر قد نُهب أو سُرق كما ادَّعى رؤساء اليهود الذين اشتروا ضمائر الحراس بالمال مقابل تلفيق الكذبة، إذ قالوا لَهم: "قولوا إِنَّ تَلاميذَه جاؤوا لَيلاً فسَرقوه ونَحنُ نائمون" (متى 28: 12-13). فيجيبهم العلاّمة أوغسطينوس "إن كنتم نائمين أيها المنافقون فكيف شاهدتموهم؟ وإن كنتم ساهرين، فكيف تركتموهم يفعلون". تحقق بطرس من علامات القبر الفارغ، ولكنه ظل مذهولاً مما حدث (يوحنا 20: 6). بطرس رأى وتعجب كما ورد في إنجيل لوقا "َانصَرَفَ إلى بَيتِه مُتَعَجِّباً مِمَّا جَرى" (لوقا 24: 12). التفسير الخامس: سرق رؤساء الكهنة والفِرِّيسيُّون جسد يسوع للاحتفاظ به؛ فمن ناحية يُبين متى الإنجيلي أن القبر كان محروسا ومختوما؛ ومن ناحية أخرى لو أخذ رؤساء اليهود جسد يسوع لأظهروه لمنع الشائعات عن قيامته، لأنهم كان يتآمرون كيف يحجبون أخبار القيامة. وأخير لو كانت القيامة خرافة لَمَا استطاع المسيحيون أن يبشّروا بها في المكان نفسه، في اورشليم دون أن يتوقعوا التكذيب والتشهير؟ والواقع، إن رؤساء اليهود لم يكذِّبوا الأمر، بل اكتفوا بالبحث عن تفسير آخر له وهو "التلاميذ سرقوا جثمانه". تشهد حاليا كنيسة القيامة مع القبر الفارغ بصمته عن الحادثة الرئيسية في تاريخ الإنسانية وهي: قيامة ربنا يسوع المسيح. يشهد القبر الفارغ على انتصار الحياة على الموت. ونشهدُ نحن أيضاً مع الرسل والإنجيليِّين، والكنيسة في كل مكان وزمان، ونعلنُ: " أَنَّ المسيح، بَعدَما أُقيمَ مِن بَينِ الأَموات، لن يَموتَ بعدَ ذلِك ولن يَكونَ لِلمَوتِ علَيه مِن سُلطان" (رومة 6: 9)، فأصبح يسوع القائم من بين الأموات مصدر الحياة الأبدية لكل من يؤمن به. وهنا في كنيسة القدس، أم الكنائس، مات الرّب يسوع المسيح ليجمع في واحد أبناء الله المُشتَّتين (يوحنا11: 52). نستنتج مما سبق أن المسيح قام! حقّاً قام! هلِّلويا! هذا هو السلام الذي يتبادله المسيحيون يوم الفصح، وهو الإيمان الأساسي المُشترك بين جميع المسيحيين. وهذا هو الهتاف الذي يجب أن نشهد له بلساننا وحياتنا مع بطرس الرسول " فَلْيَعْلَمْ يَقينًا بَيتُ إِسرائيلَ أَجمَع أَنَّ يَسوعَ هذا الَّذي صَلَبتُموه أَنتُم قد جَعَلَه اللهُ رَبًّا ومَسيحًا" (أعمال الرسل 2: 36). إنّ قيامة الربّ يسوع المسيح من الموت هي حدث تاريخيّ وهي الموضوع الرئيسي للإيمان المسيحي كما جاء في تعليم بولس الرسول "فإِن لم يَكُنْ لِلأَمواتِ مِن قِيامة، فإِنَّ المسيحَ لم يَقُمْ أَيضًا. وإِن كانَ المسيحُ لم يَقُمْ، فتَبشيرُنا باطِلٌ وإِيمانُكُم أَيضًا باطِل. بل نَكونُ عِندَئِذٍ شُهودَ زُورٍ على الله، لأَنَّنا شَهِدْنا على اللهِ أَنَّه قد أَقامَ المسيح وهو لم يُقِمْه، هذا إِن صَحَّ أَنَّ الأَمواتَ لا يَقومون" (1 قورنتس 15، 13-15). 3) قيامة يسوع حدث إيماني بعدما بحثنا في معاني قيامة المسيح وتناولها كحدث تاريخي يكشف يوحنا الإنجيلي عن مراحل نرتقي بها إلى معرفة القيامة وفهمها من خلال الانتقال من رؤية مريم المِجدَلِيَّة السطحية، إلى نظرة بطرس التحليلية، الرؤية التلميذ الحبيب وإيمانه. فمن خلال خبرة الرسل يمكن أن يتخذ المرء أربعة مراحل للوصول إلى القيامة كحدث إيماني: الشك والتحقق والرؤية والإيمان: المرحلة الأولى: التساؤل والنظرة السطحية مريم المِجدَلِيَّة هي أول من رأت الحجر مرفوعًا عن القبر (يوحنا 20: 1)، واكتشفت أن القبر فارغ. فقد رأت مريم المِجدَلِيَّة كما يرى كل إنسان بحاسة النظر، لكنها لم تدرك سبب القبر الفارغ. وبالرغم من ذلك ظنَّت أن قيامة المسيح مجرَّد تلفيق أو اختلاق من المستحيل تصديقها؛ إذ كانت تعتقد أن الجثمان أخذ كما كان شائعاً في الأوساط اليهودية. لذلك قالَت إلى بطرس ويوحنا الحبيب: "أَخَذوا الرَّبَّ مِنَ القَبْرِ، ولا نَعلَمُ أَينَ وَضَعوه" (يوحنا 20: 2، 15). فكما كان توما رمز لهؤلاء الذين يحتاجون إلى أنَّ يروا لكي يؤمنوا، كذلك مريم المِجدَلِيَّة هي رمز للنساء اللواتي يحتجن إلى الرؤية كي يؤمِنَّ. يُعلق القديس يوحنا الذهبي الفم" أن القديسة مريم المِجدَلِيَّة وإن لم تكن بعد تفكر بوضوح في القيامة، بل ظنت أن الجسد قد أٌُخذ، إلاَّ أنَّ يوحنا الإنجيلي لم يحرمْها من المديح عما فعلته". المرحلة الثانية: التحقق والنظرة التحليلية تقوم المرحلة الثانية بتحقق المرء من الحقائق. لما رأَتِ مريم المِجدَلِيَّة الحَجَرَ قد أُزيلَ عنِ القَبْر أَسرَعَت وأخبرت سِمْعانَ بُطرُس والتِّلميذِ الآخَرِ الَّذي أَحَبَّهُ يسوع (يوحنا 20: 2). لم يُدحرج الحجر عن القبر حتى يتمكن يسوع من الخروج منه، لأنه كان بإمكانه الخروج منه دون الحاجة إلى تحريك الحجر كما دخل إلى العليَّة والأبواب مغلقة كما ورد في إنجيل يوحنا " جاءَ يسوعُ والأبوابُ مُغلَقَة، فوَقَفَ بَينَهم (يوحنا 20: 26). فالغرض من دَحرجة الحجر أمام القبر لا يُقصد به فتح الطريق أمام المسيح ليخرج، بل لتتمكن مريم المِجدَلِيَّة والرسولين بطرس ويوحنا من الدخول. فلم يكتفِ بطرس برؤية الحجر المُدحرج أمام القبر بل دخل إلى القبر ليتحقَّق إذا يسوع قد قام من القبر. فجاء بطرس "ودَخَلَ القَبْرَ فأَبصَرَ اللَّفائِفَ مَمْدودة" (20: 6)، وتأكد أن القبر فارغ. ورأى الأكفان مرتّبة في مكانها على الأرض، واستدلَّ مِن كل ما رأى أنَّ جسد يسوع قد تحرَّر من اللفائف والمنديل ولكنه ظلَّ مذهولا ومُتعجبا من حدث القيامة، كما أكد لوقا الإنجيلي "إَنَّ بُطرُسَ قام فأَسرَعَ إلى القَبْرِ وانحنَى، فلَم يَرَ إِلاَّ اللَّفائِف، فَانصَرَفَ إلى بَيتِه مُتَعَجِّباً مِمَّا جَرى" (لوقا 24: 12). المرحلة الثالثة: النظرة الإيمانية لم يكتفِ يوحنا الرسول أن ينظر نظرة تحليلية بل نظرة إيمانية أيضا كما صرّح الإنجيل "َفرأَى وآمَنَ" (يوحنا 20 :8). فهم يوحنا فورا لغة القبر الفارغ، والأكفان الممدودة، والمنديل ملفوفا على حدة. فهذه التفاصيل تنفي سرقة الجسد. رأى يوحنا داخل القبر كما رأى بطرس؛ رأى في وجود القبر فارغاً واللفائف ممدودة والمنديل مطوي علامات أن الجسد لم يُسرق ولم يُنقل من موضع إلى آخر، ما من سارق يترك الأكفان في مثل هذه الحالة. فحملته هذه العلامات على الاعتراف في الإيمان بقيامة يسوع: "رأى يوحنا وآمن" (يوحنا 20: 8). يُعلِّق القديس يوحنا الذهبي الفم بقوله "فما الغرض في أن المنديل الذي كان على رأسه ليس موضوعًا مع الأكفان بل ملفوفًا في موضع وحده"؟! أجبتك: لتعلم أن هذا الفعل ما كان فعل من كان مسرعًا ولا مضطربًا، فمِن هذا الفعل صدقوا قيامته". لقد حدثت المعجزة الكبرى وهي قيامة يسوع من الأموات. ويعلق القديس كيرلس الاورشليمي أيضا على علامات القيامة بقوله "كثيرون هم شهود قيامة المُخلص: الليل وضوء القمر التام (لأنها كانت ليلة 16 نيسان)، صخرة القبر الذي حواه، والحجر الذي خُتم أمام اليهود، لأنه رأى الرب، الحجر الذي دحرج عندئذ (متى 28: 2) يشهد بالقيامة، وهولا يزال قائما هنا حتى الآن... والمكان نفسه الذي يُرى إلى الآن. وهذ الكنيسة المقدسة (كنيسة القيامة) التي بناها الإمبراطور قسطنطين على القبر المقدس، وزُيِّنت على هذا الشكل". والجدير بالذكر أنَّ الإنجيل لم يفصح عن ذكر اسم يوحنا ليجعل كل واحد مستعداً لان يكون ذاك التلميذ الذي يُحبّه يسوع ويُحبّ يسوع ويؤمن به وبقيامته (يوحنا 19: 26-27). وعلى إيمان الرسل ثبت إيمان الكنيسة. وليس الإيمان تصديق الأشياء الّتي تتناقض مع العقل، بل هو فوق وما وراء العقل كما جاء في تعليم صاحب الرسالة إلى العبرانيين "فالإِيمانُ قِوامُ الأُمورِ الّتي تُرْجى وبُرْهانُ الحَقائِقِ الَّتي لا تُرى" (عبرانيّين 11، 1). مرحلة الرابعة: الترائي والرؤية الشخصية: لن يقدر المرء أن يقبل حقيقة القيامة إلا بظهور يسوع القائم مِن بَينِ الأَموات ومقابلته ليسوع شخصيا، الأمر الذي يُبدِّد كل الشكوك؛ كما حدث مع مريم المِجدَلِيَّة لمّا ظهر لها "قال لها يسوع: مَريَم! فالتَفَتَت وقالَت له بِالعِبرِيَّة: رابُّوني!" (يوحنا 20: 16). ولم يتقبل بطرس حقيقة القيامة مع انه رأى علامات القيامة التي شاهدها يوحنا ولم يؤمن بالقيامة إلاّ عند مقابلته يسوع شخصيا. وكان الرسل يَقولون "إِنَّ الرَّبَّ قامَ حَقاً وتَراءَى لِسِمْعان"(لوقا 24: 34 ". وبعدئذ قدَّم بطرس تعهده أمام الرب يسوع وكرَّس حياته لخدمته وبدأ في إدراك واقع حقيقة وجود يسوع الحي. جاء في الحديث في الإسلام "طُوبَى لِمَنْ رَآنِي وَآمَنَ بِي، وَمَنْ رَأَى مَنْ رَآنِي، وَمَنْ رَأَى مَنْ رَأَى مَنْ رَآنِي" أمَّا سيدنا يسوع المسيح فيقول إلى الرسول توما:" أَلِأَنَّكَ رَأَيتَني آمَنتَ؟ طوبى لِلَّذينَ يؤمِنونَ ولَم يَرَوا" (يوحنا 20: 28). وذكر إنجيل يوحنا ظهور يسوع للرسل أيضا " كانَ التَّلاميذُ في دارٍ أُغْلِقَتْ أَبوابُها خَوفاً مِنَ اليَهود، فجاءَ يسوعُ ووَقَفَ بَينَهم وقالَ لَهم: ((السَّلامُ علَيكم!)) قالَ ذلك، وأَراهم يَدَيهِ وجَنبَه " (يوحنا 20: 19). واكّد بولس الرسول هذه الظهورات: "وأَنَّه تَراءَى لِصَخْرٍ فالاْثَني عَشَر، ثُمَّ تَراءَى لأَكثَرَ مِن خَمْسِمِائَةِ أَخٍ معًا لا يَزالُ مُعظَمُهُم حَيّاً وبَعضُهُم ماتوا، ثُمَّ تَراءَى لِيَعْقوب، ثُمَّ لِجَميعِ الرُّسُل (1 قورنتس 15: 5-7). وعلق البابا بندكتس السادس عشر على قيامة المسيح بقوله "يسوع الناصري لم يستأنف حياته المألوفة كما كانت في هذه الحياة، كما في حال لعازر والموتى الأخرين الذين قاموا بفضل المسيح. انه قام نحو حياة مختلفة، جديدة. خرج نحو الله اللامتناهي، وظهر انطلاقاً منه إلى أحبّائه" (كتاب يسوع الناصري). وبعد أن يقدِّم المرء تعهده أمام يسوع ويكرِّس حياته لخدمته يبدأ إدراك واقع حقيقة القيامة كما حدث مع توما الرسول الذي أعلن إيمانه للمسيح القائم بقوله: "رَبِّي وإِلهي" (يوحنا 20: 24-31). إن هذا الذي يظهر هو يسوع الناصري، والرسل يرونه ويلمسونه كما حدث مع الرسل وتوما (يوحنا 20: 19-29)، ويأكلون معه (يوحنا 21: 9-13). إنه ليس خيالا، بل بجسده الخاص إذ "أَراهم يَدَيهِ وجَنبَه" (يوحنا 20: 20). إلاَّ أن هذا الجسد لا يخضع للأوضاع العادية في الحياة الأرضيّة كما جاء في ظهور يسوع لتلاميذه " كانَ التَّلاميذُ في دارٍ أُغْلِقَتْ أَبوابُها خَوفاً مِنَ اليَهود، فجاءَ يسوعُ ووَقَفَ بَينَهم" (يوحنا 20: 19). واحتفظ يسوع بترائية للشهود الذين اختارهم هو بنفسه كما جاء في عظة بطرس الأولى "فيَسوعُ هذا قد أَقامَه اللّه، ونَحنُ بِأَجمَعِنا شُهودٌ على ذلك" (أعمال 2: 32)، وكان آخر الترائي لبولس الرسول على طريق دمشق كما جاء في تصريحه "حتَّى تَراءَى آخِرَ الأَمرِ لي أَيضًا "(1 قورنتس 15: 8)؛ إنه يختار من شهوده رُسُلاً له. فيُظهر نفسه لهم، "ولا يظهر نفسه للعالم" (يوحنا 14: 22)، لأن العالم مغلق عن الإيمان. تُثبت حقيقة القيامة في إيمان الرسل بعد ترائي لهم يسوع القائم مِن بَينِ الأَموات. إنّ أساس الإيمان المسيحي هو أحداث جرت بالفعل، ونعترف بها من شهادة شهود عيان جديرين بالثقة. المرحلة الخامسة: الإيمان بقيامة المسيح من خلال الكتاب المقدس والقربان الأقدس ا) الإيمان من خلال الكتاب المقدس حدت القيامة تُثبِّته نصوص الإنجيل؛ إذ رأى التلاميذ القبر فارغ، والقبر قد وُجد فارغا لا يُبرهن إلاَّ على انه فارغ، وأمَّا الأكفان على الأرض والمنديل ملفوفا على حدة مما ينفي سرقة الجسد فمن يؤكد قيامة الرب؟ توحي الرواية ذكريات تاريخية لشهود عيان. لكن لم تشاهد عينا إنسان القيامة ذاتها، ولكن علامات لها. وحيث انه يوجد هناك خياران: الإيمان أنَّ الرب يسوع قد قام مِن بَينِ الأَموات أو أن الانغلاق أمام حقيقة القيامة منكرين ومتجاهلين إياها. فهناك حاجة أن يفتح اللَّه ذهن الرسل ليفهموا الكتب المقدسة، كما حدث مع تلميذي عمواس (لو 24: 44-45). وهنا تأتي كلمة الإنجيل لتثبِّت الإيمان. بعد أن رأى التلاميذ القبر فارغا والأكفان والمنديل تذكروا أقوال يسوع والأسفار المقدسة انه سيموت ثم يقوم مِن بَينِ الأَموات: "أَنَّه يَجِبُ علَيهِ أَن يَذهَبَ إلى أُورَشَليم ويُعانِيَ آلاماً شَديدة مِنَ الشُّيوخِ وعُظَماءِ الكَهَنَةِ والكَتَبَة ويُقتَلَ ويقومَ في اليومِ الثَّالث" (متى 16: 21). وتذكر التلاميذ أيضا ما تنبأ عنه صاحب المزامير " لأَنَّكَ لن تَترُكَ في مَثْوى الأَمْواتِ نَفْسي ولَن تَدَعَ صَفِيَّكَ يَرى الهوة" (مزمور 16: 10)، واخذوا يفهمون ما قاله السيد المسيح عن تحقيق آية يونان بقيامته "فكما بَقِيَ يُونانُ في بَطنِ الحُوتِ ثَلاثةَ أَيَّامٍ وثلاثَ لَيال، فكذلكَ يَبقى ابنُ الإِنسانِ في جَوفِ الأَرضِ ثَلاثةَ أَيَّامٍ وثلاثَ لَيال. (متى 12: 40). أدرك التلاميذ عندئذ أنَّ القيامة حقيقة تثبِّتها الكتب المقدسة وأنَّها جزء رئيسي في خطة الله لخلاصنا وتبريرنا، لذلك تحقيقها كان أمرًا ضروريًا. ب) الإيمان من خلال الإفخارستيا حدث القيامة تُثبِّته نصوص الإفخارستيا. إذ يعيد يسوع الأعمال التي كان يقوم بها خلال حياته العامة، يأكلون معه (يوحنا 21: 9-13). وهذا ما ساعد على التعرف عليه كتناول وجبة الفطور معهم على شاطئ بحيرة طبرية والصيد معهم (يوحنا21: 6 و12) وكسر الخبز كما هو الحال مع تلميذي عمواس "أَخذَ الخُبْزَ وبارَكَ ثُمَّ كسَرَهُ وناوَلَهما" (لوقا 24: 31) إلا أنه الآن في حالة المجد. ولذلك فإننا نؤمن بالقيامة عن طريق عيش سر الإفخارستيا. وفي هذا الصدد قال "أَنا الخبزُ الحَيُّ الَّذي نَزَلَ مِنَ السَّماء مَن يَأكُلْ مِن هذا الخُبزِ يَحيَ لِلأَبَد" (يوحنا 6: 51)، وفي موضع آخر قال " مَن أَكل جَسَدي وشرِبَ دَمي فلَه الحَياةُ الأَبدِيَّة وأَنا أُقيمُه في اليَومِ الأَخير" (يوحنا 6: 54). جسد المسيح في سر الإفخارستيا هو جسده الذي اجتاز الموت وقام مِن بَينِ الأَموات. وجرت القيامة سيدنا يسوع المسيح في اليوم الأول من الأسبوع. ومنذ ذلك الوقت اتخذ المسيحيون يوم الأَحَد يوم راحة ليقيموا القداس الإلهي تذكارًا لقيامة السيد المسيح (رؤيا 1: 10). الإفخارستيا التي هي الذكرى الكبرى لموت وقيامة يسوع. فجسد المسيح في سر الإفخارستيا هو جسده الذي اجتاز الموت ثم قام مِن بَينِ الأَموات. فالقيامة حقيقة تاريخية تتطلب الإيمان لأنها تفوق مدارك الإنسان. ونستنتج مما سبق أنَّنا نتعرّف على يسوع القائم من خلال الكتاب المقدس الإفخارستيا. فنحن مدعوون أن نتعرّف إليه ونختبره كالنسوة والتلاميذ، إنه الإله الذي يحوّل وجودنا ويعطيه معنى جديداً. قيامة يسوع هي مفتاح الإيمان المسيحي وأساس شهادة الكنيسة للعالم. ما هو حدث القيامة بالنسبة لنا في سر القربان الأقدس؟ هل اختبرناه أم ما زال حدثاً تاريخياً في حياتنا؟ 4) قيامة المسيح وقيامتنا قيامة المسيح عربون إيماننا إن قيامة يسوع هي مفتاح الإيمان المسيحي لماذا؟ إن يسوع قد مات وقام حقاً. وبناء على قيامته نثق في أن يسوع يتمِّم كل وعوده، لان قيامة يسوع المسيح هي الختم النهائي لجميع وعود الله؛ ولأنه قام فإننا واثقون من قيامتنا نحن أيضا. وليس الموت هو النهاية بل هناك حياة أخرى في المستقبل. فقيامة المسيح هي موضوع إيماننا في القيامة في اليوم الأخير. قام يسوع باعتباره "باكورة الراقدين (1 قورنتس 15:20) وهو "أَوَّلُ القائمينَ مِن بَينِ الأَموات" (أعمال الرسل 26: 23). فنحن نقوم، لان يسوع قد قام "فالَّذي أَقامَ يسوعَ المسيحَ مِن بَينِ الأَموات يُحْيي أَيضًا أَجسادَكُمُ الفانِيةَ بِرُوحِه الحالِّ فيكُم" (رومة 8: 11). إذا قام يسوع مِن بَينِ الأَموات كما قال، فيمكن أن نثق انه يتمِّم كل وعوده. إذا قام يسوع بالجسد فنحن على يقين انه المسيح الحي وليس نبيا مُدَّعيا. وإذا قام يسوع فإننا واثقون من قيامتنا نحن أيضا. وليس الموت هو النهاية بل هناك حياة أخرى بعد الموت. بقيامته تحقّق انتصار الحياة على الموت، والنور على الظلمة، والروح على الجسد. وهكذا فإنّه بعد الموت تأتي القيامة، وبعد الخوف تأتي الشجاعة، وبعد اليأس يخيّم علينا الرجاء "رجاء القيامة". ويشعر المسيحيون أنهم في ظل إله قوي الذي "عِنْده مَفاتيحُ المَوتِ ومَثْوى الأَموات" (رؤية 1: 18) وفيه الحياة، بل هو "القِيامةُ والحَياة مَن آمَنَ بي، وَإن ماتَ، فسَيَحْيا" (يوحنا 11: 25)، وهو مصدر الحياة، ليس على الأرض فقط، وإنما الحياة الأبدية أيضًا في السماء. القيامة ليست هي مجرد أن نقوم، إنما بالحري أن نقوم مع المسيح، لنحيا معه، حيث يكون هو. أصبحت القيامة طريق يوصل إلى الأبدية مع الله، التي هي هدف حياتنا على الأرض. ما أجمل القيامة التي تؤدي إلى كل هذا، وكل هذا ننتظره نحن في رجاء، فرحين بالرب وبمواعيده! وهكذا أعطت القيامة المسيحيين رجاءً في العالم الآخر. لولا القيامة لكان إيماننا باطلا وكنَّا أشقى الناس أجمعين كما جاء في تعليم بولس الرسول "وإِذا لم يَكُنِ المسيحُ قد قام، فإِيمانُكم باطِل ولا تَزالونَ بِخَطاياكم، وإِن كانَ المسيحُ لم يَقُمْ، فتَبشيرُنا باطِلٌ وإِيمانُكُم أَيضًا باطِل. بل نَكونُ عِندَئِذٍ شُهودَ زُورٍ على الله، لأَنَّنا شَهِدْنا على اللهِ أَنَّه قد أَقامَ المسيح وهو لم يُقِمْه" (1 قورنتس 15: 14-15). المسيح قام وإيماننا به ليس باطلا. قيامة المسيح عربون رجائنا قيامة المسيح أساس رجائنا في القيامة في اليوم الأخير. ويقول الرسول بطرس أنّنا قد وُلدنا من جديد إلى رجاء حيّ عن طريق قيامة يسوع المسيح من الموت "تَبارَكَ اللهُ أَبو ربِّنا يسوعَ المسيح، شَمَلَنا بِوافِرِ رَحمَتِه فوَلدَنا ثانِيَةً لِرَجاءٍ حَيٍّ بقِيامَةِ يسوعَ المسيحِ مِن بَينِ الأَموات" (1 بطرس 1، 3). ويصرّح بولس الرسول "نَنتَظِرُ مَجيءَ المُخلِّصِ الرَّبِّ يسوعَ المسيحِ الَّذي سيُغَيِّرُ هَيئَةَ جَسَدِنا الحَقير فيَجعَلُه على صُورةِ جَسَدِه المَجيد بما لَه مِن قُدرَةٍ يُخضِعُ بِها لِنَفْسِه كُلَّ شيَء" (فيلبي 3: 21). لولا القيامة لكان رجاؤنا باطلا كما يقول بولس الرسول "إِذا كانَ رَجاؤُنا في المسيحِ مَقصورًا على هذهِ الحَياة، فنَحنُ أَحقُّ جَميعِ النَّاسِ بِأَن يُرْثى لَهم" (1 قورنتس 15: 19)؛ ولما بقي معنى لأقواله "أَنا القِيامةُ والحَياة مَن آمَنَ بي، وَإن ماتَ، فسَيَحْيا" (يوحنا 11: 15). لكن نحن "نترجَّى قيامة الأموات والحياة الأبديّة" كما نقول في قانون الإيمان. قيامة المسيح هي حضارة الحياة قيامة المسيح هي حضارة الحياة التي بناها المسيح في قلب كنيسته وأوصانا أن نعلنها إلى العالم اجمع. وإن وجود الملايين في العالم اليوم الذين لم يسمعوا اسم المخلص وقيامته عار وفضيحة لنا جميعا. فعلى ضوء المسيح والقيامة، نحن مدعوون إلى نقل الرجاء والثقة إلى الذين من حولنا. نعم، في عالمنا هذا، الذي كثيراً ما يعاني من الحقد والعنف، ومع ذلك ما زال يحبّ الله، فلنرفع أنظارنا نحو الحياة، ولنسارع إلى مبادرات تعبّر عن إيماننا في قدرة الإنسان على إحراز السلام والعدالة. المسيح القائم مِن بَينِ الأَموات يريد أن يجعل هذا العالم مؤهلاً للعمل وللحياة. القيامة هي الحدث الفريد والأهم في قلب التاريخ، بل هي الحدث المركزي في تاريخ الإنسانية. إنه حدث فريد في التاريخ، ولم يستطع أحد غير يسوع المسيح أن ينبئ بقيامته ويُتمم ذلك بنفسه. قام يسوع، إذن سيقوم كل إنسان كما جاء في تعليم بولس الرسول "إِذا اتَّحَدْنا بِه فصِرْنا على مِثالِه في المَوت، فسنَكونُ على مِثالِه في القِيامةِ أَيضًا... فإِذا كُنَّا قَد مُتْنا مع المسيح، فإِنَّنا نُؤمِنُ بِأًنَنا سنَحْيا معَه"(رومة 6: 5-8). واستطاع القديس بولس الرسول أن يُعبِّر عن ذلك بقوله "ما لم تَرَهُ عَيْنٌ ولا سَمِعَت بِه أُذُنٌ ولا خَطَرَ على قَلْبِ بَشَر، ذلكً ما أَعدَّه اللهُ لِلَّذينَ يُحِبُّونَه " (1 قورنتس 2: 9). كما أن الرب في سفر الرؤيا، شرح أمجاداً أخري للغالبين سينالونها بعد القيامة بقوله "والغالِبُ سأَهَبُ لَه أَن يَجلِسَ معي على عَرْشي، كما غَلَبتُ أَنا أَيضًا فجَلَستُ مع أَبى على عَرشِه" (رؤية 3: 21). نختتم مع كلمات البابا القديس يوحنا بولس الثاني التي ألقاها في كنيسة القيامة عام 2000 "هنا أمامَ القبر المقدس والجلجلة، نُجدِّد إيماننا بالرّب القائم مِن بَينِ الأَموات، وهل يَجوز لنا أن نشك بعد الآن في قُدرة روح الحياة الذي سَيوهبُ لنا، والذي به سيمنحنا الله القوة للتغلب على انقساماتنا ويمنحنا النعمة كي نعمل معاً لبناء مُستقبلٍ نُحقق فيه المُصالحةَ والوحدة والسلام؟ هنا، وبصورةٍ خاصة وأكثر من أي مكان آخر في العالم، نسمعُ الرّب يقولُ مرة أخرى لتلاميذهِ "لا تَخافوا، إني غَلبتُ العالم" (يوحنا 16: 33). يسوع القائم من الأموات هو "القِيامةُ والحَياة " (يوحنا 11: 25)، ومن هذا المنطلق نحن نؤمن أن لا حياة ولا قيامة ولا أبديّة بمعزل عن المسيح القائم مِن بَينِ الأَموات. عيد قيامة المسيح هو عيد قيامتنا، لأنّنا نُؤمن بالمسيح وبقدرته الإلَهيَّة وبقدرة الله على إقامة الأموات، ولأنّ القيامة هي الانتصار والغَلَبَة لكلّ مُؤمن، " الشُّكرُ للهِ الَّذي آتانا النَّصْرَ عَن يَدِ رَبِّنا يسوعَ المسيح! ثابِتينَ راسِخين، مُتَقَدِّمينَ في عَمَلِ الرَّبِّ دائِمًا، عالِمينَ أَنَّ جَهْدَكُم لا يَذهَبُ سُدً ى عِندَ الرَّبَّ" (1 قورنتس 15: 57 -58). الخلاصة: اكتشفت مريم المِجدَلِيَّة قبر المسيح مفتوحاً، لكنها لم تدخله بل أَسرَعَت لتُخبر سِمْعانَ بُطرُس والتِّلميذِ الآخَرِ الَّذي أَحَبَّهُ يسوع. فدخل بطرس أولا، لان له الأولوية ضمن مجموعة الاثني عشر رسولا. رأى وتعجب (لوقا 24: 12)، ولكنه لم يؤمن على الفور، خلافا للتلميذ الآخر، الذي له الأولوية في المحبة. فالمحبة تتصل بالإيمان مباشرة. "رأى وآمن" (يوحنا 220: 8)، لأنه لم يكن قد فهم الكتب المقدسة. لكن عندما فهم التلاميذ الكتب المقدسة، لم يعودوا بحاجة إلى أن "يروا" أولا، بل أصبحوا يؤمنون استنادا إلى كلمة الله. ونحن مدعون إلى الإيمان استنادا لا للرؤية لنؤمن بل إلى كلمة الله، ويُعلق القديس أوغسطينوس "الإيمان بموت السيّد المسيح ليس شيئاً عظيماً؛ حيث أن هذا شيئاً يؤمن به الوثنيّون واليهود وجميع الأشرار. الجميع يؤمن بأنّه مات. أمّا الإيمان المسيحي يكمن في قيامة المسيح الربّ؛ وهذا هو ما نعتبره شيئاً عظيماً – الإيمان بأنّه قام". فإن كان قد ذُبح لأجلنا، فقيامته تؤكد قبول الذبيحة. وإن كان قد صُلب من أجل ديوننا، فقيامته تعلن وفاء الدين. يسوع المسيح هو شخصيا "القِيامةُ والحَياة مَن آمَنَ بي، وَإن ماتَ، فسَيَحْيا" (يوحنا 11: 25)، وهو يُشركنا منذ الآن في الحياة الجديدة عن طريق علامات أسرار الكنيسة. فالحياة الجديدة التي دخلنا فيها ليست شيئا آخر سوى حياته ذاتها كشخص قام مِن بَينِ الأَموات "مع أَنَّنا كُنَّا أَمواتًا بِزَلاَّتِنا، أَحْيانا مع المَسيح (بِالنِّعمةِ نِلتُمُ الخَلاص) وأَقامَنا معه وأَجلَسَنا معه في السَّمَواتِ في المسيحِ يسوع (أفسس 2: 5-6). إن إيماننا بقيامة يسوع يوجّه كل كياننا المسيحي "أَمَّا وقد قُمتُم مع المسيح، فاسعَوا إلى الأُمورِ الَّتي في العُلى حَيثُ المسيحُ قد جَلَسَ عن يَمينِ الله". (قولسي 3: 1). دعاء أيها الرب يسوع المسيح، يا من غلبت الموت وخرجت من ظلمة القبر منتصراً ونقض موتك موتنا وبقيامتك أعدت الحياة إلينا، امنحنا رُّوحَك القدوس وأظهر غفرانك وسلامك وفرحك في قلوبنا وحياتنا فنشَهِد بِفَمِنا أَنَّ يسوعَ رَبّ، ونؤمن بِقَلبِنا أَنَّ اللّهَ أَقامَه مِن بَينِ الأَموات، ونكون شُهودًا لقيامتك على مثال الرسل " فلا نَستَطيعُ السُّكوتَ عن ذِكْر ما رَأَينا وما سَمِعْنا وما اختبرنا" (أعمال الرسل 4: 21)، ونشع هذا الإيمان للجميع منشدين مع الكنيسة "المسيح قام مِن بَينِ الأَموات ووطِئ الموت بالموت. ووهب الحياة للّذين في القبور". المسيح قام. حقا قام! هللويا |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
تجربة يسوع كما رواها متى الإنجيلي |
التطويبات كما رواها متى الإنجيلي |
يسوع والتجربة كما رواها لوقا الإنجيلي |
إنجيل المسيح حسب البشير يوحنا الأصحاح 10: 27 |
أيقونة يوحنا الإنجيلي مع السيد المسيح |