المحبة تحتمل كل شيء
المحبة الحقيقية تحتمل كل شيء كما احتمل يعقوب الكثير من أجل محبته لراحيل ابنة خاله، فخدم خاله سبع سنوات، ثم سبع سنوات أخرى ليتزوج منها، وكانت تلك السنوات في عينيه كأيام قليلة بسبب محبته لها (تكوين 29: 20). وقد وصف يعقوب متاعب تلك السنوات بقوله: « كُنْتُ فِي النَّهَارِ يَأْكُلُنِي الْحَرُّ وَفِي اللَّيْلِ الْجَلِيدُ، وَطَارَ نَوْمِي مِنْ عَيْنَيَّ » (تكوين 31: 40).
والمحبة التي تحتمل كل شيء تفعل أمرين: (أ) تغفر الإساءة و(ب) تستر العيوب.
(أ) تغفر الإساءة وتتعايش مع المسيء: إنها كاحتمال المسيح للخاطئ وهو يقف أمام باب قلبه يقرع، حتى يسمع ويفتح (رؤيا 3: 20). فالمُعطي لا يزال يقف ويقرع، والمحتاج لا يسمع. ولكن المعطي يعرف أن المحتاج في مشكلة، وإن كان لا يدري بها، فيحتمله ويظل يقرع لينقذه مما هو فيه.
ولقد تعلم الرسول بولس من مثال المسيح، فاحتمل أهل كورنثوس وكتب لهم يقول: « بَلْ فِي كُلِّ شَيْءٍ نُظْهِرُ أَنْفُسَنَا كَخُدَّامِ اللهِ: فِي صَبْرٍ كَثِيرٍ، فِي شَدَائِدَ، فِي ضَرُورَاتٍ، فِي ضِيقَاتٍ، فِي ضَرَبَاتٍ، فِي سُجُونٍ، فِي اضْطِرَابَاتٍ، فِي أَتْعَابٍ، فِي أَسْهَارٍ، فِي أَصْوَامٍ، فِي طَهَارَةٍ، فِي عِلْمٍ، فِي أَنَاةٍ، فِي لُطْفٍ، فِي الرُّوحِ الْقُدُسِ، فِي مَحَبَّةٍ بِلاَ رِيَاءٍ » (2كورنثوس 6: 4-6).
وفي سبيل خدمة المسيح احتمل الرسول بولس شوكة الجسد التي أصابته، والتي قال عنها: « مِنْ جِهَةِ هَذَا تَضَرَّعْتُ إِلَى الرَّبِّ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ أَنْ يُفَارِقَنِي. فَقَالَ لِي: تَكْفِيكَ نِعْمَتِي، لأَنَّ قُوَّتِي فِي الضُّعْفِ تُكْمَلُ. فَبِكُلِّ سُرُورٍ أَفْتَخِرُ بِالْحَرِيِّ فِي ضَعَفَاتِي، لِكَيْ تَحِلَّ عَلَيَّ قُوَّةُ الْمَسِيحِ. لِذَلِكَ أُسَرُّ بِالضَّعَفَاتِ، وَالشَّتَائِمِ، وَالضَّرُورَاتِ، وَالاِضْطِهَادَاتِ، وَالضِّيقَاتِ، لأَجْلِ الْمَسِيحِ. لأَنِّي حِينَمَا أَنَا ضَعِيفٌ فَحِينَئِذٍ أَنَا قَوِيٌّ» (2كورنثوس 12: 8-10).
المحبة تحتمل، وقد قال المسيح: « مَنْ لاَ يَحْمِلُ صَلِيبَهُ وَيَأْتِي وَرَائِي فَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ لِي تِلْمِيذاً » (لوقا 14: 27). وقال أيضاً: « وَتَكُونُونَ مُبْغَضِينَ مِنَ الْجَمِيعِ مِنْ أَجْلِ اسْمِي. وَلَكِنِ الَّذِي يَصْبِرُ إِلَى الْمُنْتَهَى فَهَذَا يَخْلُصُ » (متى 10: 22) فالمحبة التي من الروح القدس هي التي تحتمل إلى أن يحقق لها الروح القدس ثمر احتمالها.
(ب) والمحبة التي تحتمل تستر العيوب: قال سليمان الحكيم: « الْمَحَبَّةُ تَسْتُرُ كُلَّ الذُّنُوبِ » (أمثال 10: 12) وتكررت الفكرة في قول الرسول بطرس: « الْمَحَبَّة تَسْتُرُ كَثْرَةً مِنَ الْخَطَايَا » (1بطرس 4: 8).
وقول الرسول بولس: « اَلَمحبَّة تَحْتَمِلُ كُلَّ شَيْءٍ » يعلمنا أن الذي يحب المسيح يحتمل متاعب الحياة، ويغفر إساءة الآخرين إليه ويستر عيوبهم، راضياً، لأنه يحب المسيح ويحبهم، ويريد أن يتمتع بعلاقة حلوة مع المسيح. إنه مثل الفنان الذي يحتمل الكثير في سبيل فنه، ويقف أمام لوحته ساعات طويلة، ويحرم نفسه من مسرات متنوعة لأنه يحب الفن!