19 - 04 - 2018, 06:05 PM
|
|
|
† Admin Woman †
|
|
|
|
|
|
لذلك ينبغي على كل من يُريد أن يتبع المسيح الرب
أن يقوم بحسبة خطيرة مهمة للغاية، لأنه لن ينفع أن يسير في الطريق بدونها، وهي حساب أن كل الأشياء – ولا فرق – خسارة ونفاية مهما ما كانت، ولا يعتمد حتى على قدرته على تتميم الواجب الموضوع عليه من جهة أعمال العبادة وطقسها، ولا حتى ينظر لما هو نافع فيه وما قدمه لله من عطايا أو نذور أو حتى نفسه، ولا حتى معرفته ودراسته اللاهوتية ولا اتساع إدراكه بكل تفاصيل الكتاب المقدس التاريخية وغيرها، وكم تعب في الخدمة وبذل فيها من مجهود جبار، لذلك علينا أن ننتبه لكلام الرسول لأن فيه يكمن معنى إنكار النفس وحالة الإخلاء من الناحية العملية، لأنه كان يتحدث منذ البداية عن معرفته وتعليمه وثقافته وعمقه في الفكر وفي النهاية اعتبرها نفاية، لذلك استطاع أن يحمل الصليب للنهاية بسرور، لذلك علينا أن نركز جداً في كلماته التي كتبها كواقع اختباري يظهر فيها حالة إخلاء نفسه حاسباً كل شيء خسارة ونفاية من أجل ربح المسيح الرب:
+ لكن ما كان لي (ἅτινα وهي تعني whatever things مهما ما كانت الأشياء) ربحاً ( κέρδη مصلحة، إفادة، نافعة، أفضلية، ميزة مكتسبة، مكسب أو كسب مشروع، وتأتي بمعنى اكتسب شهرة أو سمعة حسنة gain a reputation) فهذا قد حسبته من أجل المسيح خسارة (والمعنى يحمل التفريط، أي فرط فيه ولم يعد ذو قيمة)، بل إني أحسب كل شيء أيضاً خسارة من أجل فضل معرفة المسيح يسوع ربي الذي من أجله خسرت كل الأشياء وأنا أحسبها نفاية لكي (بهدف) أربح المسيح وأُوجد فيه، وليس لي بري الذي من الناموس، بل الذي بإيمان المسيح، البرّ الذي من الله بالإيمان. (لأن غايتي) لأعرفه وقوة قيامته وشركة آلامه متشبهاً بموته. لعلي أبلغ إلى (الترجمة الأدق: على رجاء) قيامة الأموات. (فيلبي 3: 7 – 11)
إذاً هذا هو معنى إنكار النفس الذي هو الإخلاء وحساب كل شيء (مهما ما كان) خسارة بل ونفاية، وهذه الخطوة الأولية (الدرجة الأولى أو المدخل الأساسي) التي تؤهلنا لندخل في الصليب، وهي خطوة اختياريه، أقبل أو أرفض بحريتي واختياري الخاص، لأن كل واحد لو أراد أن يسير في طريق فأنه يبحث عن شروط السير فيه، ويحسب نفقة الطريق، فهل هو مستعد أن يتحمل نفقاته ليصل لغايته التي يسعى إليها بجدية، فهل معه ما يستطيع أن ينفقه ليسير ويستكمل المسيرة فيه للنهاية، أم لا يدخل فيه منذ البداية لأنه لن يستطيع أن يكمله، لأن الطريق يحتاج أن نتخلى، نفتقر، نستغني، نستعبد أنفسنا، نترك كل شيء ونحسبه بلا قيمة أو خسارة مهما ما كانت قيمته، فنتخلى عن كل ربح لنا، حاسبين كل الأشياء whatever بلا استثناء خسارة ونفاية.
+ وَمَنْ مِنْكُمْ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَ بُرْجاً لاَ يَجْلِسُ أَوَّلاً وَيَحْسِبُ النَّفَقَةَ هَلْ عِنْدَهُ مَا يَلْزَمُ لِكَمَالِهِ؟ لِئَلاَّ يَضَعَ الأَسَاسَ وَلاَ يَقْدِرَ أَنْ يُكَمِّلَ فَيَبْتَدِئَ جَمِيعُ النَّاظِرِينَ يَهْزَأُونَ بِهِ قَائِلِينَ: هَذَا الإِنْسَانُ ابْتَدَأَ يَبْنِي وَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يُكَمِّلَ. وَأَيُّ مَلِكٍ إِنْ ذَهَبَ لِمُقَاتَلَةِ مَلِكٍ آخَرَ فِي حَرْبٍ لاَ يَجْلِسُ أَوَّلاً وَيَتَشَاوَرُ: هَلْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُلاَقِيَ بِعَشَرَةِ آلاَفٍ الَّذِي يَأْتِي عَلَيْهِ بِعِشْرِينَ أَلْفاً؟ وَإِلاَّ فَمَا دَامَ ذَلِكَ بَعِيداً يُرْسِلُ سَفَارَةً وَيَسْأَلُ مَا هُوَ لِلصُّلْحِ. فَكَذَلِكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ لاَ يَتْرُكُ جَمِيعَ أَمْوَالِهِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ لِي تِلْمِيذاً. (لوقا 14: 28 – 33)
ومعنى يحسب النفقة هنا (δαπάνην dapanēn = cost, expense) يعني حساب = التَكْلِفَة؛ الثَمَن؛ الكُلْفَة أو يحسب (يقدر) التكاليف؛ حساب المَصْرُوف الفعلي؛ حساب النَفَقَة.
فحساب النفقة شيء ضروري للغاية، لأن كثيرين دخلوا الطريق وتفاجئوا بالإخلاء والصليب، فصدموا وتحولوا عن الطريق وعادوا للوراء سريعاً، والبعض توقف مكانه وتجمد وخشى أن يعود لئلا يُعير، وخشى من التقدم أيضاً من أجل الخوف والجزع من الآلام والأوجاع وترك ما يميل إليه قلبه ويحبه، فصار لحال أردأ وعاش بالرياء، والبعض وقفت اللذات الحسية والشهوات الجسدية عائقاً عظيماً بينها وبين الصليب، فطرحته عنه بعيداً، لذلك قال الرسول بوعي روحي عميق متحدثاً لأهل غلاطية قائلاً، (والكلام موجه بالطبع لكل شخص يُريد أن يتبع الرب، طائعاً وملبي دعوته):وَإِنَّمَا أَقُولُ: اسْلُكُوا بِالرُّوحِ فَلاَ تُكَمِّلُوا شَهْوَةَ الْجَسَدِ. لأَنَّ الْجَسَدَ يَشْتَهِي ضِدَّ الرُّوحِ وَالرُّوحُ ضِدَّ الْجَسَدِ، وَهَذَانِ يُقَاوِمُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، حَتَّى تَفْعَلُونَ مَا لاَ تُرِيدُونَ. وَلَكِنْ إِذَا انْقَدْتُمْ بِالرُّوحِ فَلَسْتُمْ تَحْتَ النَّامُوسِ. وَأَعْمَالُ الْجَسَدِ ظَاهِرَةٌ الَّتِي هِيَ: زِنىً، عَهَارَةٌ، نَجَاسَةٌ، دَعَارَةٌ، عِبَادَةُ الأَوْثَانِ، سِحْرٌ، عَدَاوَةٌ، خِصَامٌ، غَيْرَةٌ، سَخَطٌ، تَحَزُّبٌ، شِقَاقٌ، بِدْعَةٌ، حَسَدٌ، قَتْلٌ، سُكْرٌ، بَطَرٌ، وَأَمْثَالُ هَذِهِ الَّتِي أَسْبِقُ فَأَقُولُ لَكُمْ عَنْهَا كَمَا سَبَقْتُ فَقُلْتُ أَيْضاً: إِنَّ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ مِثْلَ هَذِهِ لاَ يَرِثُونَ مَلَكُوتَ اللهِ. وَأَمَّا ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ: مَحَبَّةٌ، فَرَحٌ، سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ، لُطْفٌ، صَلاَحٌ، إِيمَانٌ. وَدَاعَةٌ، تَعَفُّفٌ. ضِدَّ أَمْثَالِ هَذِهِ لَيْسَ نَامُوسٌ (ليس قانون). وَلَكِنَّ الَّذِينَ هُمْ لِلْمَسِيحِ قَدْ صَلَبُوا الْجَسَدَ مَعَ الأَهْوَاءِ وَالشَّهَوَاتِ. إِنْ كُنَّا نَعِيشُ بِالرُّوحِ فَلْنَسْلُكْ أَيْضاً بِحَسَبِ الرُّوحِ. (غلاطية 5: 16 – 25)
لذلك عزيزي القارئ،
بناء على ما رأينا من كلام الرب والرسول، فأنه ينبغي أن يتجرد الإنسان (بالخلع) من كل شهوة مبتعداً وهارباً منها كهروبه من الحية القاتلة، لأن اللذات أي المسرات الجسدية والحسية تقيد الإنسان بمحبة الذات، وتجعله عبداً لرغباتها الحسية فيصير جسده أداة تنفيذ، وبذلك تمنعه – بدورها – منعاً باتاً من قبول الصليب، لأن اللذات الحسية هي حالة من إثبات الذات التي هي عكس دعوة الرب نفسه: (ينكر نفسه ويحمل صليبه كل يوم ويتبعني)، فحينما ينغمس الإنسان في شهوات القلب باللذات الحسية (التي تعمل على إفساد غرائز الجسد الطبيعية) محققاً رغباته الشهوانية، يستحيل عليه أن ينكر نفسه ليدخل في طريق المشقة والتعيير والآلام المتنوعة مع المسيح، ولن يستطيع ممارسة الأعمال الروحية بنشاط، بل سيتكاسل ويتراخى ويحيا في حالة من الهُزال الروحي العظيم، لذلك يقول الرسول: أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، أَطْلُبُ إِلَيْكُمْ كَغُرَبَاءَ وَنُزَلاَءَ أَنْ تَمْتَنِعُوا عَنِ الشَّهَوَاتِ الْجَسَدِيَّةِ الَّتِي تُحَارِبُ النَّفْسَ. (1بطرس 2: 11)
وما يهمنا هنا هو أن نفهم معنى تمتنعوا عن الشهوات الجسدية:
تمتنعوا أتت في اللغة اليونانية (ἀπέχω apechó) بصيغة فعل يعني: أقْلَعَ عن، أبَى؛ أحْجَمَ عن؛ إنْتَهَى (لم يعد لهُ وجود، غير وارد التفكير فيه)؛ إنْصَرَفَ عن؛ إنْقَطَعَ (تماماً) عن؛ تَجَاوَزَ؛ تَجَنّب؛ تَحَاشَى؛ تَحَوّل عن؛ تَخَلّى عن؛ تَرَك؛ وَقّف عن؛ حَرّمَ على نَفْسِهِ؛ صامَ (عَنِ الأمْر تماماً)؛ عَزَفَتْ نَفْسُهُ عن؛ كَفّ عن؛ هَجَر؛ أهْمَل؛ تَجَاهَل.
الشهوات الجسدية (σαρκικῶν ἐπιθυμιῶν - sarkikōn epithymiōn):
وهي تحمل معنيين، المعنى الأول وهو: التحرّق؛ تحرّق إلى؛ تلهف؛ اِلْتِزَام ؛ إشْتِيَاق؛ إنْدِفاع؛ تَقَيُّدٌ بـِ؛ تَطَرُفِيّ؛ جامِح؛ مُبَالَغ فيه؛ مُتَطَرّف؛ مُغَالىً فِيه، والقصد الرغبة الجنسية القوية (كشهوة في غير محلها الطبيعي)، كما أنها تحمل أيضاً المعنى العام: الجري وراء المال بلهفة متطرفة؛ عبادة الذهب.
والشهوات الجسدية المُحددة هنا بشكل خاص (الجنس والمال) هي حرب ذات سلطان قوي مصوبة للداخل أي نحو النفس بشكل مباشر لكي تفقد رجاءها وحبها وصلتها بشخص المسيح، لذلك يقول الرسول بشكل تحذيري هام: وإنما أقول اسلكوا بالروح فلا تكملوا شهوة الجسد، لأن الجسد يشتهي ضد الروح (التي تميل بطبيعتها لخالقها) والروح ضد الجسد (غلاطية 5: 16)، لذلك بطرس الرسول أيضاً قال: أَنْ تَمْتَنِعُوا عَنِ الشَّهَوَاتِ الْجَسَدِيَّةِ الَّتِي تُحَارِبُ النَّفْسَ.
عموماً يلزمنا أن نعرف أن شهوة الجنس (المتطرفة الجامحة والمُبالغ فيها، أو الخارجة عن حدود الطبيعي أو الخارجة عن الحدود الطبيعية الشرعية) ليست وحدها فقط التي تفسد حياتنا وتعزلنا عن طريق البرّ وتمنعنا من حمل الصليب، بل أيضاً الاعتماد على الغنى نفسه كسند أساسي في الحياة الحاضرة، يعوِّق الإنسان من تبعية المسيح الرب، كما حدث مع الشاب الغني لأن قلبه كان متعلقاً بأمواله، لذلك فأنه بالرغم من حفظه للوصية المقدسة ومعرفته بها منذ صباه لكنه بسبب أمواله لم يستطع أن يُلبي الدعوة الإلهية.
لذلك ينبغي أولاً أن يتجرد الإنسان من كل غنى العالم،
وليس المعنى هنا أن يبيع كل واحد أملاكه ويذهب للدير أو ليتوحد في الصحراء، أو حتى يتخلى عن أمواله ظاهرياً، لأن من الممكن أن يكون الإنسان غنياً مادياً ويتبع المسيح الرب بإخلاص، بل التخلي المقصود هنا، هو التخلي الداخلي من جهة القلب إلى حد الوصول للتخلي الفعلي نفسه، والقصد – في الأساس – هو عدم محبة المال في ذاته، وأيضاً عدم الاتكال على شيء في هذه الحياة الحاضرة من أجل سلام النفس وراحتها الحقيقية، بل ينبغي أن يستغنى الإنسان بالمسيح عن أي شيء آخر كاستعداد نية أن يموت معه كعبد، لأن رحلتنا رحلة موت مع المسيح، أي أن أُصلب معهُ، والإنسان المستعد للموت فأن قلبه لا يتعلَّق بالأشياء التي في العالم، بل يتخلى عنها بسهولة ويُسر، لذلك قال الرسول:
لاَ تُحِبُّوا الْعَالَمَ وَلاَ الأَشْيَاءَ الَّتِي فِي الْعَالَمِ، إِنْ أَحَبَّ أَحَدٌ الْعَالَمَ فَلَيْسَتْ فِيهِ مَحَبَّةُ الآبِ. لأَنَّ كُلَّ مَا فِي الْعَالَمِ شَهْوَةَ الْجَسَدِ، وَشَهْوَةَ الْعُيُونِ، وَتَعَظُّمَ الْمَعِيشَةِ، لَيْسَ مِنَ الآبِ بَلْ مِنَ الْعَالَمِ. وَالْعَالَمُ يَمْضِي وَشَهْوَتُهُ، وَأَمَّا الَّذِي يَصْنَعُ مَشِيئَةَ اللهِ فَيَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ.
مَحَبَّةَ الْمَالِ أصْلٌ لِكُلِّ الشُّرُورِ، الَّذِي إذِ ابْتَغَاهُ قَوْمٌ ضَلُّوا عَنِ الإِيمَانِ، وَطَعَنُوا انْفُسَهُمْ بِأَوْجَاعٍ كَثِيرَةٍ؛ لِتَكُنْ سِيرَتُكُمْ خَالِيَةً مِنْ مَحَبَّةِ الْمَالِ. كُونُوا مُكْتَفِينَ بِمَا عِنْدَكُمْ، لأَنَّهُ قَالَ: «لاَ أُهْمِلُكَ وَلاَ أَتْرُكُكَ». (1يوحنا 2: 15 – 17؛ 1تيموثاوس 6: 10؛ عبرانيين 13: 5)
|