نقرأ في طيات الكتاب المقدس الكثير من القصص عن كيفية دعوة الرب للأنبياء والرسل، مسبباتها، معاناتها وبركاتها فندرك مدى حكمة الله لكل دعوة، كما ندرك مدى رغبة الله باتخاذنا شركاء في أعماله لنستحق الأمجاد السماوية. كما نرى جلياً محبته الفائقة لكافة خلائقه واستجابته لنداء إغاثتهم حينما يعودوا له بقلب تائب باحثين عن خلاصه.
الله يعمل يداً بيد مع الذي يدعوه حيث أخبرنا متى البشير عن فم الرب يسوع قوله: "لأن نيري هين وحملي خفيف" (متى ١١: ٣٠) فإن كنت أتقاسم حملاً ثقيلاً جداً مع شخص قوي للغاية فإن عزيمته ستزداد كلما زاد الوزن ليبقيني مرتاحاً. وبمجرد إدراكنا بأننا نتقاسم حمل خدمة معينة مع الرب فإنه شرف كبير وفخر لا يعادله فخر لأننا في هذا الفعل نسير مع الله، والذي يسير معه يصل لما وصل إليه اخنوخ. "وسار اخنوخ مع الله ولم يوجد لأن الله أخذه" (تكوين ٥: ٢٤). كما أن الذي يعمل مع الله ستربطه علاقة شراكة معه فيقترب أكثر من فهم فكره وادراك تعاملاته حينها سيشعر بفخر مقدس كالذي تحدث عنه الكتاب: " بل بهذا ليفتخرن المفتخر بأنه يفهم ويعرفني اني أنا الرب الصانع رحمة وقضاء وعدلاً في الأرض لأني بهذه أُسر يقول الرب" (ارميا ٩: ٢٤).
إن عمل الله لا يقتصر على إنجاز المهمة التي أوجدنا من أجلها بل عمله في تهيئتنا، تنقيتنا وتدريبنا على كيفية الاستماع له لأن الاستماع أهم من العمل نفسه حيث يخبرنا الكتاب: "فقال صموئيل هل مسرة الرب بالمحرقات والذبائح كما باستماع صوت الرب.هوذا الاستماع أفضل من الذبيحة والاصغاء أفضل من شحم الكباش" (١ صم ١٥: ٢٢).
هناك أنواع من الدعوات نستطيع إدراكها حينما نتأمل بطريقة تعيين الشركات للموظفين حيث أن الطريقة الشائعة هو ادراج الوظائف الشاغرة ليتم التقديم عليها من قبل المرشحين فيتم اختيار الأفضل، أما المتميزين في الجامعات فإن الشركات تذهب اليهم فتدعوهم للعمل معها، هكذا هي دعوات الرب فهي مفتوحة ومتاحة للجميع لأن الحصاد كثير والفعلة قليلون فيتقدم البعض والرب يختار، ولكنه في نفس الوقت يبحث عن الذين قلوبهم كاملة نحوه فيقوم بدعوتهم بشكل شخصي فيكون تأثيرهم واضح للكثيرين لأنهم يسرون بمخافة الرب والتقديس الذاتي والرغبة بالعمل الروحي.
إن طريقة توجيه الدعوة تختلف من إنسان إلى آخر، وسنتطرق لبعض الطرق الشائعة:
الأحلام: أعلن الله بعلامات في حلم ليوسف ابن يعقوب عن تفاصيل إرساليته وهو أن يكون متسلطاً على مصر ويسجد له الجميع ومن ضمنهم إخوته.
الرؤيا: حدثنا الرب يسوع عن طريقة رؤية الإنسان لله فقال:"الله لم يره أحد قط. الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبر" (يوحنا ١: ١٨). لذلك، الرب يسوع هو الوحيد الذي كان يظهر في العهد القديم ويكلم المختارين بهيئة ملاك الرب وهو نفسه اليوم يظهر برؤى لأشخاص ليدعوهم لخدمة معينة، الرؤيا قد تكون بالصوت والصورة أو الصوت فقط كالذي حصل مع صموئيل، وشاؤول الطرسوسي وغيرهم..
توقيت الدعوة:
قبل الولادة: الله دعا شمشون حتى قبل أن يولد. كذلك ارميا النبي، بولس الرسول ويوحنا المعمدان.
في عمر الشباب: دعا الله جدعون، داود، يوسف وغيرهم، وهم في ريعان شبابهم.
في منتصف العمر: كالذي حصل مع موسى وتلاميذ الرب يسوع.
في عمر متقدم: كالذي حصل مع ابراهيم وهو في الخامسة والسبعين.
طوبى للذي يدعوه الله بشكل شخصي ويثبت ويثمر في دعوته فيكون أخاً ليسوع ووارثاً في الملكوت وبركاته تستمر حتى بعد انتقاله من أورشليم المجاهدة.
قد تشوب الدعوة بعض التشويش وذلك بسبب وجود عدو البر الذي هدفه الوحيد إفساد سبل الله المستقيمة ولكن حتى هذه يسمح بها الله لكي يتدرب المدعو على ادراك شراسة الحرب الروحية، يجب أن تكون هناك فترة إعداد ما بين الدعوة وابتداء العمل يشعر بها المدعو بشعورين أولهما: الإعياء من كثرة التمرين. وثانيهما: الفرح للتقدم الحاصل على المستوى الروحي فيبدأ باستشعار قوة الله تعمل من خلاله فيلحظ تأثيرها الآخرين. في العهد الجديد كل المسيحيين مدعويين للعمل في حقل الرب ولكن الاستجابة ضعيفة، لنُصلي من أجل استجابة أوسع بمواصفات قديسين يساهمون في تقديم عروس مقدسة(الكنيسة)لذلك القدوس العظيم.