رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
نعمان والخلاص العظيم وفى رحلة نعمان للوصول إلى الخلاص ، نلتقى أول الأمر بفتاة صغيرة مسبية ، سباها الأراميون فى واحدة من غزواتهم ، وأخذوها ، وباعوها فى سوق العبيد ، وكانت بين يدى امرأة نعمان ، ... ونحن لا نستطيع أن نتصور مدى ما عانت الصغيرة من متاعب أو آلام ، فهى حرة ، تحولت إلى أمة ، وهى صغيرة ، ومهما كان البيت الذى بيعت له مترفقاً بها ، فهى على أية حال غريبة ، وأفكارها وأنظارها تتجه إلى بيتها القديم ، ووطنها الذى وإن لم يكن بعيداً عنها فى المسافات ، إلا أنه يختلف تمام الاختلاف ، عن البلد الوثنى الذى أكرهت على البقاء فيه ، ... على أن هناك شيئاً نبيلا فى هذه الصغيرة ، دفعها إلى نسيان الغربة والاستعباد والأسر ، وارتفع بها فوق كل كراهية وتشف وحقد ، إذ أحست أعمق العطف على الرجل التعس البائس الأبرص ، وأشارت بإصبعها إلى أول الطريق الذى يسلكه فى سبيله إلى الخلاص من علته القاسية، وربما قصت على امرأة نعمان المعجزات والعجائب التى صنعها أليشع فى أرضها ووطنها ، ... على أية حال ، إن هذه الفتاة الأسيرة الصغيرة تعطى درساً من أجمل وأقوى الدروس التى يمكن أن يستوعبها الإنسان إن اللّّه يتيح الفرصة أمام الصغير ، ليؤدى رسالته العظيمة ، ونصيبه الوافر ، وفى مرات كثيرة ، ترتكز أكبر المعجزات ، على العمل الذي قد يقوم به الصبى أو الصبية ، والأثر الذى يتركه فى حياة الآخرين دون أن يعلم ، ... وأنه لمن الواجب ألا تحتقر هؤلاء الصغار ، والدور الذى قد يلعبونه ، حتى ولو بدا فى مطلع الأمر مجرد كلمات قليلة محدودة تفتح الطريق أمام أعظم النتائج وأكبر الأثار !! ... هل رأيت صموئيل وهو يحمل الرسالة صبياً يافعاً أمام اللّه قائلا : " تكلم فإن عبدك سامع " ؟ ... وهل رأيت داود وهو لم يكد يشب عن الطوق ولكنه يصبح بطل الأمة بأكملها فى الوقت الذى فيه يتراجع شاول وأبنير والجبابرة أمام جليات الجبار ، ؟ ... وهل سمعت إرميا وهو يصيح : " آه يا سيد الرب إنى لا أعرف أن أتكلم لأنى ولد ، فقال الرب لى لا تقل إنى ولد لأنك إلى كل من أرسلك إليه تذهب وتكلم بكل ما آمرك به " ... " إر 1 : 7 ". وهل تأملت الصبى الصغير وهو يقدم الخمسة الأرغفة الشعير والسمكتين ، ليصنع بها المسيح معجزة إطعام الخمسة آلاف من الرجال النساء والأولاد ؟ !! ... وهل قرأت عن الفتاة الصغيرة مارى جونز التى أحبت كلمة اللّه واقتصدت على مدى عامين لتشترى نسخة من الكتاب المقدس وسارت على قدميها أميلا عديدة للحصول على النسخة ، إذ سمع العالم قصتها العظيمة ، تكونت جمعيات الكتاب المقدس لتوصيل الكتاب إلى الملايين من الناس فى أقطار الأرض فى كل مكان !! إن قصة نعمان كانت تحتاج فى مطلع الأمر إلى واحدة من أصغر الشخصيات الكتابية وأقلها حظاً فى الكتاب !! .. ومن الوجه الآخر ، أنه من المثير حقاً أن نضع هذه الصورة فى مواجهة شخصيتين من أعظم الشخصيات ، تصرف كلاهما بكيفية عكسية كان من الممكن أن تفسد النتيجة التى سعت إليها هذه الصغيرة ، وهذان الشخصان هما ملك آرام ، وملك إسرائيل ، فملك آرام كان يعتقد مثل نعمان أن الخلاص يمكن أن يشترى ، ولم يتردد أن يسخو فى العطاء ، فهو يجهز المريض بهدية تصل إلى خمسين ألفاً من الجنيهات بعملتنا الحالية ، وأتعاب الطبيب مهما ارتفعت ، فهى لا شئ إزاء سلامة نعمان وسلامه ، وما يزال الكثيرون إلى اليوم يفعلون ذات الفعل ، وهم على استعداد أن يدفعوا الآلاف والملايين من الجنيهات فى إقامة دور العبادة أو الملاجئ أو المؤسسات الخيرية أو الاجتماعية ، وهم يظنون أن الخلاص كغيره من السلع التى تباع وتشترى ، ... ينسون أن مال الدنيا بأكملها ، لا يستطيع أن ينقذ شريراً واحداً من برص الخطية وشرها !! ... أما ملك إسرائيل ابن آخاب وإيزابل ، فإن لغة الخلاص غريبة على ذهنه ، فهو يشق ثيابه ، لأن كتاب ملك آرام لا يعدو - فى تصوره - أكثر من طريق للتحرش به ، ومحاربته ، ... والذين يعيشون فى الجسديات والعالم ، تبدو لغة الخلاص غريبة على أفكارهم وأذهانهم، فهى لغة دينية لا شأن لهم بها ، ولا ثقة عندهم فيها ، وما أكثر ما تحدث بالخلاص إلى إنسان عالمى ، فتثير بذلك غضبه أو حماقته ، وكأنك تتكلم معه بلغة أعجمية غريبة !! .. فإذا انتهينا إلى نعمان نفسه وهو يسير فى طريق الخلاص ، ... فإننا نستطيع التعرف على موقفه من خلال عبارتين قالهما : " هو ذا قلت إنه يخرج إلى ويقف ويدعو باسم الرب إلهه ويردده يده فوق الموضع فيشفى الأبرص " .. " هوذا قد عرفت أنه ليس إله فى كل الأرض إلا فى إسرائيل " ... " 2 مل 5 : 11 و 15 " ولم يكن نعمان فى الحالين إلا صورة لكل إنسان يحاول الشيطان تضليله بعيداً عن طريق الخلاص إلى أن تأتى به النعمة إلى الطريق الصحيح ، ... لقد سار نعمان أول الأمر فيما يطلق عليه " الخلاص الظنى " أو الخلاص كما يظنه الإنسان ويتخيله ويتصوره ، وما تعدد الأديان فى التاريخ كله ، إلا صورة الإنسان وهو يتجه نحو الخلاص فى الطريق الخاطئ بأسلوب " ظنى " ... وما أكثر الذين " يظنون " أن اللّه لا يحتاج إلى ذبيحة للخلاص ، بل أنه يستطيع أن يغفر بمجرد التسامح والنسيان ، فهو يمكن أن يعفو عن الخطية بمجرد الاغضاء عنها ، ويقولون إنه إذا صح أن اللّه يطلب من الإنسان أن يتسامح مع أخيه الإنسان لمجرد الصفح والترك والنسيان ، فإن من حقه هو ، أن يطرح الخطية البشرية ، بمجرد القول : " مغفورة لك خطاياك " ... وهم ينسون أن الخطية من إنسان إلى إنسان آخر ، ليست إلا جزءً من التشويش أو الإخلاص بالناموس الأدبى الذى وضعه اللّه فى الحياة ، ... وأن الخطية فى أصلها وحقيقتها هى الجرم ضد كمالات اللّه وطبيعته وناموسه ونظامه الأدبى ، وأن هذه لا يكون فيها الغفران بمجرد التجاوز أو الإغضاء ، لأن ذلك معناه فى الواقع التجاوز أو الاغضاء عن الصفات الطبيعية والأدبية فى اللّه ، كالعدالة والحق والقداسة والجمال !! ... فإذا قبل أليس من حق اللّه وسلطانه ، وهو صاحب السلطان الأسمى والأعلى ، أن يعفو بكلمة واحدة عمن يريد أو يشاء ؟ وهل يكون اللّه أقل من الملوك أو الرؤساء الذين يستطيعون بكلمة أن يعفوا عن المجرمين والمحكـــوم عليهم بأقسى العقوبات ؟ ... ومرة أخرى نذكر هنا أن القياس مع الفارق لأن عفو الملوك الأرضيين أو الرؤساء إذا صح أنه نبيل وعظيم ومجيد ، إلا أنه مع ذلك على حساب العدالة فى إطلاقها وكمالها ومجدها ، وأنه إذا صح أن البشر - لأنهم ناقضون - يعفون أو يتساهلون بدافع من نقصهم أو ضعفهم عن العدالة المطلقة ، وأن القول إن اللّه قادر على العفو بمجرد كلمة ، وأن أحداً لا يمكن أن يجرده أو يطلب إليه أن يتنازل عن السلطان فإن هذا القول يدل على فهم القدرة الإلهية فهما خاطئاً ، ... لأن اللّه - مع قدرته اللانهائية - توجد أشياء نقول بكل إجلال واحترام لا يقدر عليها ، فهو لا يقدر مثلا أن يخطئ ، لأن هذا ضد طبيعته وكمالاته الإلهية !! ... لقد أدرك نعمان أن الخلاص لا يمكن أن يكون بمجرد ظنه أن أليشع يفعل هذا أو ذاك فى سبيل هذا الخلاص ؟؟ .. على أن التصور الثانى للخلاص عند نعمان ، كان لا يقل خطأ عن التصور الأول ، وهو أن الخلاص يأتى بأسلوب " الخلاص الطقسى " المفهوم عند ملايين البشر إلى هذا اليوم ، فما على أليشع إلا أن يخرج ويضع يده على موضع البرص ، وبتمتمة كلمات معينة : يشفى الأبرص ، وقد أغرق الإنسان نفسه فى الطقوس والفرائض ، على أمل الخلاص من برص الخطية ، وهو لا يدرى أن الخطية تمد شعابها إلى الأعماق ، وكل طقوس العالم لا تستطيع أن تنتزع هذه الشعاب التى هى أشبه بالسرطان المتغلغل فى جسم الإنسان ، والذى لا يكفيه علاجاً ، أن يتمتم رجل الدين ، أو يلمسه لمسة ساحرة ، كما تصور نعمان السريانى أن يفعل أليشع لخلاصه من برصه !! .. إن قصة نعمان تركز فى الكثير من جوانبها عن أن الخلاص من البرص لا يمكن أن يأتى عن طريق الحصول عليه بالمال ، أو بالخيال أو بالطقوس أو ما أشبه ، وقدحق ليوحنا بنيان أن يصور المسيحى فى سياحته الخالدة ، وهو يبدأ من مدينة الهلاك حاملاً على كتفيه حمل الخطية الثقيل ، وقد دعاه المبشر إلى الذهاب إلى الصليب ، ولكنه التقى فى الطريق بالسيد " الحكيم العالمى " الذى حوله عن الطريق الضيق ليذهب إلى السيد " القانونى " الذى يعيش فى القرية المحترمة قرية : " الآداب " ، وذهب إلى هناك عبثاً ، ولم تستطيع الفرائض ، وكلمات الصلوات ، والهدايا ، والعطايا ، وأعمال الرحمة ، أن تكون بديلا عن الإيمان بالمسيح كمخلص وملك ، وتكريس الحياة له بالحب والتعبد ، باعتبارهما النموذج الأعلى لكل خير !! .. وقد أكد أليشع هذه الحقائق كلها فى علاجه للمريض ، فهو لم يخرج إليه عندما قصد بيته وقف عند باب داره ، ... مع أن هذا كان من أبسط أنواع اللياقة التى يلزم أن يعامل بها الضيف الغريب المريض ، وقد اختلف الشراح فى فهم البواعث التى دعت أليشع إلى أن يفعل هكذا فقال بعضهم : ربما كان السبب أن أليشع كأى يهودى ، لا يجوز له أن يقترب من الأبرص كشريعة اليهودى ، وهو أمر يصعب تصوره ، أو أن نعمان وقف عند الباب لأنه لم ير نفسه أهلا للدخول إلى بيت أليشع ، ومع أن هذا قد يكون صحيحاً ، لكنه لا يمنع أن يخرج أليشع إلى خارج بيته لمن يحترمه بهذه الصورة ، ... إن الأصح أن نعمان جاء بجيشه عند الباب ، وجاءت معه كبرياءه العسكرية الكاملة وهو يظن أنه يتفضل على أليشع بهذا النوع من المجئ ... ومن هو أليشع هذا الذى يدرك الشرف الكبير فى مجــــئ نعمــان السريانـــى الرجــل العظيم المرفــــوع الرأس والوجه عند ملك بلاده !! ؟ ... وكان لابد لأليشع أن يلقن نعمان أهم درس يحتاج إليه ، وهو أن الخلاص لايمكن أن تناله إلا النفس الوديعة المتضعة والملتصقة بالتراب ، ... وأكثر من هذا وأعظم جداً ، أن أليشع يريد أن يواجه نعمان باللّه دون وسيط ، لقد سافر نعمان من آرام إلى إسرائيل أو ما يقرب من مائة ميل بحثاً عن الوسيط ، وكانت أنظاره معلقة بهذا الوسيط ، وأراد أليشع أن يختفى الوسيط من الطريق ، ليظهر الله ، .. ولو أنه ظهر من الابتداء ، لتعلقت عينا نعمان به ، ولما عرف اللّه ، ... ولكن أليشع مثله مثل المعمدان الذى قال : " ينبغى أن ذاك يزيد وأنى أنا انقص ، " " يو 3 : 30 " واختفى أليشع ... واكتشف نعمان ، ما لم يدر بخلده قط ، عندما انفرد بنفسه أمام إله إسرائيل ، وكيف كان الخط الإلهى مذهلا وعجيباً وحقاً " ما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء " " رو 11 : 33 " لقد رتب اللّه خلاص نعمان السريانى ، على الصورة التالية .. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
نعمان والخلاص بالألم |
نعمان العظيم الأبرص |
نعمان العظيم الأبرص |
نعمان السرياني | نعمان الأبرص |
نعمان العظيم الأبرص |