رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
سألتني إحدى الأمهات ذات مرة عن الحالة الذهنية لابنها. لقد كان يعاني من بعض المشكلات، وكانت تريد أن تعرف كيف تقيس مدى تقدمه. ومعظم متاعبه كانت في طريقها إلى الانتهاء، ولكنها كانت تشعر بقلق من ناحية نموه بشكل عام. ما هي الاختبارات التي بوسعي أن أجريها له؟ وما هي مقاييس الأداء التي يمكنها أن تعرف منها حقيقة حالته الذهنية؟ قلت لها: "حدثيني عن أصدقائه". لم تفهم في البداية أهمية السؤال، لأنه بدا لها أنه سؤال "غير تقني"، غير أنه فيما كنا نناقش هذا الموضوع بدأت تتفهم الموضوع بشكل أفضل، وأدركت السبب في أن هذه ناحية مهمة يتوجب فحصها. فالصداقات التي يكونها الطفل لها أهمية أكبر من مجرد أنها تعطي فكرة عن مهاراته الاجتماعية. ذلك أنها مؤشر على مدى سلامته من الناحية الروحية، والذهنية، والعاطفية مرحلة تكوين العلاقات: في حين أن معظم النواحي الهامة التي تتدخل في تشكيل شخصية الطفل تحدث في إطار العائلة، إلا أن تفاعل الطفل مع أصدقائه يُعد عنصراً هاماً من عناصر نموه. ذلك أن الطفل يتعلم مع أصدقائه استخدام ما يتعلمه في البيت ويضعه موضع الممارسة، ويكتسب مهارات في إقامة العلاقات في المستقبل. فالطفل من خلال أصدقائه بشكل أساسي، يدعم قدرته على تكوين علاقات مع الآخرين. وإنه لمن المهم أن يتناغم الوالدان مع قدرة الطفل على تكوين الصداقات والمحافظة عليها سواء كان ذلك في عالم اللعب أو في المدرسة، وبهذا الصدد، أتذكر حدثاً في حياة ابن إحدى صديقاتي، كان له تأثير في تغيير مجرى حياته. فالطفل "تيم" كان له صديق يلعب معه بعد المدرسة، وسرعان ما سمعت صديقتي ابنها يقول بصوت عال جداً، بدا أنه عدواني بأنه لا يعمل إلا ما يروق له. واستطاعت أن تخمن أنه لا يريد أن يشرك الطفل الآخر في اختيار نوعية اللعبة التي يلعبانها. في البداية، أرادت أن تقوم بدور الحكم، لكنها تراجعت عن ذلك، لتعرف ما الذي سيحدث. وبعد فترة قليلة، هدأت الأمور. وتوجهت إلى الفناء الخلفي، ولكنها وجدت ابنها وحده. سألته قائلة: "أين جيسون"؟ رد عليها ابنها: "لقد عاد إلى بيته". واصلت سؤالها: "لماذا، يبدو أن الوقت مبكر لعودته"؟ قال ابنها: "لا أعرف، لقد انصرف وحسب". لكنها كانت تعرف أكثر مما بدا له. سألته: "هل انصرف جيسون لأنك يا تيم لم تسمح له بمشاركتك في اختيار اللعبة التي ستلعبونها معاً؟" اعترف تيم: "اعتقد هذا". سألته: "وما هو شعورك الآن؟" رد بشكل غير مقنع: "إني على ما يرام". قالت له: "إني ذاهبة إلى المطبخ، ولكني أريدك أن تجلس هنا وتفكر في أمر سأقوله لك. بوسعك دائماً أن تحاول عمل ما يروق لك إذا أردت ذلك، وسوف تفعل ذلك مرات كثيرة. غير أن الذي سيحدث هو أنك لن تجد أحداً يشاركك فيما تريد أنت أن تعمله. فما من أحد يريد أن يكون في صحبة شخص يرفض المشاركة ويصر على فرض رأيه. فإذا كنت لا ترغب في اللعب وحدك، عليك إذاً أن تفكر كيف تعطي الأولاد الآخرين فرصة المشاركة أيضاً في اتخاذ القرارات". لقد أدركت هذه الأم أن قدرة تيم على تكوين علاقات مع أولاد آخرين في حاجة إلى تعديل. ووقت اللعب هذا أتاح لها فرصة للتدخل. ولقد استطاعت أن تغير تيم. وأدرك أنه إذا كان يريد أن يكون له أصدقاء، عليه أن يعمل ألا يكون أنانياً. ولكن النقطة الأساسية هنا لا تتركز حول مقدرة الأطفال أن يكونوا أنانيين، بل الأهم من ذلك أن والدة تيم، اكتشفت أن نماذج ابنها المتعلقة بالصداقة، هي بداية أنماط ستلازمه طوال حياته، وأنها في حاجة إلى مراقبتها وتعديلها. ذلك أن تيم سيحتاج في حياته إلى أصدقاء، وأن مرحلة الطفولة هي الوقت الذي عليه أن يتعلم فيه كيف يكون له أصدقاء. فأم "تيم" الحكيمة دخلت عالم أصدقائه في الوقت المناسب، وشخصت المشكلة، وساعدته على النمو. عليك أن ترقبي نوعية العلاقات التي يشكلها طفلك: هل يقيم روابط مع أولاد آخرين، أم يبدى علامات على أنه يشعر أنه وحيد أو في عزلة؛ ولا غبار عليه إذا لم يكن اجتماعياً وليس له سوى أصدقاء قليلين. فهذا أسلوب راجع للشخصية أكثر مما هو مشكلة. غير أنه إذا لم تكن له أية ارتباطات هامة على الإطلاق، ويفضل دائماً أن يكون وحيداً، فهذا علامة على أنه يتعين عليك أن تولى الأمر أهمية، واكتشاف ما إذا كانت هناك مشكلة أصلاً. فما الذي يبحث طفلك عنه؟ أطفال آخرين للعب معهم ومصاحبتهم. العطف. أن يكون قادراً على إظهار نقاط ضعفه. المشاركة. روابط طويلة الأمد مع عدد قليل من الأطفال الآخرين. إظهار علامة محبة الآخرين.. لابد من وجود هذه الحدود: الصداقات تشكل أيضاً مجالات، يتعلم فيها الأطفال وضع حدود جديدة. ذلك أنه في إطار الصداقة، سيتعرض الأطفال لضغوط من أقرانهم. فقد يحاول أصدقاؤهم دفعهم إلى عمل أشياء لا يرغبون عملها، أو يعرفون أنها خاطئة. وعلى الرغم من أن هذه الضغوط قد تشكل تحدياً، إلا أنها تُعد فرصة للتعليم - لكن بشرط أن يستغلها الوالدان لتعليم أطفالهم فرض الاعتراف بحقوقهم والصمود أمام الأشياء التي لا تعد سليمة. أتذكر إحدى الأمهات التي إذ لاحظت أن ابنها لا يستطيع أن يقاوم صبياً من أبناء الجيران، حيث كان هذا الصبي كثير التهكم على الآخرين وكان دائماً يجرح مشاعرهم. كان ابنها يستسلم دائماً لهذا الطفل الآخر، وبعد ذلك يبدو كئيباً فور انتهاء اللعب معه. تحدثت هذه السيدة مع ابنها وسألته عن السبب في أنه يشعر بكآبة عقب اللعب مع الولد الآخر. اعترف ابنها أنه لا يحب حقاً ذلك الولد، ولكنه يخاف أن يعترض له على أي شيء. كانت هذه نقطة البداية للعمل معاً لوضع حدود جيدة والحفاظ عليها. وحدود المرء تتأصل في قدرته على توجيه نفسه، وبكونه لا يتأثر بالآخرين أكثر من اللازم. ومن ناحية ضغوط الأنداد والأصدقاء، يضطر الأطفال إلى التعامل مع الموضوعات المتعلقة بالحدود كل يوم. ووضع النماذج الجيدة أمر ستكون له قيمته في أثناء انتقال الطفل من مرحلة المراهقة إلى مرحلة الرشد. وما الذي نبحث عنه نحن؟! · القدرة على مقاومة ضغوط الأطفال الآخرين. · القدرة على تأكيد فكرة لنا أو رغبة، حتى لو رفض الآخرون. · توجيه الذات من ناحية معرفة ما يريده (أو تريده) وعدم السماح للآخرين أن يمنعوه من القيام بذلك. · القدرة على مواجهة السلوك المؤذي للأطفال الآخرين. في مواجهة الضغوط: وعالم الصداقات يساعد طفلك أيضاً على أن يتعلم كيف يفشل ويتعامل مع فشله، ومع نقائص الآخرين. وفي اللعب، يتعلم (هو أو هي) أن يخسر. ثمة ولد صغير أعرفه، كانت لديه عادة أن يترك لعبة البيسبول مع أولاد الجيران في كل مرة يخطئ فيها اللعب. ذلك أنه فور أي خطأ من جانبه، يخرج من اللعبة. وسرعان ما اكتشف الكبار هذا النموذج وتدخلوا، وجعلوه يبقى ويواصل اللعب حتى بعد أن يرتكب غلطة. وشيئاً فشيئاً، تعلم أن ارتكاب خطأ في اللعب لا يعني نهاية العالم، وأنه بوسعه مواصلة اللعب حتى وإن كان أداؤه لا يصل إلى درجة الكمال. ويواجه الأطفال ضغوطاً هائلة للتفوق. ومن خلال الأصدقاء، يتعلمون أنهم ليسوا مضطرين أن يكونوا كاملين، بل مجرد "جيدين بما يكفي". وإذا رأيت طفلتك تحاول التقرب من صديقات تحاولن أن تكن هن "الأفضل في كل شيء" ولذلك تجنحن إلى الإفراط في أدائهن، أو تبذلن الجهد لتكن الأفضل من أي أحد آخر، قد تكون هذه علامة تحذيرية بأن طفلتك ليست مرتاحة في أن تكون مجرد نفسها فحسب. وأحياناً يمكن أن تلمس ذلك إذا كانت طفلتك مع مجموعة تبذل ضغطاً كبيراً جداً، لتكون لديها النوعيات الصحيحة: من الأشياء، الملابس، أو أية رموز أخرى "للفتور". ومع أن الكثير من هذه الأمور يُعد طبيعياً، إلا أن هناك أوقاتاً يكون السعي فيها للوصول إلى المثالية قد تخطى الحدود. فالطفل الذي يحتاج إلى أن يعرف من هو، أو من هي، هذا في حد ذاته أمر طيب بما فيه الكفاية، والصداقة هي المكان الذي تتعلم فيه هذا. وإنه من الضروري بالنسبة لها لأن تكوّن صداقات مع أطفال "حقيقيين" يتيحون لها أن تكون نفسها. والعكس مهم أيضاً. إنه من خلال الصداقات يعرف الأطفال أن الآخرين لهم إخفاقاتهم أيضاً. وفيما يكتشف التلاميذ نقائص الآخرين، هنا يبدأون في التعود على الصبر والتعاطف. إما في حالة الطفل الذي يريد أن يكون كاملاً بشكل مفرط أو يطلب من الآخرين أن يكون على طريقة معينة، فسوف يناضل من أجل تكوين صداقات عميقة ودائمة. وينبغي على الآباء المساعدة في تعليم أطفالهم كيف يتقلبون الأطفال الآخرين بالحالة التي يكونون عليها. أشر إلى الطرق التي تبين كيف أن وجود أصدقاء لطفلك مختلفين عنه، من شأنه أن يساعده (أو يساعدها) على اكتشاف مواهب أو اهتمامات جديدة. تحدث إلى طفلك عن الإخفاق، الخسارة، والضرر. دعه يعرف أن هذه كلها جزء من الحياة. ويجب على طفلك أيضاً أن يتعلم كيف يسامح راقب مقدرته على العمل في إطار خلاف مع أطفال آخرين وكيف أنه يعتذر للآخرين، ويقبل اعتذارهم إذا لزم الأمر. مهارات ضرورية للطفل: · قبول نفسه، وقبول الأطفال الآخرين بحالتهم الراهنة. · عدم اللجوء إلى الضغوط المفرطة ليكون كاملاً أو رابط الجأش. · القدرة على المسامحة. · القدرة على الاستمرار في حالة الوقوع في خطأ دون الشعور بالإحباط. · القدرة على قبول اخفاقات الآخرين. · القدرة على مواجهة المشكلات وحلها. · الرغبة في تجربة شيء جديد على الرغم من احتمال الفشل. نحو اكتشاف النفس.. هناك أيضاً قدر كبير من اكتشاف الذات يقع من خلال الصداقات، ولا سيما حين يتعلق الموضوع بتعلم مهارات جديدة. وهناك أطفال كثيرون يكتشفون لأول مرة اهتماماً معيناً أو موهبة في الرياضة، والنواحي الأكاديمية، الرقص، الموسيقى، أو أنشطة أخرى من خلال دائرتهم الاجتماعية. وهذه هي الطريقة التي يتبعها الآخرون أيضاً. ذلك أنه من خلال المصالح المشتركة يكون الكبار صداقات، ومن خلال الصداقات نكتشف اهتمامات جديدة. وهذا الانفتاح للتعلم من الآخرين يبدأ من الطفولة. وبدونه، قد تكافح الطفلة من أجل تكوين صداقات حتى بعد أن تكبر. والمشاهدة والتعلم مع الأصدقاء يُعد أمراً هاماً لدعم الشعور "أنا أستطيع أن أتعلم" لدى الطفل. وهذا الشعور بالثقة والإثارة أكثر أهمية من إجادة المهارة الحالية. شجعي طفلتك على تكوين صداقات توسع من خبراتها، وتتيح أمامها المجال لأنشطة جديدة. المجال الاجتماعي: · اهتمام بالتعليم من الآخرين. · رغبة في الاهتمام بأنشطة الأصدقاء. · القدرة على اكتشاف مهارات جديدة مع الشعور بالإثارة. · القدرة على تنفيذ التزام قُطع لصديق ما، أو لمجموعة من الأصدقاء. والصداقة من أكثر العناصر أهمية في تنمية شخصية الطفل. والصداقات تتغير بالفعل على مدى الوقت، بدءاً من اللعب المتماثل في مرحلة الطفولة، إلى اللعب النشيط الذي يتطلب تفاعلاً في مرحلة السن المدرسي، إلى مرحلة التعمق في المجتمع في مرحلة المراهقة. لكن هذه التغييرات تشكل في مجملها جزء من العملية التعليمية. ومن المهم أن يدرك الوالدان أن الأطفال يأخذون الصداقات بجدية تامة. ذلك أنه في إطار الصداقة يتعلمون درساً من أكثر الدروس أهمية، وهو: أن الله يعمل من خلال العلاقات، وحين تسير العلاقات على خير ما يرام، يكون بوسعنا تكوين الصداقات والمحافظة عليها، والعمل على نجاحها، وهنا تكتسب الحياة صحة، وتزداد إثماراً. وصداقات طفلك تُعد من أهم الأنشطة الروحية التي ينشغل فيها(طفلاً كان أم طفلة). وعليك أن تعلّم أطفالك في وقت مبكر من حياتهم أن الأصدقاء هم هبة من السماء. وعلينا ألا نقبلها كلها كأمر مسلم به، بل نغذيها باعتبارها أعظم كنوز الأرض، وكما يقول المثل: "الصديق يحب في كل وقت. أما الأخ فللشدة يولد" (أم 17:17). وإنها لسعادة كبرى أن يكون لك أصدقاء. ولا يقتصر هدفك على مساعدة طفلك على حل مشكلات معينة على طريق الصداقة فحسب، بل لمساعدته على اكتساب المهارات اللازمة لإقامة الصداقات طوال حياته. والأطفال يحتاجون إلى مساعدتك لتعلمهم كيف يتواصلون مع الآخرين، وأن يتمسكوا بحقوقهم، وألا يجدوا غضاضة في القيام بالمخاطر رغم احتمال الفشل، وكيف يتعلمون مهارات جديدة. وإذا قاموا بعمل هذه الأشياء في وقت مبكر من صداقاتهم، سيكونون قادرين على القيام بذلك طوال حياتهم. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
كن صديقاً ولا تطمع أن يكون لك صديق |
كنت أتصور أن الحزن يمكن أن يكون صديقاً |
كنت أتصور أن الحزن يمكن أن يكون صديقاً |
إذا اختبرت إنساناً فوجدته لا يصلح أن يكون صديقاً |
يريد الله ان يكون صديقاً حميماً لك |