يقول ثيؤدورت أسـقف قورش وهـو من أشهر أعلام النسطورية فى مؤلفـه " الجامع للطبيعتين " المنشور تحت عنوان " كمال البرهان على حقيقية الإيمان " منسوبا للقديس أثناسيوس الرسولى ما نصه :
" إن المسيح لو قال أنه الله لأدخل من آمن به فى خطأ كبير لأن من قال الله فقد سمى الجوهر الإلهى وجمع فى قوله الأقانيم الثلاثة الآب والابن والروح القدس. فلو قال المسيح إنى الله فقد نسب نفسه إلى الآب والابن والروح القدس وأن الأقانيم الثلاثة له وأنه الوالد والمولود والمنبثق وذلك باطل وإذن لقلنا أن الجوهر كله قد تجسد " ( الجامع للطبيعتين 3 : 5 ص 61 ).
وردا على ذلك نأتى بقول يوحنا البشير :
" فى البدء كان الكلمـة والكلمـة كان عند الله وكان الكلمـة الله .. والكلمة صار جسـدا " ( يوحنا 1 : 1 , 14 ).
وأيضا قول بولس الرسول :
" عظيم هو سر التقوى الله ظهر فى الجسد " ( تيموثاوس الأولى 3 : 16 ).
ما الذى نفهمه من ذلك ؟
نحن نفهم من ذلك أن الكلمة هو الله الذى ظهر فى الجسد وأنه حيثما وجد أحد أقانيم الذات الإلهية وجد الجوهر الإلهى كاملا.
لأن التعليم بأن الكلمة أخذ جسدا لا يناقض التعليم بأن الله ظهر فى الجسد. لأن الأقنوم وفقا للمعتقد الأرثوذكسى لا يوجد بمعزل عن جوهره.
فالكلمة وإن كان هو الفاعل فى التجسد إذ هو المشخص للجسد الذى اتخذه وصيره جسده الخاص فإنه لا يوجد بمعزل عن جوهره. لأنه حيثما وجد الأقنوم هناك الجوهر كاملا فالآب موجود بذاته ناطق بكلمته حى بروحه, والابن موجود بالآب حى بالروح القدس, والروح القدس موجود بالآب ناطق بالابن.
من ذلك نرى أن الأقنوم لا يوجد أبدا بمعزل عن جوهره الكامل مطلقا فحيثما وجد الأقنوم هناك الثالوث كاملا.
أما قوله أن المسيح لو قال أنه الله فقد نسب نفسه إلى الآب والابن والروح القدس وأن هذا حسب تصوره باطل لأن معناه أن الجوهر كله قد تجسد أى اتحد بإنسان حسب مفهومه فمردود بأن المسيح ليس إنسان متحد بالكلمة بل هو نفسه كلمة الله وحكمته الناطق فى الأنبياء الذى فتش وبحث عنه أنبياء الذين تنبأوا عن النعمة التى لأجلنا باحثين أى وقت أو ما الوقت الذى كان يدل عليه روح المسيح الذى فيهم إذ سبق فشهد بالآلام التى للمسيح والأمجاد التى بعدهـا ( بطرس الأولى 1 : 10 - 11 ).
أى أن الروح القدس إذ هو روح المسيح سبق فشهد لنفسه عن الآلام التى سيلقاها والأمجاد التى بعدها مبرهنا على أنه الله لا إنسان وأن روحه أزلية ناطقة فى الأنبياء وبها قدم نفسه ( أى دمه ) لله بلا عيب ( العبرانيين 9 : 12 - 14 ).
وقد أوضح بولس الرسول من خلال كتاباته أن الآب يرسل روح ابنه إلى قلوبنا ليتصور المسيح فينا ( غلاطية 4 : 6 , 19 ).
وهذا معناه أنه كما أن الابن هو التعبير الكيانى وصورة الآب من رآه فقد رأى الآب. هكذا الروح القدس هو التعبير الكيانى والصورة الموضحة للابن .
الأمر الذى أثبتـه الرب نفسه بقولـه لتلاميذه عن روحـه بأنـه روح الحق الذى لا يستطيع العالم أن يقبله لأنه لا يراه ولا يعرفه وأما أنتم فتعرفونه لأنه ماكث معكم ( أى المسيح ) ويكون فيكم ( يوحنا 14 : 17 - 20 ).
لأنه كما أن الابن فى الآب والآب فى الابن هكذا أيضا هو فى الروح القدس والروح القدس فيه إذ هو روحـه الذاتى وتعبيره الكيانى. لأن الرب هـو الروح ( كورنثوس الثانية 6: 17 ) الذى يرسله الآب باسم المسيح ( يوحنا 14: 26 ) الذى يحل بالإيمان فى قلوبنا. فالابن لم يأت باسم مختلف والروح باسم آخر. بل أتى كليهما باسم واحد لسبب وحدة الجوهر لهذا كما أن الروح يسمى " باركليت " هكذا الابن أيضا يسمى باركليت أى معزى بدليل قوله " أنا أطلب من الآب فيعطيكم معزيا آخر " ( يوحنا 14 : 16 ) وقوله معزيا آخر دليل على أن وحدة الاسم بسبب وحدة الجوهر لا تبطل تمايز الأقانيم فى الثالوث.
فالآب جاء باسم المسيح صورة الآب الذى أظهر ذاته بالابن الذى فيه عرف البشر اسم الآب وصورته ( يوحنا 17 : 6 , 25 - 26 ) والروح القدس أتى باسم المسيح إذ هو صورة الابن الكيانية ( أمبروسيوس الروح القدس 1 : 13 فقرة 133 - 139 ) ( شرح إنجيل يوحنا 4 : 3 يو 6 : 63 ص175 - 176 ).
وخلاصة الأمر أن أيا من رأى المسيح صورة الآب فقد رأى الآب والروح القدس أيضا لأن الابن هو الصورة الكيانية الموضحة لجوهر الثالوث. لأن الابن هو بهاء مجد الله ورسم جوهره ( العبرانيين 1 : 3 ) لأن الرسم يظهر الأصل تماما والرسم موجود بكليته فى الأصل أى أن المسيح صورة الله هو رسم الثالوث الكامل من رآه فقد رأى الآب والروح القدس جميعا بسبب وحدة الجوهر.
لهذا قال الرب لتلاميذه ما مفهومه :
أن العالم لا يعرف روح الحق لأنه لم يراه ولم يعرفه أما هم فيعرفونه لأنه فى وسطهم وسيكون فيهم ( يوحنا 14 : 16 ) وهذا معناه أن أيا من رأى المسيح فقد رأى روح الحق أيضا.
وأيضا قال لتلاميذه :
" أنا فى الآب والآب فى. من رآنى فقد رأى الآب. أنا والآب واحد ".
مما تقدم يتضح أن المسيح الأقنوم الثانى فى الثالوث كائن بالآب فى الروح القدس, وأن التعليم بأن الكلمة صار جسدا لا يضاد التعليم بأن الله ظهر فى الجسد لأن الكلمة رغم كونه صـورة الله وكمال الإعلان عن الثالـوث الواحد فى الجوهـر إلا أنه المختص بتشخيص الجسد الذى اتخذه وصوره على صورة مجده.
لذلك لم يقل الكتاب أن أيا من الآب أو الروح القدس قد تجسدا رغم أن الابن كائن بالآب فى الروح القدس الذى أبطل موت جسده الخاص بتصييره روحانيا أى محييا بروحه المحيى الذى به صار أبا جديدا للبشرية المولودة باسمه ميلادا ثانيا ليس من دم يموت كما فى الميلاد الأول بل مما لا يموت بروحه الساكن فينا.
من هنا علينا أن نميز بين حلول المسيح فى أجسادنا بروحه المحيى حلول شركة ليمنحنا نعمة الميلاد الثانى والقيامة من الأموات وبين حلوله فى جسده الخاص حلولا تشخيصيا بروحه المحيى.
فالمسيح كلمة الله هو المشخص والمعلن لذات الله إذ هو صورة الله. إلا أن وجود الكلمة لا يكون إلا بالآب فى الروح القدس لأن الآب هو أقنوم الوجود الإلهى والروح هو أقنوم الحياة الذاتية للآب والابن.
لهذا قال الابن لتلاميذه أنا فى الآب والآب فى. من رآنى فقد رأى الآب. أنا والآب واحد, وأيضا أن روح الحق الذى يعرفونه - أى المسيح - ماكث معهم ويكون فيهم ( يوحنا 14 : 17 ) لأن وجود الابن هو بالآب فى الروح القدس الذى هو روح الابن وتعبيره الكيانى الذى يحمل اسمه ( يوحنا 14 : 26 ).
وأيضا فإن حلول أقنوم الروح القدس فينا كنعمة لا يتم بمعزل عن جوهره الكامل إنما اختص الروح القدس بالحلول فى أجسادنا لأنه روح الحياة المحيى الذى باشتراكه فى أجسادنا يقوم مقام الدم فى إحياءها. من ذلك نرى أن الأقنوم لا يوجد أبدا بمعزل عن جوهره.
لهذا قال رب المجد يسوع المسيح لتلاميذه :
" أنتم تؤمنون بالله فآمنوا بى .. لو كنتم عرفتمونى لعرفتم أبى أيضا ومن الآن تعرفونه وقد رأيتموه " ( يوحنا 14 : 1 - 7 ).
من ذلك نرى أن المسيح بقوله لو كنتم عرفتمونى لعرفتم أبى أيضا ومن الآن تعرفونه وقد رأيتموه وأن من رآه فقد رأى الآب. لم يدخل من يؤمن به فى خطأ ما. بل الواقع أن من لا يؤمن بأن يسوع هو صورة الله الحقيقية وأن من رآه فقد رأى الله لكونه بالحقيقة الله الظاهر فى الجسد هو فى خطر حقيقى. لأن المسيح صورة الله هو كمال الإعلان عن ذات الله الحقيقية الذى إشتهى أنبياء أن ينظروه ولم ينظروا أما الذين نظروه فشهدوا بالحق بأن هذا هو الإله الحق والحياة الأبدية.