"خرج هامان في ذلك اليوم فرحًا وطيب القلب" [9]، إذ حسب هذا المتكبر الذي لا يفكر إلاَّ في نفسه أن الملكة ترغب في تكريمه لمصاحبته للملك في الوليمة، ولم يعلم أنها دعته لدينونته، شأنه شأن المعجبين بأنفسهم المخادعين لذواتهم، وكما قيل لأدوم: "أنت محتقر جدًا، تكبر قلبك قد خدعك" (عو 2: 3).
خرج فرحًا وطيب القلب، لكن فرحه لم يدم إلاَّ لحظات فعند الباب قبل خروجه من القصر رأى مردخاي لا يسجد له فامتلأ غيظًا... وهكذا جمع هامان أهل بيته وأحباءه ليعلن لهم غناه وكرامته، قائلاً: "وكل هذا لا يساوي عندي شيئًا كلما أرى مردخاي اليهودي جالسًا في باب الملك" [13]. إنه لا يطيق أن يرى مرخاي جالسًا في باب الملك حتى لو دُعى هو إلى وليمة الملك. هذا هو فكر إبليس نحو أولاد الله إذ لا يطيقك أحدًا منهم يجلس في باب ملك الملوك، حاسبًا هذا خسارة له.
لنتأمل شخص مردخاي الذي قدم أصوامًا وتذللاً وصرخ بمرارة في وسط المدينة، لنجده يعود إلى القصر بعد فترة التذلل، ولا ينحني بالسجود لهامان، فهو لا يقبل أن يسترضي إنسانًا على حساب الحق ولا يُقدم لإنسان ما يليق بالله وحده.