رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الوصية التاسعة: صيت الآخرين كما كررنا مراراً أثناء دراستنا لوصايا اللوح الثاني من الوصايا العشر، هذه الكلمات الإلهية تنظم حياتنا الاجتماعية لأنها تطلب منا أن نحيا مع بعضنا البعض وبمقتضى التعليمات الإلهية المعطاة لنا والتي هي لصالح البشرية جمعاء. ولكنه بما أن الخطية أدخلت الشر والتشويش على حياة البشرية جمعاء فإننا نرى الوصايا الإلهية قد صيغت في كثير من الأحيان في قالب سلبي وذلك لإعطائنا الأوامر الإلهية التي تحرّم علينا التعدي على روح الوصايا ذلك التعدي الذي نميل إلى ارتكابه بصورة دائمة. والخطية التي ولدت في ثورة الإنسان وعصيانه على كلمة الله إنما تولّد ثورة دائمة على جميع تعاليم ووصايا الله ليس فقط في موضوع علاقاتنا معه تعالى كخالقنا والمعتني بنا بل أيضاً توجد الخطية ثورة مستمرة ضمن علاقاتنا الاجتماعية أي بين الإنسان وقريبه الإنسان. وهكذا عندما نأتي إلى دراسة الوصية التاسعة التي تنظم علاقاتنا من أقربائنا بني البشر في نطاق سمعتهم وصيتهم فإننا نرى أن الله يذكر أسوأ تعدي على روح هذه الوصية عندما يحرّم علينا الطعن في صيت قريبنا قائلاً: "لا تشهد على قريبك شهادة زور". وسنأتي إلى تفحّص تعاليم هذه الوصية مستقين معلوماتنا التفسيرية من جميع أقسام الوحي الإلهي: أولاً: ينهانا الله عن قول أية كلمة تكون مضرة بصيت أو سمعة الآخرين، وخاصة يحرّم علينا الله بأن نعطي شهادة زور ضد أقربائنا بني البشر. لأن كل ما هو مخالف للصدق والحق، كل ما هو من الكذب إنما هو من الشرير الذي كذب على الإنسان منذ البدء وقاده للتمرد على الوصية الإلهية. يحب الله الحق وبما أنه تعالى مصدر الحق وكل شيء منطبق على الحق فإنه يطلب منا بأن نمتنع عن التفوه بما هو مخالف للحق ولاسيما فيما يتعلق بسمعة وصيت الآخرين. ومن المهم أن نلاحظ أن لهذه الوصية علاقة بسائر الوصايا الأخرى وأن الذي يرتكب الخطية التي تنهانا عنها الوصية التاسعة يمهد لنفسه السبيل لارتكاب الخطايا الأخرى، الخطايا الموجهة ضد الإيمان القويم وكذلك ضد الحياة المبنية على ذلك الإيمان. فمن يتعدى على سمعة الآخرين ويسلبهم صيتهم الحسن يعمل على نشر الكذب والضلال ومن وقع في شراك نقل الكذب ونشره يعرّض نفسه أيضاً للوقوع في الضلال فيما يتعلّق بالمعرفة المتعلقة بالله وبعبادته. وبكلمة أخرى من سار على طريق كسر الوصية التاسعة يعرّض نفسه لكسر الوصية الأولى والثانية والثالثة. وإن كنا قد وصلنا إلى هذه الحالة المحزنة فإن حياتنا الروحية تكون مصابة بداء الشلل الروحي الذي لا خلاص منه إلاّ بقوة المسيح الفدائية. وبينما يستطيع الإنسان أحياناً أن يعوض على الآخرين ما قد سلبهم إياه- إن كان قد سلبهم أموراً مادية- فإنه من المتعذّر على الإنسان أن يعوض على الآخرين سمعتهم الجيدة إن كان قد سلبهم إياها. وبما أنه يسهل ارتكاب الخطايا المحرمة في الوصية التاسعة نظراً لكون هذه الخطايا خطايا اللسان، فإنه يتوجب علينا جميعاً أن نكون على حذر لئلا نكون من الذين يتعدون على الوصية التاسعة بدون انتباه أو تفكير. فجميع الوصايا هي من مصدر إلهي وجميع الخطايا المرتكبة ضدها هي خطايا مكروهة من قبل الرب إلهنا. وعلاوة على ما تقدّم يجدر بنا أن نتذكر أن الله عندما ينهانا عن التفوه بشهادة زور ضد أقربائنا بني البشر إنما يأمرنا بأن نتكلم بالصدق وأن نعمل على صيانة صيت وسمعة الناس لأننا بذلك إنما نُظهر بصورة لا مجال فيها للشك بأننا نحبهم محبة حقيقية، تلك المحبة التي تلخص الوصايا الإلهية وتكملها. وهكذا كما لاحظنا أثناء دراستنا للوصايا السابقة هناك وجه إيجابي لهذه الوصية أيضاً ذلك الوجه الذي يعطينا مجالاً واسعاً للعمل على رفع شأن الآخرين. لا يكفي للإنسان أن يمتنع عن الشر بل من واجب كل بشري أن يقوم بصنع الخير. وهذه بعض الآيات الكتابية التي تتعلق بموضوع الوصية التاسعة: قال الرب يسوع المسيح: "لا تحكموا حسب الظاهر بل احكموا حكماً عادلاً" (الإنجيل حسب يوحنا 7: 24). "فكونوا رحماء كما أن أباكم أيضاً رحيم، ولا تدينوا فلا تدانوا، لا تقضوا على أحد فلا يُقضى عليكم، اغفروا يُغفر لكم، أعطوا تُعطوا. كيلا جيداً ملبداً مهزوزاً فائضاً يُعطون في أحضانكم، لأنه بنفس الكيل الذي به تكيلون يُكال لكم" (الإنجيل حسب لوقا6: 36- 38). وقال الرسول بولس عن موضوعنا هذا: "إذ لا تحكموا في شيء قبل الوقت حتى يأتي الرب الذي سينير خفايا الظلام ويُظهر آراء القلوب، وحينئذ يكون المدح لكل واحد من الله" (الرسالة الأولى إلى كورنثوس4: 5) "لذلك اطرحوا عنكم الكذب وتكلموا بالصدق كل واحد مع قريبه لأننا بعضنا أعضاء البعض... لا تخرج كلمة ردية من أفواهكم بل كل ما كان صالحاً للبنيان حسب الحاجة كي يُعطي نعمة للسامعين ولا تُحزنوا روح الله القدوس الذي به خُتمتم ليوم الفداء. ليرفع من بينكم كل مرارة وسخط وغضب وصياح وتجديف مع كل خبث وكونوا لطفاء بعضكم نحو بعض شفوقين متسامحين كما سامحكم الله أيضاً في المسيح" (الرسالة إلى أهل أفسس4: 25و 29- 32) |
|