الجنس ليس شراً
بقلم : ق. رفعت فكري
يعتبر البعض في مجتمعاتنا الشرقية أن الجنس في ذاته شراً
لذا فإنه في مجتمعاتنا يرتبط بالقيود والمحاذير وفي حقيقة الأمر أن الهروب من الحديث عن الجنس أسلوب غير علمي وغير ناضج فليس من المناسب أن نتهرب من مناقشة موضوع حيوي يمس حياة الإنسان اليومية لمجرد أن المجتمع منغلق ولايمكن أن يقبل أو يوافق على هذا، أو لمجرد الخجل من الحديث عن هذا الموضوع فأسلوب إخفاء النعامة رأسها في الرمال لم يلغ وجود النعامة كما أن محاولة إنكار وجود الشمس خرافة لا يقبلها عاقل، فالجنس حقيقة واقعة وملموسة سواء رضينا أم أبينا. الجنس هو حياة الإنسان لذا فإن الحديث عنه ليس حديثاً متطرفاً إنه كيان كل فتى وكل فتاة وليس من العقلانية أن نهرب من الحقيقة التي نعيشها في أعماقنا ونتحدث عنها مع أنفسنا. ولعل الخجل من الحديث عن الجنس في مجتمعاتنا يرجع إلى أنه قد أحاطت بالجنس مفاهيم خاطئة وأفكار غير علمية، فهناك الكثير مما يقدم عن الجنس سواء من خلال موضوعات صريحة أو تلميحات قد تنتشر من خلال بعض التمثيليات أو الأفلام أو من خلال بعض الروايات، هذا فضلاً عن أن البعض يظن أن العلاقة الجنسية علاقة بهيمية حيوانية، ولكن هذا غير صحيح فهناك فرق كبير بين العلاقة الجنسية بين الحيوانات وبين العلاقة الجنسية بين البشر، فالعلاقة الجنسية بين الحيوانات طبيعية لا عقل فيها .. ولكن العلاقة الجنسية بين رجل وامرأة علاقة عقلانية روحية، كذلك فإن العلاقة الجنسية بين الحيوانات تتم وتنتهي .. بينما تهدف العلاقة الجنسية بين رجل وامرأة إلى تعميق الشركة بينهما وإيجاد سر الوحدة بينهما .. فلا يمارس الإنسان العاقل الجنس في أي مكان كالحيوان ولايمارس الجنس مع أي شريك كالحيوان ولكنه يمارس الجنس مع شخص يتناسب معه ويرتبط به بعلاقة شخصية مباشرة.
والكتاب المقدس يتحدث صراحة عن العلاقة الجنسية .. فهو يقول عن آدم إنه عرف حواء تكوين 11:4 .. وكلمة عرف يقصد بها الممارسة الجنسية التي من بدء الخليقة كانت هي الوسيلة التي أوجدها الله للتناسل. إن الدافع الجنسي دافع فطري والدافع في أساسه دافع مقدس لأنه من صنع الله ويعبر هذا الدافع عن نفسه بظهور ميل الفتى نحو الفتاة والعكس، وهذا الميل في حد ذاته ليس شراً فالدافع الجنسي عند الرجل يعمق فيه إحساس الرجولة ومعانيها كما أنه كذلك عند الفتاة يعمق معنى الأنوثة. ومن هنا فإن الجنس مقدس وطاهر وهو غريزة أوجدها الله في الإنسان، وقد خلق الله كل شئ طاهراً في الإنسان ووجد الله أن كل ما صنعه حسن جداً تكوين 31:1 ..
لقد خلق الله الإنسان رجلاً وامرأة من البدء خلقهما ذكراً وأنثى لذا فإن الذكورة والأنوثة تدبير إلهي ليكون الإنسان جنسين متميزين، وكانت العلاقة الجنسية أساسية في آدم وحواء منذ أن خلقهما الله وليس صحيحا أن العلاقة الجنسية ظهرت بعد سقوطهما في الخطية، لقد خلقهما الله وباركهما وقال لهما “أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلأُوا الأَرْضَ.” تكوين 28:1 ..
لقد كانت إرادة الله أن لا يبقى الرجل وحيدا وبالتالي لم يرد أن تبقى المرأة وحيدة فصنع الله حواء لتكون معينة لأدم، وقد أكد السيد المسيح على أن الزواج علاقة جنسية بين اثنين يصبحان على أثرها جسدا واحداً، ومما لاشك فيه أن العلاقة الجنسية تحفظ النوع .. ولا شك أن الممارسة الجنسية هي أساس استمرار الجنس البشري ولكن حفظ النوع كان نتيجة للعلاقة الجنسية وليس هدفا وحيداً لها.
إن العلاقة الجنسية تربط الرجل بالمرأة فتتكون الأسرة ثم يتكون المجتمع، وارتباط رجل وامرأة بعلاقة جنسية هو في حد ذاته ارتباط شركة، كما أن تحقيق العلاقة الجنسية متعة حقيقية في الشركة بين اثنين بل هي تعمق الشركة والحب بينهما بصورة فريدة لا تتحقق بأي وسيلة أخرى، فالعلاقة بين رجل وامرأة تحقق الوحدة وتعمق مفهوم الاندماج والانتماء بأروع وأجمل وسيلة، والوحدة هنا تتحقق بالشركة فعلاقة الزواج علاقة قدسها الله هذا فضلاً عن أن العلاقة الجنسية تهدف إلى إشباع الرغبة البيولوجية لدى الإنسان، “لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ تَسَلُّطٌ عَلَى جَسَدِهَا، بَلْ لِلرَّجُلِ. وَكَذلِكَ الرَّجُلُ أَيْضًا لَيْسَ لَهُ تَسَلُّطٌ عَلَى جَسَدِهِ، بَلْ لِلْمَرْأَةِ”1كورنثوس 4:7. وقال كاتب سفر الجامعة: “اِلْتَذَّ عَيْشًا مَعَ الْمَرْأَةِ الَّتِي أَحْبَبْتَهَا”جامعة 9:9 .. وقال كاتب الرسالة إلى العبرانيين: “لِيَكُنِ الزِّوَاجُ مُكَرَّمًا عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ، وَالْمَضْجَعُ غَيْرَ نَجِسٍ.”عبرانيين 4:13.
إن المتعة الجنسية ليست شراً إنها تدبير إلهي لسعادة الإنسان وسط ظروف الحياة وملابساتها المختلفة، ونستطيع أن نقول عن الجنس إنه كالطعام والمال يكون طاهراً متى كان استخدامه طاهراً ويكون شراً متى كان استخدامه شريراً، إن الشر ينصب على وسيلة الاستخدام أي أن الشر ناشئ عن استخدام البشر للجنس وليس في الجنس ذاته. إن المتعة متى كانت سليمة كانت روحية ومتى اتجهت للطريق الخاطئ فهي شريرة، والمتعة الجنسية تدبير إلهي يخرج الإنسان من وحدته ليعيش مع شريك يجد نفسه متحداً به.
فلقد خلق الله الجسد الإنساني وصنع في الجسد الأعضاء التناسلية التي وصفها الرسول بولس بأن لها جمال أفضل وزود الله الإنسان بجهاز عصبي يعاونه في أن يصل إلى قمة المتعة وهو يمارس العلاقة الجنسية قال كاتب الأمثال: “لِيَكُنْ يَنْبُوعُكَ مُبَارَكًا، وَافْرَحْ بِامْرَأَةِ شَبَابِكَ، الظَّبْيَةِ الْمَحْبُوبَةِ وَالْوَعْلَةِ الزَّهِيَّةِ. لِيُرْوِكَ ثَدْيَاهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَبِمَحَبَّتِهَا اسْكَرْ دَائِمًا” أمثال 18:5و 19
إن المسيحية تهتم بالمادة ولكن الخطأ والصواب ليس في المادة في حد ذاتها بل في كيفية استخدامها، وإرادة البشر هي التي تجعل من المادة خيراً أو شراً. لذا فالجنس ليس شراً في ذاته ولكن استخدامه في أي إطار آخر خارج إطار الزواج يعتبر شرأ وزنى وهذا ما نهانا السيد المسيح عنه في متى 27:5و 28: “قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لاَ تَزْنِ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى امْرَأَةٍ لِيَشْتَهِيَهَا، فَقَدْ زَنَى بِهَا فِي قَلْبِهِ.”