2 - ملامح وعلامات الطريق:
ولو نظرنا في الكتاب المقدس نظرة سريعة فأننا سنلاحظ دائماً مبادرة الله في الدعوة والنداء على الإنسان، ففي دعوة الله لإبراهيم لم يذكر كيف سمع إبراهيم صوت الله أو بأي صورة أو شكل أو كيفية ظهور الله لهُ قائلاً: أذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التي أريك (تكوين 21: 1)، فكل ما عرفناه وفهمناه هو الدعوة التي دًعيَّ إليها إبراهيم، أما سماع صوت الله وكيفيته لم نعرف عنه شيئاً، لأن هذا اسمه سرّ لقاء الله مع الإنسان، وهذا السرّ لا يُشرح او يُكتب لكنه يظل يُختبر من جيل لجيل بأشكال مختلفة فردية كثيرة متنوعة، وهذه هي خبرة النفس على مستوى السرّ مع الله الحي الشاهد لنفسه والمُعلن لذاته، فهي ترى ما لا يُمكن ان يُرى بصوة إعلان خاص بمبادرة الله، وتسمع الدعوة الخاصة بها من فم الله الحي بطريقة ما، ثم يُترك لها الحرية في الاستجابة، لأن الله القدوس لا يُجبر أحداً على الاستجابة والطاعة، لأنه يترك الإنسان حُراً يختار ما يشاء.
+ ظهور شخصي سري مجهول غير مُعلن للآخرين + صوت إلهي واضح مسموع يدعو وليس فيه أي غموض + أترك، تخلي، واذهب من المكان لمكان آخر جديد + أتبعني، سير ورائي إلى المكان الذي أريك
+ يرى ويسمع ويتفاعل مع ما أُعلن له على المستوى الشخصي بتقوى ومهابة + يتجاوب بالطاعة والخضوع الدائم (طاعة وخضوع الإيمان) + يتبع الله ويسير وراءه بإيمان حي عامل بالمحبة
ودعوة الله الظاهرة في رسالة القديس يوحنا هنا (نخبركم به لكي يكون لكم أيضاً شركة معنا) نجد ملامحها في دعوة فيلبس لنثنائيل: "فيلبس وجد نثنائيل وقال له: وجدنا الذي كتب عنه موسى في الناموس والأنبياء يسوع ابن يوسف الذي من الناصرة" (يوحنا 1: 54)
"فقال له نثنائيل أمن الناصرة يُمكن أن يكون شيء صالح، قال له فيلبس تعال وانظر، ورأى يسوع نثنائيل مُقبلاً إليه فقال عنه هوذا إسرائيلي حقاً لا غش فيه" (يوحنا 1: 64، 74)
"الذي رأيناه وسمعناه نخبركم به لكي يكون لكم أيضاً شركة معنا، وأما شركتنا نحن فهي مع الآب ومع ابنه يسوع المسيح" (1يوحنا 1: 3)
فهذه هي أشكال الدعوة، فيا إما تكون مباشرةً، يا إما عن طريق آخرين نالوا الدعوة وعاشوها وفرحوا بها فانطلقوا يبشرون ويدعون نفس ذات الدعوة عينها، لكن بشارتهم ليست كلام بل دعوة: [تعالى وانظر]، أو عن طريق ذهاب النفس بأوجاعها لتتلامس مع الله فتنال شفاء مثل نازفة الدم التي مست هدب ثوبه بإيمان فنالت شفاء في التو واللحظة، لكن عموماً كل هذه الأشكال تُصب في لمسة الحياة ونوال قوة من الأعالي وسماع صوت الله على نحو شخصي مع رؤية خاصة سرية، لأن ممكن الكل يسمع ويعرف ما قيل من الله، لكن ليس الجميع يرى وجه الله ويتذوق حلاوة خلاصه إلا على مستوى السرّ فقط: "وأما الرجال المسافرون معه (مع بولس الرسول) فوقفوا صامتين يسمعون الصوت ولا ينظرون أحداً" (أعمال 9: 7)
"ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب، طوبى للرجل المتوكل عليه" (مزمور 43: 8)