منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 28 - 04 - 2021, 11:26 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,275,281

معاناة أيّوب




معاناة أيّوب




هل يجب أن يتألّم الأبرار؟



تظهر مشكلة الألم من بين المشاكل التي تمثّل تحديًّا للمسيحيّة في الزمن المعاصر، تتخطّى كونها مشكلة فلسفيّة لتصبح مشكلة إيمانيّة عميقة. تدّعي المسيحيّة أنّ الله صالحٌ وقادر على كلّ شيء، وفي الوقت نفسه، يتألّم الأطفال، ويموت الأبرياء، ويُعذّب الصدّيقون. لماذا يتألّم الناس؟ ولماذا يتألّم بعضهم أكثر من غيرهم؟ إن كان الله حقًّا صالحًا، لماذا يسمح بأن يتألّم أولادُه، وإن كان حقًّا قادرًا على كلّ شيء لمَ لا يمنع الشرّ من أن يُصيب الإنسان؟ كيف يمكن لإله محبّ أن يسمح باستمرار الألم في العالم الذي خلقه؟ فيَنجُم عن الألم سؤالٌ يتكرّر مرارًا "لماذا أنا وليس هو"؟. كما نتذمّر ونصرخ "لماذا يا ربّ"؟



1- معاناة أيّوب: البارّ المتألّم

قد يكون الألم ألمًا في الجسد أو النّفس أو المشاعر أو الرّوح أو في العلاقات على مستوى شخصيّ أو عائليّ أو إجتماعيّ أو وطنيّ أو كونيّ. إنّه ملازم لحياتنا اليوميّة. يكون الألم على مستويات، فالبعض منه عابرٌ، والبعض الآخر باقٍ مدى الحياة. ألم الجسد لا يوازي قلبًا منكسرًا، وإنكسارُ القلب قليل إزاء إنهزام الإنسان أمام الألم. تحدث أمور مريعة وأشياء لا نستحقّها وأمور تخالف المنطق. لذلك قد يبدو الله غير عادل بالنسبة إلينا إذ لا يقدّم لنا "أجوبة" تشرح لنا الحقيقة المرّة.

يخصّص الكتاب المقدّس سفرًا كاملاً لمشكلة الألم. يتحدّث عن رجل إسمه أيّوب. يبدأ بمشهد يقدّم للقارئ خلفيّة آلام أيّوب ومعاناته. يستعمل الشيطان أيّوب من أجل إثبات فرضيّته القائلة: "إذا جُرّد الإنسان من كلّ شيء سيفقد إيمانه وتقواه". كان أيّوب رجلاً مستقيمًا وبلا عيب. ثمّ نزلت عليه كلّ أنواع المصائب والنكبات. قام اللّصوص باقتحام حقوله، وسُلِبَت مواشيه وقُتِلت، وقُتل غلمانه، وانهار المنزل على أبنائه وبناته وقُتلوا جميعًا. ضربه المرض، وغطّت البثور المؤلمة جسده كلّه. وفي كلّ هذا خضع لله صابرًا، حتّى إنّ زوجته سخرت منه، وقالت له "إلعن الله ومت". ثمّ وصل الأصدقاء وجلسوا معه لأيّام يعزّونه في معاناته ويلومونه في الوقت نفسه، مبرّرين آلامه على أنّها عقابٌ على خطيئة ما، يتستّر عليها ويتظاهر بأنّه بارّ. وكلّما كانت الخطيئة كبيرة، كان العقاب أشدّ. واتّهموه بأنّه مراءٍ. كان يجب أن يعترف بخطيئته ويقبل عقابه، ليغفر الله له ويرفع عنه العقاب.



في الواقع، لم يستطع أيّوب التحمّل أكثر. دافع عن نفسه على أنّه بريء من أيّ خطيئة، ومرّة أخرى اعترفَ بأنّه لا يوجد إنسان بلا خطيئة. وفي سَيْلٍ من الحزن والغضب صرخ مرّة أخرى متمنّيًا لو أنّه لم يُولد وأن يتركه الله وحده. ثمّ طلب في مرحلة ثانية أن يستمع الله إليه. ومع ذلك، في كلّ هذا يصرّ على أنّه لا يستحقّ كلّ هذه المعاناة، ويطالب الله بفرصة ليقف أمامه ويُعلن حُجّته.



في النهاية، إفتقد الله أيّوب ونفّذ طلبه وتحدّث إليه من قلب العاصفة. من جهّة، لم يفسّر الله لأيّوب أسباب معاناته. بكلمات أخرى ليست أجوبة الله عن أسئلة أيّوب هي التي جعلته يشعر بالإكتفاء، إنّما أسئلة الله التي طرحها على أيّوب: "أين كنت (أيّوب) حين أسّست الأرض؟" "هل تربط أنت (أيّوب) عقد الثُريا (النجوم)؟" لقد تحدّى أيّوب خالق العقل، لكنّه لم يدرك حتّى عقل النعامة. أليس هو الله؟ لذا اعترف أيّوب قائلاً: "قد نطقتُ بما لم أفهم. بعجائب فوقي لم أعرفها" (أيّوب 42/ 3). من جهّة أخرى لم يوافق الله على موقف أصدقاء أيّوب، فانحاز إلى أيّوب لأنّهم لم يقولوا الصّدق عن الله مثل أيّوب: "لم تقولوا فيّ الصّواب كعبدي أيّوب!" (أيّوب 42/ 7 - 8).



إن وجدنا أنفسنا مدفونين في سوادٍ أحلك من ظلمة اللّيل، فإنّ الله يتحدّث إلينا من وسط العاصفة. لكنّ قصّة أيّوب لم تنتهِ بعد. لم تكن الكلمة الأخيرة أو العمل الأخير لله. تألّم الله بدوره، تألّم في شخص المسيح عوضًا عنّا.



صار واحدًا منّا في كلّ شيء ما عدا الخطيئة. حمل هذا الثقل إلى الموت، وبالموت فتح لنا طريقـًا إلى الحياة. لقد ذاق ألمًا حقيقيًّا، ونزف دمًا حقيقيًّا، وذاق الموت فعلاً. وعلى الصّليب شعر بالوحدة الشديدة، وعندما صرخ "إلهي... إلهي لماذا تركتني؟" كانت صرخة متألّم (متى 27/ 46). دفع الثمن الذي عجزنا عن سداده، وحمل الثقل الذي عجزنا عن حمله: "تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال، وأنا أريحكم" (متى 11/ 28). ويبقى السؤال: لماذا يسمح الله بالألم؟ أين الله؟ هل يشعر؟ أم أنّ صلواتي تصطدم بالحائط وترجع إليّ؟ هل هو قريب؟ أو بعيد يراقب من هناك؟ إذا كان جُرحي عميقًا وصرخ قلبي بهذه الأسئلة، ألا أستحقّ إجابة؟

تختصر هذه القصّة معاناة الإنسان مع الألم. تلتفّ المتاعب حولي وتخنقني، والهموم تمزّقني. باللّيل أعجز عن النوم، وبالنهار لا أجد راحة. أوجاعي فوق الإحتمال. تساعد الآلام التي عاناها أيّوب في تبرير الإنسان. أعاد ترتيب أيّوب شرف الإنسان من خلال إيمانه الذي عبّر عنه في أصعب مراحل الألم، وهكذا اشتركت عذاباته مسبقـًا بعذابات المسيح، الذي يعيد إلينا شرفنا جميعًا أمام الله، ويدلّنا إلى الطريق فلا نفقد الإيمان بالله في أحلك الظلمات. عندما واجه أيّوب الربّ بصمت. لا يقلّل صمت أيّوب من عمق الألم والخسارة التي نتحمّلها بصبر، بل يؤكّد على أهميّة الثقة بخطّة الله وسط الألم، حتّى عندما لا نعرف ما هي هذه الخطّة. يخضع الألم مثل الخبرات الإنسانيّة الأخرى لحكمة الله. نتعلّم في النهاية، أنّنا قد لا نعرف السبب المحدّد للألم، ولكن يجب أن نثق بإلهنا. هذا هو الحلّ الحقيقيّ للألم.

يساعدنا سفر أيّوب على إدراك أهميّة الإختبار في الحياة الرّوحيّة. يحتاج الإنسان إلى الإختبار من أجل إنضاج تقواه، والإنتقال بها من السطحيّة إلى الإتّحاد العميق بإرادة الله. فكما أنّ عصير العنب بحاجة إلى الإختمار ليصبح خمرًا جيّدة هكذا يحتاج الإنسان إلى التطهير والتحوّل ليجد ذاته ويلتقي الله. الحبّ هو دومًا عمليّة تطهير وتنقية، وتجرّد.

عاش المسيح، إبن الله الأزليّ، على الأرض إنسانًا واحتمل الجوع والعطش والتجربة والعار والإضطهاد والعري والحزن والخيانة والهزء والظلم والموت. لذلك فهو قادر أن يجيب سؤل قلب أيّوب حين قال: "ليس الله إنسانًا مثلي فأرُدّ عليه، أَو كي نجتمع معًا في محكمةٍ. ليس من وسيطٍ بيننا، يضعُ يدَه على كلينا. لو أنّه يرفعُ عنّي عصا عقابه، فلا يُرعبني رُعبًا. عند ذلك سأتكلّم دون أن أخاف، أمّا الآن فلا أستطيع". (أيّوب 9/ 33 - 35).

قال الكاردينال جون هنري نيومان: "إستطاع الربّ بكلمة واحدة خلق الكون من العدم، ولكنّه في ما خصّ خطايا البشر وآلامهم، لم يستطع أن يتجاوزها إلاّ بإشراك ذاته فيها، فعانى هو نفسه الألم من خلال إبنه الذي تحمّل الألم وتخطّاه ببذل نفسه. يتطلّب الإنتصار تعبئة قلبنا وتعبئة وجودنا كلّه. تبقى هذه التعبئة غير كافية، ولا يمكنها أن تكون فاعلة، إلاّ بالإتّحاد بمن حمل أعباءنا جميعًا".





2- الإنتصار على الألم: قوّة الإيمان

يُخطئ من يظنّ بأنّ الذي يصلّي ويحفظ وصايا الله هو محمي من الألم والمحن في هذه الحياة، مكافأةً له من الربّ يسوع على تقواه ومحبّته لله. يذكر لنا الكتاب المقدّس بعهديه القديم والجديد أشخاصًا أبرارًا عرفوا الألم، كما يذكر تاريخ الكنيسة قصص آلاف القدّيسين والشّهداء الذين سفكوا دماءهم من أجل المسيح. يتعرّض الإنسان المؤمن وغير المؤمن للألم والمحن، لكنّ الفرق بينهما أنّ من بنى بيته على الصّخر يصمد أمام الكوارث ومن بنى بيته على الرّمال ينهار.

يؤكّد الكتاب المقدّس أنّ صاحب الإيمان يجرّب ويمتحن ويتألّم. نقرأ في رسالة القدّيس يعقوب: "أنظروا يا إخوتي إلى ما يصيبكم من مختلف المحن نظركم إلى دواعي الفرح الخالص. فأنتم تعلمون أنّ امتحان إيمانكم يلد الثبات" (يع 1/ 2 - 3).

ويقول القدّيس بطرس: "لا بدّ لكم من الإغتمام حينًا بما يصيبكم من مختلف المحن، فيمتحن بها إيمانكم وهو أثمن من الذهب الفاني الذي مع ذلك يمتحن بالنّار فيؤول إلى الحمد والمجد والتكرمة عند ظهور يسوع المسيح" (1 بط 1/ 6 - 7). ويزيد قائلاً: "إفرحوا بمقدار ما تشتركون في آلام المسيح حتّى تفرحوا أيضًا وتبتهجوا في تجلّي مجده" (1 بط 4/ 13). ويقول القدّيس بولس: "إنّ آلام هذا الدّهر لا تقاس بالمجد المزمع أن يتجلّى فينا" (روم 8/ 18).

عندما نقول "لو كان الله صالحًا لما سمح بالألم"، يبيّن هذا التصريح بأنّ الألم غيرُ نافعٍ للإنسان. هل حقًّا أنّ الألم الذي نبغضه جميعًا ونرفضه هو غير نافع للإنسان؟ هل من الصّواب التفكير بأنّ الألم يُشير إلى عدم صلاح الله؟ هل يمكن أن نتصوّر إنسانًا خاليًا من الألم، كيف يتصرّف؟ وبأيّ أسلوب يتكلّم؟ وكيف يمشي؟ وعمّ يتكلّم؟ وكيف يُعامل غيره؟ هل الألم أو فكرة الألم تهذّب النّفس، وتُليّن حدّة اللّسان، وتُهيّئ الرّوح، وتُولّد تواضعًا، وخُلقـًا، وإبداعًا من أجل الآخر؟



صلاح الله نابعٌ من طبيعته. وكما يُعلنه لنا الكتاب المقدّس هو محبّة. فالله المحبّة هو صالح، ولأنّه محبّة يريد أن يشارك حياة الإنسان ويشركه في حياته. ليست المحبّة مشاعر جيّدةً وطيّبةً تُجاه الآخر فقط، إنّما رغبة صادقة لتقديم الخير المطلق للذي نُحبّ. تُسبّب محبّة الله الصادقة ألمًا في الإنسان الخاطئ. إن كنّا نظنّ بأنّ الله يرغب في أن يُبقي الإنسان كما هو في ضعفه وخطيئته فظنّنا يشير باطنيًّا إلى أنّ الله غيرُ محبٍّ. يريد الله ما هو أفضل لنا، وهو يعرف أكثر منّا. لو أنّ الله استجاب لكلّ الطلبات، فكيف يكون وضع الإنسان؟ نتألّم أحيانًا لأنّ الله يحبُّنا. يهمس الله في آذاننا وسط أفراحنا، ويتكلّم معنا من خلال ضمائرنا، ويصرخ بنا في آلامنا. يُزيل الألمُ الفرح الزائف ويجعلنا نتمسّك بالفرح الحقيقيّ. أحيانًا يكون الإنسان منحدرًا نحو الجحيم وضميره مُخدّرًا، وفجأة يوقظه الألم.

قُدرة الله على كلّ شيء لا تعني أنّ الله يفعل أشياءَ بخلاف طبيعته وجوهره. الله القادر على كلّ شيء هو قدّوس، فلا يفعل الشرّ لأنّه قدّوس. يعيش الإنسان في عالم منظّمٍ خلقه الله، وكلّنا نخضع لهذا النّظام الذي وضعه. من يطلب ألاّ يتألّم فهو يطلب من الله أن يُغيّر كلّ الأنظمة لتتلاءم مع حاجته، فيهمل حاجة الآخرين. أن ترفض الألم يعني أن ترفض النّظام الذي وضعه الله. خلق الله عالمًا منظّمًا، فيه جبال وأودية، فرح وألم، لذلك لا نستطيع أن نطلب من الله أن يُغيّر نظام الكون، لكي لا نتألّم. خلق الله الإنسان وأعطاه الحريّة.





يختار الإنسان ما يريد أن يفعل أو ما لا يريد أن يفعل. وبفعله أو عدمه يؤثّر سلبًا أو إيجابًا في الآخرين. فإمّا أن يكون الإنسان حرًّا أو لا يكون. لا نستطيع أن نقول يا ربّ لا تعطِ الحريّة للأشرار ولكن أعطها للأبرار فقط. أن يكون الإنسان غير حرٍّ، يعني أنّ الله سلبه إنسانيّته ومعنى وجوده. لا نستطيع أن نطلب من الله أن يعطي الإنسان الحريّة ويُسيّر أفكاره وآراءه. لم يخلق الله الإنسان كحجر شطرنج أو دُمية. لأنّ الإنسان حُرٌّ ومسؤول. قد يُخطئ تُجاه نفسه أو تُجاه الآخرين أو تُجاه الطبيعة فيتألّم. يبقى الله صالحًا وقادرًا على كلّ شيء حتّى ولو لم يتدخّل. لأنّ عدم تدخّله فعلٌ ينسجم مع طبيعته. فعوضًا عن لَوْم الله لنبحثْ عن الطريق والحقّ والعلاج لألمنا.



خاتمة

إلتزم الله قضيّة الإنسان لأنّه محبٌّ وصالحٌ ويهمّه أن يُقدّم الأفضل للإنسان حتى ولو تألّم. فرحنا الحقيقيّ هو الربّ. حين نطلب في صلاة الأبانا "لا تدخلنا في التجارب" نعبّر عن قناعتنا بأنّ الألم لا يقدر علينا ولا يقهرنا. "الله صخرتنا وملجانا". "من يفصلني عن محبّة المسيح؟" عندما تكون المحنة قاسيةً نضع مخاوفنا وآمالنا وقراراتنا بين يدي الله ونرتّل قائلين: "توكّلنا على الله وهو ملجانا، توكّلنا على الله لا نخاف السوء".




رد مع اقتباس
 

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
سرّ صمود أيّوب
معاناة أيّوب: البارّ المتألّم
ما معنى أربعاء أيّوب ؟
أيّوب
القدّيس أيّوب الصدّيق


الساعة الآن 11:49 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024