58. وكانت هناك أيضا فتاه من "بوسيربس طرابلس[108]" مصابة بمرض شنيع جداً. لأنه كان يسيل من عينيها وأنفها وأذنيها سائل إذا سقط علي الأرض تحول في الحال إلى دود وكانت مشلولة، ومصابة بمرض في عينيها. وإذ سمع والداها، وكانا يؤمنان بالرب الذي شفي المرأة نازفة الدم[109]، أن رهبانا ذاهبين إلى أنطونيوس، طلبا منهم أن يسمحوا لهما بالسفر معهم برفقة ابنتهما. ولما سمحوا لهما بقي الوالدان وابنتهما خارج الجبل مع بفنوتيوس المعترف والراهب. أما الرهبان، فدخلوا إلى أنطونيوس، ولما أرادوا إخباره بحالة الفتاة سبقهم وقص عليهم أنباء آلام الفتاة، وكيف أنها سافرت معهم. وعندما طلبوا السماح لها بالدخول رفض أنطونيوس قائلا: "أذهبوا، وأن لم تجدوها قد ماتت فستجدونها شفيت. لأن إتمام ذلك ليس لي حتى تأتى إلى أنا الإنسان الشقي، لكن شفاءها هو عمل المخلص الذي يظهر رأفته في كل مكان لكل الذين يدعونه. لذلك أصغى الرب إليها عندما صلت، وقد أعلنت إلىَّ رحمته أنه سوف يشفي الفتاة حيث هي الآن". وعندئذ تملكهم العجب. ولما خرجوا وجدوا والديها فرحين، والفتاه قد شفيت.
59. وكان هناك أخوان قادمين إليه وأعوزتهما المياه في الطريق. فمات أحدهما، وكان الآخر علي وشك الموت، لأنه لم تكن له قوة علي استمرار المسير، بل رقد علي الأرض متوقعاً الموت. أما أنطونيوس فإذ كان جالسا علي الجبل، دعا راهبين تصادف وجودهما وأمرهما قائلا: "خذا جرة ماء واركضا في الطريق إلى مصر. لأن أحد الرجلين الذين كانا قادمين قد مات فعلاً، وسيموت الآخر إن لم تسرعا إليه. لأن هذا قد أعلن إلي وأنا أصلي". لذلك ذهب الراهبان، ووجدوا واحداً ميتا فدفناه. وأنعشا الآخر بالماء، وأخذاه إلى الشيخ، لأن الطريق كان سفر يوم.
أما أن سأل أحد لماذا لم يتكلم قبل أن يموت الآخر، وجب أن لا يوجه سؤال كهذا. لأن قصاص الموت لم يكن من أنطونيوس، بل من الله الذي نقل الواحد وأعلن حالة الآخر. أما وجه العجب هنا فهو فقط في حالة أنطونيوس، لأنه إذ كان جالسا علي الجبل كان قلبه متيقظا وأعلن له الرب أشياء بعيدة .