قصة أثيوبية واقعية
القمص تادرس
جاءتني فتاة في المدرسة الثانوية محطمة تمامًا، فقد لاحقها الفشل عدة سنوات متوالية. بسبب مرارة نفسها ادّعت بين أصدقائها بأنها نجحت، بل وقالت لأسرتها أنها نجحت. لكن جاء الوقت فطُردت من المدرسة بعد تكرر سنوات الرسوب. كانت مرة النفس لا تعرف ماذا تفعل.
شعرت بالحاجة أن أكتب قصة "ياريد والنجار" الأثيوبية لعلها تكون مرشدًا لهذه الفتاة وغيرها ممن يحطمهم الشعور بالفشل.
في القرن السادس، أثناء حكم الملك جبرة ماسكال (528-588) بإثيوبيا توفى الكاهن اسحق تاركًا زوجته كريستينا الأرملة وطفله الصغير جدعون.
قدمت كرستينا طفلها يارد إلى أحد المعلمين الروحيين المشهورين، يُدعى جدعون. وكانت تأمل أن يتمتع الابن بثقافة عالمية ودينية عالية مثل والده. لكن سرعان ما اكتشف ياريد أنه غير قادر على استيعاب العلوم، وكان جدعون يشدد العقوبة عليه.
بعد فترة ليست بطويلة اكتشف جدعون أن تعبه مع الطفل ياريد يضيع هباءً، وشعر الطفل بالرعب وحلّ به الشعور بالفشل مع اليأس بل والإحباط.
كان ياريد يكره الذهاب إلى المعلم، متطلعًا إلى ذلك كثقلٍ شديدٍ تبغضه نفسه، هذا وترقبه لحلول العقوبة اليومية عليه جعله يفكر جديًّا في الهروب. فإن ذلك أهون عليه من العقوبة اليومية والتوبيخ الذي يسقط عليه وسخرية زملائه له، وفي هذا كله يشعر بالعجز عن حلّ هذه المشكلة.
في أحد الأيام عوض الذهاب إلى المعلم انطلق إلى باب المدينة، وإذ خرج منه شعر كأنه قد صار حرًا يتنسم الهواء الطلق. سار حتى دخل الغابة خارج المدينة. وتسلل بين الأشجار وهو لا يعرف ماذا يفعل.
تطلع فرأى من بعيد نجارًا يحاول تسلق شجرة وقد فشل. لم يهدأ الرجل بل صار يكرر محاولاته مرة بعد الأخرى بغير كللٍ. وأخيرًا تسلق الشجرة.
رفع ياريد عينيه الداخليتين نحو السماء وصرخ إلى الله كي ينزع عنه روح الشعور بالفشل ويحرره من عبودية الإحباط. قرر أن يرجع إلى معلمه ويبذل كل الجهد لاستيعاب العلم متكلًا على الله القادر أن يهب كل فهم وحكمة.
اضغط هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت للمزيد من القصص والتأملات.
انطلق ياريد إلى معلمه جدعون لكن ليس ككل مرة، فقد زالت عن وجهه ملامح الكآبة لتحل علامات الفرح على وجهه.
تعجب جدعون إذ لاحظ أن ياريد قد جاء في آخر النهار، لكن بوجه باشٍ لم يعتده من قبل.
سأله جدعون عن سبب تأخيره وعن علّة فرحه، فروى له ياريد ما قد وضع في قلبه أن يفعله وكيف أرسل الله له هذا النجار ليُعلمه من بعيد عن الرجاء المفرح.
فرح به جدعون، ووعده أنه سيساعده قدر المستطاع. وقد لاحظ كلاهما أن قدرة ياريد على استيعاب الدراسة قد تغيرت تمامًا. فقد اكتشف ياريد أن الأمر بسيط للغاية وكان في متناول يده، لكن في غباوة لم يتكل على الله وخشي الفشل فحطمه الشعور بالفشل.
في فترة قصيرة عَوّض ياريد الفترات التي ضاعت منه، بل وصار مثلًا حيًّا أمام التلاميذ عن عمل الله فيه، وأن الله هو إله المستحيلات الذي يقدم لنا ما نظنه مستحيلًا.
مرّت الأعوام واشتهر ياريد بعلمه وحذاقته وذكائه مع تقواه ونموه الروحي، فسيم شمّاسًا ثم كاهنًا. واستخدم الله مواهبه لخلاص الكثيرين.