نعم يا امى .... انهم لا ينظرون للخارج
أخواتي
أتذكر قديما ..منذ سنوات عديدة
كيف كان الغيظ يتملكني عندما كانت والدتي ترفض طلبي بشراء رداء جديد
أو حذاء بكعب عالي أو حتى عمل تصفيفه جديدة لشعري مثل باقيزميلاتي
فكانت تجيبني بحزم: لن ينتبه احد فيما بعد لما كنت ترتدينه وأنت صبية ،
لن يهتم أحد ما إذا كان شعرك مفرود أو مجعد
بل سيأتي يوم ينتبهون فيه إلى ما حصلت عليه من شهادات ومؤهلات
سينتبهون إلى فكرك ومركزك في المجتمع
وقتها لم يكن ليقنعني هذا الحديث..
فأنني أتذكر كم كان كل ما بىينطق : ولما يجب على أن أكون الفتاه الوحيدة بالمدرسة التي تحمل شعر قصير غير مفرود و بنطال لا يتغير وقميص يشبه قمصان والدي؟؟؟
ثم اهمس بضيق مرددة في نفسي:ألا ترى أمي ماذا ترتدين زميلاتي؟؟؟
وفى اليوم التالي أعود إليها في محاولة ثانيه وأمل جديد : أمي...لا أريد حذاء ولا رداء...
ولكنى فقط أريد أن أطيل شعري أو اعمل تصفيفه جديدة
فتجيبني بهدوء :ابنتي من سيهتم بك.. سيهتم لأجلك أنت
لا ............لأجل شعرك أو ردائك أو حذائك
هذا الشعر المجعد الذي لا يروقك....أراه أنا خواتم ذهبية تسدل على وجهك الأبيض الجميل فتزيده إنارةً وبريقاً
ومثلما أنا رأيته هكذا سيأتي من يراه مثلى
ولكن كل ما عليك الآن ...أن تحصلي على ما يليق بعقلك وليس بجسدك
أخواتي
تذكرت هذا الحديث وأنا أشاهد هذا الفيديو لفتاة المطعم
فتاة مطعم بسيطة
ترتدي نظارة طبية وسروال واسع
تذهب لشاب من رواد المطعم تسأله إن أمكن أن تجلس معه وتذهب برفقته ليريها معالم البلد حيث إنها غريبة عن البلد
بينما هو ينظر لها مستهتراً بها وبطلبها ويجيبها بانشغاله وعدم وجود متسع من الوقت
ثم يظهر في الفيديو ...نفس الفتاة وهى تنزع شريطة شعرها وتنزع نظارتها وترتدي سروال ضيق وتذهب لذات الفتى وبنفس الطلب .....تتقدم
لكن الغريب هو............ اختلاف رد الفعل
فالفتى الذي كان يرفض النظر حتى للفتاة يقوم بنفسه ليساعدها في تقديم الطلبات وعلى ثغره ابتسامة انتصار وكأنه عنترة زمانه
أخذت أضحك وأبتسم وأنا أتذكر كلمات أمي وأتمتم :يا أمي انه لم يسال عن فكرها ولا قلبها ولا شهادتها ...بل انه حتى لم ينتبه لوجهها
كل ما لفت انتباهه شعرها المفرود الطويل وسروالها الحديث وحذائها الملفت ذو الطنين الرنان
ثم ابتسمت بسخرية :لك الحق يا أمي أنهم لا ينظرون للخارج
وبمناسبة الداخل والخارج
اخواتى
سأ أخذكم معى الى راجى
راجي الشاب الحاصل على ليسانس الحقوق بتقدير امتياز ومن ثم حصل على الماجستير
وبينما الجميع يتوقع مستقبل مبهر له .وحصوله على الدكتوراه
وجد نفسه لا يرغب سوى أن يكون نفسه
كان ينطق : أنا لا أريد ان أكون سوى أنا
فحمل حقيبته وذهب لأحد الأديرة ليطلب أن يقيم به كعامل وليس كراهب
وعبثا حاول رئيس الدير أن يثنيه عن طلبه وخاصة وهو يعلم مركزه ومقام أسرته
ولكن راجي كان يرفض :لا أريد أن أكون سوى أنا
بدا الطلب غريب في البدء لرئيس الدير
ولكن تصميم راجي جعل رئيس الدير يوافقه واسند له مهمة إعداد الطعام والشراب
وابتدأ راجي يقوم بعمله كعامل صباحاً
وليلا يبدأ رحلته في الصلاة والقراءات والتفاسير
وصار منظره مألوفا عند الرهبان والآباء
ومر الوقت
وأصبح الفتى مثار أعجاب العمال واحترام الآباء والرهبان
ورغم تعرضه للكثير من المواقف المحرجة
تارة يجد من يضع في جيبه بعض المال, وتارة يجد من يعطيه طعام في يديه
وتارة يجد من يوبخه
ولكنه كان يقابل كل ذلك بحب
وذات يوم أخذ الشيطان يتجسد بإشكال مختلفة
ويسأله: كيف رضيت لنفسك بمثل هذا الظلم أيها الأستاذ الكبير؟ كيف وافقت على تلك الإهانة ؟؟
كيف تحولت لهذا العامل الذي يلقىُ له بقطعه خبز أو فتات متبقية؟؟
ولكن بمجرد نهوض راضى قام برشم علامة الصليب وهمس هذا ما أريده
(أن أكون كما أنا)
بلا مركز بلا منصب بلا تقدير
أريد أن أقدم نفسي كما هي
واستمر الشاب على نفس المنوال حتى أصبح عمره 42 عام
وذات يوم مر على قلاية الأب اكسيوس رئيس الدير
وهمس ببعض الكلمات في إذنه بينما هو مع ضيوفه
على أثرها أمر الأب الكبير أن يقوم عامل أخر بأعمال راجي
وترك ضيوفه وأسرع خلفه
ليجده متنحياً وتاركاً ورقه يخبر الجميع بمحبته لهم ويشكرهم على تركهم له ليكون نفسه
ونال ما تستحقه نفسه
دفن تحت مذبح الكنيسة في مدافن الآباء الرهبان
ونوح علية الرهبان أكثر مما نوح على بعضهم البعض
أخواتي
قديماً كنت أعاتب أمي لمنعي من أن اهتم بزينتي الخارجية فيكفيني ما في داخلي
واليوم وجدت نفسي أسير على ذات الوتيرة ونفس الخطى
أمرت قلمي أن يكتب أفكاري
فأفكاري هي ما تهم الآخرين وليست صوري
نعم يا أمي............... لقد فعلت مثلك
خاطبت عقول................. لا أجساد
خاطبت الداخل................ لا الخارج
خاطبت الفكر والقلب ...................لا الوجه والشعر
الله يعطينا قلوب ترى ما بالداخل