منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 17 - 01 - 2022, 06:22 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,275,577

المحبوبية




انا محبوب اذًا انا موجود، هذا اذا تأكدت الامر. هذا حدس ولكن يمكن ان يكون صنع خيال. افعال العطاء اذا تدفقت عليك وغدت على شيء من العمق تجعلك تقترب من هذا الشعور ولكن ليس الى حد الطمأنينة الكاملة فالآخر قد يكون متقلبا او مخدوعا بخياله. وقد تراه مجافيا او نافرا او قاهرا او ظالما او مبغضا لأنه يشترط التبادل. انه يريدك دوما ان تثبته او اقله ان تثبت له قرباك وانه موضوع اهتمامك بل الموضع الذي تطرح فيه اهتمامك كله.
قلة من الناس مجانية العطاء. هي على عقل التجارة. الناس – الينابيع الذين يفيضون ابدا ويسقون من ذواتهم، من داخلهم الآخرين بلا حساب، بلا منة، بلا اعتزاز، بلا افتخار لأنهم يحيون مما يبذلون قلة عزيزة. من اعطى ينوجد. هو لا يحس انه افتقر، واذا خسر من اشيائه يحس انه ينمو بما بذل. ليس فقط لا يطلب اجرا ولا شكورا ولكن يزعجه الشكر.
قد لا يحس ابدا انه اعطى. انه كذلك لأنه فقير. انه لو احكم عقله ورأى ان شيئا يخرج منه وينسكب في الآخر لا يدرك ان هذا الذي خرج منه هو له. هو يعرف نفسه فقط مستودعا يغرف منه اي انسان ما يشاء ويعرف ان هذا المستودع ملك الناس جميعا. اما لماذا اختزن فيه ما اختزن فسؤال لم يطرحه على نفسه، هذا سر، كنهه في عقل الله فقط. وهو حر ان يستودع من شاء عطاياه. لماذا يهب هذا ويحرم ذاك هو ايضا سؤال ليس عندنا في هذه الارض جواب عنه. المهم في الدنيا من سيّد الكمان يهودي مينوهين كان غني القلب، حلوه، دمثا حتى لا تستطيع الا ان تستطيبه. ليس لك ان تسأل لماذا في قلبك شح. اذهب واغرف وارتو. هناك قلوب تفجرت حتى الانفتاح. امدد يدك اليها واشبع. ربما اذا تعاطيتها وانتشيت ينعم الله عليك بأن يملأ قلبك فينفطر ويتفجر وتنحسر عنك الصحراء.
لا يسعك ان تأخذ فترتوي الا اذا عرفت نفسك محبوبا وانت كما انت ومعطيك لا يريد ان يعرف شيئا عنك ولا من انت. والاهم في كل ذلك انه لا يريد ان يعرف من ضعفاتك الا ما تكشف ليعالج ما تكون قد كشفت عسى يطيب فيك موطن الضعف. وهو لا شأن له بشيء آخر، بما لا تريد البوح به. ولعل جل ما يستطيع ان يشعرك به في قرباه. ان يجعلك تتحسس بدفء منه يبعثك ليس الى الاطمئنان اليه ولكن الى ان سلام الله قد ينزل عليك ان انت بكيت وآمنت ان ربك يمكن ان يبعث فيك الرجاء.
وليست القضية ان يجعلك تثق بنفسك. ان الواثق بنفسه كثيرا مخدوع بقدرته، اما المنزعج من ضعفه، الذي يتآكله ضعفه ويتردد فيه قادر على ان يثق بالله اذا احبه واحد وأبان له انه حبيب الله. المحب لا يشتري لنفسه احدا. لا يسعى الى مبايعة. لا ينشئ حوله حاشية، زعماء الشعوب يفعلون هذا لأنهم يريدون ان يشتروا القلوب ولو الى حين. اما الذين هم لله فلا يريدون لأنفسهم زبانية ولا ان يقال عنهم حسنا. سعيهم ان يكونوا في الخفاء، تحت الستر الالهي، ان يراهم ربهم فقط. وهم لا يعرفون ان ربهم يقيمهم امام وجهه. لا يعرفون قرباهم.
يريدون ان يكون الاخر في القربى، ان يؤمن بالرحمة العلوية تحيط به وتشفيه. شرط هذا الشفاء الا يدينه الاتقياء، الا يفخروا بفضيلتهم لئلا يقعوا في الاستعلاء. كل استكبار يقتل الضعاف الذين هم اخوة يسوع الصغار. كل فضيلة خطرة على نفسها بسبب من هذا التعاظم الذي يهاجمها. السكر بالخير فينا اولى امارات السقوط. لذلك لا يعطي الا من اعتبر نفسه لا شيء ورأى نفسه في حال المحسن اليه، في الموهوبية النازلة من فوق.
من اتسع هكذا حتى شمول قلبه الآخرين كثيرا ما كان غير مفهوم لأن قوانين السلوك في المجتمعات الدنيوية انك تعطي من ترجو منه ان يرد لك بمثله في يوم مناسب او بشكر او بتلازم يذهب الى حد التزلف. الناس يسلكون كأن بينهم عقودا. والافضلون في المعيار الدنيوي يبغون شعورا بدل شعور وزيارة عن زيارة وافتقادا عوض افتقاد وتعزية ازاء تعزية. هذه قواعد الترابط الاجتماعي بين الافراد والعائلات والجماعات. غير ان المعطي المتهلل، المستجير بالله وحده والراكن اليه وحده فلا يفهمه اهل المعيار المجتمعي. انه ليس في افقهم. انه ليس افقيا. يمتد الى الاخرين ويبقى فوق. علاقته مع الجالس فوق. وجوده عمودي. لذلك يقول لله دائما: “لا تصرف وجهك عني لئلا اشابه الهابطين في الجب”.
يعرف نفسه موجودا فقط في رؤية الله. في الفلسفة المؤمنة نقول ان تماسك النظام الفلكي وقاعدة ثبات الحيوان والزهر وارتباط الاشياء كلها بعضها بالبعض انما هي في ضبط الله لها اي من حيث هي كائنة في رؤيته ورضاه. المؤمن الذي وصفناه هو من عرف نفسه حيا بالله وقائمًا به وفيه وذاهبا اليه. ورجاؤه ان يثبت هذا لأن ما عداه موت. لهذا عاش هذا الانسان فوق او من فوق. يجيء دائما من الذي ينشئه كل يوم هكذا. القلوب التي تعرف سره هي التي استقرأها الرب هذه الامور المحجوبة عن عقلاء هذا الدهر.
هذا الانسان من اين يجيء سره؟ كيف يتغلب على المرض، على الحزن، على الفقر، على المقهورية، على عزلة بني جنسه، على رفض الاقربين اياه وكل الحياة ان تنتقل من العزلة الى المشاركة. كل منا لا بد له ان يتوحد مع آخر لئلا يموت اختناقا.
الذي سميناه الآخر هو من التقى معك لتكونا واحدا على الاثنينية. ولكن اذا عاش هو في وحدة سحيقة فلا يلتقيك. ما هو بآخر. لا يلتقيك الا من خرج من نفسه في المجانية. ونحن نقول هذا خروج الى القيامة. غير ان من التقاك ليس كامل المجانية، ليس كامل الحب. لا يجدك من اجل نفسك، من اجل بهائك. يراك وعلى وجهك غبار او يستقبحك احيانا. هل يغفر لك بشاعتك من تأذى بها؟ لذلك يتركك الاقرب وحدك في صحرائك ويفتش لنفسه عن جنات.
لا يعيش الانسان الا اذا أحبه كامل. دون الكامل تعزيات صغرى او موقتة وصغرى معا بمعنى انها تدعك عطشانا او على كثير من العطش. لذلك تتوالى ايامنا ونحن نتبدى من صحراء الى صحراء. عرفت هذا الشعور لما عبرت سيناء مرة. كنت اتعزى بشجيرة صغيرة هنا وثمة واقول في نفسي وفي هذه اللحظة تغلبنا على الجفاف ولو قليلا.
واضح ان السيد لم يقل مرة ان احدا يجب ان يحبك. امرك انت بأن تحب. لكنه قال في انجيل يوحنا: “وصية جديدة أنا اعطيكم ان تحبوا بعضكم بعضا. كما احببتكم انا تحبون انتم ايضا بعضكم بعضا (34: 13). المسيح معلم المحبة المجانية ومعطيها كاملة. في هذا السياق كانت تعاليمه الاساسية كما ترجمها يوحنا ان الله احبنا اولا. تاليا انت تعرف نفسك حبيبه وحسبك. قضيتك ان تذكر ذلك دوما، الا تشك في هذه المحبوبية حتى تحيا.
الحساس روحيا هو من استطاع ان يرى نفسه في العطف الالهي ولو قاساه الله. لطف الله له تعابير مختلفة ومتضادة. يظهر بالتأديب احيانا وبما يشبه اعادة النفس الى الجفاف. غير ان الذي دلله ربه غير مرة يقدر ان يفهم ان الطريق الى الدلال الاكبر هو ان يتظاهر الله ببعده. هذا ليقيم نفسك في المجانية الكبرى.
سنذكر شيئا من هذا غدا في كنيستي ان عرفنا ان نقرأ الرموز. سنطوف بالصليب موضوعا على الرياحين ومحاطا بثلاث شموع. ان عبرت آلاما كبرى وعميقة فاعلم ان الله الذي ليس هو محدثها سيأخذ فيها بيدك ويرميك على الازاهير ويضيء قلبك بالانوار. عند ذاك تنتهي بواديك الى جنات. تعرف ان ربك قد اقامك في محبوبية لا تنتهي.







المطران جورج خضر متروبوليت جبيل والبترون للروم الأرثوذكس
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:05 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024