حتى الإنسان الطبيعي أيضاً ما يزال يختبر صراعاً بين النزعة والواجب، والرغبة والضمير، والشهوة والعقل.
غير أن هذا الصراع يختلف من حيث المبدأ عن الصراع الذي يستمرُّ في الإنسان المولود ثانيةً بين الجسد والروح، بين الإنسان القديم والإنسان الجديد.
ذلك أنه صراعٌ موجهٌ من الخارج لكبح جماح الشهوة، لكنه لا يغزو حصن القلب الداخلي، ولا يهاجم الشر في جذوره.و عليه، فهو صراعٌ قد يساهم في كبح الشهوة الشريرة ووضع حدود لها، إلا أنه لا يقوى على تطهيره داخلياً ولا على تجديد الإنسان. فإن الصفة الأثيمة الخاصة التي تتميز بها الشهوة لا تتغير البتة من جراء ذلك. وليس هذا كل ما في الأمر.
فحتى لو استطاع العقل والإرادة أحياناً أن يكبحا جماح الرغبة والشهوة، فإن العقل والإرادة غالباً ما يُقْمَعَان ويُستعبَدان لخدمة الشهوة.
إنهما لا يقفان ضدها في المبدأ، بل بطبيعتهما يُسَران بها، فيرعيانها ويعززانها، ويزكيانها. وليس بنادرٍ أن يسمحا بأن تجرفهما الشهوة إلى حدٍّ يحرم الإنسان كلَّ استقلالٍ ويُحيله عبداً لأهوائه.
فالأفكار الشريرة والرغبات الشريرة تنبع من قلب الإنسان ثم تتقدم فتغشي الفهم بالظلام وتلوِّث الإرادة.
ذلك أن القلب من الدهاء بحيث يستطيع أن يخدع حتى الرأس الفهيم.