شفاء رجل أبرص
آ1. ولمّا انحدرَ يسوعُ من الجبل تبعتْه جموعٌ كثيرة. تقدَّم في بداية ف 5 سندًا على ذكره لو 6: 17، أنَّ خطبة المسيح السابقة تلاها بعد نزوله من قمَّة الجبل إلى صحراء في أسفله. وبعد نهاية الخطبة نزل المسيح من الجبل، مع أنَّه نزل قبل تلاوة الخطبة، كما ذكر لوقا في المحلِّ المذكور من أنَّ الخطبة تُليت في الصحراء.
آ2. وإذا أبرصٌ قد جاء فسجدَ له، أي خرَّ على ركبتيه بوجهه إلى الأرض، إذ روى لو 5: 12 أنَّه خرَّ على وجهه. وهذه الأعجوبة نفس التي ذكرها مر 1: 40 ولو في المحلِّ المذكور. والأصحّ على ما ارتأى إيرونيموس* وينسانيوس* وغيرهما، أنَّ المسيح اجترحها عند نزوله من الجبل، كما ذكر متّى هنا. وقول لوقا إنَّها كانت في إحدى المدن يُفهم به حذاء إحدى المدن وفي كفرناحوم، إذ كان دخول المدن محرَّمًا على البرص في أح 13: 45. قائلاً: يا ربّ إن شئتَ فأنت قادرٌ أن تطهِّرَني. يظهر أنَّ الأبرص آمن بالمسيح وقدَّم له سجود اللاتريا المختصّ بالله، لا إكرامًا مدنيًّا فقط. كذا ارتأى فم الذهب* في ميمر 36 وتاوافيلكتوس* وملدوناتوس* وغيرهم.
آ3. فمدَّ يسوعُ يدَه ولمسَه قائلاً: قد شئتُ فاطهُرْ. قد لمس الأبرص مع تحريم الناموس القديم لمسه، إمّا ليبيِّن أنَّ جسده أيضًا لاتِّحاده باللاهوت له قوَّة مشفية ومحبَّبة ،كما ذكر كيرلُّس الإسكندريّ؛ إمَّا ليبرهن أنَّه ليس تحت الشريعة الناهية عن لمس الأبرص، كما قال فم الذهب* وغيره؛ أو ليبيِّن أنَّه هو الذي شفى لا غيره، كما ذكر مار توما* نقلاً عن فم الذهب* وذكر غيرهم أسبابًا أخرى. قال القدّيس أمبروسيوس* في لو 5: 12: إنَّ المسيح قال "قد شئت"، ضدَّ فوتينوس (الذي زعم أنَّ يسوع إنسان محض)، و"أمر" ضدَّ أريوس* (الذي قال إنَّ الابن خليقة ولا أمر له)، و"لمس" ضدَّ ماني (الذي زعم أنَّ جسم المسيح خياليّ لا حقيقيّ). وللوقتِ طهُرَ من برصِه. دليل على أنَّه لم يشفَ بأدوية طبيعيَّة لأنَّها لا تفعل حالاً بل بقوَّة إلهيَّة.
آ4. فقال له يسوع: انظُرْ، لا تقُلْ لأحد. قد أراد المسيح بذلك أن يعلِّم تلاميذه أن لا يطلبوا المجد من البشر. لكنَّ الأبرص نشر الخبر لدى الجميع مع مديح عظيم للمخلِّص، حتّى لم يستطع يسوع أن يدخل المدينة علانية كما روى مر 1: 45. بل امضِ فأرِ نفسَك للكهنةِ وقدِّمْ قربانًا كما أمرَ موسى للشهادةِ عليهم. يعني ليكون الكهنة شهودًا مشتهرين، ويوضحوا أنَّك طهرت حقًّا من برصك، وتُردَّ إلى الشركة مع الناس التي كنت ممنوعًا منها بسبب البرص، بحسب رسم السنَّة. وارتأى أمبروسيوس* وفم الذهب* أنَّ المسيح قصد بإظهار أعجوبة شفاء البرص للكهنة أن يُفهمهم ليعترفوا بأنَّه الماسيّا المرسل إليهم. وبالمعنى الروحيّ برص النفس هو الأرطقة لنجاستها واكتسابها بالعدوى، كما قال مار أغوسطينوس* أو إنَّه كلّ خطيئة مميتة. وهذا البرص الروحيّ لا علاج لشفائه أحسن من حلَّة الكاهن.