رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مريم النبية «هرون وموسى ومريم اختهما»مقدمة ما أبدع وصف صموئيل رزرفورد للنفس البشرية حين قال : «يا للألم!! يا للموت!! يا للمأساة!! حين تطوح بي نفسي وشهواتي ومسرتي ومباهجي بعيدًا عن ربي وإلهي وملكي وفادي ومخلصي!!.. بعيدًا عن فيض نعمته وعذوبة محبتة...! ياللأسف بل يا للخزي والضعة!! هذا المخلوق المفجع! هذا الصنم المخيف «نفسي» هو المعبود الذي ننحني أمامه جميعًا.. ما الذي أغرى حواء على أكل الثمرة المحرمة إلا هذا الشيء المفزع «نفسها»؟ وما الذي حدا بقايين ليقتل أخاه الوادع إلا «نفسه» الوحشية التي لم تروض؟ وما الذي أغرق العالم قديمًا بالطوفان إلا «نفوسهم» الجامحة الشريرة؟ وما الذي أسقط داود في خطيته الشنيعة الا شهوة «النفس» ودفعته بعد ذلك إلى الكذب، فالخداع فقتل أوريا للتستر على «النفس» والحرص على كرامة «النفس» ما الذي جعل بطرس ينكر مولاه؟ أليس هو تخوف النفس؟ وما الذي هوى بيهوذا لبيع سيده بثلاثين من الفضة؟ أليست هي وضاعة النفس؟ لم أدار ديماس ظهره لبولس والإنجيل وأحب العالم الحاضر وذهب إلى تسالونيكي؟ أليس هو حب الذات وغرور «النفس»؟ كل إنسان ينوح على خطاياه ويلوم الشيطان عليها ولكن الشيطان الأكبر، الشيطان الذي يستقر في أعماق النفس البشرية يلهو ويستمتع ويشتهي ويتسلط ويستعبد ويدمر هو ذلك الصنم المريع «النفس»!!..«نفسي! ياللرعب! أنا خائف من نفسي وقلبي أكثر من البابا وكل كرادلته معا، أنا أحمل بين أضالعي وفي قلبي البابا الأعظم «نفسي!» هكذا صاح لوثر ومن قبله صاح إرميا: «القلب أخدع من كل شيء وهو نجيس من يعرفه!!» وصاح بولس «ويحي أنا الإنسان الشقي من ينقذني من جسد هذا الموت!!». كانت مريم النبية أولى مريمات الكتاب والأم الأولى فى إسرائيل فتاة رائعة حلوة جميلة فتاة بلغت مرتبة الزعامة والقيادة في شعبها وضعها الله جنبًا إلى جنب مع أخويها «أرسلت أمامك موسى وهرون ومريم». كانت فتاة كالطود الشامخ، امتد اسمها وارتفع ودوى وذلك لأنها أفنت نفسها وعاشت لغيرها ولفظت من حياتها تلك الكلمة البغيضة «أنا» على أنها، يا للاسف لم تستطع هذا إلى النهاية وفشلت في معركة النفس وهي على أبواب النصر ساعة التداني من الموت فحمل التاريخ لنا صورة محزنة لمريم البرصاء صورة الغيمة تأتي ساعة الغروب فتبدد ذلك الجمال الأخاذ الذي يبدو مع أضواء الغسق المتكسرة التي توشك أن تضيع وراء الأفق. مريم : من هي؟! مريم هي الأخت الكبرى لموسى وهرون كانت غالبًا في العاشرة من العمر يوم ولد موسى وقد بدت في هذه السن الباكرة آية في الذكاء وقوة الإدراك تقف لتراقب أخاها الصغير ولكن من على بعد حتى لا تثير حولها وحوله الشكوك، وما أن تفتح ابنة فرعون سفط البردي تدعو لها مرضعة عبرانية، هذه بداءات عقلها الفذ، العقل الذي أضحى فيما بعد قوة هائلة في توجيه إسرائيل. إني أحس أن موسى أخذ منها الكثير، وانه انتفع بنصائحها وإرشاداتها إلى حد بعيد، وأحس أن هرون - وقد بدا هذا يوم الكوشية على وجه أدق - كان بين يديها بمثابة الطفل الصغير بين يدي مربيته الكبرى... وهي أيضًا الفتاة العامرة بالإيمان، الفتاة التي آمنت بإلهها وشعبها وأخيها، ولهذا عاشت لإلهها وشعبها وأخيها، وكرست كل قواها في سبيل هذا الالة والشعب والأخ،. وقد عن للبعض أن يسأل لم لم تتزوج مريم؟ ومن المرجح أنها كانت على حظ وفير من الجمال، وأن كثيرين من الإسرائيلين والمصريين من كان يعد الزواج بمريم امتياز كبيرا، ولكن فتاة إسرائيل العظيمة لم تخلق لتكون زوجة تهدهد طفلاً، وتحتضن آخر، وتغني لهما أغنية المساء. كلا ما عاشت لتخضع لتلك الغرائز الأصيلة في نفس المرأة، التي تجد مسرتها في بيت رجل وولد، لقد اتسع قلب مريم واتسع وامتد. لقد تزوجت شعبًا بأكمله، شعبًا أحبته واحتضنته وعاشت له، فزعت وبكت لآلامه، وغنت وترنمت لأفراحه ومسراته، وهتفت له ورقصت يوم النصرة والمجد. هي بعض أولئك النساء اللواتي انصرفن عن مباهج المرأة والحياة الزوجية وعشن مكافحات في سبيل غرض عظيم، أو مبدأ سام، هي الأم الأولى للمرسلات العظيمات اللواتي عشن وما يزلن إلى اليوم لله ولكنيسته. ولقد منحها الله موهبة النبوة، يهبط عليها الإعلان السماوي في صور إيحاء قوى عميق، أو يتسلل إليها عند وقوع سبات على الناس، فتستمتع إلى صوت الله لتقدمه للشعب في لغة نصيحة، أو تحذير، أو تذكير، أو عظة...هذه هي مريم الفتاة التي كان وجودها عنصرًا هامًا ماسًا في تحرير شعب الله وخروجه. الفتاة التي سارت معه حانية عليه في طريق الظلمة، والنور والكفاح والحرية. الفتاة التي اندفعت معه ودافعته حتى بلغت به مع أخويها مشارف أرض كنعان الموعودة، لذلك لا عجب أن وقف الشعب أسبوعًا كاملاً ينتظر في حزن وألم أو بتها وعودتها لما ضربت بالبرص يوم خطيتها الكبرى. مواقف مريم أما مواقفها البارزة فأكاد أراها ثلاثية على التوالي والترتيب التاريخي الآتي : مريم الحارسة لأخيها : مريم المرنمة مع أخيها : مريم الحاسدة لأخيها.مريم الحارسة لأخيها وكان هذا كما أسلفنا في مطلع حياتها ولم تزل الفتاة غضة صغيرة يافعة، ولد موسى أخوها، وكان - كما وصفه استفانوس - جميلاً جدًا. ويوسيفوس المؤرخ اليهودي يذكر أن جماله كان رائعًا فتانا مذهلاً فما من إنسان رآه طفلاً محمولاً على الأكتاف أو صبيًا يسير في طريق ما، إلا ووقف مأخوذا بهذا الجمال العجيب البارع. ومن ثم ثارت في يوكابد في عنف غريزتها كأم فأبت - دون خوف أو خشية أو تردد - أن تسلم ولدها للموت طعمة الأسماك والتماسيح في مياه النيل. بل أن هذا الجمال الغريب الرائع الفريد أوحى إليها أن وراءه شيئًا سماويًا إلهيًا قدسيًا، وراءه رسالة ما لشعب الله التعس المعذب. لذلك خبأته ثلاثة أشهر ولما لم يمكنها أن تخبئه أكثر من ذلك، أخذت له سفطاً من البردي وطلته بالقار والحمر ووضعت الولد فيه، ووضعته بين الحلفاء على حافة النهر، ووقفت أخته من بعيد لتعرف ماذا يحدث له. وكم يتحرك قلبي وأنا أرقب هذه الفتاة بجوار أخيها وأستمع في الحين نفسه إلى كلمات الكسندر هوايت يناديها : «أي مريم! أيتها الفتاة الصغيرة! راقبي جيدًا واحرسي الأخ الصغير ولا تدعي عينيك تلهوان هنا وهناك فإنك لا تعلمين من تحرسين وأي كنز تراقبين؟ في هذا السفط الصغير كنزا من أثمن ما عرفت مصر من ذخائر وكنوز. في هذا السفط الصغير بطل من أبطال التاريخ والأجيال الخالدين على مر القرون في هذا السفط الصغير ترقد الشريعة والأنبياء والمدنية والحضارة... أي مريم : أحسني أداء واجبك العظيم؟ ولقد أحسنت مريم أداء هذا الواجب ووقفت فيه إلى أبعد مما نظن أن نحلم، إذ حرست أخاها، لا على شاطيء النيل فحسب، بل وفي بيتها القديم أيضًا حيث اشتركت مع أبويها في تهيئة طفولته وتربية إيمانه تربية لم تستطع مصر معها بكل ما فيها من قوة وإغراء وسلطان أن تضلله وتمحوه... لاشك أن كثيرين حين يسمعون القول : «بالإيمان موسى لما كبر أبى أن يدعى ابن ابنة فرعون مفضلاً بالأحرى أن يذل مع شعب الله على أن يكون له تمتع وقتي بالخطية حاسبًا عار المسيح غنى أعظم من خزائن مصر» يصفقون للرجل العظيم الذي أدار ظهره للتجربة التالية لتجربة ابن الإنسان... أما أنا ففي ميل كبير مع ذلك إلى أن أصفق لمريم والأثر الذي تركته مريم في نفس أخيها حتى أقر بشجاعة وعظمة ونبل هذا القرار الكريم.ما أقدر ما تستطيعه الأخوات حين تقف كل واحدة لتحرس أخاها الصغير، وتطوقه بحنانها وحبها وأخوتها، ما أجملهن إذ يقفن وراء الستار منكرات ذواتهن، يتعبن ويتألمن ليدفعن بأخوتهن إلى البطولة والمجد والخلود. كان سير هر العالم الكبير يدين بكل ما في حياته لأخته كارولين، ولقد كرست كل قواها لتوقظ فيه العلم والبحث والعبقرية... وهل ينسى الناس من الوجهة البشرية الخالصة أثر هنريت في رينان وأليصابات في نيتشه؟ أيتها الأخت العظيمة المؤمنة : من يعلم ماذا تقدمين لله وللإنسان، وأنت ترعين أخاك الصغير؟ من يعلم أنك قد تحرسين - وأنت لا تدرين - ملكًا أو نبيًا أو عظيمًا أو بطلاً من أبطال التاريخ وأفذاذه؟ حين يسألك الله أيتها الأخت عن أخيك ماذا تقولين؟ أتفقين أمامه بالدم والدموع والعرق والجهاد وتمدين يديك النبيلتين المخضبتين بروعة التضحية وعظمتها وتقولين : هذا ما فعلته من أجل أخى؟ أم تجيبين إجابة ذلك الأخ الأول الذي ضيع أخاه وأراده قتيلاً ثم صاح : أحارس أنا لأخي؟ مريم المرنمة مع أخيها انحنى موسى مع شعب الله في روح الولاء وعرفان الجميل، وغنى أغنية العظيمة على شاطيء البحر الأحمر غداة العبور، الترنيمة التي اعترف أكبر النقاد وباحثي الكتاب أن شعرها بلغ ذروة الفن الرفيع. ولعلنا لو سألنا موسى كيف بلغ بها هذا الحد من الروعة والإبداع، لأجابنا إجابة هايدن الموسيقار العظيم والملحن المبدع الذي قال حين استفروه عن سر ما في موسيقاه من روعة وترانيمه من سحر وعذوبة: «أذكر الله فقط إلهي وسيدي وملكي العطوف فيرقص اللحن أمامي قبل أن توقعه أناملي وتعزفه موسيقاي» أجل كان موسى مأخوذا بحنان الله وعطفه ورعايته، ففاض بهذه الأغنية الخالدة. على أن ترنيمته اكتسبت جمالاً أروع وأنصع بالدور الذي لعبته مريم، أذ خرجت مع بنات إسرائيل وأنشأن أكبر جوقة عرفها التاريخ وأجبن الرجال بالرقص والدفوف والغناء : «الفرس وراكبه طرحهما في البحر» وهنا تقف مريم أما لذوات الأصوات الساحرة والأغاني الشجية في كنيسة الله بل تقف أماً لعازفات الموسيقى في التاريخ. ولو أن أوغسطينوس وتايلور ومن على غرارهما الذين لم يتحمسوا للموسيقى في العبادة وقفوا في ذلك اليوم على شاطيء البحر الأحمر وأبصروا موسي ومريم يغنيان، لو أنهم تأملوا ذلك المنظر البهيج إذن لغيروا رأيهم ونزلوا عن عقيدتهم، كان لوثر يؤمن أن الموسيقى أجمل هبات الله وأروعها، وكان يطلب من الملوك، والأمراء، والسادة العظام، أن يولوها أكمل عناية وأجل تقدير. فهي في نظره تهذب وتعلم وتسمو بالناس فتجعلهم كثر لطفا ورقة وأدبًا ودعة وتعقلاً. كانت الموسيقى عنده تأخذ المكان التالي للاهوت.من المحزن أن تتلوث الآلات الموسيقية بهذه الألحان الدنسة الآثمة، ومن المؤسف حقاً أن يتحول هذا الفن المقدس إلى ما نرى من القذارة والدعارة والنجاسة في الأماكن المفسدة. من لنا بمريم التي تغني للرب وللرب وحده، وترقص أمام الرب وأمام الرب وحده؟ من سنين عديدة من مدينة لندن وفي حفل دعى إليه عدد كبير من علية القوم وواعظ مشهور في تلك الأيام اسمه قيصر ميلان.. غنت فتاة موهوبة الصوت فملكت على المدعوين كل مشاعرهم.. فدنا منها ميلان، وقد أخذ بصوتها الساحر، وقال : «أي أيتها الفتاة! كم تخدمين المسيح لو كرست هذا الصوت العذب لأغانيه وترانيمه!» غير أن الفتاة اشمأزت منه وقالت : «كيف تطلب مني أيها السيد مثل هذا الطلب؟» فأجابها «معذرة يا فتاتي : ولكني أظن أن المسيح يستحق أجمل ما فينا وأجل ما نملك من هبات» وتركها ومضى... ذهبت الفتاة إلى دارها وارتمت في فراشها لتنام، ولكنها لم تستطع، فان وجه الواعظ التقى كان ما يزال مرتسمًا أمام عينيها وصوته المؤثر ما يزال يرن في أذنيها ويدوي في أعماق قلبها. حاولت عبثًا أن تقصي فكرها عنه ولكنها لم تتمكن. وبعد صراع عميق مرير نهضت قبيل الفجر وكتبت أغنيتها العظيمة المعروفة واتلي مطلعها : كمـــــا أنــــا أتـــي إلى فاد الورى مستعجلاً إذ قلت نحوي أقبـــلا يا حمل الله الوديع أنتم لاشك عرفتم من هذه الفتاة! انها شارلوت أليوت التي كرست صوتها الذهبي للمسيح ولقد حاول العالم مراراً متعددة أن يغريها بشجاعة : «إن الصوت الذي كرس للمسيح محال أن يتلوث بعد اليوم بأغاني العالم الفاسدة الشريرة». مريم الحاسدة لأخيها ... ولكن كيف تسقط مريم في هذه الخطية!؟ مريم التي أحبت موسى، وأعجبت بموسى، وعاشت لموسى كيف تنقلب عليه وتغار منه؟ وكيف تتآمر مع أخيها ضده؟ ما سر هذا التحول المخيف والتبدل المحزن؟ تزوج موسى بامرأة كوشيه وليس المجال هنا مجال الحكم عليه أو له، أأخطأ أم أصاب! إنما يعنينا أمر واحد، أن وازن القلوب وكاشف الأسرار أبصر تيارا أسود يندفع في قلب مريم، عاطفة غير كريمة تتمشى في نفسها.. شعور الغيرة والحسد إزاء هذا الدخيل الذي جاء به موسى ليقطن في بيته، إنها امرأة أخرى تقاسمها موسى وحب موسى وانتباه موسى. وهل تطيق مريم هذا؟ كانت مريم أخت موسى، وأمه، وابنته، وصديقته، ومشيرته، كانت له كل شيء. فمن ذا الذي يجرؤ أن يغتصب منها شعورها أو بعض شعورها نحوه.. الكوشية؟ كلا وألف كلا! وصرخت مريم في سريرتها بدموع : لا يا موسى لا يا أخي لا يا ولدي لا يا أبي.. ليس لي سواك أجعلني كخاتم على ساعدك لأن المحبة قوية كالموت، الغيرة قاسية كالهاوية، لهيبها لهيب نار لظى الرب.ثارت مريم على أخيها، وأثارت معها الأخ الوادع الطيب القلب هرون. وأبرز ضعفات هرون اندفاعه وعدم صلابته وصموده. اندفع يومًا ما أمام الجماهير الحانقة المغضبة فصنع لها عجلاً. واندفع هنا تحت تأثير مريم الغيورة الحاسدة وتآمر الاثنان على إسقاط موسى : يا للرعب من يصدق هذا؟ إن موسى يهاجمه أعز أحبائه في الوجود.. ولكن هو الحسد، هو تلك العاطفة التي تنبع من أنانيتنا وكبريائنا. تلك العاطفة التي لا تستريح لارتفاع الآخرين وسموهم عنا، تلك العاطفة التي تعمي نظراتنا فنرى القبح في موطن الجمال، وتدنس مشاعرنا فلا تلفظ قلوبنا إلا الحقد والمقت والكراهية، وتدمر إرادتنا الصالحة فنحطم وتتحطم مع الآخرين. في صورة لمصور مشهور عنوانها «الحسد» نرى الفنان في قدرته الفائقة يصور العواطف التي تجتاح الحسود والنوازع التي تفيض منه ونوع الحياة التي يحياها في صورة رجل يقف في وضع جانبي كتفاه مرتخيتان، فمه تخرج منه أفعى تلسع جبهته، يداه في صورة مخالب مريعة، رجلاه يشع منهما لهيب متقد، ما أقدرها من صورة في تصوير نفسية الحسود، الشخص الذي يعيش في جو من الضيق والاضطراب فيفقد صفاء العينين وبراءة النظرة. تسرع أذناه إلى التقاط أي همس ينال من المحسود ويفيض فمه بالإشاعات والاختلاقات والتعريض واللمز بل ينفث سما زعافًا من الإيذاء والتجريح كما أن يديه تمتدان للفتك والقضاء ما استطاعتا إلى ذلك سبيلاً. أما اللهب المنبعث من رجليه فهو صورة للنار التي تأكل جسمه وتجعل حياته أتوانًا من العذاب. أن أفجع مآسي التاريخ جاءت وليدة الحسد، من قتل هابيل، وشرد يوسف، وطارد داود، وذبح قيصر، ونفى شيشرون، وخلع عيني بليساريوس، وسجن كولمبس؟ بل من صلب ابن الله؟ إنه الحسد. ثارت مريم على أخيها، ورامت أن تسقطه تحت نوازع الأنانية والحسد.. ووقف الشعب ينتظر القائدة البائسة أسبوعًا كاملاً، ولندع هوايت يصف أيامها الأخيرة : «لم تعش مريم بعد هذا الأسبوع، لقد انتهت حياتها العظيمة، ما قضت عليها الشيخوخة أو ضربة البرص، لقد ماتت مريم كسيرة القلب وما استطاع هرون بتقدماته وذبائحه وعطره وبخوره، أن يعيد إليها شيئًا من معنى الحياة، وموسى بكل حلمه وعطفه وحبه وحنانه وثقته ما استطاع أن يجبر قلبها الكسير، ولقد جاهد ابنا موسى وجاهدت الكوشية وجاهدت بنات إسرائيل أن يردوا شيئًا من العزاء إلى عينيها الساهمتين الحزينتين، فما استطاعوا.. لم تعد مريم لتشترك مع الشعب بعد ذلك اليوم في مسراته ولهوه، ومتاعه ورقصه، وهتافاته. لقد أضحى كل هذا قصة الماضي والأمس المدبر. ورقدت مريم في قادش في برية صين إلى أن تستيقظ يومًا مع أخيها وشعبها وقديسي الله، وتمسك بدفها وقيثارتها لتغني أغنية موسى والخروف وتصيح : «من مثلك بين الآلهة يارب، من مثلك معتزًا في القداسة مخوفًا بالتسابيح، صانعًا عجائب». |
06 - 07 - 2012, 04:39 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
رد: مريم النبية
ميرسى كتير للمشاركه الرائعه
ربنا يعوض تعب محبتك |
||||
06 - 07 - 2012, 05:42 PM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
..::| الاشراف العام |::..
|
رد: مريم النبية
|
||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
مريم النبية أخت موسى وهارون |
صورة مريم النبية |
مريم النبية (أخت موسي وهارون) |
المطوبة مريم وكلمات سمعان البار وحنة النبية |
مريم النبية، أخت موسى و هرون |