4- الألف الأولى قبل الميلاد:
قبل اختفاء الحثيين من أواسط أسيا الصغرى، استقرت أشتات من شعوب آرية، قريبة الصلة – إلى حد ما – باليونانيين، في نقاط مختلفة على الساحل. وكان " شلمان " رائد الاكتشافات الأركيولوجية في هذا الميدان، فبحماسته المتقدة وسعة حيلته ومثابرته، أماط اللثام عن كنوز مدينة " بريام " واسترجع ذكريات الأيام الغابرة حين كان العالم في صباه ومن أثمن المجموعات في متحف القسطنطينية، مجموعة طروادة التي تشتمل على فؤوس من البرونز ورؤوس رماح وأدوات من النحاس ووزنات من الفضة وأكاليل وأقراط وأسورة من الذهب وخناجر وإبر من العظام، ورؤوس مغازل من الطين المحروق، وأعداد من الأصنام والتقدمات وغيرها من الأشياء التي وجدت في طروادة.
وقد جاء المهاجرون من الفريجيين والتراقيين ثم من الغلاطيين من الشمال الغربي عبر الدردنيل واستقروا بين السكان القدامى. وهناك بعض الأشياء المشتركة بين الحضارتين الكريتية والإيجية وحضارة أسيا الصغرى، وإن كان بروفسور هوجارت يقول إنها قليلة. ويذكر هيرودوت أسماء اثنتي عشرة مدينة عولسية واثنتي عشر مدينة إيونية ( قدماء اليونان) وست مدن دورانية على الساحل الغربي أسسها مستعمرون جاءوا عبر بحر إيجه واختلطوا بالسكان الأصليين. وكانت ميليتس – إحدى هذه المستعمرات اليونانية – عامرة بالسكان حتى أنها أرسلت – من ستين إلى ثمانين مستعمرة تتبعها – حشودا متتابعة من المغامرين إلى الشمال والشرق على سواحل بحر إيجه وعبر البسفور وعلى امتداد الشاطئ الجنوبي للبحر الأسود. وقد نشر زينوفون والعشرة الآلاف معه، ثم الإسكندر ورجاله من المقدونين إلى مدى بعيد بذور الثقافة الهيلينية في تربة كانت مهيأة لاستقبالها. فالنقوش والتماثيل والمعابد والقبور والقصور والقلاع والمسارح والحلي والدمي الصغيرة من البرونز أو الخزف، والعملات الفضية أو النحاسية وغيرها من مخلفات ذلك العصر، يظهر فيها الفن والحضارة والديانة التي يحسن أن نسميها الأناضولية، ولكنها قريبة جدا لليونانية الأصلية. والتنقيب الأركيولوجي في أفسس وبرغامس وساردس وغيرها من المواقع الهامة، قد أثبتت تطعيم الحضارة المحلية بالحضارة اليونانية.
وأحد الملامح البارزة التي بقيت من تراث الحثيين هو عبارة " الالاهة الأم "، فسواء تحت اسم " ما " أو " سيبل " أو " أنيتيس " أو " ديانا " أو أي اسم آخر، لقد كان زعيم البانثيون (مجمع الالهة) أنثى لاذكرا. ومع الثقافة اليونانية جاء نظام أو حكومة دولة المدينة، وكانت المجتمعات البدائية الأولى منظمة على أساس القرية، فكان لكل قرية معبدها في حراسة الكهنة أو بالحرى الكاهنات، فكانت الأرض ملكا للإله وللالاهه، فكانت العشور تدفع للمعبد، كما كانت تقدم الذبائح والقرابيين في المكان المقدس الذي كان يوجد عادة على تل مرتفع تحت شجرة مقدسة وبجوار نبع مقدس، وكان التعليم قليلا، ولم يكن هناك قانون أو حكومة سوى الأقوال الصادرة من المعبد.
وفى الجزء الأول من ذلك العصر (الألف السنة الأولي قبل الميلاد) أصبح للفريجيين الأمر والنهى في الجزء الغربي من شبه الجزيرة. ويقول بروفسور هوجارت عن منطقة قبر الملك ميداس: "لاتوجد منطقة أخرى للأثار القديمة أكثر استحقاقا للتنقيب " من المنقبين والباحثين.
ثم جاء دور ليديا – التي كانت عاصمتها ساردس – ويقوم بروفسور بتلر ومعاونوه الأمريكيون بالتنقيب فيها. وقد سقطت ساردس في أيدى الفرس وخلعوا ملكها كروسيوس (قارون) في حوالى 546 ق. م وظل الفرس يبسطون نفوذهم على أسيا الصغرى لمدة قرنين حتى جاء الإسكندر الأكبر.