رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الرجل الذي تزوج أم كلثوم 7 أيام فى قرية فقيرة من قرى صعيد مصر مثل تلك التى ولدت فيها لا توجد موسيقى أو آلات موسيقية إلا فى غرفة الإذاعة المدرسية. وقبل أن ندخل إلى حوش المدرسة وطابور الصباح وقبل أن نشاهد لأول مرة فى حياتنا آلة الأكورديون وشقيقتها «الساكسفون» وكلتاهما لم يكن أحدنا يعرف كيف يمسكها أصلًا قبل أن يجيد العزف عليها قبل تلك السنوات لم نكن نعرف من الآلات الموسيقية سوى «الغاب» وهو ما عرفنا بعد ما كبرنا أن اسمه «ناى». كان أول عازف أعرفه فى حياتى مجرد فلاح بسيط اقتص أحد أعواد «البوص» الذى ينشأ بشكل طبيعى - شيطانى - فى باط الترعة وقام بإعداده بمطواة قرن غزال حتى يصبح مثل تلك الآلة التى شاهدها مع أحد العازفين خلف المنشد فى إحدى ليالى الذكر لكنه كما حكى لى لم يكن يعرف كم تحتاج هذه «القصبة من الغاب» من فتحات حتى يخرج منها صوت الموسيقى وأنه ظل لشهور يجيب أعواد البوص ويصنع منها «نايات» بفتحات مختلفة الأعداد حتى وصل إلى سبع فتحات أعطته ما أراد من نغم. لم يعلمه أحد كيف يتحول ذلك الهواء الذى يخرج من رئته ليعبر فتحات غابه إلى موسيقى مفهومة وراقصة لكنه بالفطرة فعلها وصار عم «عباس» هو معلمى الأول فلما دخلت إلى حجرة الإذاعة بمدرسة مؤسسة العسيرات الابتدائية رحت أبحث عن «غابته» فلم أجدها حاولت أن أعزف على الأكورديون وفشلت ولم أكن أجيد الضرب على تلك الطارة الكبيرة أيضًا فاكتفيت بقراءة أخبار الصباح من جريدة الأهرام وظل شغفى بالآلات موصولًا. كان عم «عباس» أول من دلنى على طريق الآلات وكان أول من أفهمنى أن «عبدالمطلب» هو «حمار الإذاعة» ورغم ذلك يغنى المصريون طيلة ثلاثين ليلة من رمضان أغنيته الأشهر «رمضان جانا» وتحرجت أن أسأل الرجل العجوز «طب لما هو حمار بنغنيله ليه؟» لكننى وبعد عشر سنوات كاملة من ذلك التاريخ وفى مدينة سوهاج التى تبعد عن قريتى خمسين كيلو كاملة وفى حجرة مدفونة بقصر ثقافة سوهاج الذى عرفنا طريقه نحن أبناء مدرسة الشهيد عبدالمنعم رياض الثانوية سمعت رجلًا عجيبًا يعزف على آلة أعجب اسمها «الترومبيت» وبجواره شاب يغنى إحدى عجائب «حمار الإذاعة» واسمها «بياع الهوى» وتشجعت وسألتهما إزاى بتغنوا أغانى واحد كل الناس بتسميه «حمار»؟ فضحك كلاهما ورد الأصغر: «ده أنت اللى حمار». يومها تشاجرت لأول مرة فى حياتى لكننى فهمت لأول مرة فى حياتى أن البسطاء من أهلى حينما وصفوا عبدالمطلب بأنه «حمار الإذاعة» كانوا يقصدون أنه «شيال حمول الغنا» وإن اللى يقدر «يشيله من نغمات ما حدش تانى يقدر يشيله» وعرفت أن الأغانى التى سمعتها للرجل لحنها موسيقار مهم اسمه محمود الشريف وأن الأخير تزوج من أخت زوجة عبدالمطلب وأنه أيضًا صاحب الأغنية الأعذب فى تاريخ محمد قنديل «تلات سلامات يا واحشنى تلات سلامات». ومن يومها وأنا أبحث عن كليهما «طلب والشريف». ولم يكن ذلك البحث مرتبًا أو منظمًا هى مجرد رغبات وإحساس بأننى أعرف شيئا لا يعرفه أقرانى الذين أحبوا وعشقوا على صوت عبدالحليم وفريد لكن المفاجأة الأعظم كانت عندما قالها لى بليغ حمدى وما أدراك ما بليغ حمدى: «محمود الشريف لا يقل أهمية وتأثيرًا وعلمًا وإبداعًا عن سيد درويش». زكريا الحجاوى دفعه إلى «سكة التلحين» و«بتسألينى بحبك ليه» سبب شهرته المفاجأة التى لم أكن أدركها أن ما قاله عمنا بليغ حمدى فى بداية تسعينيات القرن الماضى لا يزال من وجهة نظرى صحيحًا بل يمكننى الجزم بأن محمود الشريف يستحق ما هو أكثر من ذلك الرأى فمن هو؟!. الإسكندرية هى موقع ميلاده مثله مثل عمنا سيد درويش الذى فارق الدنيا بعد عامين فقط من ميلاد الشريف والده كان رجلًا بسيطًا يعمل فى خدمة أحد مساجد العجمى أخوه الأكبر كان عازفًا فى أوركسترا البحرية بعروس البحر لم يكن من أبناء الأعيان هو ابن حارة شعبية على ناصيتها محل حلاق اسمه بلبع حلاق آه لكنه يملك «جرامافون» يدير من خلاله أسطوانات الموسيقى التى خطفت عقل الصغير وما بين إيقاعات مكن الخياطة الذى تملكه أخته فى مشغل أنشأته فى بدروم المنزل ودفوف حلقات الذكر المسائية التى يحضرها والده. كبر عقل محمود الشريف وسنة وراء أخرى ترك الفتى كل شىء وذهب مع الفرق الجوالة يبحث عن صوته ١٣ فرقة موسيقية تغنى فى الأفراح والحفلات التحق بها قبل أن يقنعه أحدهم بمغادرة الإسكندرية ليلحق بملهى بديعة مصابنى. غواية الموسيقى ليست وحدها هى التى دفعت محمود الشريف لمغادرة الإسكندرية فطائرات الإنجليز التى ضربت المدينة عام ١٩٣٩ دفعت الكثيرين من أهلها لمغادرتها إلى الريف المجاور واضطرت الشريف إلى قرار نهائى بالإقامة فى القاهرة. ومثل معظم ملحنى ذلك الجيل لم يكن يفكر الشريف فى أن يصبح مجرد عازف أو مؤلف موسيقى كان يعرف أن صوته حلو وقوى حتى إن الجمهور فى الإسكندرية والدلتا أطلق عليه لقب «محمود راديو» لقوة صوته وحلاوته فى وقت واحد لكن لقاءه الأول مع زكريا الحجاوى دفعه إلى سكة التلحين وكان لحنه الأول من كلمات عاشق الفلكلور كمقدمة تبدأ بها عروض الفرقة واسمها «وعد عليا يا ممثلين» لكن أول لحن عرفه الناس للشريف كمحترف كان عبر صوت محمد عبدالمطلب «بتسألينى بحبك ليه سؤال غريب مجاوبش عليه»، وهو اللحن الذى خطف أنظار الجميع بمن فيهم عبدالوهاب الذى كان يعتبره البعض «فرس رهان ذلك الوقت» وأم كلثوم سيدة عصرها وزمانها. ومن الفرق الجوالة إلى الإذاعة المصرية التى كانت قد بدأت نشاطها، توجه محمود الشريف حيث بلدياته الإسكندرانى الرائع محمد محمود شعبان «بابا شارو» ومن خلاله قدم الشريف مجموعة هائلة من الأوبريتات الإذاعية منها «الراعى الأسمر»، «قسمة وأرزاق» التى كتبها عبدالفتاح مصطفى وغيرهما. ومع نجاح أغنية عبدالمطلب كان من الطبيعى أن يستمر التعاون فجاءت أغنيات «أهل المحبة بياع الهوى ما بيسألش عليا أبدا» وغيرها ومن الإذاعة المصرية إلى إذاعة يافا الفلسطينية ذهب محمود الشريف ليلتقى هناك بعبدالغنى السيد وكان قد لحن قبل أن يلتقيه لكارم محمود «عينى بترف يا حبة عينى وعلى شط بحر الهوى». وشكلا ثنائيًا مدهشًا بدأ نجاحه المبهر بأغنيتهما التى لا تزال علامة فارقة فى تاريخ الأغنية الشعبية «وله يا وله» التى كتبها أبوالسعود الإبيارى وأعاد المطربون فى السنوات الفائتة غناءها من حنان الشمس الجريئة إلى فضل شاكر وعشرات المطربين اللبنانيين. وكان من الطبيعى بعد تلك النجاحات المبهرة للشريف مع سعاد محمد «القلب والعين» وشادية «يا حسن يا خولى الجنينة» أن يفكر الرجل فى أم كلثوم لكنه لم يتخيل أنه سيكون أول أزواجها ولمدة سبعة أيام فقط. «كوكب الشرق» هى من طلبت الزواج: «عايزة أسند راسى على محمود» مين السبب فى الحب القلب ولا العين؟ ذلك السؤال الوجودى الذى لحنه الشريف فى واحدة من أروع أغنيات سعاد محمد لم يسأله محمود الشريف نفسه حينما قرر أن يكون فى لحظة ملتبسة أول أزواج سيدة الغناء العربى التى يحاوطها عشرات العشاق من كبار الساسة والأعيان وأهل الفن ورغم صناعة مسلسل تليفزيونى عن تاريخ الست وعشرات الكتب لا يزال البعض - حتى هذه اللحظة - ينفى ويؤكد قصة زواج محمود الشريف. مذكرات الرجل نفسه التى كتبها الناقد طارق الشناوى باسم «أنا والعذاب وأم كلثوم» تؤكد أن أم كلثوم هى التى أحبت الرجل منذ اللقاء الأول فى مكتب كروان الإذاعة محمد فتحى أما قصة الزواج والطلاق التى كتبها مصطفى أمين فقيل إنه تزوج من أم كلثوم سرا لعشر سنوات وأن أوراق زواجهما ظلت فى حوزة عبدالناصر حتى مات قال الشريف إنها مجموعة من الأكاذيب المهم أن باحثًا مهمًا مثل اللبنانى جهاد فاضل وفى كتاب صدر منذ فترة قريبة خصص فصلًا كاملًا عن قصة الزواج ورغم ارتباك ما كتبه فاضل نقلا عن آخرين فهو لم يحسم الأمر إن كان مجرد خطبة أم زواج لكنه يؤكد أن الشريف لم «يظفر منها سوى بليلة واحدة حسب قول البعض أو بسبع ليال كما يقول البعض الآخر» لكن الأهم أن ذلك العبقرى «أمضى حياته بعد ذلك يدور فى فلكها ولا يتمكن من الخروج منه وكأنها أطلقته قمرًا يدور فى مدارها ولا يستطيع العودة إلى الأرض». عشرات الروايات عن تلك الأسابيع القليلة التى عاشها الشريف فى أحضان أم كلثوم جميعها يؤكد أن أم كلثوم هى من طلبت الزواج من الشريف إحداها تقول إن أم كلثوم مرضت بالغدة الدرقية وأن طبيبها أخبرها أن المرض يهدد عينها وقد ينتقل إلى «عقلها» ونصحها بالزواج وتكمل رواية أخرى بأن الطبيب «نجيب محفوظ» قال لها إنه لا يستطيع إجراء الجراحة دون أن يوقع زوجها بمسئوليته عن إجراء الجراحة ورغم - ضعف الرواية - فقد كان يمكن لأخيها أن يفعل ذلك إلا أن الصحف نشرت وقتها أن أم كلثوم تبحث عن عريس ثم فوجئ الجميع بمصطفى أمين يكتب قصة الزواج محمود الشريف نفسه قال فى مذكراته: «كنت أحب زوجتى وأحترم أم كلثوم وشعرت بعد ذلك أننى أدخل السعادة إلى قلبها لم أفكر فى شىء ولم أحسب الأمور حسابًا عقليًا ولم أتوقع ماذا يمكن أن يحدث لو تزوجنا» ويضيف: «قلت لها ذات يوم ما تيجى نتجوز فردت: يا ريت يا محمود»، وفى اليوم التالى أرسلت لأخيها خالد تعشينا فى مطعم اسمه «سان جيمس» وبعد العشاء قالت لأخيها «تعبت وعايزة أسند راسى على صدر محمود وأنام فقال: ما قلنا كده من زمان» وانتهت السهرة بالخطوبة. دعم ثورة يوليو بـ « الله أكبر فوق كيد المعتدى » وقدم ٥ آلاف لحن ما جرى بعد ذلك لا يزال ملتبسًا قصاصات الصحف تؤكد أن الطلاق تم بعد أن همس مصطفى أمين فى أذن أم كلثوم أن الملك فاروق غاضب ويهدد بقتل الشريف وقيل على لسان أم كلثوم إنها صدقت وأخبرت الشريف أنهم «ممكن يعملوها زى ما قتلوا ضابط راس البر» وأنها أعلنت الانفصال حماية له وبررت ذلك بأن الشريف لم يف بوعده لها بطلاق زوجته الأولى فاطمة. ما يعنينى هنا أن مئات الألحان العاطفية التى صنعها الشريف بعد ذلك وأعذبها «تلات سلامات» لم يكن من بينها أى لحن بصوت أم كلثوم لكن المؤكد أن موقف السراى منه ومن زواجه وموقف أم كلثوم كانا سببا فى عشرات الأغنيات الشعبية والوطنية المدهشة وأولاها «يا عطارين دلونى» التى اعتبرها الشريف إحدى مقدمات ثورة يوليو. بعدها مضى الشريف الذى غنى من كلمات حسين السيد «مطرح ما ترسى دق لها/ ليها رب مسيره يعدلها»- يغنى. للحب والناس والبلد وبمجرد أن أعلن الضباط الأحرار قيام الثورة كان فى مقدمة من غنوا لها. محمود الشريف الذى لم يجرؤ على مواجهة الجمهور كمطرب فى ملهى بديعة كان الأجرأ فى أغنياته الوطنية دعمًا لثوار يوليو وأشهرها بالطبع «الله أكبر فوق كيد المعتدى» التى وضع موسيقاها فى البداية قبل أن يجىء الشاعر عبدالله شمس الدين ويكتب كلماتها. وضع الشريف لحنه وهو يجلس بجوار زوجته المريضة فيما كانت أخبار العدوان الثلاثى على مصر تملأ سماوات الإذاعات العربية وإذاعات العالم كله واختيرت الأغنية لتصبح نشيدا قوميا لكن أم كلثوم التى كانت زوجته وظل فى مدارها لم تترك له الفرصة، فطلبت أن تكون والله زمان يا سلاحى هى النشيد وقد حدث فأصيب الرجل بالحزن لكنه لم يتوقف فخرج يغنى بصوت أحلام مع صلاح جاهين: «يا حمام البر سقّف طير وهفهف قوم ورفرف على كتف الحر وقف والقط الفله سلامات يسعد صباحك دى بلادنا خد براحك يا حمام افرد جناحك تسلم إن شاء الله». ومن كلمات صلاح جاهين أيضًا وبصوت عبدالمطلب يغنى الشريف مجددًا: «يا سايق الغليون عدِّى القنال عدِّى وقبل ما تعدى خد مننا وادّى ده اللى فحت بحر القنال جدى». ومن كلمات فتحى قورة وبصوت فايزة أحمد يصرخ: «بره يا مستعمر بره من كل بلاد القارة أبطال أفريقيا قالوها واسمعها لآخر مرة بره يا مستعمر بره». واستمرت رحلة الشريف عبر خمسة آلاف لحن، رحلة جسرها هو الغناء للشعب عواطفه مشاعره رزقه كفاحه هزائمه انكساراته وربما كانت أغنية «صبرنا وعبرنا» واحدة من أقرب أغنيات حرب أكتوبر لروح موسيقى الشريف الذى يحتاج لعشرات الصفحات لنقترب فقط مجرد الاقتراب من موسيقاه: «وخلى تكالك على الله وعليَّا وبالبندقية رفعنا العلم رفعنا وربك نصرنا |
05 - 06 - 2018, 12:43 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | |||
..::| مشرفة |::..
|
رد: الرجل الذي تزوج أم كلثوم 7 أيام
ربنا يبارك حياتك
|
|||
05 - 06 - 2018, 02:45 PM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
رد: الرجل الذي تزوج أم كلثوم 7 أيام
شكراً للموضوع الجميل
ربنا يفرح قلبك |
||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|