بمعاييرنا البشرية نتعجب كيف يختار الرب رجلاً نبياً يعتقد أن هناك بقعة من الأرض يمكن أن يهرب فيها من القدير! وكيف لم يقدر كرامة الرسالة! وفوق هذا وذاك بينما يصلي البحارة الأمميون إلى الهتهم الباطلة لم نسمع منه في بداية السفر أي صلاة مع إنه يخاف الله “أنا عبراني وأنا خائف من الرب إله السماء الذي صنع البحر والبر” (يون ٩:١) . يا لعظم تحننك يا رب وأنت تختار وتعمل بآنيتنا الخزفية لا لبر فينا ولكن على سبيل النعمة المجانية.
لقد أراد الرب أن يشفي في يونان علة فتور الصلاة وعدم تقديرها فضيق عليه في عمق البحار ليعيد إليه حرارة وعمق احتياجه لشخص الله الذي بدونه يظلم العقل وتقترب النفس من الموت ولا سبيل إلا اليد المرفوعة نحو الله والقلب المتضرع بحرارة كصرخة القديس بطرس التي قالها للرب يسوع وهو يغرق في الماء “يا رب نجنى” (مت ٣٠ : ١٤).
لقد تعلم النبى فى جوف الحوت الدرس جيداً، آه كيف لم أصرخ إلى إلهى وأنا على ظهر السفينة. وها هو الآن قد مال به النهار واكتنفته ظلمة جوف الحوت وليس أمامه من مخرج من هذا العمق إلا عمق الله فاستجمع كل مشاعره وحواسه وفكره المضطرب ووقف بهم أمام الله مصلياً “حين أعيت فىَّ نفسي ذكرت الرب فجاءت إليك صلاتي إلى هيكل قدسك” ذلك النبى الذي لم نسمعه يصلي قبلاً قدم صلاة تلهم كل من يريد حرارة ودموعاً في صلاته فقد تلامست روحه مع شخص الرب بلا عوائق ولا فواصل وهذا هو ملء قوة الصلاة، بسيطة وتلقائية وخارجة من قلب صادق فتدخل بنا للتو إلى احضان الله فما أجملك ايتها الصلاة التي تملك مفاتيح السماء وما أغناك ايتها النفس التي تؤمن بوعده الصادق “كل ما تطلبونه فى الصلاة مؤمنين تنالونه” ( مت ٢٢ : ٢١).