تخطئ النظرة اللاهوتية التي تدعو إلى الاكتفاء بالحد الأدنى من الأشياء (minimalism) والتي تريد انتقاء التعاليم والخبرات الكنسية “الأكثر أهمية ووثوقاً وارتباطاً”. فهذا طريق خاطئ وطرح غير سليم للمسألة. طبعاً، لم تكن كلّ الأنظمة التاريخية في الكنيسة لها أهمية متساوية، ولم تكن كلّ أمورها التجريبية مقدّسة. فهناك أمور كثيرة تاريخية فقط. لكننا لا نملك مقياساً خارجياً لتمييزها، لأن مناهج النقد التاريخي الخارجي لا تكفي. فمن داخل الكنيسة فقط نقد أن نميِّز التاريخي وأن نميِّز المقدَّس. من داخلها نرى ما هو “جامع” وصالح لكلّ الأجيال وما هو مجرَّد “رأي لاهوتي” أو حتى حدث تاريخي عَرَضي. فالأهم في حيا الكنيسة هو كمالها وملء جامعيَّتها. وفي هذا الملء هناك حرية أكبر ممَّا في التحديدات الشكلية التي تقدِّمها النظرة التي تريد الاكتفاء بالحد الأدنى. ففي هذه النظرة نفقد أهمّ الأشياء أي الاستقامة والكمال والجامعيَّة.
أعطى مؤرخ كنسي روسي تحديداً ناجحاً جداً للصفة الفريدة التي تتحلّى بها خبرة الكنيسة فقال إن الكنيسة لا تعطينا منهجاً، بل مفتاحاً، لا تعطينا خارطة لمدينة الله، بل طريقة لدخولها. وقد يضلّ المرء بطريقه، لأنه لا يملك خارطة، لكنه يرى كلّ الأمور مباشرة وبواقعية وبلا وسيط. أمَّا مَنْ درس الخارطة فقط فجازف بالبقاء خارجاً من دون أن يجد شيئاً.