رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
كلّ شابّ يرغب في أن ينجح في حياته، ولكن من أجل تحقيق ذلك، عليه أوّلاً التفكير بعمق في حياته الداخليّة ورغباته. تلتقي أستاذة الفلسفة “جين لارغيرو” بالعديد من المراهقين الذين يكافحون من أجل العثور على طريقهم في الحياة. وتقترح عليهم في كتابها بعنوان “كيف تحقّق النجاح في حياتك: إلى شابّ يبحث عن طريق السعادة”، أن يعيدوا التركيز على حياتهم الداخليّة من أجل بناء أنفسهم. ألا توجد كتب كافية عن النجاح الشخصيّ؟ غالبًا ما تقدّم كتب مساعدة الذات مناهج نرجسيّة ونفسيّة ونادرًا ما تعالج المسائل الأخلاقيّة. فتشرح كيفيّة الحفاظ على السعادة والرفاه في جميع الظروف، ولكن هل تشرح كيفيّة اتّخاذ القرارات الصحيحة؟ إذن كيف نتّخذ القرارات الصحيحة؟ لدى الأجيال الشابّة حاجة للتفكير. ويعود الأمر للبالغين لعدم الحدّ من تفكيرهم من خلال القول: “افعل ما تراه مناسبًا”. فنجد في فلسفة القدّيس توما الأكويني التي تناولها التعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيّة ثلاثة معايير تساعد على التفكير: “هل ما أفعله أمرًا صحيحًا؟ هل هذا الوقت المناسب للقيام به؟ هل أرغب حقًّا في القيام به؟” وتعدّ هذه الأسئلة بوصلة مفيدة للغاية، لأنّ يمكن للمرء غريزيًّا تبرير فعل سيء بحسن النيّة. وفي الواقع، يمكن لـ”الجانب التفضيليّ” للظروف أن يربك العقل ويصرف الانتباه عن الواقع. وعلى سبيل المثال، يمكننا تبرير سرقة هاتف محمول مفقود. ولكن إنّ عدم معرفة هويّة صاحبه لا يغيّر الحقيقة، حتّى وإن رافقته نيّة حسنة بإعطاء الهاتف لأحد يحتاج إليه. فالسرقة تبقى سرقة. وأخيرًا، أضع الأخلاق مجدّدًا في دائرة الضوء. قد يبدو الأمر تقليديًّا، لكنّه يقدّم معايير موثوقة لتحديد ما إذا كان أيّ قرار صحيحًا. كيف نعلّمهم أن يفكّروا؟ العطاء هو مفتاح النجاح. فلنعلّم المراهقين الأكبر سنًّا العطاء دون انتظار مقابل والاستعداد للتخلّي عن أمر يبدو جيدًا من أجل هدف أفضل وأكبر، حتّى وإن كان غير مضمونًا. إنّ الاهتمام المجّاني باحتياجات الآخرين ينمّي المواهب الشخصيّة ويضاعف العلاقات ويغني الروح ويجذب مقترحات جديدة وأحيانًا يجلب معها إفادة ماليّة. وهذا ما قصده القدّيس متّى عندما قال: “اطْلُبُوا أَوَّلاً مَلَكُوتَ اللهِ وَبِرَّهُ، وَهذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ” (مت 6: 33). وقد اختبرتُ ذلك عندما انخرطتُ في دراسة التربية العاطفيّة والجنسيّة لأكون في خدمة طلّابي. وفي نهاية المطاف، طوّرت مهارات عديدة ودُعيت لإلقاء المحاضرات ثمّ لكتابة الكتب… ما الذي نحتاج إلى تغييره في المنزل لمساعدتهم على النجاح؟ قبل كلّ شيء، يجب أن نتخلّى عن السباق لتحقيق النجاح الاجتماعيّ من أجلهم. إنّ تحميل أطفالنا توقّعاتنا الزائلة أو النظر إلى أنشطتهم من حيث الفوائد التي قد تجلبها لنا لا يبني الثقة بالنفس. فيشعر الأطفال بأنّهم مجبرون بالتزامات مستمرّة لتحقيق النتائج، حتّى تلك الضمنيّة منها. وفي الواقع، نحن نقلقهم ونغذّي خطر إصابتهم بالاحتراق النفسيّ في المستقبل ونخلق فيهم انعدام للأمن. فيحقّ لهم ممارسة الرياضة دون المشاركة في المسابقات كما يحقّ لهم تثقيف أنفسهم دون أن يهدفوا إلى الإلمام في المعرفة! ذات يوم، سألتُ طلّابي لماذا يذهبون إلى المتاحف والمسرح والسينما والحفلات الموسيقيّة… فأجابوا: “لأنّها تدرّب العقل وتساعد على التفكير”. ولكنّهم لم يفكّروا قطّ في التثقّف من أجل المتعة فحسب! من أجل أن يصبح الأطفال ناجحين، من الأفضل تشجيعهم على تبنّي وقفة وابتسامة تظهر الانفتاح على الآخرين وتخلق اتّصالًا طبيعيًّا. ويا له من نجاح إذا ساعدناهم في فهم أهمّيّة أن يصبحوا، مثل القدّيس بولس، “رجل نعمة”. ويشكّل تقديم الشكر على تصرّفات جميلة صادرة عن شخص آخر ترياقًا ضدّ المقارنة التي غالبًا ما تجعل المرء يشعر بالتعجرف أو الحزن. فالمجاملات الصادقة لا تفيد المستمع فحسب، بل المتحدّث أيضًا. وهكذا يدرك الطفل كم هو محظوظًا ليكون محاطًا بأشخاص ذوي قيمة. ما هو أهمّ نجاح في الحياة؟ يحتاج الطفل إلى حياة داخليّة تجعله قادرًا على العيش؛ فدعونا نساعده في تطويرها. ويمكن أن تكون مراجعة الذات الطريق المؤدّية إلى ذلك. وتبقى مراجعة يومه حيث يتمّ تحديد مواقف الشكر والعفو السرّ وراء الاستقرار الشخصيّ. ومن خلال استكشاف قصره الداخليّ بغرفه غير المحدودة، سيكون قادرًا على تجنّب التوق لحياة أخرى غير حياته. ويمكن أن تسمح له هذه العودة إلى الداخل بتعميق علاقته مع الله. وفي الصمت فقط سيتمكّن الطفل من الإجابة على السؤال الذي طرحه يسوع على بارتيماوس في الكتاب المقدّس: “ماذا تُريدُ أنْ أفْعَلَ بِكَ؟” (مرقس 10: 51). إلى جانب مراجعة الذات، هل توجد أدوات أخرى للاستعداد لتقلّبات الحياة؟ لا تزال إعادة تأهيل الواجبات مفهومًا أساسيًّا على طريق النجاح. بالنسبة إلى الشابّ، هذا يعني أن يعيش حياته اليوميّة كشابّ مع أولئك الذين وضعتهم العناية الإلهيّة معه أي التواصل مع إخوته وأخواته والتكيّف مع حياته الأسريّة والعمل… وأحيانًا تنظيف حذائه الرياضيّ. إنّ القيام بالواجبات بحسب وضع كلّ فرد لا يقيّد الطموح، بل على العكس يرفعه إلى درجة أعلى. وفي الأساس، الحياة الناجحة للشباب هي نفس الحياة الناجحة لشخص بالغ. فتبني أعمالنا الحاليّة بالفعل مغامرات الغد العظيمة. فلو كان عالم الأحياء البحثيّ “ألكسندر فليمنج” مهملاً، لربّما ألقى علبته المليئة بالفطر في سلّة المهملات. لقد فعل ما كان عليه فعله: وهو ببساطة تنظيف الصناديق الخاصة به. وهكذا اكتشف البنسلين وفاز بجائزة نوبل. هل يمكن للإيمان أن يساهم في تحقيق الحياة الناجحة؟ لا يمكنك تحويل الإيمان إلى مجرّد أداة للتنمية الشخصيّة، ولكن عندما تكون مؤمنًا، تتغيّر نظرتك إلى النجاح. فالحياة ناجحة بالفعل بفضل الحوار مع يسوع لأنّها ستكون دائمًا جديدة وفريدة! وثانيًا، يمنح الاعتماد على الفضائل اللاهوتيّة الثلاث – الإيمان والرجاء والمحبّة – حرّيّة لا تُصدق. وأخيرًا، تُنظّم حياة الإيمان الأخلاق والذكاء. إنّ تعميق تماسك الإيمان ومضمونه يمكِّن المرء من الكشف عن إمكانات ذكائه وذلك بسبب وجود تلاقٍ بين رؤية الكنيسة ورؤية العالم. وعلى سبيل المثال، تسمح لنا قصّة الخلق بأن نهتمّ لتكوين الكون. وفي الواقع، يسمح لنا الإيمان بالتعمّق بجميع المجالات. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|