رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الرسالة السادسة للقديس أنطونيوس من أنطونيوس إلى جميع الإخوة الأعزاء الذين فى أرسينوى (منطقه بالفيوم ) و ما حولها , و إلى أولئك الذين معكم , سلام لكم . إليكم جميعا يا من أعددتم أنفسكم لتأتوا إلى الله . أحييكم يا أحبائى فى الرب من أصغركم إلى أكبركم , رجالا و نساء , أنتم الأبناء الإسرائيليون القديسون فى جوهركم العقلى . حقيقة يا أبنائى أن غبطة عظيمة قد أتت إليكم , فما أعظم النعمة التى حلت عليكم فى أيامكم هذه . و يليق بكم بسببه هو ( المسيح ) الذى قد افتقدكم , أن لا تكلوا فى جهادكم حتى تقدموا أنفسكم ذبيحة لله فى كل قداسة . فإنها بدونها لا يستطيع أحد أن ينال الميراث . حقا يا أحبائى إن هذا أمر عظيم لكم , أن تطلبوا ما يختص بفهم الجوهر العقلى الذى لا يوجد فيه ذكر أو أنثى , لكنه كيان غير مائت له بداية لكن ليس له نهاية . و أن تعلموا أن هذا الجوهر العقلى قد سقط فى الهوان و العار العظيم الذى قد أتى علينا جميعا لكنه جوهر غير مائت لا يفنى مع الجسد و لذلك رأى الله أن جرحه غير قابل للشفاء . و لأنه كان جرحا خطيرا هكذا , فإن الله افتقد البشر برحمته و من صلاحه بعد مرور عدة أزمنة , سلم لهم ناموسا لمساعدتهم بواسطة موسى معطى الناموس , و أسس موسى لهم بيت الحق و أراد أن يشفى ذلك الجرح العظيم و لم يستطع أن يكمل بناء هذا البيت . و مرة أخرى إجتمع معا جوقات القديسين ( الأنبياء ) و طلبوا رحمة الآب لكى يرسل ابنه , لكى يأتى إلينا لأجل خلاصنا جميعا . لأنه هو رئيس كهنتنا و الأمين و الطبيب الحقيقى الذى يستطيع أن يشفى الجرح العظيم . لذلك حسب إرادة الآب , أخلى نفسه من مجده . لقد كان إلها و أخذ صورة عبد (فى 2 : 7 , 8) . لقد أخذ جسدنا و بذل نفسه لأجل خطايانا , و آثامنا سحقته , و بجراحاته شفينا جميعا ( إش 53 : 5) . لذلك يا أبنائى الأعزاء فى الرب أريدكم أن تعرفوا , أنه بسبب جهالتنا أخذ شكل الجهالة , و بسبب ضعفنا أخذ شكل الضعف , و بسبب فقرنا أخذ شكل الفقر , و بسبب موتنا لبس صورة المائت و ذاق الموت , و إحتمل كل هذا من أجلنا . حقا يا أحبائى فى الرب يجب ألا نعطى نوما لعيوننا و لا نعاسا لأجفاننا (مز 132 : 4) لكن يجب علينا أن نصلى و نطلب بلجاجة إلى صلاح الآب حتى ننال رحمة , و بهذه الطريقة سوف يتجدد حضور المسيح ( فينا ) و نعطى قوة لخدمة القديسين , الذين يعملون لأجلنا على الأرض فى وقت تراخينا , و سوف نحثهم ليتحركوا إلى مساعدتنا وقت ضيقنا . حينئذ يفرح الزارع و الحاصد معا . أريدكم أن تعلموا يا أبنائى , حزنى العظيم الذى أشعر به لأجلكم حينما أرى الإضطراب العظيم الآتى علينا و أفكر فى تعب القديسين العظيم و تنهداتهم التى ينطقون بها أمام الله من أجلنا , لأنهم يشاهدون كل أتعاب و عمل خالقهم لأجل خلاصنا , و كل المشورات الشريرة التى لإبليس و خدامه و الشر الذى يفكرون فيه دائما لأجل هلاكنا منذ صار نصيبهم فى جهنم , و لأجل هذا السبب يريدوننا أن نهلك معهم و أن نكون مع جمعهم الكثير . حقا يا أحبائى فى الرب أتحدث إليكم كما إلى رجال حكماء لكيما تعرفوا تدبيرات خالقنا التى جعلها لأجلنا , و التى تعطى لنا بواسطة البشارة الظاهرة و الخفية . لأننا ندعى عاقلون , لكننا قد لبسنا حالة الكائنات غير العاقلة بسبب ميلنا مع العدو , أم لستم تعلمون كيف تكون حيل الشيطان و فنونه الكثيرة , لأن الأرواح الشريرة تحسدنا منذ أن عرفوا أننا حاولنا أن نرى عارنا و خزينا و قد بحثنا عن طريقة للهروب من أعمالهم التى يعملونها معنا , و لم نحاول فقط أن نرفض مشوراتهم الشريرة التى يزرعونها فينا بل أن كثيرين منا يهزأون بحيلهم . و الشياطين تعرف إحسان خالقنا فى هذا العالم , و إنه قد حكم عليهم بالموت و أعد لهم جهنم ليرثوها بسبب غفلتهم و كثرة خبثهم . أريدكم أن تعلموا يا أبنائى أننى لا أكف عن التوسل لله لأجلكم ليلا و نهارا لكى يفتح عيون قلوبكم حتى تبصروا كثرة خبث الشياطين الخفى و شرهم الذى يجلبونه علينا كل يوم فى هذا الوقت الحاضر . و أرجو الله أن يمنحكم قلب معرفة و روح تمييز حتى تستطيعوا أن تقدموا قلوبكم كذبيحة نقية أمام الآب فى قداسة عظيمة بلا عيب . حقا يا أبنائى , إن الشياطين تحسدنا فى كل الأوقات بمشورتهم الشريرة و إضطهاداتهم الخفية و مكرهم الخبيث و روح الإغراء , و أفكارهم التجديفية و عصيانهم , و كل الشرور التى يبذرونها فى قلوبنا كل يوم , و قساوة القلب و الأحزان الكثيرة التى يجلبونها علينا فى كل ساعة , و المخاوف التى بها يجعلون قلوبنا تضعف يوميا , و كل غضب و ذم بعضنا لبعض الذى يعلموننا إياه , و كل تبرير لذواتنا فى كل ما نفعل , و الإدانة التى يدخلونها فى قلوبنا , التى تجعلنا عندما نجلس منفردين , أن ندين إخوتنا بالرغم من عدم سكناهم معنا , و الإحتقار الذى يضعوه فى قلوبنا بواسطة الكبرياء عندما نكون قساة القلوب و نحتقر بعضنا البعض , و عندما تكون عندنا مرارة ضد بعضنا البعض بكلماتنا القاسية , و عندما نحزن فى كل ساعة , و عندما نتهم بعضنا البعض , و لا نلوم أنفسنا ظانين أن إخوتنا هم سبب متاعبنا , بينما نحن جالسون نصدر أحكامنا على ما يظهر خارجا ( الأشياء الظاهرة ) , بينما السارق موجود بكليته داخل بيتنا , و كل المجادلات و الإنقسامات ( فى الرأى ) التى نتجادل بها مع بعضنا البعض إنما تهدف إلى إثبات كلمة ذواتنا لنظهر مبررين أمام بعضنا البعض . إن الأرواح الشريرة تجعلنا نتحمس لأعمال لا نستطيع القيام بها . بينما تتسبب فى أن نفشل و نخور فى المهام التى فى أيدينا و التى هى نافعة لنفوسنا لذلك فإنهم يجعلوننا نضحك فى وقت البكاء و نبكى فى وقت الضحك و هكذا ببساطة , فإنهم يحولوننا كل مرة عن الطريق الصحيح . و توجد خداعات أخرى كثيرة يجعلوننا بواسطتها عبيدا لهم , لكن لا يوجد وقت الآن لكى نصف كل هذه . لكنهم عندما يملأون قلوبنا بهذه الخدع ( الحيل ) فإننا نتغذى بها , فتصير طعاما لنا , و مع ذلك فإن الله يصبر علينا و يفتقدنا لكى نتركها و نرجع إليه . هذا و إن أعمالنا الشريرة التى ارتكبناها ستظهر لنا فى جسدنا و ستلبس نفوسنا هذا الجسد مرة أخرى لأن الله بصبره يسمح بذلك فتصير أواخرنا ( فى هذه الحالة ) أشر من أوائلنا ( مت 12 : 45 ) . لذلك لا تملوا من التوسل و الصلاة إلى صلاح الآب حتى إذا أتتكم معونته , تستطيعون أن تعلموا نفوسكم ما هو الصواب . حقا أخبركم يا أبنائى أن هذا الإناء الذى نسكن فيه هو سبب لهلاكنا , و بيت مملوء بالحرب . بالحقيقة يا أبنائى أخبركم بأن الإنسان الذى يسر بإرادته الذاتية و يستعبد لأفكاره و يقبل الأشياء التى زرعت فى قلبه و يتلذذ بها , و يتصور فى قلبه أن هذه الأفكار هى شئ عظيم ممتاز , و يبرر نفسه بأعماله الظاهرة فإن نفس هذا الإنسان تكون مأوى للأرواح الشريرة التى تعلمه و تقوده إلى الشر , و جسده يمتلئ بنجاسات شريرة يخفيها فى داخله و يصير للشياطين سلطان عظيم على مثل هذا الإنسان , لأنه لم ينفر منهم و لم يخزهم أمام الناس . أ لا تعرفون أن الشياطين ليس لهم طريقة واحدة للإصطياد , حتى يمكننا معرفتها و الهروب منها ؟ أنتم تعرفون أن شرهم و إثمهم غير ظاهرين بشكل منظور , لأنهم ليسوا أجساما منظورة , و لكن ينبغى أن تعرفوا بأننا نصير أجسادا لهم حينما تقبل نفوسنا أفكارهم المظلمة الشريرة , و عندئذ يصيرون هم ظاهرين بواسطة جسدنا الذى نسكن فيه . فالآن إذن يا أبنائى , دعونا لا نعطيهم مكانا فينا , لئلا يأتى غضب الله علينا , أما هم فسيمضون إلى موضعهم و هم يضحكون ساخرين بنا . و هم يعلمون أن هلاكنا هو عن طريق ( بغضة ) قريبنا , و أن حياتنا أيضا و خلاصنا هى عن طريق ( محبة ) قريبنا . من رأى الله قط , حتى يفرح معه و يحتفظ به داخل نفسه , حتى أن الله لا يمكن أن يفارقه , بل يعينه أثناء سكناه فى هذا الجسد الثقيل ؟ أو من رأى قط شيطانا فى محاربته ضدنا , عندما يمنعنا من عمل الصلاح و يهاجمنا , واقفا فى مواجهتنا بشكل محسوس , لكى نخاف منه و نهرب منه ؟ فإن الشياطين يعملون خفية , و نحن نجعلهم ظاهرين بواسطة أعمالنا . و هم جميعا من مصدر واحد فى جوهرهم العقلى , و لكنهم عندما إبتعدوا عن الله صاروا أنواعا متعددة عن طريق تنوع أعمال شرهم . و لذلك أعطيت لهم ( الملائكة الأبرار و الأشرار ) أسماء مختلفة على حسب نوع عمل كل واحد منهم . فالبعض من الملائكة ( الأبرار ) يسمون رؤساء ملائكة , و البعض منهم كراسى و ربوبيات , و البعض رئاسات و سلاطين و الشاروبيم , و هذه الأسماء أعطيت لهم حين حفظوا مشيئة خالقهم . و من الجهة الأخرى فإن شر الآخرين ( الملائكة الساقطين ) جعل من الضرورى تسميتهم بأسماء : إبليس و الشيطان , بسبب حالتهم الشريرة , و البعض منهم دعوا شياطين , و البعض أرواح شريرة و أرواح نجسة , و البعض أرواح مضلة , و البعض دعوا بإسم رؤساء هذا العالم . و توجد أيضا أنواع أخرى كثيرة منهم . و يوجد أيضا بين البشر الذين سكنوا فى هذا الجسد الثقيل , هذا الذى نسكن فيه , من قد قاوموا الشياطين , و البعض من هؤلاء البشر دعوا رؤساء آباء , و البعض أنبياء و ملوك و كهنة و قضاة و رسل , و آخرون كثيرون صاروا مختارين بسبب صلاحهم . و سواء كانوا رجالا أم نساء , فقد أعطيت لهم كل هذه الأسماء على حسب نوع أعمالهم , و لكنهم جميعا هم من واحد . لذلك فلأجل هذا السبب , إن الذى يخطئ ضد قريبه يخطئ ضد نفسه , و الذى يفعل شرا بقريبه فإنه يفعل شرا بنفسه , و الذى يصنع خيرا بقريبه يصنع خيرا لنفسه . و من جهة أخرى , من الذى يستطيع أن يفعل شرا بالله أو من هو الذى يستطيع أن يؤذيه أو من يستطيع أن يغنيه أو من يستطيع قط أن يخدمه أو من يستطيع قط أن يباركه , كأن الله محتاج إلى مباركة البشر و شكرهم , أو من الذى يستطيع أن يكرم الله الإكرام الذى يليق به أو أن يمجده بالمجد الذى يستحقه ؟ لذلك ففى أثناء غربتنا و نحن لابسون هذا الجسد الثقيل , فلنعط الفرصة لله لكى يكون حيا و فعالا و حاضرا فى نفوسنا عن طريق حث و تحريض بعضنا البعض . و لنبذل ذواتنا حتى الموت لأجل نفوسنا و لأجل بعضنا البعض , فإذا فعلنا هذا فإننا بذلك نظهر طبيعة رحمة الله و حنانه من نحونا . فلا نكن محبين لذواتنا لكى لا نكون مستعبدين لسلطانها المتقلب غير الثابت . لذلك فإن من يعرف نفسه , فهو يعرف جميع الناس . لذلك مكتوب ” إن الله دعا كل الأشياء من العدم إلى الوجود ” ( حكمة 1 : 14 ) . و مثل هذه الشهادات تشير إلى طبيعتنا العقلية المختفية فى هذا الجسد الفاسد , و لكنها غير منتمية إليه منذ البداية بل سوف تتحرر منه . ولكن من يستطيع أن يحب نفسه يحب كل الناس . يا أبنائى الأعزاء , إننى أصلى لكى لا يكون هذا الأمر شاقا عليكم و متعبا لكم , و لكى لا تكلوا و تضجروا من محبة بعضكم البعض . يا أبنائى ارفعوا و قدموا جسدكم هذا الذى تلبسونه , و إجعلوا منه مذبحا ( لإحراق البخور ) , و ضعوا عليه كل أفكاركم و اتركوا عليه أمام الرب كل مشورة شريرة , و ارفعوا يدى قلوبكم إلى الله ـ العقل الخالق ـ متوسلين إليه بالصلاة , أن يرسل عليكم من الأعالى و ينعم عليكم بناره غير المرئية العظيمة , لكى تنزل من السماء و تحرق كل ماهو موضوع على المذبح و تطهر المذبح , و بذلك فإن كهنة البعل ـ الذين هم أعمال العدو المضادة ـ سيخافون و يهربون من أمام وجوهكم , كهروبهم أمام وجه إيليا ( 1 مل 18 : 38 ـ 44 ) و حينئذ ستبصرون سحابة ” قدر كف إنسان ” صاعدة من البحر , و هى التى ستأتى إليكم بالمطر الروحانى ليسقط عليكم , الذى هو تعزية الروح القدس . يا أبنائى الأعزاء فى الرب , الأبناء الإسرائيليون القديسون , إنه لا توجد حاجة إلى تسمية أسماءكم الجسدية , التى ستمضى و تنتهى . و لكنكم تعرفون مقدار المحبة التى بينى و بينكم , و هى ليست محبة جسدية , بل محبة روحية إلهية . و إنى واثق تماما أنكم قد نلتم نعمة و غبطة عظيمة , عن طريق إكتشافكم لخزيكم و عاركم الخاص بكم , و إهتمامكم بتقوية و تشديد و ثبات جوهركم غير المنظور ( إنسانكم الباطن ) الذى لا يفنى و لا يضمحل مع الجسد . و بهذه الطريقة أعتقد أنكم تحصلون على النعمة و البركة و الغبظة من هذا الزمان الحاضر . لذلك فلتكن هذه الكلمة واضحة دائما أمامكم , و هى أن لا تظنوا , فى تقدمكم ( فى النعمة ) و سيركم فى الطريق ( الروحى ) , أن هذا هو من فضل أعمالكم , بل إفهموا أن الفضل فى هذا يرجع إلى قوة إلهية مقدسة تشترك معكم و تعينكم دائما فى كل أعمالكم . إجتهدوا أن تقدموا ذواتكم كذبيحة لله دائما . و إعطوا فرحا لتلك القوة التى تعينكم , و إبهجوا قلب الله فى مجيئه , و كذلك كل جماعة القديسين , و إعطوا فرحا لى أنا أيضا ـ أنا المسكين البائس ـ الذى أسكن فى هذا المسكن المصنوع من طين و ظلمة . من أجل هذا فأنا أخبركم بهذه الأمور , لكى أنعش و أعزى نفوسكم , و أصلى , حيث إننا جميعا من نفس الجوهر غير المنظور ـ الذى له بداية و لكنه بلا نهاية ـ أن نحب بعضنا بعضا بمحبة واحدة . لأن كل الذين عرفوا أنفسهم , يعرفون أنهم جميعا من جوهر واحد عديم الموت . و أريدكم أن تعرفوا هذا , أن يسوع المسيح ربنا , هو نفسه عقل الآب الحقيقى و به قد خلقت كل الخلائق العاقلة على مثال صورته , و أنه هو نفسه , رأس الخليقة , و رأس جسده أى الكنيسة ( كو 1 : 15 ـ 18 ) . لذلك فإننا جميعا أعضاء بعضنا البعض و نحن جسد المسيح . و الرأس لا تستطيع أن تقول للقدمين , لا حاجة لى إليكما , و إن كان عضو واحد يتألم , فالجسد كله يتألم معه ( أف 4 : 25 , 1 كو 27 , 12 : 26 ) . أما إذا إنفصل عضو و خرج من الجسد و لم يعد له إتصال بالرأس , بل يجد مسرته فى أهواء و شهوات نفسه و جسده , فهذا معناه أن جرحه عديم الشفاء , و قد نسى أصل حياته و بدايتها و نسى نهايتها و غايتها . و لذلك فإن آب الخليقة كلها قد تحرك بالحنو و الرحمة نحو جرحنا هذا , الذى لم يستطع أحد من الخلائق أن يشفيه , و لكن شفاءه هو بصلاح الآب وحده . الذى بصلاحه و محبته , أرسل لنا ابنه الوحيد , الذى من أجل عبوديتنا أخذ صورة العبد ( فى 2 : 7 ) , و بذل نفسه من أجل خطايانا , مسحوقا لأجل آثامنا , و بجرحه شفينا جميعا ( إش 53 : 5 ) , و هو جمعنا من كل الجهات لكى يصنع قيامة لقلوبنا من الأرض و يعلمنا أننا جميعا من جوهر واحد و أعضاء بعضنا لبعض . لذلك ينبغى علينا أن نحب بعضنا بعضا بقوة عظيمة . فإن الذى يحب أخاه , يحب الله , و الذى يحب الله فإنه يحب نفسه . لتكن هذه الكلمة ظاهرة أمامكم , يا أبنائى الأعزاء فى الرب ـ الأبناء الإسرائيليون القديسون ـ و أعدوا أنفسكم للمجئ إلى الرب , لتقدموا ذواتكم كذبائح لله بكل نقاوة , تلك التى لا يستطيع أحد أن يحصل عليها بدون تطهير . أم تجهلون يا أحبائى , أن أعداء الصلاح يتآمرون دائما , مدبرين شرورا ضد الحق ؟ لأجل هذا أيضا يا أحبائى , كونوا حريصين , و لا تعطوا عيونكم نوما , و لا أجفانكم نعاسا ( مز 132 : 4 ) . و إصرخوا إلى خالقكم نهارا و ليلا , لكى تأتيكم القوة و المعونة من الأعالى , و تحيط و تحفظ قلوبكم و أفكاركم فى المسيح . حقا يا أبنائى إننا متغربون الآن فى بيت السارق , و مربوطون برباطات الموت . أقول لكم بالحقيقة , يا أحبائى , إن إهمالنا و حالتنا الوضيعة و إنحرافنا عن طريق الرب , ليست خسارة و هلاك لنفوسنا فقط , و لكنها أيضا سبب حزن و تعب للملائكة و لجميع القديسين فى المسيح يسوع . حقا يا أبنائى , إن إنحطاطنا و إستعبادنا , يسببان حزنا عظيما لهم جميعا , كما أن خلاصنا و سمونا و مجدنا هى سبب فرح و تهليل لهم جميعا . إعلموا أن محبة الآب و رأفته لا تتوقف أبدا , فمنذ بداية تحركه بالمحبة من نحونا و إلى اليوم , و هو لا يكف عن العمل لخيرنا و خلاصنا , لكى لا نجلب الموت على أنفسنا بسبب سوء استعمال الإرادة الحرة التى خلقنا بها . لأجل هذا فإن الملائكة أيضا يحيطون بنا فى كل الأوقات كما هو مكتوب ” ملاك الرب حال حول خائفيه و ينجيهم ” ( مز 34 : 7 ) . و الآن يا أحبائى أريدكم أن تعرفوا , أنه منذ بدأت حركة محبة الله نحونا حتى الآن , فإن كل الذين ابتعدوا عن الصلاح و سلكوا فى الشر , يحسبون أنهم أبناء إبليس , و جنود إبليس يعرفون ذلك و لهذا السبب يحاولون أن يحولوا كل واحد منا لنسير فى طريقهم . و لأن الشياطين يعرفون , أن إبليس سقط من السماء عن طريق الكبرياء , لهذا السبب أيضا فإنهم يهاجمون أولا , أولئك الذين بلغوا درجة عالية ( فى الفضيلة ) , محاولين ـ بواسطة الكبرياء و المجد الباطل ـ أن يحركوهم الواحد ضد الآخر , و هم يعرفون ـ أنهم بهذه الطريقة ـ يستطيعون أن يقطعوننا عن الله , لأنهم يعلمون أن من يحب أخاه يحب الله , و لهذا السبب فإن أعداء الصلاح يزرعون روح الانقسام فى قلوبنا , لكى نمتلئ بعداوة و بغضة شديدة ضد بعضنا البعض , لدرجة أن الإنسان فى هذه الحالة لا يستطيع أحيانا أن يرى أخاه أو أن يحدثه و لو من بعيد . حقا , يا أبنائى , إنى أريدكم أن تعرفوا أن كثيرين قد سلكوا طريق النسك طوال حياتهم , و لكن نقص التمييز و الإفراز تسبب فى موتهم . حقا يا أبنائى , إنكم إذا أهملتم نفوسكم , و لم تميزوا أعمالكم و تمتحنوها فلا أظن أنه يكون أمرا عجيبا أن تسقطوا فى يدى إبليس بينما أنتم تظنون أنكم قريبون من الله , و بينما أنتم تنتظرون النور تستولى عليكم الظلمة . فأى إحتياج كان ليسوع حتى يمنطق نفسه بمنشفة و يغسل أرجل من هم أقل منه ـ إلا لكى يعطينا مثالا , و لكى يعلم أولئك الذين سيأتون و يتحولون إليه لينالوا منه الحياة من جديد ؟ ( انظر يو 13 : 4 ـ 17 ) . لأن بداية حركة الشر كانت هى الكبرياء التى حدثت أولا . و لهذا فبدون إتضاع عظيم من كل القلب و العقل و الروح و النفس و الجسد , لن تستطيعوا أن ترثوا ملكوت الله . حقا يا أبنائى فى الرب , إنى أصلى نهارا و ليلا إلى إلهى الذى نلت منه عربون الروح ( 2 كو 1 : 22 ) , أن يفتح عيون قلوبكم لتعرفوا المحبة التى عندى من نحوكم , و يفتح آذان نفوسكم لكى تكتشفوا إرتباككم . فإن من يعرف خزيه , فإنه يسعى من جديد لطلب النعمة التى وهبت له , و الذى يعرف موته يعرف أيضا حياته الأبدية . إنى أكلمكم يا أبنائى , كأناس حكماء . إنى أخاف لئلا يستولى عليكم الجوع فى الطريق , بينما كان من المفروض أن نصير أغنياء . كنت أرجو أن أراكم وجها لوجه فى الجسد . و لكننى أتطلع إلى الأمام , إلى الوقت القريب , الذى فيه سنصير قادرين على أن نرى بعضنا البعض وجها لوجه حينما يهرب الألم و الحزن و التنهد , و يكون الفرح على رؤوس الجميع ( إش 35 :10 ) . و هناك أمور أخرى كثيرة أريد أن أخبركم بها . و لكن ” اعط فرصة حكمة للحكيم فيزداد حكمة ” ( أم 9 : 9 ) . سلامى لكم جميعا , يا أبنائى الأعزاء كل واحد بإسمه . |
|