لذلك علينا أن نبحث – على كل وجه – الغرض الحقيقي من كتابة هذه المعجزة، فيوحنا الرسول في هذا الحدث العظيم لم يقصد أن يظهر قدرات شخص المسيح الرب على الإقامة من الموت، إنما الغرض الحقيقي هو أن يُظهر ما أعلنه عن ذاته، أنه هو بنفسه القيامة والحياة، أي هوَّ بنفسه وبشخصه الحياة الحقيقية للإنسان، أي أن الحياة الأبدية مشخصه فيه، وأن القيامة من الموت في حوزته وتحت سلطانه الإلهي وحده، ودليل قوة الحياة التي فيه أنه أقام لِعازر بعد أربعة أيام، أي بعد أن أنتن ولم يعد شيء في الجسد صالح إذ دخل في مرحلة التحلل والفساد التي ليس فيها أي رجاء أو إصلاح، فبكل المقاييس تستحيل قيامته وإنعاشه، وهذا دليل قاطع على أن في شخص المسيح كَانَتِ الْحَيَاةُ وَالْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ النَّاسِ (يوحنا 1: 4)
فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «أَنَا هُوَ خُبْزُ الْحَيَاةِ. مَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ فلاَ يَجُوعُ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِي فلاَ يَعْطَشُ أَبَداً؛ أَنَا هُوَ خُبْزُ الْحَيَاةِ؛ أَنَا هُوَ الْخُبْزُ الْحَيُّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ. إِنْ أَكَلَ أَحَدٌ مِنْ هَذَا الْخُبْزِ يَحْيَا إِلَى الأَبَدِ. وَالْخُبْزُ الَّذِي أَنَا أُعْطِي هُوَ جَسَدِي الَّذِي أَبْذِلُهُ مِنْ أَجْلِ حَيَاةِ الْعَالَمِ» (يوحنا 6: 35؛ 48؛ 51)
فموضوع إقامة لعازر عن جد خطير، لأنه يُظهر معنى الإيمان الحقيقي بشخص المسيح الرب لأن بنطقه الخاص قال: «أَنَا أَمْضِي وَسَتَطْلُبُونَنِي وَتَمُوتُونَ فِي خَطِيَّتِكُمْ. حَيْثُ أَمْضِي أَنَا لاَ تَقْدِرُونَ أَنْتُمْ أَنْ تَأْتُوا... فَقُلْتُ لَكُمْ إِنَّكُمْ تَمُوتُونَ فِي خَطَايَاكُمْ لأَنَّكُمْ إِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا أَنِّي أَنَا هُوَ تَمُوتُونَ فِي خَطَايَاكُمْ» (يوحنا 8: 21، 24)، وعلينا أن نربط كلام الرب هنا بما قالته مرثا: أنا أعلم أنه سيقوم في القيامة في اليوم الأخير، قال لها يسوع أنا هو (يهوه) القيامة والحياة (يوحنا 11: 24 و25)
فالقيامة والحياة يعملان فينا لو آمنا فعلاً، فالآن هو أوان السمع، الذي نسمع فيه كلمة الله ونؤمن، فنتوب ونأكل الحياة في السرّ المُعطى لنا: [من يأكل جسدي ويشرب دمي فلهُ حياة أبدية، وأنا أُقيمه في اليوم الأخير] (يوحنا 6: 54)، فيا إخوتي هذا هو سرّ خلاصنا الحقيقي والذي لنا أن نتذوق منه الآن وفي هذه اللحظات، بل ونظل كل أيام ولحظات عمرنا نتذوق ونأخذ منه بلا توقف، لأنه تيار الحياة الأبدية التي تسري فينا وتزداد كل يوم، طالما نتوب ونؤمن ونأكل لنحيا ونعيش في قوة الحياة التي تسري فينا بقوة المحبوب الذي هو رجاءنا الحي وقيامتنا كلنا.
[من ذُكصولوجية واطس من مخطوط دلاَّل حارة الروم (ق15)]
1– لفت النظر إلى أن ليس هناك سلطان للموت على الرب يسوع لأنه هو الحياة ذاتها، أي مصدرها ومُعطيها، وكل من يتقرب منه ويلتصق به تسري فيه حياته ولا يخاف الموت أو يقابله بالسواد واليأس وضعف الإيمان. 2– أن لا ننظر للمسيح المُهان والمتألم ونبكي عليه لأننا تأثرنا نفسياً بآلامه كأنه تحت سلطان الموت وضعف الآلام القاسية، ونصحح نظرتنا إلى آلامه في سلطان قوة لاهوته وعمله الخلاصي. 3– أن نرى وننظر أن الرب يسوع قادر على الإقامة من الأموات – فعلياً وواقعياً – من عمق القبر والهاوية بقوة سلطان لاهوته، وذلك لكي ندخل إلى آلامه الفصحية وموته المُحيي برجاء العبور إلى الحياة، لأن الذي يقدر على الموت لأن له سلطان الحياة يستحيل أن يمسكه الموت، لكنه ارتضى بإرادته كالتدبير أن يضع نفسه ليجتاز الموت ليُبطل قوته ويكسر شوكته إلى الأبد بسلطان لاهوته ويهبنا باسمه حياة أبدية لا تزول. 4– لقد أقام الرب لِعازر أمام التلاميذ على الأخص، وقبل الدخول في موكب الصليب وظهور اتضاعه العظيم تحت ثقل الآلام والمحاكمة الظالمة وترك نفسه ليفعل بها الناس كيفما شاءوا، ليُشدد إيمانهم لئلا يفنى أمام هذا الخزي وحمل عار الصليب، فقد جعل الرب من فرحة إقامة لعازر رجاء حاضر لعبور محنة الآلام والإهانات، وهكذا صارت إقامة لعازر مشهد مُصغر جداً لما كان الرب مُزمعاً أن يُكمله في نفسه لخلاصنا. 5– ومن الأسباب الرئيسية التي اختارت بناء عليها الكنيسة وضع هذا اليوم قبل هذا الأسبوع العظيم هو أن رؤساء كهنة اليهود والفريسيين كانوا قد قرروا قتل يسوع بعد هذه المعجزة مباشرةً، والتي فضحت زيفهم وفضَّت الجموع عنهم وجعلتهم يفقدوا شهرتهم ومجدهم المزيف والمسروق من إعطاء المجد لله لحساب ذواتهم وكبرياء قلوبهم الشريرة. وهذا يُعلمنا أن لا نكتفي بالمشاهدة وبالمعرفة والبحث والتدقيق، لأن اليهود الذين اتفقوا على قتل شخص ربنا يسوع هم علماء في الكتاب المقدس، دارسين بدقة شديدة الوصايا وأقوال وكتابات آباءهم الذين تحدثوا عن المسيا بإلهام من الله، ولكن مع كل هذه المعرفة المتسعة جداً والعميقة للغاية لم تغير قلبهم بل أثارت فيهم كل غيرة وحقد، بسبب أنها خلقت فيهم كبرياء وتعالي، وبسبب هذا الكبرياء وحده لم يعرفوا المسيا الذين انتظروه بل اضطربوا جداً وأرادوا أن يقتلوه كما نقتله ونمحو ذكراه من قلوبنا بسبب معرفتنا ودراساتنا التي تولد – أحياناً كثيرة – في بعضنا الكبرياء، فتفلت منا معرفته من جهة خبرة أنه القيامة والحياة الحقيقية.